جاءنى على موقع ( أهل القرآن ) هذا الخطاب البذىء من شخص يسمى نفسه ( سلفى ) يقول لى فيه : ( إستيقظ يا حمار. من أين أتيت بصلواتك الثلاث يا صبحي مغرور ؟. إما أن محمدا-ص- كان يصلي مثلك .فانت تتبع السنة .و تهدم مذهبك . و إما أنك غبي إلى درجة أنك لم تعد تعلم أنك غبي ) . وأكتب تحليلا لهذا الخطاب القصير ، لأنه يعبّر بصدق عن الدين السلفى السُّنّى. وفيه من أسُس هذا الدين السلفى السُّنّى ما يلى :
أولا : السماع :
1 ـ الأحاديث كلها (سماعية ) تعبر عن ثقافة سماعية ، يقولون إن فلانا من أهل الحديث ( سمع ) من ( فلان ) , وهذا هو الذى يتردد فى تراثهم . دين أرضى يقوم على السماع من الشيوخ الذين يزعمون أنهم سمعوا من فلان أنه سمع من فلان انه روى عن فلان الذى سمع من فلان الذى روى بدوره عن فلان..الخ..!! أى دين الروايات السماعية ، أو دين الحكاوى ؛ دين : ( قال الراوى يا سادة يا كرام ) .
هذا السماع والتصديق به يخالف تشريع القرآن الكريم الذى يفرض وجوب التحقق من أى كلام أو خبر نسمعه فى شئون الدنيا ، فكيف بالدين ؟ يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات ).
ومن أسباب تخلف مجتمعات المحمديين تلك الثقافة السمعية التى أصبحت لديهم دينا . فالذى يتأسس دينه على أقوال سماعية لا بد أن تتأسس حياته الاجتماعية ومستواه العقلى على هذا ( السماع ) لذا يسارعون بتصديق ما يُقال اليهم دون تمحيص مهما بلغ فيها التهويل والكذب . بل ربما يكون التهويل فيها مشجعا على تصديقها ، خصوصا إذا إرتبطت بدينهم الأرضى وتمت نسبتها كذبا للنبى عليه السلام . هل نسيتم كلام شيوخ الاخوان المسلمين فى فترة رئيسهم محمد مرسى ، وهم يزعمون منامات ورؤى وأحلاما يفترون فيها أن النبى قال كذا عن مرسى ، وان جبريل قال كذا . هكذا بكل صفاقة يكذبون ويجدون من يصدقهم ويصفق لهم ، لأنه دينهم القائم على السّماع وتصديق كل ما يقال من إفتراءات وأساطير الكرامات ...والمنامات التى جعلوها فى دينهم المحمدى من علامات النبوة .!!
ومن أُسُس التدين عندهم ( الاعتقاد ) أو ( التصديق ) أو سُرعة التصديق لأى أكاذيب تُلقى على أسماعهم .. أذكر أن شخصا قال لى منذ حوالى ثلاثين عاما ( إن فلانا قال كذا وكذا .) وحكى عنه كرامات وأساطير خُرافية ، ثم ختم كلامه بأن قال عن ذلك الراوى ( وقد قابل وجه رب كريم ) هذا الشخص قال هذا الكلام وأتبعه بتلك العبارة الشعبية المأثورة التى تعنى ان صاحب الكلمة طالما قد مات فإن كلمته صادقة. وقلت له : أى إنه طالما مات وقابل وجه ربه الكريم فكل كلامه صادق ؟ تفكر الرجل قليلا ، وسكت خجلا . هذا الشخص ـ يرحمه الله ـ كان دائما يردد هذه العبارة عندما يردد أساطير الكرامات ، وكانت أقاويله تحظى بالتصديق لأن البرهان جاهز لديه ، وهو أن الراوى قد مات وانتقل الى رحمة الله فأصبحت أكاذيبه صدقا لاريب فيها . وهذا أيضا من ملامح الثقافة السمعية ، أن يتعود الناس على ترديد عبارات كاذبة دون أن يتعقلوها ، وان تستمر أجيالهم على تصديق خرافات دينهم المحمدى دون نقد أو تمحيص أو الاحتكام اليها فى القرآن الكريم . ويترتب على هذه الثقافة السمعية الدينية أثار إجتماعية وسياسية ، هو سُرعة التصديق لكل ما يُشاع فى أجهزة الاعلام . فلاعلام لدى المستبد فى بلاد ( المحمديين ) وأجهزة مخابراته تتفنّن فى ترويج الاشاعات وتوزيع الاتهامات الظالمة كذبا وعدوانا . والشواهد أكثر من أن تُحصى ، وقد عانينا من هذا الافتراء أكثر من ثلاثين عاما ، ولا نزال .
2 ـ هذا السلفى صاحب الرسالة ، قيل له أننا نصلى ثلاث صلوات فقط فى اليوم ، وننكر الصلوات الخمس المكتوبة . قيل له هذا فسارع بالتصديق ، ولم يكلف نفسه عناء التحقيق . كان بإمكانه ـ لو أراد ـ أن يرجع الى موقعنا ( اهل القرآن ) والى موقع ( الحوار المتمدن )ليتحقق من هذا الاتهام . كان يمكنه أن يقرأ لنا : كتاب ( الصلاة فى القرآن الكريم ) الذى يؤكد أن الصلوات الخمس هى من معالم ملة ابراهيم ، وأننا توارثناها بنفس التوقيت ونفس الكيفية ، وأننا نقول بقصر الصلاة عند الخوف فقط ، وليس فى السفر ، واننا ننكر فقط ( التحيات ) برواياتها المتعددة والمختلفة والتى تم صنعها فى العصر العباسى منسوبة للصحابة ، اى لم تكن معروفة فى عهد النبى. وأننا نقرأ مكان التحيات ( التشهد ) وهو الآية 18 من سورة (آل عمران ).وكررنا هذا عشرات المرات فى الفتاوى ، نؤكد أننا نتمسّك بالصلوات الخمس ، بل حسمنا الأمر فى موقع ( أهل القرآن ) بعدم الجدال فى موضوع الصلاة ، وبحذف أى مقال يشكك فى عدد الصلوات . كان بامكانه أن يقرأ لنا بحث الاسناد فى الحديث ، وهو منشور من قبل فى مصر فى التسعينيات وهنا أيضا. لو قرأه لعرف أننا قلنا أننا نؤمن بالسّنّة العملية الفعلية ، وهى الصلاة والصيام فى رمضان ، والحج الى البيت الحرام ، وأننا نعتبر السنة القولية هى كلمة ( قل ) فى القرآن ، التى تؤكد أن كل الأقوال للرسول هى فى القرآن فقط ، وليست له أقوال خارج القرآن ، وقد أنهينا بحثا عن (قل ) فيه التفاصيل . أما المحمديون والسلفيون منهم فهم يجعلون أحاديث البخارى وغيره ( من مفتريات العصرين العباسى والمملوكى ) هى السّنة القولية للرسول، وهذا هو الذى نُنكر إسناده للرسول عليه السلام ، وهذا هو فحوى بحث الاسناد فى الحديث . فى ( دستور أهل القرآن ) أكدنا على الصلوات الخمس ، وتمسكنا بها. لو قرأ لنا كتاب ( الصوم ) وكتاب ( الحج ) و كتاب ( الزكاة ) لعرف إيماننا بالسّنة العملية وحرصنا على تطهيرها من أوزار الفقه السلفى . وكل هذه الكتب تم نشرها فى مقالات ، ثم كالعادة تم تجميعها فى كتب مستقلة منشورة فى موقع (اهل القرآن ) . وفى باب الفتاوى عشرات منها فيها الرد على من يتشكك فى الصلاة و مواقيتها وكيفيتها والطهارة لها .
هذا السلفى لم يكلف نفسه عناء القراءة . بل طبقا لثقافته السمعية ودينه الأرضى ( السماعى ) سارع بالتصديق دون تحقيق . ثم لم يكتف بهذا ، فسارع الى السّبّ والشتم والافتراء .
ثانيا : السّب والشتم والافتراء والظُّلم والتعدى والبغى بغير الحق.
1 ـ وهنا ندخل على الملمح الثانى من ملامح الدين السلفى المحمدى . فهو لا يكتفى بالافتراء والكذب والاتهام ظلما بل يضيف الى ذلك البذاءة ، ضمن الملمح الأكبر فى دينهم وهو الظلم والتعدى والبغى والاعتداء . إن الله جل وعلا يصف الكافرين بأنهم معتدون ظالمون . ومن الملفت للنظر أنها من أكثر المفردات شيوعا فى القرآن الكريم فى وصف الكافرين ، كما أن من اكثر المفردات القرآنية فى وصف المؤمنين هى الصبر . و المؤمن إذا سمع جهلا أو لغوا أعرض عنه : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص ) وهو يرد السيئة بالتى هى أحسن ، وقد فصّلنا فى هذا فى بحث عن الاسلام دين الحرية الفكرية ، والاسلام دين التسامح والاحسان ، وفى بحث (قل ) فى تشريع الحرية الفكرية الذى انتهينا منه أمس .
الدين السلفى السّنى على النقيض من ذلك . ويتمسك بهذه البذاءة أئمتهم فى عصرنا ، وقد فضحوا أنفسهم ـ ولا يزالون يفضحون أنفسهم ـ فيما يقولون من بذاءات فى قنواتهم الفضائية ، ويبررون هذه البذاءة بأحاديث ( نبوية ) يجعلون فيها النبى محمدا عليه السلام يسبُّ الناس بالفاحش من القول ، مع أنه عليه السلام موصوف فى القرآن بالرحمة وانه ما كان فظّا ولا غليظ القلب بل كان على خُلُق عظيم . هم إخترعوا لهم رسولا فى دينهم السلفى يتفق مع مستوى أخلاقهم . وهو ليس الرسول الذى نؤمن به .
2 ـ وهذا السلفى يصفنا فى رسالته بما يعبر عن ملامح دينه السلفى ، وبما لا يليق بنا .
أخيرا
1 ـ وتمسكا بالاسلام الذى نؤمن به فإننا نصفح عنه ، وموعدنا معه ومع غيره أمام الواحد القهار .
2 ـ اللهم إجعلنا من الشهداء على قومنا ، ممّن ينطبق عليهم قول الحق جل وعلا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) ) غافر )
3 ـ ودائما : صدق الله العظيم .!!