لا خلافة في الإسلام

سامح عسكر في الأربعاء ٠١ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ نشأة الإنسان على كوكب الأرض وهو في صراعٍ دائمٍ على الطعام أو على السُلطة، كان صراعه على الطعام لا يتوقف مع بني جنسه، بل كان يتعداه للصراع مع الحيوانات والطيور، وأحياناً لا تُساعده قدراته في الصمود أمام قوة هذه المخلوقات وفضائلها البنيوية والغرائزية، أما صراعه على السُلطة فكان ينشد منه الأمن لنفسه ولأهله، لأن السُلطة هي مصدر الأمن، وبدونها يخاف الإنسان وتُصبِح حياته مُهددة بلا معنى، فكان مُجمل صراعه لتحقيق أمرين اثنين.."الأمن والطعام"..وإذا ما كفى نفسه هذه الأشياء تجده وقد جَلَت له الدنيا، فيبحث عن المزيد بُغية الحياة وزينتها.

كان مُحركه الأول في بحثه هو الطمع ، وحين كشف عقله الأديان لجأ إلى تشريع أعماله بصِبغة إلهية، فانتشر منذ القِدَم أن ممثل السلطة –أي الحاكم- هو خليفة الله في أرضه، وهو المتحدث باسم الله، أو كما زعم بعض خلفاء الأمويين والعباسيين أنهم ظلال الله في أرضه، أو كما زعم أبو جعفر المنصور أنه سُلطان الله في الأرض، سنرى هذه الصورة هي الصورة الفرعونية التي جعلت من الملك إلها، فإذا اتحدت صورة الدين مع صورة المُلك جعلت من الحاكم مُنزّهاً مقدساً لا يجوز نقده أو الخروج عليه بحال، وبالمناسبة كانت هذه الصورة هي صورة الحاكم في الشرق القديم، حيث كان الإمبراطور الصيني في منزلة أقرب إلى الألوهية تجري أعماله موضع الأمر، وعلى الشعب وجوب الطاعة وإلا كان العقاب.

أما عند العرب فقد تطورت هذه الصورة إلى معانٍ أقرب إلى الاحترام والخشوع بإضافة معاني الأبوة إلى صورة المُلك، حتى أن نتائج هذه الصورة لا زالت في وعي العرب إلى يومنا هذا، ولا تقتصر على المُلك الأكبر بل إلى كل مسئول صغير أو كبير، وهذا يعني أن صورة الخلافة قد صنعتها أيادي الأقوياء والنافذين وصدّقتها عقول الشعب القاصرة وأفئدتها الضعيفة، فالشعب لم يخلق مليكه إلا متأخرا، قبل ذلك كان لا يجوز، بل كانت الشعوب القوية تستعبد الضعيفة باستباحة أملاكها ونسائها وأديانها، جميع الأديان على كوكب الأرض انتشرت في الغالِب بالقوة، وقليلاً ما كانت تنتشر بالإقناع، وهذا يدل على أن أدواء السلطة وطمع الإنسان وبحثه عن أمنه ..حال دون أن يقنع الإنسان بما يعتقد، وأجبره الأقوياء على القول بما يقولون والعيش على طرائقهم باستعبادٍ صارخ لا زالت البشرية تئنّ منه إلى اليوم. 

في الدين الإسلامي يزعم البعض بوجوب ما يسمونه.."بالخلافة الإسلامية"..كضرورة تقتضيها الأحكام الشرعية، وهي بذلك.."حُكمُ شرعي"..واجب النفاذ نزولاً لتقليد الأولين في الأسلوب وفي التسمية، وقد عرّفها ابن خلدون في المقدمة بأنها.." حمل الكافّة على مقتضى النّظر الشّرعي في مصالحهم الأخرويّة والدّنيويّة الرّاجعة إليها إذ أحوال الدّنيا ترجع كلّها عند الشّارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشّرع في حراسة الدّين وسياسة الدّنيا"..(مقدمة ابن خلدون 1/239).. أي أنها في تعريفٍ موجز وواضح بالعربية أن.."الخليفة هو حارس الدين وحكومته هي الموكلة بالنّظَر الشرعي"..وهو المعنى العام لتطبيق الشريعة عند هؤلاء.

فالخلافة والشريعة وجهان لعُملة واحدة يسعون لامتلاكها بغرض الفوز بالدنيا والنجاة في الآخرة، وبعد بيان التعريف أتساءل ما الفارق بين هذا المفهوم –عن الخلافة- وبين مفهوم المُلك الفرعوني والإلهي عند القُدماء؟

في الحقيقة أنه لا يُوجَد فارق، فالمَلك في دولة الخلافة هو مُتحدثُ عن الله كونه حارساً لدينه، ومن ذا الذي يحرس شيئاً لا يعرفه ولا يحق له الحديث باسمه؟..نحن إذا وكّلنا مديراً لشركة فهو يتحدث باسمها عبر قوانين موضوعة من عنده، فما بالنا بخليفة يرأس العامّة باسم الله، حُجّتهم في ذلك أن الرسول كان هو الخليفة، ومن يخلف الخليفة فهو خليفة مثله، وهذا امتعاضُ لقدر وجلالة النبوة وحصرها في مسائل السياسة، فالنبي كان داعياً قبل أن يملك، ودولته كانت ضرورة تاريخية اقتضتها وسائل الدفاع،ولم يظهر من القرآن أنّ الخلافة هي حُكمُ شرعي واجب النفاذ، ودليلنا في ذلك أن مفهوم .."الحاكمية"..لم يتبلور في فكر سياسي قبل القرن الخامس الهجري، بدءاً من زمان ابن العربي المالكي والمواردي وابن خلدون وأبي يعلي، كانت السياسة قبل ذلك عبارة عن سُلطة لا فكر فيها ولا كياسة سوى قُدرات الحاكم.

أي ظل المسلمون 500 عام بعد وفاة الرسول لا يكتبون شيئاً عن السياسة، وبالتالي لا يعرفون شيئاً عن أساليبها ودروبها، فإذا كانت الخلافة هي حُكمُ شرعي فينبغي أن تُدرك بالسياسة لا بالسلطة وهذا معيار نقضها العقلي والديني، ولا يهمنا أن قام بعض علماء المسلمين السُنة بتأويل النصوص وليّ أعناق الآيات وتفسيرها بالروايات المكذوبة كي تُلائم صورتهم القاتمة والعضوضية عن المُلك و الخلافة، ناهيك عن تجاوز الخلفاء في صدر الإسلام بما نعتبره سلوكاً خاطئاً لا يجوز حمله على الدين، بدايةً من اجتماع السقيفة –أنظر رسالتنا عن السياسة-مروراً باغتيال الخلفاء وانتهاءً بعصر الفتنة الكُبرى التي نتجت عن التجارة بدم الخليفة عثمان.

أي أن من يزعم حق الخلافة هو في حقيقته يُريد العودة إلى أصول الإنسان الأولى بالصراع الدموي على السُلطة التي يعقبها طمعاً يقذفه في حضيض الفتن، كل ذلك من جراء تَملّكه باسم الله وزعمهم بأن الخليفة هو حارس الدين.. تقريباً يمكن فهم عصر الخلافة والفتنة الكُبرى ضمن سياق تعريف ابن خلدون للخلافة، فأبي بكر الصديق وابن الخطاب وعثمان وعليّ ومعاوية كانوا جميعاً يتحدثون باسم الله ..ليسوا وحدهم بل كافة معارضيهم، ولا مفرّ من الاعتراف بذلك كحقيقة تاريخية وثقتها كُتُب السِيَر والتاريخ، وهو نفس السبب الذي افترق المسلمون من أجله، وهو الزعم بامتلاك الحقّ الإلهي الصادر من الله، ونسوا هؤلاء جميعاً-المطالبين بالخلافة-أنهم يؤمنون بانقطاع الوحي وباكتمال الدين بختم القرآن على قلب وعقل الرسول.

كما قلنا بأن من وضع مفهوم الخلافة كحق إلهي وحُكم شرعي واجب النفاذ، هو من يُطالب الشعب بسمعه وطاعته في الظاهر والباطن، وهم الأقوياء في كل المجتمعات، أي أن المسألة ليست قاصرة على المسلمين والعرب، بل في الشعوب الأخرى يكاد يكون المَلك إلهاً لا تجوز معارضته ويَحرُم الحديث في شأنه، حتى أن النصيحة يجب أن تكون في سياق القبول من الحاكم وإلا فلا، ولو تأملنا مجتمع الإخوان لرأينا أنهم يُطبّقون هذا المفهوم بحذافيره، وهم أشهر من يرفعون دعوى الخلافة، وعن طريقهم افترقت الجماعات في شكل هذه الخلافة، وإن كانوا يجتمعون جميعا في تعريف ابن خلدون سالف الذكر.

في السطور القادمة سأطرح رؤية جماعة الإخوان مُمثّلة في رأي مرشدها حسن الهضيبي لمقاربة فكرة الخلافة القديمة بالجديدة، وذلك باقتباس فقرة من بحثنا السابق.."نقد لفكرة أستاذية العالَم عند جماعة الإخوان"..وعِلّة هذا الطرح هو توافقه- رؤية الهضيبي الحديثة- مع رؤية ابن خلدون القديمة، كلهم يجتمعون على صورة للخلافة السائدة في القرون الوسطى التي أعقبت عمليات التدوين الروائية الناسخة للقرآن ، ولا اعتبار لرؤية قرآنية أو عقلية خارج ماتُقره تلك الروايات، وقد كان ذلك هو المطبّ الذي وقع فيه ابن خلدون، فبرغم كونه مفكراً رائعاً إلا أنه كان غارقاً في التقليد حين يمس ما تعارف عليه المسلمون في عصره..

يقول الهضيبي في كتاب.."دعاة لا قُضاة"

1-(إن الحكومة الإسلامية "أو الإمام الحق" إنما هي الحكومة التي تعتنق الإسلام دينًا وتقوم على تنفيذ أحكام الشريعة وحراسة الدين)..

2-(أحكام الشريعة هي التي تأمرنا بحراسة الدين والذب عنه والتمكين للمسلمين في الأرض وصَدُّ العدوان الذي قد يقع عليهم، والعمل على نشر دعوة الله والقتال لتكون كلمة الله هي العليا (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ)..

3-(كما يتعين أن يكون الإمام رجلاً: لقول رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة)..

4-(لا مراء أن الأمة مأمورة أن تنقاد للإمام المسلم الذي يقيم فيها أحكام الله ويسوسها بأحكام الشريعة ووحدة الصف وتماسك أفراد الأمة بعضهم ببعض والحرص الشديد على اجتماع الكلمة ومنع الفتنة من صفات المؤمنين البارزة حتى إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه).

نقد لرؤية الهضيبي:

1-لفظ(حراسة الدين) المذكور أعلاه موجود في فقه الجماعة بعدة تجليات عُرفت بالولاء والبراء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع وخلافه..فبمجرد أن تكون هناك سلطة مركزية تعمل على(حراسة الدين)هذا يعني أنها ستحارب أي مبتدع أو منحرف أو عدو للدين..وبالتالي فهي ستحارب أي مخالف(لفهمها)للدين كنتيجة طبيعية لما قلناه في السابق بأن فهم البشر للأديان نسبي، وعليه كان يجب تحرير هذه الأشياء أولاً..(الحكومة الإسلامية-أحكام الشريعة-حراسة الدين)..ولكن لم يحدث ذلك لاعتقادهم بأن المسألة بديهية وهو أمر غير صحيح إطلاقاً والخلاف فيها كبير.

2-لا يوجد شئ اسمه(حكومة إسلامية)في ظل دستور يسمح بالمواطنة والتعدد والمنافسة الحزبية، وهذه إحدى تناقضات الوعي الإخواني بوجهٍ عام، حيث أنهم يؤمنون بالدستور وبفكرة المواطنة والمنافسة،ومع ذلك يقولون بأن تكوين الحكومة الإسلامية فرض واجب، فماذا سيفعلون مع منافسيهم ممن يرفضون أفكارهم ومناهجهم أصلاً؟!..هذا سيضعهم أمام خيارين اثنين ، الأول أن يفرضوا "رؤيتهم" للشريعة على كافة الأحزاب المنافِسة كي يُحققوا الحكومة الإسلامية.. وبالتالي سيرفضون منافسة هذه الأحزاب من الجذور، وسيلغونها أو يطردونها من الحياة الحزبية العامة، أما الثاني فهو أن يُعيدوا النظر في تصورهم للدولة وللشريعة وهذا –في تقديري- أنه أمر غير ممكن مع الجماعة الحالية، فهي تتحالف مع "الراديكاليين" في مواجهة المعارضة بالعموم،فأصبحت النتيجة أنهم يدعون إلى المواطنة والتعدد ولكن ينقضونها بفهمهم للشريعة وسلوكياتهم وتحالفاتهم المشبوهة، فخرجت مفاهيمهم جوفاء لا دلالات لها على أرض الواقع ..إلا كما قال الدكتور عبدالحليم قنديل من قبل أن الإخوان فعلوا كل شئ في الحُكم عدا الشريعة.

3-أنهم يشترطون لتحقيق معنى(الحكومة الإسلامية) هو أن يكونوا جميعاً متدينين بالدين الإسلامي..فلِماذا كان قبولهم بولاية المسيحي في الدولة؟!..هذا يعني أنهم لن يقبلوا بولاية المسيحي إذا ما أيقنوا بأن الشعب قد دان لهم بالولاء وسيسنون التشريعات المُجرّمة والمُحرّمة لولاية المسيحي تحت دعوى الاستجابة(للرأي العام).

4-أنهم يشترطون لتحقيق معنى(الحكومة الإسلامية) أن يكون الحاكم رجلاً، ونفس ما ينطبق على ولاية المسيحي ينطبق على ولاية المرأة.

5-وهو أخطر ما في رؤية الهضيبي، أن الخارج أو المعارض (للإمام الحق أو الحكومة الإسلامية) هو خارج عن وحدة الصف بالضرورة ويجوز قتاله أو قتله، وعليه فالهضيبي لا يؤمن بوجود المعارضة (لحكومته الإسلامية)..وهذا يفسر معارضتهم لكافة أنظمة الحُكم السابقة وهي أنها لم تكن معارضةً للظلم الواقع أو للتقصير البائن بل كانت معارضةً قوامها أن السُلطة ليست(إسلامية) وعليه فيجب الخروج عليها ومعارضتها وتحويلها كي تكون إسلامية.انتهى

يظهر كذلك من رؤية الهضيبي أن الخط العام للفكر السياسي السُني هو واحد منذ عصر المواردي وابن خلدون وابن العربي إلى عصر جماعة الإخوان، ويتفقون جميعاً في إضفاء القداسة على الأحداث التاريخية الفاصلة واعتبارها أدلة ومصابيح يسترشدون بها في الظلام، وكذلك لم تتغير أساليبهم في تبرير أخطاء الحُكّام ، وقد ظهر ذلك جلياً في رؤيتهم للفتنة الكبرى وعصر الخلافة، بل ووصل الأمر إلى ملوك الأمويين قاموا جميعاً بتبرير أخطائهم وجرائمهم بنفس الخلفية السابقة، وهي اعتقادهم بأن الخليفة هو حارس الدين، بالتالي يجوز له أي عمل في سبيل تحقيق ذلك وفق رؤية الحكومة.

إن الخلافة تتحدث بالسُلطة والسياسة ولا علاقة لها بالتوحيد والإيمان بالرسل والملائكة ، حتى حكايتها على ألسن الفقهاء جاءت بأفهام وتأويلات تحاكي في مضامينها أحداثاً سياسية وليست دينية..وما ذكره الهضيبي كسره الإخوان بإيمانهم بالديمقراطية..فالعصا التي تُشقّ عصا الطاعة هي ذاتها وسائل الديمقراطية وآلياتها، فلا يُقال أن دستوراً يُجيز المنافسة الحزبية يتوافق مع مفهوم الخروج عن الحاكم المتعلق بمفهوم الخلافة الوارد عن ابن خلدون وتؤمن به كافة الجماعات الدينية.

إن مسألة الخلافة والدعوة لها الآن هي ضد الشريعة والعقل والمجتمع في آنٍ واحد.. فكرة الخلافة لا يصح تضمينها داخل مفهوم وأسلوب الدولة الحديثة -دولة المؤسسات- علاوة أن الخلافة -كمفهوم وآليات -هي محاولة لاستدرار للتاريخ وعودة للناس بمفاهيم الماضي، كذلك هم يزعمون أن الخليفة سيكون حاكماً وقدوةً لنشر الدين في آنٍ واحد، وهذا خطأ لا يستقيم، فالسيطرة هنا عسكرية وليست عقلية سلوكية، لأن فكرة السلطة-المتعلقة بالخلافة-هي فكرة عسكرية بحتة، لأن التاريخ لم يذكر حادثة وحيدة حَكَمَ فيها الضعيف من هو أقوى منه.

معنى أن يطرح هؤلاء فكرة الخلافة يعني أن رؤيتهم المستقبلية غير موجودة، ولتبسيط ذلك فالزمان عبارة عن.."ماضي وحاضر ومستقبل"..وما حدث من أمور الخلافة بعد الرسول كان مستقبلاً لماضي قد انتهى وهو دولة الرسول، فيَثبُت أن مستقبل الكون عند هؤلاء غير واضح المعالِم، لذلك هم يتخبطون وكلما أرادوا خلافةً في مكان نراهم وقد أصبحوا مجرمين، تَخرُب البلاد على أيديهم وتسقط ضمائر الناس وأديانهم، وهذا دليل إضافي على أن فكرة الخلافة هي فاسدة لا تصلح لأي مجتمع، حتى مع أمثلتهم ونماذجهم يعترفون أنه لا يوجد نموذج واحد يُمثّلهم، مما يعني أنهم يتصورون العالم بصورة طوباوية مثالية يُهرول إليها الجميع ، وهذا غير حقيقي وغير واقعي وهو ما أنتج صور الفساد والاستبداد السياسي عبر التاريخ..الدولة الأموية نشأت كذلك ..والعباسية والعثمانية كذلك..كان لكلٍ منهم مشروعاً عِرقياً أو دينيا عاطفياً أو وِراثيا..تعددت الصفات ولكن مشروعهم واحد، جميعهم استبدوا بالحُكم وظلموا الناس وقتلوهم في جرائم متتالية يندى لها الجبين.

من جانبٍ آخر لا يُمكن التعاطي مع دولة الخلافة-وتفسيرها- بدون التعاطي مع ما حدث بعدها ، هذا في حال تغاضينا عن ما حدث في دولة الخلافة والأسباب الحقيقية التي أدت للثورة الشعبية التي أطاحت بالخليفة عُثمان وقتلته...كُتب التاريخ تعج بهذه الأسباب وللأسف لا يذكرها إلا القليل، وكأن قدرنا أن نطمس تاريخنا بأيدينا خوفاً ورهبةً من أن يُقال عنا ما نكره.

كذلك في كل زمان أحداث ، هذه الأحداث يستحيل أن تتكرر بنفس الطبيعة والأسلوب، قد تتكرر شكلياً أي وصفياً، بمعنى أن الخلافة كانت موجودة في السابق ولكن يستحيل إيجادها في اللاحق كطبيعة وكآليات وكأسلوب، وهو ما شرحته في بحث.."أكذوبة خير القرون".. بمعنى أن التفكير الآن في الخلافة –بنفس مزاعم الداعين لها-هو درب من دروب الوهم، مع ذلك يمكن أن توجد الخلافة في صور أخرى.. كأي تكتل سياسي أو اقتصادي، ومع إمكانية تحقق ذلك فالعرب والمسلمين ليسوا مؤهلين له الآن، بل بينهم وبين هذه التكتلات العديد من السنوات الضوئية!

أخيراً فبمجرد ذكر الخلافة إلا ويعتري ذلك جرائم وفِتَن متعاقبة لا يسلم منها أحد، بينما الدين لا يُنادي بهذه الجرائم، بل ويُحاربها، جميع الأديان قد شرّعها الله لوحدة البشر وجمعهم على مصالحهم وعلاج مشاكلهم ولتعزيز فضائلهم والمحافظة على ثوابتهم الأخلاقية والنضالية، فلو أصبح الدين عند البعض سبباً للتفرقة أو انحطاط الأخلاق أو غياب الكفاح وانتشار الظلم فاعلم أن هذا الدين هو دين مزيف وليس له شأن بما أنزل على الأنبياء ...المتدين الحقيقي هو الذي يَجمع ولا يُفرّق، يُناضِل ولا يقعد، يعلم ولا يجهل، ينشر العدل ويتحرز من الظلم ولو على مصلحته، إذا تدين الإنسان وبدأ بفرز عقائد الناس وإطلاق الأحكام في حق مخالفيه فهو ينصر نفسه وليس الدين..حتى لو نادى بالخلافة فدعواه كاذبة...لأنه لا خلافة في الإسلام.

اجمالي القراءات 16426