ملك اليمين
يقول تعالى (يا أيّها الناس إنّا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ...
ليس ليستعبد بعضكم بعضاً
وقال (ولقد كرّمنا بني أدم) والإستعباد
هو غابة الذل والسقوط
وجعل الله تعالى إنزال الكتب وإرسال الرسل له هدف واحد
وهو إقامة العدل في الأرض (سورة الحديد 24)
فالعدل أساس وأس الدين
وهو مخالف لإعتقادات الفقهاء وتشريعاتهم السلطانية للأسف
في ملك اليمين
وتشريع الإستعباد للبشر..فالله تعالى أرسل موسى لفرعون بسبب إستعباده بني إسرائيل..!
فكيف يعيدون لنا الفرعونية في الإسلام ..؟
إنّ الذي لم يحلظه الفقهاء رحمهم الله وغفر لهم
أنّ كل ألفاظ ملك اليمين جاءت في القرآن بصيغة الماضي
(ملكت أيمانهن-ملكت يمينك-ملكت أيمانكم)
ولم تأت ولا مرة بصيغة المضارع أو المستقبل
وهذا هو المفتاح الذهبي الأساس
الذي كان ينبغي أن ينطلق منه أهل القرآن ولم يفعلوا للأسف.
فالإسلام جاء والناس يستعبدون الناس
وقد إشتروهم بالأموال وبينهم عقود على ذلك
فقد أبتلي بهؤلاء القوم .. فلو حرّم فهو يحترم العقود
ولو حلّل الإستعباد فهو جاء لتحريرهم .. فماذا فعل ..؟
بدأ الحكيم بتجفيف المنابع وحلّها وتشريع أحكام خاصّه
لهذه المشكلة حتى يقضي على هذا الإسترقاق
وممنوع على المسلم أن يعود ليسترقق من جديد
ويستعبد الناس وإلّا لجاءت بصيغة المستقبل (ستملكون)
للسماح بإمكانية وقوعه مستقبلاً
فذكر (ملك اليمين) كلّه كان في الماضي أمّا المستقبل فمحظور.
فبعد نصر المسلمين في الأحزاب قال الله (فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً)
ولم يقل تستعبدون فريقاً أو تملكون يمين فريقاً أو تسبون فريقاً
لأنّه كما قلنا أنّ القرآن عالج الماضي من الإستعباد وحرّمه في الحاضر وشدد في العودة إليه في المستقبل
فتشريع ملك اليمين كتشريع ناكح الأختين فإنّ الله أقر ما سلف من تلكم الزيجه لأنّ المتزوج لا يعلم بتشريعات القرآن
وقد حصلت بينه وبين زوجته المكاتبة ونهى أن يعود أحد لمثلها في المستقبل
والقرآن قد إصطدم بإستعباد للبشر عليه مكاتبه رسميّة
(سورة النور أية 18)
والقرآن يحترم العقود وهو القائل (أوفوا بالعقود)
فلم يستطع فك رقاب العبيد وتحريرهم
بتحريم ذلك مباشرة لأنّ في ذلك ظلم للسيّد لأنّه دفع مالاً للإستعباد وقد حدثت بينهم مكاتبه هو وعبده ..
فماذا يفعل القرآن وكيف يتصرّف .. ؟
لم يستطع القرآن تحرير العبد مباشرة هكذا فبدأ يحرّره بطريقه غير مباشرة فأنظر بالله عليك كيف وتدبّر حكمة الحكيم:
1-جعل القرآن كفّارة القتل تحرير ذلك العبد (سورة النساء 92)
2-جعل تحرير العبيد في كفّارة اليمين (سورة المائدة 89)
3-جعل كفّارة الظهار عتق ملك اليمين (سورة المجادلة 3)
4-جعل تحرير العبد من ضمن بنود الصدقات (البقرة 177-التوبة 60-البلد 12و13-النور 33)
كل هذه طرق تحرير غير مباشرة ليتخلّص العبد من مالكه
فإذا كان ولابد من الإسترقاق ولم يتأتى أحد هذه الفرص ليتحرر العبد فإنّ الله يعلّم السيّد تعاليم يتبعها مع هذا العبد ليكرهه حتى يحرر عبده:
1-مال السيّد يكون بينه وبين العبد بالمناصفه (سورة النحل 71)
2-في زواج المملوكة لابد من عقد نكاح وإذن أهلها وإلّا فالزواج زنا وإذا زنت فعليها 50 جلدة (النساء 25)
3-لها مهر كما للحرّه (الأحزاب 50)
وبهذه التشريعات القاسية على السيّد سيضطر رغماً عنه
أن يحرر ما ملكت يمينه وهذا هو المقصد من التشديد عليه في هذه الأحكام.
بل والتشريعات تلاحق هذا العبد إلى حين إطلاق سراحه
فإذا أراد السيّد فكّه فإنّه يعطيه مالاً يسيراً يسيّر به حاله وحياته
حتى يجد عملاً ومأوى يعمل به (النور 18)
وبالنسبة لمن يقول إنّ السبي وملك اليمين هو من
خراج الحرب فهذا باطل
لأنّ العدو في القتال ليس له إلّا حكمين
إمّا القتل وإما الأسر
والأسر غير التملّك والإستعباد وله –أي الأسير- حكمان
إمّا المنّ والتحرير له بلا مال وإما الإفتداء بالمال
فأخطأ من قال إنّ ملك اليمين هو بسبب الحروب.
وأقول /إنّ أفضل طريقة لتحرير بلاد كثر فيها الإستعباد للبشر
هو علاج القرآن
فهو لا يحارب الإستعباد مباشرة ويدفعه في وجهه
ويواجهه وجهاً لوجه
بل يأتيه من فوقه وتحته وعن أيمانه وشمائله بطريقة غير مباشرة بحيث لا يعلم أهل ذلك البلد إلّا وهم متحررين تماماً
وفي لمح البصر فهي تشريعات ذكيّة صادرة عن العقل الأكبر.
ولكن ما يخص موضوعنا هنا هو أنّ أيات ملك اليمين أستغلّت فعلاً في إستعباد البشر وجعلهم خدماً وعبيداً بإتباع المتشابه من القول فأنظر الخطورة عندما يحرّف الكتاب وتدخل فيه الأهواء .. !
خطورة إتباع المتشابه من القول
فالإسلام جاء ليحرر البشر وجعل ذلك هدفاً أساساً من أهدافه
وكل قصص الأنبياء تنص على ذلك
هذا غير صريح الأيات المباشرة التي ذكرنا أنفاً
ومع ذلك جعلوا من (تشريعات ملك اليمين) إستعباد للبشر بإسم الله
وهذا هو تمام الزيغ وهذا هو إتباع المتشابه بعينه ولو ردّوه إلى الأيات المحكمه التي تنهى عن إستغلال البشر وتحرر الإنسان من كل مستعبد لكان خيراً لهم ولنا ولكن لم يكن.
فغفر الله لهم ولنا والحمد له على فتحه.