توفى المفكر الليبرالى الأردنى د. شاكر النابلسى فى هدوء، كان يعيش فى أمريكا جسداً لكنه كان يتابع ما يحدث على أرض العالم العربى، وخاصة مصر، أكثر ممن يعيش على أرضها، وعندما كنت أكتب فى موقع إيلاف كان يعلق على كل مقال وكانت تعليقاته تنم عن فكر ثاقب وعقل ناقد وذكاء كاشف، وبعد أن تفرقت بنا السبل كان يرسل إلىّ مقالاته عبر الإيميل. وكان فى منتهى الفرح والسعادة بثورة 30 يونيو، لمن لا يعرف شاكر النابلسى الذى أغنى المكتبة العربية بأكثر من 60 مؤلفاً أقتبس لكم بعض الفقرات من آخر مقال أرسله لى هذا المفكر التنويرى المتمرد الكبير، وكان عنوانه «مصر بانتظار الغد الزاهر»، يقول د. شاكر النابلسى:
«مصر اليوم موعودة بوعود كثيرة فى الغد القريب:
موعودة بدستور جديد، والتصويت عليه..
وموعودة بانتخابات حرة ونزيهة، لمجلس الشعب الجديد..
موعودة بانتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد..
وموعودة بمحاكمة مدنية عادلة للمسئولين السابقين من الفاسدين والواهمين.
وأخيراً موعودة بدولة عادلة وديمقراطية وحرة ونزيهة، تأمر بالبر والإحسان، وتدعو إلى حب واحترام الإنسان.. كل إنسان بغض النظر عن لونه، أو جنسه، أو دينه، أو معتقده السياسى، ونأمل أن تتحقق كل هذه الوعود، وتكون مصر -كما كانت- المثال المُحتذى فى العالم العربى، والعالم الثالث، والعالم الإسلامى، سياسياً، وثقافياً، واجتماعياً، ودينياً، وفنياً.
على المثقفين مهمة الدعوة إلى تأسيس قاعدة لثورة 30 يونيو، على أن تكون فكرتها الأساسية بناء تصور لعقد اجتماعى جديد، يحدد أبعاد الوضع القادم، وهذا العقد الاجتماعى الجديد، سيتجاوز العقد الاجتماعى القديم، الذى كان يستند إلى أصولية وسلفية غير واقعية، تصادر إعمال العقل فى النصوص التراثية، كما كان يستند إلى رأسمالية طفيلية تستثمر الأموال فى غير المشروع؛ أى أنه كان يستند إلى علاقة عضوية قائمة بين أصولية وسلفية تراثية، ورأسمالية طفيلية، أما العقد الاجتماعى الجديد، فإنه يستند إلى نقيض الأصولية، وهو الليبرالية التى تقر مبدأ إعمال العقل فى النص التراثى، كما ترفض تحكم عقيدة بعينها فى النظام السياسى للدولة والمجتمع، كما يستند إلى رأسمالية مستنيرة، تقف ضد الرأسمالية الطفيلية، وإذا كانت الليبرالية هى نقطة البداية فى تأسيس الديمقراطية، حيث لا ديمقراطية بلا ليبرالية، فالدولة تكون عندئذ ديمقراطية، ليبرالية، منفتحة على الدول الموجودة على كوكب الأرض، ومن هنا تتلازم الكوكبية مع الليبرالية، وتكون القيادة لثورة 30 يونيو، باعتبار أنها متمثلة لهذين البعدين، وستبقى مصر دولة إسلامية وليبرالية، فى الوقت نفسه، وسيبقى الشعب المصرى شعباً متديناً وليبرالياً، فى الوقت نفسه، كما كان منذ آلاف السنين، وسيتجاوز الشعب المصرى الذكى والعريق حقائق التراث المطلقة المختلفة، ويحيلها -بذكائه- إلى حقائق نسبية، تخضع لعوامل الزمان والمكان والتاريخ المتغير، تغيُّر مياه النيل العظيم، وحيث إن المطلقات تتجاوز المكان والزمان، ففى حالة تطبيقها على الأمور النسبية فى حياتنا اليومية، ينتج أحد أمرين: إما أن يتجمد النسبى فيمتنع عن التطور، وإما أن يتغير المطلق، لكى يساير النسبى، فتكون النتيجة الحتمية تحول المطلق إلى نسبى، ومن ثم تنتفى صفة المطلق من التراث، ويدخل الإنسان فى تناقض مع الحضارة، لأن الحضارة بحكم تطورها منحازة إلى الأمر الثانى»