ق1 ب 2 :المرحلة الأولى من معارضة الاخوان الوهابيين لعبد العزيز آل سعود

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الأول : القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز

الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في تقرير تاريخي

مدخل

في الفصل السابق تحدثنا عن تكوين الأخوان ودورهم في إقامة الدولة السعودية بحدودها الحالية ،وفي نهاية ذلك التقرير التاريخي أشرنا الي نشوب خلافات بين الأخوان وعبد العزيز ،وكان لهذه الخلافات تأثيرها السياسي علي علاقة عبد العزيز بالعراق والأردن وإنجلترا .

وفي هذا الفصل عن معارضة الأخوان لعبد العزيز نعطي تقريرا تاريخيا آخر يتتبع بداية الخلاف الفقهي بينهما ،وتحوله الي معارضة سياسية ،ثم كيف تحولت المعارضة السياسية الي معارضة عسكرية وتمرد حربي ،أسفر في النهاية عن دخول الأخوان الي متحف التاريخ .

وقبل ان ندخل الي هذا الفصل نشير الي نصيحة ابن جلوي وآخرين إلي عبد العزيز وتحذيره من غلو الأخوان ، إلا ان عبد العزيز كان يتساهل معهم ،وفي هذا يقول حافظ وهبة مستشار عبد العزيز فى كتابه (  جزيرة العرب في القرن العشرين )(ولقد سمعت الأمير عبد الله بن جلوي وغيره من آل سعود وكبار آل الشيخ ينصحون الملك عبد العزيز بالتبصر في غلو الأخوان وخروجهم عن حدودهم ، ولكن الملك كان دائما يقول (هؤلاء أولادي، وواجبي احتمالهم والتجاوز عن سيئاتهم وخطئهم وبذل النصح لهم ،وأنى لا انسي أعمالهم ،واعتقد انهم حسنو النية وسنكشف الحق لهم )[1].ولكن  ( لم ينكشف الحق لهم ) إذ وصلت بهم المعارضة الي قتال عبد العزيز نفسه بعد ان احتمل منهم الكثير . وننتبع المراحل التاريخية للخلاف بين الاخوان الوهابيين وعبد العزيز .

المرحلة الأولى من معارضة الاخوان الوهابيين لعبد العزيز آل سعود

أولا : الخلاف حول فتح حائل :1915:

وأول خلاف ظهر علي السطح بين الأخوان وعبد العزيز كان حول فتح حائل ،كان الأخوان يرغبون في مقاتلة الشريف حسين الذي اعتدي علي خرمة فاستغاث حاكمها خالد بن لؤي بعبد العزيز ، ورأي عبد العزيز ان الوقت غير ملائم للدخول في حرب مع الشريف وان الأولى هو الهجوم علي حائل عاصمة شمر وآل الرشيد . ودعا عبد العزيز الي اجتماع عام في شقرا لمناقشة الموقف ،وفي البداية أعطى المعارضة بزعامة فيصل الدويش الفرصة للكلام ،فطالب بالهجوم علي الإنجليز والملك حسين (الذي سلحه الإنجليز والذي يهدد إخواننا في العقيدة والذي يقوم دوما تحت حماية الإنجليز بغزو أرضنا ،ويعود ومعه الغنائم دون ان ينزل به أي عقاب .ان كل ما نريده هو الهجوم علي أعداء العقيدة ) إلا ان ابن سعود نجح في إقناعهم بالهجوم علي حائل لأن منها يأتي التهديد الحقيقي ،لأنهم لن يكونوا في مأمن إذا هجموا علي الحجاز و أعطوا ظهرهم لحائل ،وفي النهاية تحول موقف المعترضين الي تأييد حماسي الي ابن سعود، وان كان ابن سعود قد تجاوز هذه العاصفة ،إلا انه تبين له ان الأخوان اصبحوا قوة لابد ان يعترف بها ،كما ان الأخوان من ناحية أخرى أدركوا انهم ورقة رابحة في يد عبد العزيز، ورغبوا في الاستفادة من ذلك ،وفهم عبد العزيز ، فاخذ في الصبر علي تعاليهم وغطرستهم وابتلع اتهاماتهم له بأنه يتساهل مع الإنجليز الكفار[2]ٍ .

ثانيا : الخلاف حول البطالة والعمل ومؤتمر العلماء سنة 1919:

وتجمعت في الأفق علامات استفهام كثيرة توضح الفجوة بين ما تعلمه الأخوان من كتب اابن  عبد الوهاب وبين التطبيق علي ما يرونه في الواقع ،وتحولت هذه الخلافات الي مشاكل فقهية وسياسية ،يمكن تركيزها في البطالة وعدم الرغبة في العمل ،وتكفير من لم يهاجر ومن لم يلبس العمامة التي كان يلبسها  ابن عبد الوهاب بدلا من العقال الشائع استعماله بين عامة اهل الجزيرة العربية .

بالنسبة للبطالة ،فقد تأثر بها الأخوان من الثقافة السائدة ،فالبدوي بطبيعته يحتقر الحرف خصوصا الزراعة ،وحين تحول البدو الي أخوان كانت الزراعة مجرد ستار ليربطهم بالمستوطنة ،ولكن عملهم الحقيقي هو الجهاد الوهابى والاستعداد له بالقراءة والعبادة . وكان من الشائع في العصور الوسطي التي تنتمي أليها عقلية الأخوان ان يتخصص الجند في حمل السلاح دون العمل بالزراعة ،كما اعتادت العصور الوسطي حيث تسيد التصوف .ان  يعتكف الصوفية في بيوت خاصة تسمي الخوانق والاربطة جمع (رباط ) والزوايا (جمع زوايا) أو أي مكان للعبادة و يجدون من  ينفق عليهم ،والأخوان يجمعون بين الاثنين معا ،التفرغ للعبادة والتفرغ للجهاد . ومن هنا انصرفوا للصلاة في غير أوقات الجهاد تاركين الزراعة للنساء . واعتقد بعضهم ان جمع المال يتعارض مع تفرغهم للعبادة . وقد نجح العلماء في إقناعهم بأن كسب المال لا بتنافي مع الشرع وان اليد العليا خير من اليد السفلي وان من الصحابة من كان ثريا . وانتهت هذه المشكلة .

اما موضوع الهجرة الوهابية فان ابن عبد الوهاب يعتبرها واجبة،لذلك فان الأخوان يعتبرون الوهابيين الذين لم يهاجروا مثلهم بمثابة من لم يكتمل إيمانه ،ونظروا نفس النظرة تقريبا لمن يرتدي العقال ولا يرتدي العمامة ،وبالتالي فان هجوم الأخوان عليهم وغزوهم أمر وارد . والواقع أن الاخوان نظروا باستعلاء لغيرهم من الوهابيين ، و كانت الوهابية تحصر الاسلام فى الوهابيين فقط وتعتبر غير الوهابيين مشركين مستحقين للغزو والسلب والنهب والسبى . فجاء الاخوان ينظرون نفس النظرة لغيرهم من الوهابيين الذين ليسوا من الاخوان ، ولا يرتدون زى الاخوان ولا يهاجرون مثل الاخوان . وبالتالى يستحلون دماءهم واموالهم بنفس استحلالهم لغير الوهابيين . وهذا مسلك طبيعى فى الدولة الدينية المذهبية التى تبدأ إستبعاد الآخر المختلف فى الدين ، ثم الآخر المختلف فى المذهب ثم المختلف فى الطائفة ، ثم المختلف فى الرأى داخل الطائفة الواحدة . والوهابية تستحل دم غير المسلم ثم دم الشيعى والصوفى من المسلمين ، ثم دم السنى غير الوهابى ، ثم تطرف الاخوان فاعتبروا انفسهم المسلمين ( الفرقة الناجية ) وأرادوا استبعاد الوهابيين من خارج دائرتهم . من هنا أدرك عبد العزيز خطر هذه التساؤلات الفقهية التي تتجمع بين صفوف الاخوان وترتدي ثوب السياسة ، فاستدعي مجموعة من العلماء منهم سليمان بن سمحان، وعقد مؤتمر العلماء 1919 وفيه عرض الاخوان علي العلماء خمس مشكلات أساسية طلبوا منهم الرأي الشرعي فيها وهي :

هل يطلق الكفر علي البدو المسلمين ( أى الوهابيين  العاديين من غير الاخوان ) الثابتين علي دينهم ( الوهابى ) القائمين بأوامر الله ونواهيه ؟ وهل هناك فارق بين من يرتدي العقال ( الوهابى العادى ) ومن يرتدي العمامة ( الاخوان )اذا كان معتقدهما ( الوهابى ) واحدا ام لا ؟ وهل هناك فرق ام لا بين الحضر ( الوهابيين العاديين فى المدن ) والمهاجرين ( أى الاخوان ).؟ وذبيحة البدوي ( الوهابى العادى ) الذي لم يهاجر والحضري ( الوهابى العادى ) الذي لم يهاجر ..هل هناك فرق بينها وبين ذبيحة المهاجرين  ( الاخوان )؟ والسؤال الأخطر : هل للمهاجرين ( الاخوان ) رخصة شرعية في الاعتداء علي من يهاجر ( من الوهابيين العاديين ) بالضرب والتهديد والإلزام بالهجرة ؟

فيما يتعلق بالعمامة استنكر سليمان بن سمحان ان تكون العمامة جزءا من لباس المسلم لأن النبي محمدا (ص)كان يلبس لباس العرب المعتاد قبل وبعد ان نزل عليه الوحي ،وليس في لبس العمامة او عدم لبسها ثواب او خطيئة . اما في موضوع الذين لم يهاجروا فقد كان الرأي السياسي صريحا في منع تكفيرهم ،لأن الكفر لا يطلق علي البدو الثابتين علي الدين في بلادهم دون هجرة ،وليس هناك فرق في الأكل من ذبيحة  الذي هاجر والذي لم يهاجر، الي ان قالت الفتوى بأن إثارة هذه القضايا مخالفة للشرع وان الذي يفعلها ينهي ويعاقب بالزجر فان تاب واقر بخطئه يعفي عنه، وان عاند فيجب تأديبه ،وان لا يعادي إلا علي ما أمرت به الولاية او حكم به الشرع ،والذي يفعل ما يخالف ذلك فطريقته غير طريق المسلمين [3].

وبالتالي وافق العلماء رأي عبد العزيز في ان السلطة السياسية وسلطة العلماء ( التابعين له ) هي الفيصل في تحديد من هو الكافر ومن هو المسلم ،ومن لا يلتزم بذلك يكون علي غير طريق  المسلمين ،أي يكون كافرا .

ثالثا : مؤتمر الارطاوية 1924

بعد اتصالات مباشرة بين فيصل الدويش وخالد بن لؤي عقد الأخوان مؤتمرا في الارطاوية 1924 للذهاب للجهاد مع الشريف خالد بن لؤي في تربة والخرمة لإنهاء سيطرة الشريف حسين وآله علي الحجاز ،وخطب الدويش في المؤتمر قائلا (ان من الواجب علينا ان نتجه الي الأماكن المقدسة لطرد الشريف منها لنجعل كلمة الله هي العليا ،وبعد ان وصلت أحوال مكة والمدينة الي حالة يرثي إليها .وفي سبيل ذلك يجب تقديم كل شئ وان تستغل السيوف ،ولو ضحينا بما نملك من وسائل معيشتنا من اجل القضاء علي الفوضي والخراب الذي أصاب البلاد )[4] . وكان ذلك المؤتمر حلقة من حلقات الضغط علي عبد العزيز ليحقق لهم مطلبهم بالاستيلاء علي الحجاز ،وجاء هذا الموقف تأكيدا لموقفهم السياسي السابق من الهجوم علي حائل .

رابعا : الخلاف بين عبد العزيز والأخوان أثناء فتح الحجاز :

1 ـ كان عبد العزيز يعلم الطبيعة الحربية فى الجهاد الاخوانى الوهابى ، فعلماؤه هم الذين علموا الاخوان التعاليم الوهابية فى قتل المخالف لهم سواء كان محاربا أم مدنيا ، أو حتى من الأطفال والنساء . ولم تكن مذابح الاخوان فى داخل نجد وصحرائها معلومة للعالم . واختلف الحال فى الحجاز ، وهو منفتح على العالم ، لذا فقد عرف العالم سريعا بمذبحة الطائف التى مارس فيها الاخوان عادتهم الروتينية فى قتل المدنيين. عندما وصلت أنباء مذبحة الطائف الي الصحف أصبح عبد العزيز فى موقف حرج إضطره الى أن يُعرب عن اسفه لما حدث ، وأنه قد ( اشتد غضبه علي هذه التصرفات الوحشية ،وأمر قادة الأخوان بالتوقف ) ،وعندما نشرت الصحف المصرية والسورية والإيرانية أنباء عن قتل الأخوان للنساء والأطفال في الطائف أرسل لتلك الصحف يستنكر نشر هذه الأخبار . وكانت البرقية موقعة باسم ابنه الأمير فيصل ، وأرسل الرسالة الي حافظ وهبة مستشاره يؤكد فيها ضمانه الكامل لسلامة المدنيين وممتلكاتهم .[5]. هذا بعد المذبحة طبعا .! وأدرك عبد العزيز أن الحجاز مكشوف للعالم وليس مثل نجد المنغلقة على نفسها والتى لا يزورها غرباء ، ولا تعرف الصحف اليها طريقا ، لذا حرص عبد العزيز بعدها علي عدم تكرار هذه المذبحة فاختار الحصار والمفاوضة بدلا من الهجوم والاستيلاء بالقوة علي جدة والمدينة المنورة . ومن هنا حدث الخلاف بينه وبين الأخوان عند حصار جدة والمدينة المنورة .

2 ـ جدة

عقد عبد العزيز مجلسا حربيا حول جدة حضره جمع من القواد والأخوان حول افضل السبل للاستيلاء علي جدة ،وكان ذلك في 4 جمادى الثانية 1343 ،30 ديسمبر 1924 . وقد طالب ابن بجاد ( الزعيم الثانى للإخوان ) بالزحف والقتال مع تعهد لعبد العزيز بالا يمسوا غير المحاربين من أهل جدة ، وتكلم خالد بن لؤي فاتهم عبد العزيز بالجبن، أى قام بالمزايدة على عبد العزيز . وكانت حجة الأخوان وقتها ان التباطؤ في غزو جدة يعطي فرصة للإنجليز للسيطرة عليها وعلي الساحل ،او للمساومة مع عبد العزيز، وهذا ما حدث حين ضغط الإنجليز علي عبد العزيز فاقتطعوا منه العقبة ومعان وأضافوها للأردن ،وكانت مما يطالب به عبد العزيز . وكانت حجة عبد العزيز ان دخول الأخوان الي جدة سيؤدي الي مذابح مشابهة لما جري في الطائف ،ووضع جدة اكثر حساسية ،لأن فيها القناصل الأجانب ، وربما تثير عليه العالم الاسلامي والعالم الغربي إذا اقتحم جدة بالإخوان ،ومن هنا فضل عبد العزيز طريق المفاوضات واخذ جدة سلميا [6].

3 ـ المدينة ( المنورة ) :

أثناء حصار الأخوان للمدينة  ( المنورة ) كان أهل المدينة يريدون التسليم بينما تصر الحامية الهاشمية علي المقاومة وتستعجل وصول المؤن . ولم تصل المؤن ،وعرض أمير المدينة الشريف شحات التسليم بشرط تأمين الأهالي والموظفين علي حياتهم وممتلكاتهم ، ووافق عبد العزيز علي العرض ،وبعث بابنه الأمير محمد بن عبد العزيز ليشرف علي المفاوضات والحصار، وأبت الحامية التسليم ،فاستمر محمد بن عبد العزيز في الحصار دون قتال تنفيذا لأوامر والده . وحين يأست حامية الأشراف من وصول المؤن اجتمع قائدها بالأمير محمد بن عبد العزيز ، فتعهد له بالعفو العام والامان لجميع الضباط والجنود والمدنيين ،وفي صباح السبت 5/ ديسمبر /1925 سلمت حامية المدينة بعد حصار دام عشرة اشهر  ، كما سلمت جميع المواني والقري الواقعة بينها وبين جدة . وغضب فيصل الدويش  زعيم الاخوان ( الذي كان يحاصر المدينة قبل مجيء الأمير محمد  بن عبد العزيز ) ،وكان يريد استباحة المدينة  وذبح أهلها كما حدث في الطائف ، وهكذا فعل فيصل الدويش  مع قرية العوالي القريبة من المدينة حين استباح أهلها قتلا ونهبا . وقد صمم فيصل الدويش علي قصف المدينة ( المنورة ) بالمدافع رغم أوامر عبد العزيز ، فما كان من عبد العزيز إلا ان اصدر أمرا بعزله عن قيادة القوات، فغادر فيصل مكانه ومعه بعض اتباعه ،ولحق بالارطاوية غاضبا علي عبد العزيز[7].

بعد ضم الحجاز إرجع  عبد العزيز الإخوان الي نجد خوفا من قيامهم بمذابح أو إحداث مشاكل ، وبدخول الحجاز الي سلطة عبد العزيز دخلت علاقته بالإخوان في منعطف جديد ،هو المعارضة السياسية بالمؤتمرات التي سبقت التمرد العسكري .

الهوامش

1-وهبة : جزيرة العرب في القرن العشرين. 289.

2-حبيب :المرجع السابق.153:150.

3-المختار: المرجع السابق 2/145:144،

   الريحاني:تاريخ نجد. 266:265.

   حبيب :المرجع السابق:145-،148:146.

4-WAHBA   . ARABIAN DAYS  , LONDON  , 1964  , PP. 132,  133.                    

 5-وهبة :خمسون عاما في جزيرة العرب . 245:243 ،ط. 1960 .

6-جلال كشك: السعوديون والحل الاسلامي ، 621:619.

7-المختار:المرجع السابق ،383:380  .

    الزركلي :شبه الجزيرة العربية   :471.

اجمالي القراءات 11538