هنالك من يعتقد و يشكك بحرمة الخمر من المسلمين ، خاصة شاربوها والمتاجرين بها ، مدعيا بأنه لم ينزل بها أية قرآنية تحرمها صراحة وهذه الفكرة مصدرها الكافرون ومحاربو الإسلام العظيم ، ولقد أجاب د.آحمد صبحي منصورعلى موقع أهل القرآن في باب الفتاوى ، عن موضوع تحريم الخمر بما يلي ، مع بعض التصرف:
تحريم الخمر جاء على سبيل الإيجاز والإجمال في الوحي المكي في قوله تعالى ،﴿ قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ...﴾ (33) الأعراف.
فالخمر من ضمن الإثم المحرم ، وجاء تحريمه على سبيل الإجمال في مكة ضمن عموميات التشريع المكي ، ثم جاءت التفصيلات في المدينة حين سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن حكم الخمر فنزل قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نّفْعِهِمَا...﴾ (219) البقرة.
وطالما كان في الخمر إثم كبير فهي محرمة فى مكة قبل المدينة ، لأن الإثم القليل حرام فكيف بالإثم الكبير؟!! والمنفعة لا تجعل الاثم حلالا بأي طريقة أتت ، والمنفعة هنا اقتصادية لبعض الناس ولكن الاثم شر وبيل لكافة الناس وفي النهاية يضيع أثر المنفعة ليشمل كل الناس.
ثم يأتي تفصيل آخر يؤكد تحريم الخمر وذلك بالأمر القاطع باجتنابها ،﴿ يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (90) المائدة.
واجتناب الخمر يعني عدم الاقتراب منها بأي حال من الأحوال ، فاذا كان بعضها لا يسبب السكر الا اذا تناوله الشخص بكميات كبيرة فان الاجتناب يعني ان تبتعد عما يسكر قليله ، لذا قال الفقهاء فى تحريم الخمر ،( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وهم بذلك حققوا المعنى المراد من الأمر باجتناب الخمر.
من الواضح أن في القرآن الكريم درجتين في التحريم :
1-- ألأولى يعبر عنها بكلمة ( حرّم عليكم ) أي مجرد التحريم لفعل معين ، مثل تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، هنا تحريم عادي ينصب على شىء محدد هو الأكل من هذا المحرم ، ولكن يجوز الاقتراب منه والتعامل معه بأي طريقة أخرى غير الأكل ، وكذلك تحريم الزواج بالأم والأخت و .. ، فالتحريم هنا على الزواج فقط بهن دون أي علاقة أخرى.
2-- الثانية يعبر عنها ب (لا تقربوا أو اجتنبوا ) ، وهي أشد التحريم ، لم يقل مثلا ،( الزنا حرام ) وانما قال ( لا تقربوا الزنا ) ، فاصبح الحرام ليس مجرد ممارسة الزنا كاملا ولكن يحرم كل ما يقرّب الى الزنا من نظرات و حديث ولمس وتقبيل وخلافه.
ونفس الحال حين أمر رب العالمين ، باجتناب الخمر والميسر والأنصاب ( أي الأضرحة والقبور المقدسة ) ، فالتحريم هنا يشمل كل ما يقرّب الى تلك المحرمات.
لم تكن الخمرة حلالاً ثم نزل تحريمها ، ولم ينزل وحي سماوي بالسماح بالخمرة ثم نزل تشريع آخر يلغي ذلك السماح ، وإنما نزل تحريمها اجمالا ضمن تحريم الإثم ، ثم نزل التفصيل ليؤكد ما سبق من الآيات الموجزة.
-- أما قوله تعالى ،﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ...﴾ (43) النساء ، فلا شأن لها بالخمر وسكرة الخمر.
إن كلمة (سكر) و(سكارى) لم تأت فى القرآن عن الخمر، إذ جاءت بمعنى الغفلة عند المشرك في قوله تعالى ،﴿ لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (72) الحجر.
-- وجاءت بمعنى المفاجأة عند قيام الساعة ،﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج.
-- وجاءت بمعنى الغيبوبة عند الموت في قوله تعالى ،﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق.
-- وجاءت بمعنى الغفلة وعدم الخشوع وغلبة الكسل والانشغال عن الصلاة عند أداء الصلاة في قوله تعالى ،﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ(43﴾ النساء.
فإذا قام الإنسان للصلاة وعقله غائب وقلبه مشغول بأمور الدنيا فهو في حالة غفلة ولن يفقه شيئاً مما يقول في صلاته ، لذا تقول الآية ،﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾.
-- وجاءت بمعنى السكر العادي في قوله تعالى ،( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (67) النحل.
لا يعني سُكرْ الخمر وانما يعني السُكرْ العادي المستخلص من سكر النخيل والأعناب ، ولذلك سماه الله تعالى رزقا حسنا ، فلا يعقل أن يقول الله تعالى في هذه السورة المكية إنها رزق حسن وآية لقوم يعقلون ثم يجعلها فيما بعد في سورة مدنية رجسا من عمل الشيطان ويأمر باجتنابها.
أرجو نشر هذا المقال عبر مواقع التواصل الاجتماعي لديكم ، و لكم الشكر و الثواب .