أفكـــار للتأمــــل
XIII
من أقوال مفكر:
* .. كلُّ الناس مصابون بالعمى أمام خطاياهم وعيوبهم، وبقوة النظر وبعده أمام خطايا الآخرين وعيوبهم، أي إذا كان هواهم ضدهم، وكلهم مصابون بالعمى أيضا أمام مزايا هؤلاء الآخرين وتفوقهم.
***
* ... ماذا لو أن الناس استطاعوا أن يروا أنفسهم كما يرون الآخرين، وأن يعدلوا في أحكامهم على ما يفعلون هم وعلى ما يفعل الآخرون والمخالفون والخصوم، أو لو أنهم لا يعيبون شيئا يفعلونه، أو لا يعيبون غيرهم على ما يفعلون هم مثله، أو لو أنهم لا يمدحون شيئا لا يفعلونه؟ ماذا لو أن العاري كل العري لا ينكر على العاري بعض العري، أو لو أن الفاسق بكل أعضائه لا ينكر على الفاسق ببعض أعضائه، أو لو أن الفاسق بالممارسة لا ينكر على الفاسق بالنظر والتمني؟ أو ماذا لو أن المتسخة كل ملابسهم كل الأوساخ لا يعيبون على المتسخة بعض ملابسهم بعض الأوساخ، أو لو أن السارق لكل ما في المجتمع لا يلعن السارق لبعض ما في المجتمع ؟
***
* ... هل حرية البشر أكثر من حرية البراغيث ؟ إن البشر يتحدثون عن الحرية دون البراغيث ، ولكن هل يعيشون الحرية أكثر مما يعيشها البراغيث ؟
ومهما طالت أحاديثكم أيها البشر عن الحرية ومهما كتبتم فيها من الكتب ووضعتم لها من الشعارات والأناشيد وأسمعتموها من قصائد المديح فإنكم لم تصلوا إلى تعريف لها، إنكم ترون الشئ ونقيضه حرية ، وسوف تظلون أبدا كذلك . فالتفكير ولعن التفكير، والكلام والمعاقبة على الكلام، والإيمان والجحود، والحرب والسلام ، والحب، والخوف والأمن ، ومصادرة الأموال وتركها في أيدي كاسبيها أو مغتصبيها، وحكم الواحد وحكم الجماعة، والمذهب والمذهب المناقض له - كل ذلك تدعونه حرية حينا وتدعونه خروجا على الحرية في حين آخر، أو في مكانين أو مجتمعين مختلفين. أنتم لا تعرفون ما هي الحرية، ولكنكم تتحدثون عنها بحماس وروحانية وكأنكم لا تعرفون شيئا أكثر مما تعرفونها. وهذا أحد عيوبكم الشهيرة الكبيرة.
***
*... لعلك تقول هنا: عجبا، لقد أصبح البرغوث ناقداً مفكراً للإنسان !ولكن لا تسخر ولا تتعجب أيها الصديق الإنسان.
إن الناقد المفكر المعلم ليس شيئا خارقا أو كبيرا، إنه هو كل كائن يتألم ويرى الألم ويحتج عليه ويعدده. فإذا تألمت وأنت لا ترى الألم ولا تحتج عليه ولا تحصيه فلن تكون ناقدا مفكرا معلما، ولكنك بدون أن تكون متألما لن ترى الألم ولن تحتج عليه أو تحصيه. إذن أنا ناقد مفكر معلم لأني متألم يرى الآلام والدمامات والأخطاء ويحتج عليها ويعددها، لا لأني عبقري أو معجزة أو نبـي مرسل من السماء. وقد أصبحتُ كذلك لأني عاشرتك وتغذيت بدمائك طويلا فانتقلت إلـي العدوى. ولهذا فكم أتعجب لأنكم أيها البشر لم تصبحوا جميعا نقادا ومفكرين ومعلمين ومحتجين ، إن كل وجودكم ووجود ما حولكم وما تعملون وترون يصنع الإحتجاج والنقد والتفكير، لأنه يصنع الغضب.
ومع هذا فقد يكون النقد أحيانا ظروفا وحرفة وغضباً، وليس ألما ولا رؤية للألم أو احتجاجا عليه أو غضبا منه.
لك مع هذا يا صديقي كل الشكر والإعتذار الصادق المكرر.
" محبك وضيفك سابقا - برغوث "
***
* ... ماذا نجد الآن حين ننظر؟ نجد الهوان والشقاء القديمين في أعلى مستوياتهما المعهودة، يسحقان الطبقات المسحوقة، ثم لا نرى الأشياء الأخرى التي كنا نراها على الجانب الآخر من الصورة ، لا نرى الحرية ولا التسامح ولا فروسية الأخلاق والتقاليد، ولا توقر الأعصاب، ولا الرخاء أو الكرامة أو الشعور بالأمان، ولا الصداقة حتى ولا من اللسان. لقد بقي كل ما كان من دمامة وآلام ومظالم وبؤس مسوغا بالشعارات والمذهبية المتوترة العدوانية ، أما ما كان من جمال وقوة وابتسام وامتياز ذاتي أو تاريخي فقد التهمه الحوت الشره الخبيث وحوّله إلى بشاعات مذهبية، لقد التهمت الأجهزة المكتبية والمباحثية والدعائية والعسكرية التي يحتمي بها هؤلاء الثوار كل شئ، لقد اغتصبوا امتيازات الفساد القديم بمشاعر جائعة غير مثقفة ولا مهذبة، إنهم لم يتعلموا الجلوس إلى الموائد الكبيرة بأدب الكبار.
***
* ... كم أشك في قيمة الإنسان حينما أجد هذا الطغيان الجديد قد حوّل كل شئ إلى فقر وهوان وتفاهة ونفاق ووثنية - حوّل الأغنياء الأعزة إلى فقراء وأذلة، وحوّل الأذلة الفقراء إلى أقـلّ من فقراء وأذلة، وحوّل المفكرين إلى غير مفكرين، إلى منافقين وتافهين، وحوّل الصحافة إلى عار، وحوّل رجال الدين إلى عبدة أصنام، بل حوّل الكتب المقدسة إلى شروح للوثنية وإلى هتافات للطغيان والأكاذيب، حتى كأن الأنبياء جميعا لم يـُبعثوا إلا للتبشير بهؤلاء الثوار الطغاة، وللتحدث عن مزاياهم ...
***
* ... إن رجلا واحدا أو مجموعة من الرجال المتوترين أو المغامرين أو الأغبياء قد يسوقون العالم كله إلى ما لا يريد، إلى الحرب، فيخوضها وهو يغني أعلى الشعارات والمذهبية دويا. فأين إذن ذكاء الإنسان أو كرامته أو حريته ؟ إن معنى الحرب أن رجلا أو رجالا يأمرون مئات الملايين من البشر بأن يزحف بعضهم إلى بعض، ليقتل بعضهم بعضا ويدمر مدنه وحقوله دون أن يعرف القاتل المقتول أو يسئ أحدهما إلى الآخر أو يدينه بشئ أو يريد منه شيئا. وهذا كما لا يخفى أعلى مستويات الذكاء والأخلاقية !
***
* ماذا يعني القائد أو الزعيم أو الحاكم أو البطل أو المعلم ؟ هو إنسان ينتصر علينا أو يعجبنا أو يخدعنا بلا أية مزايا عقلية أو إنسانية أو وطنية.
وماذا يأخذ منا؟ يأخذ منا الحرية والرخاء والشرف والكرامة والذكاء والشعور بالأمن، ويأخذ منا أحيانا الحياة إذ يحولنا إلى حروب ومؤامرات وحرائق وتجهيزات لمجده الصانع للموت والفقر. ولكن ماذا يعطينا؟ يعطينا الخصومات والعداوات والبغضاء لجيراننا وأقاربنا ولجميع الآخرين، ويعطينا أيضا البذاءات والأزمات والشعارات والمذاهب المعادية للأطفال والنساء والتسامح، ويعطينا الأجهزة الدعائية الهائلة الممتصة لوقارنا وذكائنا، ويحولنا إلى أشعار وأناشيد في التغزل بكبريائه، وإلى موسيقى حربية جارحة لشرف الأذن وسلامها، ويعطينا مكاتب مخابرات وجاسوسية لا مثيل لها في الضخامة والشمول وغلاء الثمن وفي إفساد الخلق وقتل الضمير وإرهاب المستوى الإنساني في الإنسان.
***
* والإنتصارات الحقيقية هي أن يصبح المجتمع غير محتاج إلى الإنتصارات، أي حين لا يوجد قادة ولا زعماء ولا حكام ولا معلمون يصنعون طغيانا وظلما وخداعا ليصبحوا مسوغاً لمجئ قادة وزعماء وحكام ومعلمين آخرين ليصنعوا انتصارات على هذا الذي صنعه أولئك القادة والزعماء والحكام والمعلمون الآخرون، لكي يصبحوا هم أيضا هزيمة لنا جديدة يطلب الإنتصار عليها.
* وانتصارات هؤلاء الطغاة ليست على كل حال انتصارات للمجتمع ولكنها انتصارات لهم هم على المجتمع ، إنها انتصارات للكبرياء والطغيان.
* وشئ آخر يعطوننا إياه، شئ لا تمكن منازعته على أنه هو عطاؤهم الحقيقي العظيم. هذا الشئ هو أن يكتبوا على تاريخنا وفوق معاصمنا وعقولنا كلمــــــــــة
" صنعه القائد " ممهورة بالسلاح والدم ، ويحولون هذه الكلمة إلى نشيد مفروض على كل الأجهزة أن تحوله إلى نوع من العبادة والتراتيل الدينية المصابة بالتهيج.
***
* إن الشعب يجب أن يفترض دائما فيه أنه صناعة زعيم ويجب أن يُمدح بهذا الإفتراض، ويجب الإعلان عنه على أنه كذلك. وهذا أفضل وأضخم ما يستطيع أن يهبه أعظم قائد أو زعيم أو حاكم أو معلم لأي شعب من الشعوب.
* إن الحكم وأجهزته وتكاليفه، وإن الزعامات وأجهزتها وتكاليفها لهي أكبر عدو في التاريخ ضلل الإنسان وأذلـّه وأصاب شرفه بالجراح وسرق منه عمله ونضاله وحرياته دون أي ثمن، ثم فرض عليه أن يؤمن ويصرخ بأنه هو الذي وهبه كل نضاله وحرياته وعمله ورخائه وكرامته وعبقريته.
***