الارثوذكسية وتأليه الاكليروس

في السبت ١٢ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 الإكليروس هم طبقة الكهنة في الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية. ونحب التنويه بداية، عن أن الغرض من هذه المقاربة لا ينتمي إلى نوعية من الجدل الإيماني، وإنما يستهدف ما نشهده بمصر منذ أربعة عقود على الأقل، من تعاظم غير مستساغ لسلطان وهيمنة الكهنة، ترتب عليه العديد من السلبيات الدينية والمجتمعية والوطنية. فنحن لا نتناول بالنقد أو التحليل العقائد الدينية، لكننا نرصد تأثيرات العلاقات الدينية والخطاب الديني الشائع، على السلوك المجتمعي للإنسان الفرد. نتحدث فقط فيما يهمنا ويؤثر على حياتنا المشتركة، أما الإيمانيات والعقائد، فهي تخص الإنسان الفرد وحده، ونعتبر الجدل حولها، مهاترات ومضيعة للوقت والجهد.

تعرف الكنيسة الكاثوليكية الكهانة، لكننا حرصاً على الدقة الموضوعية، ونظراً لأننا كما أوضحنا، لا نناقش العقائد الإيمانية في ذاتها، وإنما نرصد نتائج الخطاب الكنسي على من يتلقونه، فإننا نحب أن نختص بمقاربتنا هذه، خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، باعتبار كاتب هذه السطور، راصد للحالة الاجتماعية والدينية والثقافية لرعايا هذه الكنيسة.
لعل أبرز نموذج لما يتضمنه خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من تزييف باسم الرب، باقتطاع كلمات الإنجيل من سياقها، واستخدامها في سياق مغاير تماماً، يعطي قداسة وألوهية للكهنة، أي ما يعرف باسم "سلطان الحل والربط"، والذي يستند إلى ما جاء في انجيل متى 18:18 "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولاً في السماء.". . التصور الذي يشيعه خطاب الكنيسة لدى الناس، بتوظيفهم لهذا القول، يوحي بأن المسيح قد خص تلاميذه بما يسمونه "سلطان الحل والربط"، وبالتالي ينسحب هذا السلطان على الكهنة فقط، باعتبارهم هم تلاميذه الآن، مقابل جموع المؤمنين، المستهدفين بتفعيل "سلطان الحل والربط" فيهم. لكن إذا عدنا للإصحاح الثامن عشر من إنجيل متى، الذي ورد ضمن سياقه هذا القول، نجد فيه موعظة عامة للموجودين حول المسيح، بمن فيهم من أطفال. ونجد فيها بعض تكرار لما ورد بالموعظة على الجبل من وصايا سامية. حتى نأتي إلى الفقرة الثانية من الإصحاح، والتي تتوسطها الجملة برقم 18، نجد الكلام بمعنى مغاير تماماً لتوظيف الكهنة لها، لنقرأ بالفقرة:
"15 وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك. 16 وإن لم يسمع فخذ معك أيضاً واحداً أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. 17 وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. 18 الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء. 19 وأقول لكم أيضاً إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. 20 لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم".
الأمر كما هو واضح لا يتعلق بسلطان كهنة على رعية، ليحلوا ويربطوا خطاياهم كما يشاءون. فالواضح في هذه الفقرة هو أن المسيح يوصينا بغفران الخطايا لمن يخطئ إلينا، ويحثنا على المبادرة لعتابه، فلا ننتظر حتى يأتي إلينا من أخطأ في حقنا معتذراً، بل نذهب نحن إليه، ثم نعاود الكرة بصحبه شهود، ثم نعرض الأمر على الكنيسة، فإن أصر بعدها على موقفه، نتبرأ منه، وعندها "تُربط" عليه خطيته، أما إذا أقر بخطأه وسامحناه، فإنه يكون "محلولاً" من خطيته.
نلاحظ أيضاً في هذه الفقرة أموراً أخرى خطيرة، ففي العدد 17 يقول "وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة"، التي هي جماعة المؤمنين، ولم يقل "قل للكاهن"، بما يفهم منه أن "كنيسة المسيح" ليست في حاجة إلى كاهن مثل "هيكل سليمان". بل الأكثر من هذا نلاحظه في العددين الأخيرين من الفقرة "19 وأقول لكم أيضاً إن اتفق اثنان منكم على الارض في أي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. 20 لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم". . نفهم من هذا أن اجتماع المؤمنين ليحل "روح الرب" في وسطهم، لا يحتاج لكاهن وسيط يستحضر لهم "روح الرب". وأن الكنائس بصورتها الحالية لا تنفرد بكونها "بيت الرب"، وهي التسمية المأخوذة عن الدين اليهودي، وعن "هيكل سليمان" تحديداً، فقد صار روح الرب يحل في المسيحية، في أي مكان يجتمع فيه اثنين أو ثلاثة باسمه، وأن ما يتفق عليه هؤلاء من طلبات يستجاب له!!
ليت الآباء الكهنة ينزلون من علياء أنصاف ألوهيتهم، ليصيروا خداماً للشعب، كما كان يسوع المسيح خادماً وهو السيد.
 
 
 
 
Kamal Ghobrial
اجمالي القراءات 18027