قرأت رواية، تحكي عن شخص له من الأبناء أربعة، وكان هو محور الرواية، أعطاه الله المال والغنى، ولطالما تودد إليه أبناؤه، بغُية الحصول على أمواله، والتي كان مصدرها وكالة تجارية يملكها، وكان إبنه الرابع الوحيد من بين أبنائه، الأقل حرصاً على السعي وراء أموال أبيه ! فسافر الإبن باحثاً عن ذاته، ثم عاد بعد عشرون عاماً، مرت عليه دون أن يحقق شيئاً، فإذا به يجد كل شيء قد تغير، فالأبُ الغنيُ قد مات، وإخوانه الثلاثة، أصبح لكل منهم تجارته الخاصة، ثم وجد أن أباه كان قد سجل الوكالة بكاملها بإسمه نظراً لثقة الأب في ولده الذي لم يطمع يوماً في ماله، وذلك دون أن يعطي أبناؤه الثلاثة الكبار، أي حق في ملكيتها أو إدارتها، ثم أتى محامي الأب إلى الإبن العائد من الخارج، وأعطاه أوراق ملكية الوكالة التجارية، والتي طالما تعارك إخوانه الثلاثة الأكبر منه سناً، على ملكيتها وإدارتها، ولطالما نظروا إلى أرباحها، إلا أن محامي الأب، قال للإبن الأصغر، لا تخشى من إخوتك، فلن يزاحموك في ملكيتك التي وهبك أبوك إياها، لأن لكل أخ من إخوتك الآن تجارته الخاصة، وأقل إخوتك مالاً في سوق التجارة، يملك أضعاف هذه وكالة أبيك التي وهبك إياها ! فإذا بالإبن الأصغر يفقد إحساسه بقيمة الوكالة التجارية، نظراً لأنها أصبحت لا شيء مقارنة بحجم تجارة إخوته ! وإنتابه حزن على أبيه، ليس لوفاته، ولكن لأن إنجاز أبيه، بعد عشرين سنة، أصبح لا قيمة له مقارنة، بكل جديد طرأ في الحاضر.
ما قصدته من سرد مختصر الرواية يتلخص في الآتي :
أولاً/ كان أبناء الأب الكبار يظنون أن وكالة أبيهم التجارية هي الدنيا وما فيها!
ثانياً/ظن الأب أن أبناؤه سيظلون إليه تابعين، متصارعين على أمواله، وأنه يستطيع إذلالهم والتحكم فيهم.
ثالثاً/إعتقد الإبن الأصغر أن أبوه قد منحه مصدراً كبيراً من مصادر الحياة، التي ستظل كبيرة مهما طال الزمن، إلا أن الوكالة التجارية، قد أصبحت كما هي، بينما الوكالة التجارية مكثت على حالها، والعالم حولها يتغير.
رابعاً/ما كان يجذب الناس في الماضي، قد لا يجذبهم في المستقبل، فتلك هي الحياة.
لقد إنتابني حزن على الأب، الذي ظل يجاهد على إبقاء وكالته التجارية، لتظل كما كانت نشأتها، بينما لو كان على قيد الحياة، لمات قهراً، على ثبات وكالته على حالها، في حين صعود أبنائه في عالم التجارة، للدرجة التي جعلت أبناؤه ينصرفوا عن وكالتِه التجارية.
ما أريد قوله :
أن هناك من الناس، من يصنعون إنجازات في حياتهم، معتقدين أن آثار إنجازاتهم ستبقى ! ولو أن هؤلاء عاشوا إلى الوقت الذي يجدون فيه إنجازاتهم تتضاءل ! لماتوا حسرة، ولاموا الزمان، بينما الزمان برئ مما آلت إليه مصائرهم، إن نوعية البَشر تلك تتمتع بأنانية شديدة، لذلك يقفون عند مرحلة في حياتهم لا يتجاوزونها، ويصلون في نهاية طريقهم إلى صراع نفسي، فتجدهم يتحاكون عن أفعال وإنجازات في الماضي، ويستمرون في حكاياتهم إلى يوم مماتهم، فهم يعيشون في غيبوبة، لا يشعرون بما يحيط بهم من متغيرات، ولا تقع أبصارهم إلا على إنجازاتهم فقط، والتي سَتُمحَى رويداً رويدا بمرور الزمن، ثم يلقوا باللوم على الزمان الجديد ويعتبرونه، زمن الصغار بإعتبار أنهم كانوا ولازالوا هُم الكبار ! وبسبب صراعهم النفسي بين نجاحهم في الماضي وفشلهم في الحاضر، تسوء الحياة في نظرهم، ولا يجدون لذة إلا في كل ما تعلق بالماضي فقط.
في النهاية أقول :
أولاً/ حتى لا يتعرض الإنسان لصراع نفسي بين ما حققه في الماضي، وبين الحاضر الذي يعيش فيه، فعليه إن يطور من نفسه يوماً بعد يوم، عليه أن لا يقف عند مرحلة ما, ويرتضي بما آل إليه أمره، فالرضاء بقضاء الله أمر، والسعي نحو التطور أمر آخر، فالشخص الذي يطور من أدائه، لا ينظر إلى الماضي أبداً، ولا ينظر إلى الحاضر أيضاً، فنظره دائماً يكون صوب المستقبل.
ثانياً/ لكي يطور الإنسان من أداء عمله، فعليه أن لا ينظر إلى مصلحته الشخصية فقط، بل عليه إن ينظر إلى مصالح الآخرين، فلو طلب منه أحد مساعدة، فعليه أن يساعده قدر المستطاع، وعليه أيضاً أن ينظر إلى الصالح العام لبلده وأهله، وأن يكون رضاء الله دوماً مراده.
ثالثاً/ إن الشخص الأناني، يموت قهراً، والكريم يموت بنفس راضية، والأول تدفن الأيام ذكراه، والثاني يذكره الزمان، فدع الماضي ولا تقف عنده، وإجعل من كل حاضر إنطلاقة جديدة لمستقبل أفضل، وإبتغي رضاء الله دوماً، عندها لن تكره الحياة ولن تخشى الموت، ولن تتصارع مع نفسك أبداً، وسيكون صراعُك للشر وحده.
شادي طلعت