من ذكرياتي مع الفريق السيسي(3-3)

سامح عسكر في السبت ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

السيسي وبدون مبالغة يعتبر مجدد للكتيبة 509 مشاة ميكانيكي، فكان -حسب ما سمعت بعد رحيله -أن الكتيبة لم تكن مذكورة على مستوى المنطقة المركزية، فقد أعطى لها سمعة على مستوى القيادة جعلت من يأتي خلفه يحمل مسئولية أن تظل الكتيبة على هذا الوضع،وبالفعل كان كل من يَخلُفهُ يحمل هذه المسئولية، لكن للإنصاف فكان القادة بعد السيسي لا يقلون ذكاءً منه، وكأن كتيبتنا موعودة بصنف معين من القادة.

ونظراً لأنني لم أمكث مع السيسي كثيراً فقد سمعت من الضباط وضباط الصف أن السيسي هو الذي بنى الكتيبة وأن من جاء بعده يدين بالفضل للسيسي، حتى أن المقدم شريف الصم-وهو القائد الذي خلف السيسي في القيادة-كان قوياً وحازماً ولكن ضاعت جهوده هباءً من أثر سمعة السيسي بين القيادات بل بين الجنود.

بفضل الله ثم العقيد السيسي أن نجحت الكتيبة في نيل مركز .."كتيبة الاحتياط"..على مستوى المنطقة المركزية، فكانت كل عمليات التأمين الخاصة برئيس الجمهورية تقع على عاتق الكتيبة، فنذهب لتأمين الرئيس داخل مدرسة التنظيم والإدارة في شارع النصر بجوار العقاد مول، ومع كل عملية تأمين يصحبها جهد غير عادي من عساكر العمليات-وأنا منهم-وضباط السرايا في تدريب الجنود على عمليات القطع والعزل والاقتحام.

كنت أمشي بجوار السيسي بما نسميه عسكريا.."الشدة الخفيفة"..وتحوي جميع المستلزمات الضرورية من مياة وذخائر وزيوت وكوريك...وغيرها من الأشياء، حتى أنني كنت أكره يوم التأمين من هذا الحمل الثقيل على الظهر، ولكن يزول التعب والإرهاق مع الوصول لمدينة نصر وبدء إجراءات التأمين، حيث كنا نستأنس بوجوه ومناظر المدنيين، وحين نتناول التعيين"الطعام"نتناوله نظيفاً ومميزاً على غير العادة..

ولكن بما أنني كنت عضو مكتب عمليات فكنت أحمل هذه الأشياء إضافة إلى الخرائط وصندوق العِدة وبداخله الأقلام والمساطر والألوان وألواح.."الفبريانو"..وبَكَر.."الباسبارتوف"..وغيرها من مستلزمات الخط والرسم، هذا حِمل ثقيل ولكن السيسي كان لا يرى داعياً لحمل هذه الأشياء وأنا أعمل معه على الخريطة، فكان يقول انزع الشدة كي ترسم براحتك..

كان السيسي ماهراً في القيادة بدلالة صعود نجم الكتيبة على يديه، وبانطباع الجنود والصف والضباط عنه، فقد كان يجمع ما بين الحكمة والقوة، وكانت تعلو لمحات وجهه ابتسامة خفيفة تُخفي ورائها مشاعر حزن، وهذه أشياء لابد من توافرها في القائد-أياً كان-أن يجمع ما بين الحكمة والقوة بطريقته الخاصة، وكلما كان ماهراً في اكتساب هاتين الصفتين كلما كان قائداً عظيماً أو زعيما.

ربما كان الرجل غير ذلك ولكنه تسجيل مشهد ونقطة من أول السطر، فربما تتغير مواقفنا أو مواقفه، وما نكتبه ليس إلا خواطر بمناسبة فوزه بشخصية العام في استفتاء مجلة التايم الأمريكية، وقد حرصت على عدم ذكر هذا الدافع في المقدمة كي يستمتع القارئ بما أكتبه وأرسمه، وأن يعلم القارئ أن هذه السطور ليست لتعظيم أحد أو لخلق فرعون جديد ، فزمن الفراعين انتهى، أما الظلم في هذا العصر فقد تشكل بطُرق جديدة قد يأتي معها الحاكم الظالم بطريقة ديمقراطية، بل ربما تضيع الأمم بسبب خيار ديمقراطي واحد.

وأنا أفضل أن يكون السيسي بعيداً عن حُكم مصر، ورغم ذلك أؤمن بأن للرجل مزايا قيادية وشعبية قد تجعله رجل المرحلة وزعيم الوطن، ومع هذه الرتبة التي يحظى بها لدى البعض فلا أطمئن لوجوده على قبة السلطة، وأفضل أن يظل كما هو وزيراً للدفاع وحصناً للجيش المصري ضد الأعداء، ولو كان وضعه في هذا المكان سيخلق له أعداءً أو خصومة مع السلطة ففي تقديري أن ذلك لن يحدث، فالقيادة الجديدة تعتبر بمكانة الرجل في ضمير الشعب، وهي لن تغامر بوضعها كي تستبدل قيادة الجيش بقيادة أخرى لا يثق فيها ولا يعرفها الشعب.

أتذكر أيضاً أن السيسي كان يهتم بالمكتبة ويأمرني بالاعتناء بها، وحيث كنت شغوفاً بالقراءة الليلية تحت أضواء اللمبات النيون، وفي أجواء القمر كانت القراءة ممتعة، لم أستمتع بالقراءة كثيراً في عهد السيسي،ولكن أتذكر أنني توسعت في القراءة بعد ذلك حيث لم يُسعفني الوقت في القراءة مع السيسي، لأنني كنت شغوفاً في تثبيت أقدامي في مكتب العمليات، وبعد أن حصلنا على الأقدمية وأول درجة ترقية بدأت في الانشغال أكثر بالثقافة والاطلاع، وقرأت سلسلة الدفرسوار والجولات الأربعة للحرب العربية الإسرائيلية، وتاريخ اللواء 120 في حرب أكتوبر بالكامل.

كذلك قرأت معارك العلمين وخطط الكيماوي في الحرب العالمية الأولى، وبعض الكتيبات الصغيرة في فن الحروب،ولكن حين كنت أهم بقراءة الحرب القديمة والأسلحة أشعر بالفتور وعدم الاهتمام، ذلك لزعمي أنني إنسان واقعي إلى حد كبير، ولا يهمني من التاريخ سوى الأحداث وقراءتها في سياقاتها وربط ما هو موجود من آثار وأحداث بالزمن الماضي للاعتبار.

في نهاية هذه الخواطر أتذكر جيداً أن اللواء أركان حرب.."محمد المصري"...قائد المنطقة الغربية العسكرية حاليا كان يشغل رئيس عمليات اللواء 120 مشاة في ظل قيادة السيسي للكتيبة، وكان يأتي للسيسي أحياناً، وسمعت أن اللواء مصري هو دفعة السيسي، وأتذكر أننا كنا نطلق على اللواء مصري لقب.."السادات"..لأنه كان يُشبه الرئيس السادات بدرجة كبيرة.

وهذا يعني أن قادة الجيش المصري الحاليين هم دفعة السيسي أو زملائه في الخدمة، و ربما يفسر ذلك قوة وترابط الجيش المصري في مواجهة الإرهاب وتهديدات الإخوان، فعندما علمت بأن اللواء مصري هو قائد المنطقة الغربية العسكرية تذكرت على الفور اللواء حسن الرويني قائد الفرقة الثانية وعضو المجلس العسكري السابق، حيث شهدته في الاستدعاء الثاني وكان فيه رئيساً لأركان الفرقة الثانية، وأتذكر أنه كانت لي بعض المواقف مع اللواء مصري، أما الرويني فلم أتقابل معه سوى في طابور الفرقة أثناء تفتيش الحرب الذي عقدته قيادة الفرقة على الوحدات.

العظماء وقادة الجيش المصري تقريباً هم يخرجون من الفرقة الثانية، طنطاوي كان قائداً في الفرقة الثانية والآن السيسي، المنطقة المركزية تُخرِج كوادر عسكرية رائعة، ولكن شرط أن تظل في عسكريتها فالوطن أحوج لهم في وظائفهم، عسى أن يكون فارقاً بين الحياة المدنية والعسكرية فتختلط الأمور، أخيراً هذه ذكرياتي وأنا مسئولُ عنها وعن صدق المعلومات التي تحتويها، وسردها في هذا الوقت لتوضيح ما خفي واختلط من شخصية الرجل ، فيجب التوضيح والرسم للمصادقة مع الواقع.

اجمالي القراءات 15781