إذا ما بحثنا عن معني كلمة التظاهر، لغوياً وإصطلاحياً، سنجد أن الكلمة لغوياً مأخوذة من الظهيرُ وتعني العون، والمظاهر لغوياً يعني المعاون، أما إصطلاحاً فتعني كلمة مظاهرة : تجمع أو سير عدد من الأشخاص بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام، بقصد التعبير عن رأي أو الإحتجاج أو المطالبة بتنفيذ مطالب معينة ومحددة.
من خلال المعنى السابق لغوياً وإصطلاحياً، يتبين لنا أن السلمية ركن أساسي للمظاهرة، فإن سقطت السلمية سقط الإسم والمعني، ولن تكون مظاهرة، ويتحول الإسم تلقائياً، من مظاهرة لأفراد أو جماعات، إلى أعمال عصابات مسلحة خرجت عن القانون، أو نستطيع أن نطلق عليها أعمال إرهابية !
علينا أيضاً أن نبحث في معنى العصيان المدني فهو : رفض الخضوع لقانون أو لائحة أو سُلطة ما، وبداية هذا المصطلح يعود لسياسي أمريكي يدعى هنري دافيد ثورو، ونشر المصطلح في بحثه عام 1849م، أعقاب رفض دفع الضريبة المخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك، ولكن لا يوجد تعريف موحد للعصيان المدني في العالم حتى الآن، فتطبيقاته قد إختلفت في التاريخ من شعب لآخر ! ولكن المتعارف عليه حول معنى العصيان المدني أنه رفض لقانون ظالم، وبالتالي يقوم به الشعب مجتمعاً، أو تقوم به الأغلبية العامة من الشعب، من خلال تطبيق عدد من الأمور مثل : عدم تنفيذ القانون في إطار سلمي وأيضاً قد يتضمن العصيان المدني إضراباً عن العمل، ويتخلله كذلك مظاهرات، فيكون له تأثيره المدوي داخلياً، ويرغم السلطة في نهاية الأمر على الإستجابة لطلبات الشعب، ومن ثم وقف أو تغيير القانون.
بعد العرض السابق علينا أن ننظر إلى ما يحدث في مصر وأن نطبق ما سبق من معاني على الأحداث الإحتجاجية الحالية على قانون التظاهر، لنعرف وصفها القانوني واللغوي والإصطلاحي.
أولاً/ الإعتراض هنا على قانون رسمي، وبالتالي يجب أن تكون طريقة الإعتراض عليه هي بالعصيان المدني، وليس عن طريق المظاهرات.
ثانياً/ العصيان المدني يتطلب دعم من الشعب، وليس من فئة قليلة ! ولابد من إنصياع الأغلبية من الشعب على الأقل !
ثالثاً/ العصيان المدني إن قامت به مجموعة قليلة، فإنها لا تمثل إلا أصواتها فقط، وفي هذه الحالة لا يعد ما يحدث عصياناً مدنياً ! بل يعد خروجاً عن القانون من فئة قليلة، تسعى لنشر الفتن والفوضى، وفي هذه الحالة يطبق القانون على كل من يخرج عليه، فإن كانت تلك المجموعة من بعض موظفين في الدولة على سبيل المثال، فقوانين العمل هي من تحكم الأمر ويجوز فصلهم من العمل.
أمثلة لبعض الدول التي مرت بالمظاهرات والعصيان المدني وردود فعل الأنظمة الحاكمة والشعوب :
أولاً/ الهند
عندما قام الإنجليز بتشريع مجموعة من القوانين، التي فيها إضطهاد للهنود، قرر المهاتما غاندي عمل عصيان مدني، في نفس اليوم الذي ستخرج فيه تلك القوانين إلى حيز التطبيق، وكان يوم 6 إبريل من عام 1919م، وبعدها بسبعة أيام حدثت مذبحة أمريستار، في يوم 13 إبريل عام 1919 م، إذ قام أحد الضباط الإنجليز وكان إسمه الجنرال "داير" بمحاصرة أحد الحدائق العامة بمدينة أمريستار، وأمر الجنود بإطلاق النيران على المتظاهرين بالحديقة، وتم إطلاق ما تجاوز 5000 طلقة نارية ! قتل على إثرها 379 شخصاً وأصيب أكثر من 1500 شخص آخرين ! لقد كانت مذبحة بكل المقاييس، تمت على إثرها محاكمة الجنرال الإنجليزي، إلا أن الملفت للنظر إلتزام الهنود بمدأ السلمية التي هي ركن من أركان التظاهر ! فلم يحاول أي هندي أن يرد على عنف السلطات المحتلة بعنف مقابل ! وإستمرت الأحداث في الهند وطبق الشعب العصيان المدني، بمظاهراته السلمية حتى كانت حادثة أخرى عام 1922م، إذ قام عدد من أفراد الشرطة بضرب أحد المتظاهرين السلميين، في أحد المسيرات المطالبة بتحرير الهند، وعندما تنبه المتظاهرون إلى ما حدث لزميلهم من إعتداء، قاموا بملاحقة أفراد الشرطة، فهربوا منهم وإحتموا بقسم الشرطة الخاص بهم، وأوصدوا أبوابه جيداً، إلا أن المعتصمين قاموا بإشعال النيران في قسم الشرطة، مما جعل كل من كان بداخل المبنى يخرج أياً كانت نتائج خروجه ! فقتل من قتل من الشرطة، وأصيب من أصيب، وهنا كان للمهاتما غاندي موقفاً يحترم ويدرس، فقد قرر المهاتما غاندي إنهاء العصيان المدني، ووقف المظاهرات فوراً، لأن المتظاهرون قد إستخدموا العنف ضد الشرطة !
ثانياً/ أمريكا
- عندما قررت أمريكا قتل أسامة بن لادن ورفضت المملكة العربية السعودية إستقبال جثمانة، قامت بإلقاء الجثمان في البحر ! وهو عمل يتنافي مع كافة المواثيق الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان !
- وعندما خالف المتظاهرون الأمريكيون القانون وإعتصموا في ساحة التايم بنيويورك، قامت الشرطة بفض الإعتصام بالقوة، مستخدمة العصي والسلاح الناري في فض الإعتصام.
- القانون الأمريكي يقضي بقتل أي متظاهر يحمل سلاحاً ويحاول أن يستخدمه، حتى وإن كان سلاحاً أبيض !
- عندما خالف بعض أعضاء الكونجرس القانون وقاموا بعمل مظاهرة بدون إذن قضائي قامت الشرطة بالتعامل معهم كمتهمين، وتم تقيدهم بالقيود الحديدية.
مبادئ التظاهر :
1- الإلتزام بالسلمية حتى وإن وصل عنف النظام إلى القتل.
2- أن لا يصطدم أبناء الوطن مع بعضهم البعض، أياً كانت الأسباب، وأياً كانت معتقداتهم أو أفكارهم.
3- أن لا يكره أبناء الوطن السلطة الحاكمة، وأن يبادروا كل من يكرههم بالحب.
5- أن لا تتسبب المظاهرات في أي أعمال تخريبية.
6- أن لا يرفع المواطنين السلاح مطلقاً أثناء المواجهات مع السلطة.
ما يحدث في مصر منذ 25 يناير 2011، لا يمت للمظاهرات بصلة للأسباب الآتية:
1- ما يحدث في مصر ليس بعصيان مدني أو مظاهرات، بل هي أعمال عنف منها ما ينتمي لجماعات إرهابية ومنها ما ينتمي إلى عصابات مسلحة.
2- قد لا تخلوا مظاهرة سواء للإخوان أو لحركة 6 إبريل، إلا وقد شابها عنف أدى إلى قتل أو إهدار للمال العام أو الخاص أو إصابات للمواطنين !
3- الصراعات في مصر ليست بين مصريين وسلطة محتلة ! بل هي بين مصريين بعضهم البعض.
4- المتظاهرون في مصر يرفعون السلاح في وجه مؤسسات الدولة الأمنية !
5- المعارضة في مصر تحض على الكره، وهو أمر لا مكان له في سياسة اللاعنف.
الأمم المتحدة ومواجهة الإرهاب :
من ضمن بنود تدابير الإرهاب ومكافحته في مواثيق الأمم المتحدة الآتي :
البند رقم 1- الإمتناع عن تنظيم أنشطة إرهابية أو التحريض عليها أو تيسيرها أو المشاركة فيها أو تمويلها أو التشجيع عليها أو التهاون إزاءها.
البند رقم 3- كفالة القبض على مرتكبي الأعمال الإرهابية ومحاكمتهم أو تسليمهم، وفقاً للأحكام ذات الصلة من القانون الوطني والدولي.
البند رقم 7- إتخاذ التدابير المناسبة قبل منح طلب اللجوء، بغرض التأكد من أن طالب اللجوء لم يكن ضالعاً في أنشطة إرهابية.
مما سبق نؤكد مرة أخرى :
أولاً/ أن ما يحدث في مصر ويطلق عليه بمظاهرات، واقع الأمر يقول أنها ليست بمظاهرات ! وإنما هي أعمال تقع تحت عدد من البنود، ومنا أعمال عصابات مسلحة، أو أعمال إرهابية.
ثانياً/ التقصير في تطبيق القانون، أمر يقع على المسؤلين في الدولة، ويحملهم المسؤلية أمام القانون. وإذا ما نظرنا أيضاً إلى ما وضعته الأمم المتحدة من قوانين لمكافحة الإرهاب، فهي قوانين دولية تلزم الدول الأعضاء بتطبيقها.
ثالثاً/ القانون الداخلي وحده هو المنوط به تنظيم حق التظاهر، كأحد حقوق الرأي والتعبير المتفق عليها، وما يخرج عن القانون الوطني المنظم لهذا الأمر، فإنه لا يعد حقاً بل يعد عملاً إجرامياً.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت