هل الخمر محرم بالنص القرآني ؟

خالد اللهيب في الخميس ٠٣ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

هنالك من يعتقد و يشكك بحرمة الخمر من المسلمين ، خاصة شاربوها والمتاجرين بها ، ‏مدعيا بأنه لم ينزل بها أية قرآنية تحرمها صراحة وهذه الفكرة مصدرها الكافرون ومحاربو الإسلام العظيم ، ولقد أجاب د.آحمد صبحي منصورعلى موقع أهل القرآن في باب الفتاوى ‏، عن موضوع تحريم الخمر بما يلي ، مع بعض التصرف:‏
تحريم الخمر جاء على سبيل الإيجاز والإجمال في الوحي المكي في قوله تعالى ،﴿ قُلْ إِنّمَا ‏حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ...﴾ (33) الأعراف. ‏
فالخمر من ضمن الإثم المحرم ، وجاء تحريمه على سبيل الإجمال في مكة ضمن عموميات ‏التشريع المكي ، ثم جاءت التفصيلات في المدينة حين سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن حكم الخمر ‏فنزل قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ ‏مِن نّفْعِهِمَا...﴾ (219) البقرة.‏
وطالما كان في الخمر إثم كبير فهي محرمة فى مكة قبل المدينة ، لأن الإثم القليل حرام فكيف ‏بالإثم الكبير؟!! والمنفعة لا تجعل الاثم حلالا بأي طريقة أتت ، والمنفعة هنا اقتصادية لبعض الناس ‏ولكن الاثم شر وبيل لكافة الناس وفي النهاية يضيع أثر المنفعة ليشمل كل الناس. ‏
ثم يأتي تفصيل آخر يؤكد تحريم الخمر وذلك بالأمر القاطع باجتنابها ،﴿ يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا ‏الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (90) ‏المائدة.‏
واجتناب الخمر يعني عدم الاقتراب منها بأي حال من الأحوال ، فاذا كان بعضها لا يسبب السكر الا اذا ‏تناوله الشخص بكميات كبيرة فان الاجتناب يعني ان تبتعد عما يسكر قليله ، لذا قال الفقهاء ‏فى تحريم الخمر ،( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وهم بذلك حققوا المعنى المراد من الأمر ‏باجتناب الخمر. ‏
من الواضح أن في القرآن الكريم درجتين في التحريم :‏
‏1-- ألأولى يعبر عنها بكلمة ( حرّم عليكم ) أي مجرد التحريم لفعل معين ، مثل تحريم أكل ‏الميتة والدم ولحم الخنزير، هنا تحريم عادي ينصب على شىء محدد هو الأكل من هذا ‏المحرم ، ولكن يجوز الاقتراب منه والتعامل معه بأي طريقة أخرى غير الأكل ، وكذلك ‏تحريم الزواج بالأم والأخت و .. ، فالتحريم هنا على الزواج فقط بهن دون أي علاقة أخرى.‏
‏2-- الثانية يعبر عنها ب (لا تقربوا أو اجتنبوا ) ، وهي أشد التحريم ، لم يقل مثلا ،( الزنا ‏حرام ) وانما قال ( لا تقربوا الزنا ) ، فاصبح الحرام ليس مجرد ممارسة الزنا كاملا ولكن ‏يحرم كل ما يقرّب الى الزنا من نظرات و حديث ولمس وتقبيل وخلافه. ‏
ونفس الحال حين أمر رب العالمين ، باجتناب الخمر والميسر والأنصاب ( أي الأضرحة ‏والقبور المقدسة ) ، فالتحريم هنا يشمل كل ما يقرّب الى تلك المحرمات.‏
لم تكن الخمرة حلالاً ثم نزل تحريمها ، ولم ينزل وحي سماوي بالسماح بالخمرة ثم نزل ‏تشريع آخر يلغي ذلك السماح ، وإنما نزل تحريمها اجمالا ضمن تحريم الإثم ، ثم نزل ‏التفصيل ليؤكد ما سبق من الآيات الموجزة. ‏
‏-- أما قوله تعالى ،﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا ‏تَقُولُونَ...﴾ (43) النساء ، فلا شأن لها بالخمر وسكرة الخمر.‏
إن كلمة (سكر) و(سكارى) لم تأت فى القرآن عن الخمر، إذ جاءت بمعنى الغفلة عند ‏المشرك في قوله تعالى ،﴿ لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (72) الحجر.‏
‏-- وجاءت بمعنى المفاجأة عند قيام الساعة ،﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ‏وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) ‏الحج.‏
‏-- وجاءت بمعنى الغيبوبة عند الموت في قوله تعالى ،﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا ‏كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق.‏
‏ -- وجاءت بمعنى الغفلة وعدم الخشوع وغلبة الكسل والانشغال عن الصلاة عند أداء الصلاة ‏في قوله تعالى ،﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ(43﴾ النساء. ‏
فإذا قام الإنسان للصلاة وعقله غائب وقلبه مشغول بأمور الدنيا فهو في حالة غفلة ولن يفقه ‏شيئاً مما يقول في صلاته ، لذا تقول الآية ،﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا ‏تَقُولُونَ﴾. ‏
‏-- وجاءت بمعنى السكر العادي في قوله تعالى ،( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ ‏سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (67) النحل.‏
لا يعني سُكرْ الخمر وانما يعني السُكرْ العادي المستخلص من سكر النخيل والأعناب ، ولذلك ‏سماه الله تعالى رزقا حسنا ، فلا يعقل أن يقول الله تعالى في هذه السورة المكية إنها رزق ‏حسن وآية لقوم يعقلون ثم يجعلها فيما بعد في سورة مدنية رجسا من عمل الشيطان ويأمر ‏باجتنابها. ‏
أرجو نشر هذا المقال عبر مواقع التواصل الاجتماعي لديكم ، و لكم الشكر و الثواب .‏
‏ ‏
 

اجمالي القراءات 25203