تحقيق: سامح عبد الحي - في موسم الحج .. للبزنس اوجة كثيرة .. منها ما هو مقبول ومنطقي ومنها ما يتجاوز حدود التصور وما بينهما مسافات شاسعة من الاموال والمصالح التي تستغل "موسم" هذه الفريضة الذي يعتبر مصدر رزق لفئة كبيرة ويتمنون ان تظل طوال العام بدءا من شركات السياحة التي تعتبرها "سبوبة" كبري تنظر بموجبها الى الحاج على انه مجرد "زبون" تسعى ان تحقق من ورائه ارباحا خرافية تحت ستار اداء الفريضة المقدسة مرورا بالاعلانات المتكررة عن ملابس الاحرام وشرائط كاسيت لتعليم اداء المناسك وصولا الى استغلال بعض اصحاب الجمعيات الاهلية والنصب على المواطنين وجمع اموالهم وخداعهم بالسفر لاداء الحج.
وقد بلغت حصة مصر من تأشيرات الحج هذا العام 78 الف حاج تم توزيعهم كتالي 31 الفا وخمسمائة حاج لحجاج القرعة بنسبة 40% و30 ألف حاج لحجاج السياحة بنسبة 40% ونحو 12 ألف حاج للجمعيات والباقى لبعثة الحج الرسمية والبعثات الفرعية.
وفي العام الماضي كانت حصة مصر 74 ألف تأشيرة، فى حين أن الرقم الذى أعلن عنه في ذلك الوقت هو 69 ألف تأشيرة فقط والفرق بين الرقمين 5 آلاف تأشيرة لا أحد يعرف على وجه التحديد أين ذهبت هذه التأشيرات.
وتذهب نسبة كبيرة من التاشيرات الي شركات السياحة التي تقوم بالمتاجرة في المواطنين واستغلال رغبتهم في اداء هذه الفريضة المقدسة ويرفعون الاسعار ويبالغون فيها مما يحرم البعض من غير القادرين على اداء تلك المناسك.
ففي كل عام تداعب كلمات " لبيك اللهم لبيك لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك " آذان المسلمين في كل مكان كبار وصغار رجال ونساء شباب وشيوخ.. الكل تشتاق قلوبهم إلى زيارة بيت الله الحرام.. ولكن مع ارتفاع أسعار الحج في مصر مقارنة بالدول العربية الأخرى يصبح الحلم بعيد المنال بالنسبة للكثير.
التكلفة الحقيقية
على الرغم من ان تكلفة الحج وفقا لتصريحات الجانب السعودي لا تتعدي 12 الف جنيه مصري شاملة السكن الفندقي والخيام والتنقل والخدمات والوجبات والسفر بالطائرة الا ان تكلفة الحج وفقا لفواتير شركات السياحة في مصر تتراوح ما بين 40 الفا الي 110 الف جنيه حسب "الزبون".
وبالفعل تحول الحاج في نظر هذه الشركات الي مجرد زبون تسعي الى تحقيق المكاسب الطائلة من ورائه.. هذا التفاوت الرهيب والفارق الشاسع بين التقديرات السعودية والمبالغات المصرية يفضح الصراع الخفي على "تورتة" التأشيرات والبيزنس المنصوب على "جيوب" الحجاج.
تتراوح اسعار الحج في مصر سواء كان السياحي او الفاخر من 40 الف الى 110 الف جنيه ويبرر اصحاب شركات السياحة هذا الارتفاع بسبب ارتفاع تكلفة الاقامة بالفنادق والتنقلات داخل الحرم وبسبب عمليات التوسعة التي يتم تنفيذها داخل الحرم وهو ما نفاه مسئولون سعوديون.
وصرح فائق بياري رئيس مجلس ادارة المؤسسة الاهلية لمطوفي حجاج الدول العربية انه لم تحدث تغييرات في اسعار الخدمات التي تقدمها المؤسسة لاكثر من 350 الف حاج عربي وان الزيادة عادة ما تكون خارج نطاق الخدمة وفي المتطلبات التي يحتاجها الحاج والتي ترتبط بالارتفاعات العالمية.
ووصف بياري تكاليف الحج الحج في مصر بانها مبالغ فيها بصورة غير مقبولة، فالحج المصري بالطائرة لا يتجاوز 12 الف جنيه مصري في حين نجد ان الشركات في مصر تطلب مبالغ غير مقبولة تتراوح مابين 35 الف و75 الف جنيه حتي 100 الف جنيه "حسب" نوع الحج.
ويشرح احمد السراج خبير الحج والعمرة وصاحب اكبر شركات الحج في السعودية تفاصيل متوسط التكاليف التي ينفقها الحاج المصري هناك قائلا ان تكاليف الحاج المصري داخل السعودية لا تتجاوز 5 الاف ريال سعودي بما يعادل 7500 جنيها مصري منها 1500 ريال سعودي للسكن الفندقي و2000 ريال للخيام والتنقل و1500 ريال للوجبات علي مدار الشهر بواقع 50 ريال يوميا.
واشار ان القطاع الفندقي شهد ارتفاعا العام الماضي بنسبة تقدر بحوالي 30% وذلك بسبب ازالة 1000 فندق ومبني لاجراء التوسعات الضخمة التي يشهدها الحرم المكي الشريف متهما شركات السياحة المصرية برفعها للاسعار والتكاليف وليست السعودية كما يدعي البعض منهم لان السلطات السعودية حددت اسعار بعض الخدمات ولا يمكن لاي احد تجاوزها.
هذا بالنسبة للجانب السعودي اما من ناحية شركات السياحة المصرية فهي تعلق هذه الزيادة في اسعار الحج هذا العام علي الجانب السعودي فيبرر البعض ان ارتفاع اسعار تذاكر الطيران من 6 الاف جنيه الي 7500 جنيها كان سبب من اسباب ارتفاع التكاليف هذا ما اوضحه احمد شوقي مدير احدي شركات السياحة.
واضاف ان تكلفة الحج الفاخر تتجاوز 110 الف جنيه في بعض الاحيان ويوجه الجزء الاكبر من هذا السعر الي الفنادق التي قفزت اسعارها بشكل كبير فسعر الغرفة الواحدة التي تتسع لاربعة اشخاص ارتفعت من 6 الاف جنيه الي 12 الف جنيه في الليلة الواحدة بالاضافة الي الزيادة السنوية في اسعار الخدمات داخل الحرم الملكي.
وتختلف اسعار الفنادق حسب قربها او بعدها عن الحرم الشريف حيث تزداد الاسعار في الفنادق القريبة بنسبة 20% مما يرفع التكلفة بمقدار 10 الاف جنيه تضاف الى السعر الاجمالي للرحلة.
بيزنس التأشيرات
بيزنس بيع التأشيرات ينشط في هذا الموسم تحديدا فشركات السياحة الصغيرة والتي لاتملك اماكنيات تؤهلها لتنظيم رحلات الحج ولا ترغب في التنظيم تقوم ببيع حصتها من التأشيرات لشركات كبيرة أو لأفراد عاديين مثل أعضاء مجلس الشعب والشوري الذين يستخدموها كدعاية انتخابية ويكون سعر التأشيرة الواحدة مختلف ومتفاوت ويتراوح من 12 الف الى 18 الف جنيه وهناك بعض الشركات تبيعها ب 15 الف جنيه مما يجعل بعض المواطنين يقعون فريسة للنصب والاستغلال.
ويطالب محمد عبد السلام مسئول السياحة الدينية باحدي الشركات التي تنظم رحلات الحج والعمرة بضرورة تشديد الرقابة لضبط كل من يتلاعب بطرق غير شرعية للحصول على تأشيرات إضافية بجانب حصته المحددة لان هناك بعض الشركات تكون اتحادات مع بعضها لتجميع أكبر عدد من التأشيرات وبيعها لراغبي الحج من الاغنياء او استغلالها في تنظيم الحج الفاخر فقط.
وأكد أن أسعار برامج الحج الفاخر تبدأ من 40 الاف حتى 110 ألف بالنسب للغرف الزوجية والفردية والغرف الرباعية 50 ألف جنيه، أما الحج العادي فييصل في بعض الأحيان إلى 30 الف جنيه.
وعند رصد أسعار الحج في بعض الدول العربية ومقارنتها بالأسعار في مصر يتضح جشع شركات السياحة واستغلالها فتكلفة الحج في السودان هي 2800 دولار للسفر بالطيران و1800 دولار للسفر بالباخرة وأسعار الحج السياحي تتراوح بين 3000 و5000 دولار وفي سوريا نجد أن أسعار الحج تبلغ 2300 دولار من خلال شركات السياحة، و1500 دولار عن طريق الحكومة وفي إندونيسيا تكلفة الحج لا تتعدى الـ 3500 دولار، ولم تكتف الحكومة الإندونيسية بذلك، بل إنها تتيح فرصة التقسيط للحجاج غير القادرين.
ويدافع اسامة السلاموني صاحب شركة سياحة عن الاتهامات التي يكيلها البعض الي شركات السياحة بانهم يستغلون رغبة المواطنين في اداء الحج ويرفعون الاسعار والتكلفة قائلا انهم مرتبطون باسعار تذاكر الطيران التي زادت بشكل كبير وبدون مبرر ووصلت إلى 7000 الاف جنيه للتذكرة من مصر الى المدينة المنورة.
وتسائل إذا كانت رحلة الطيران من مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية والصين تقدر بـ 4000 آلاف ميل، وتبلغ تكلفتها 4000 آلاف جنيه، فكيف يكون سعر رحلة الطيران من مصر إلى المدينة المنورة 4500 جنيه، على الرغم من أن المسافة بينهما حوالي 1000 ميل والمعلوم لدينا أن هناك تسعيرة دولية ثابتة ليست لها علاقة بالأعياد أو المناسبات الدينية، يجب احترامها من قبل شركات الطيران أو الموانئ والنقل البري.
وتبرر شركات الطيران هذه الزيادة بان الطائرة تعود "فاضية" بدون ركاب والاسعار تختلف من خط طيران الى اخر ويعتمد على توقيت الحجز والمطار الذى تقلع منه وخط الطيران الذى تقوم بالحجز عليه متعجبا من اتهام شركات السياحة برفعها الاسعار ومستاءا من مقارنة التكلفة في مصر بالدول الاخري لان في مصر سعر الطيران يختلف عن اي دولة اخري واسعار تاجير الفنادق في السعودية تختلف من شركة الى اخرى فالنظام السائد بالسعودية تقوم شركات الحجز بشراء فنادق كامله وبيعها فى المواسم باضعاف التكلفه الفعليه فالغرفة التي كانت تحجز ب 150 ريال اصبحت تحجز ب 350 ريال فلا تظلمو بعض شركات السياحة.
ويرد مسئول الحجز باحدي شركات الطيران رفض نشر اسمه على ادعاءات شركات السياحة في ان اسعار تذاكر الطيران المحددة هذا العام زادت عند مقارنتها بالعام الماضي ولكن ليس بالقدر الكبير الذي يجعل شركات السياحة تضيف 10 الاف جنيه اضافية على تكلفة الرحلة فبلغ سعر التذكرة ذهابا وعودة 5350 من القاهرة الي جدة و6110 إلى المدينة المنورة.
وهناك اسعار اخري ذهابا وعودة بلغت 4860 جنيها القاهرة/ جدة، و6860 القاهرة / المدينة المنورة، و5290 جنيها القاهرة / جدة، و7170 المدينة المنورة وذلك حسب موعد الرحلة فكلما قام الحاج بالحجز في اقرب وقت كانت اسعار الرحلات اقل.
"سبوبة" ملابس الاحرام وشرائط الكاسيت
بعيدا عن الارباح الطائلة التي تحققها شركات السياحة يوجد بيزنس اخر ينشط في هذه المناسبة للتسع قاعدة المنتفعين من هذه المناسبة الدينية.
ونظرة سريعة على اعلانات الصحف والتليفزيون قبيل موسم الحج تكشف مدي تسارع الجميع من اجل الحصول على "كعكة " اموال الحجاج منها ما هو منطقي مثل اعلانات عن ملابس الاحرام وتقديم شرائط كاسيت وفيديو لتعليم مناسك الحج بصوت مشاهير المشايخ فضلا عن قيام اصحاب المحلات برفع اسعار جميع الملابس البيضاء بدرجة كبيرة استغلالا لموسم الحج كما تقوم شركات اخري بتقديم مصحف ناطق للحجاج باسعار مبالغ فيها.
كما ان شركات الاتصال تكون لها نصيب من هذه " الكعكة " حيث عملت علي توفير كروت منزلية للخطوط الدولية باسعار خاصة وقامت شركتا المحمول بعرض دقائق مجانية ليؤدي الحجاج فريضة الحج وهم مطمئنون علي ذويهم في مصر حتي البنوك اعلنت عن توفير الريالات للحجاج اي كل شئ يحتاجه الحاج في رحلته اصبح مجالا خصبا للبزنس والتجارة .
وربما نجد في المواسم القادمة اعلانات تقول: نحن نقدم لك حجا سريعا يوم واحد ذهاب وعودة .. واترك رمي الجمرات علينا او نحن نوفر لك من يسعي بدلا منك في الصفا والمروة كما تنشط الجمعيات الاهلية التي تحصل علي نسبة معقولة من رحلات الحج لكن البعض لا يقنع بالربح الحلال ويقوم البعض بجمع الاموال من المواطنين راغبي الحج واقناعهم بانهم سوف يوفرون لهم تأشيرة للحج ولكنهم يجمعون تلك الاموال ويهربون بها.
واذا كان ذلك قليل من انشطة البيزنس قبل السفر لاداء فريضة الحج فانه اثناء الرحلة المقدسة فان البعض يسافرون لاغراض شتي فهناك فئات تسافر للتقرب من الله عز وجل وفئة اخري تسافر للسرقة والنشل والمتاجرة بالعملة.
وهناك من يسافر من رجال الاعمال للحصول علي لقب حاج حيث ان هذا اللقب يساعده يساعده كثيرا في اتمام وعقد صفقات مع رجال اعمال عرب واجانب وهناك فئة اخيرة يكون هدفها السفر لايجاد فرصة عمل هناك والبقاء بالاراضي المقدسة والتخلف عن ركب العودة وهؤلاء كثيرون سواء اثناء اداء الحج او العمرة.
وبعيدا عن هؤلاء فان معظم الحجاج يشترون هدايا كثيرة لاهلهم وذويهم كلها منتجات صينية ومنها منتجات مصرية تستنزف اموال طائلة منهم مما ينعش الاسواق السعودية كثيرا.
وبيزنس الحج لا يقتصر فقط على استغلال شركات السياحة ورفعها الاسعار ولم يقتصر ايضا على الاعلانات التي تقدمها بعض الشركات بتوفير ملابس الاحرام وشرائط كاسيت وفيديو لشرح كيفية اداء المناسك وبيعها للحجاج بأسعار خرافية ولكن لتكتمل حلقة "تحَول الحج الي بيزنس وسبوبة" لابد من التطرق الي البعض الذين يقومون بتدبير تكاليف الحج للسفر إلى السعودية والتخلف بعد اداء الفريضة وعدم العودة والبحث عن عمل ليكون المواطن المصري قد "ضرب عصفورين بحجر واحد" يؤدي فريضة الحج ويبحث عن عمل.
وفي هذا السياق يشير الخبير الاقتصادي محمد عبد الجواد استاذ الاقتصاد ان الجانب السعودي يحاول كل عام تقليل نسبة التأشيرات الممنوحة لمصر لما يسببه الحجاج المصريين من مشكلات كبيرة علي الاراضي السعودية واخطرها مشكلة تخلف الكثير سواء من المعتمرين في مواسم العمرة او الحجاج واصرارهم على عدم العودة والبقاء بالاراضي السعودية للبحث عن عمل.
وأضاف أن الحاجاج المصريون يتحايلون بكل الطرق للبقاء بضعة شهور بعد انتهاء مناسك الحج وتقوم الشرطة السعودية بإلقاء القبض علي عدد كبير منهم وترحيلهم الي مصر نظرا لعدم وجود معهم اوراق الاقامة وتأشيرة الدخول للعمل.
وتكون النتيجة تعنت الوكلاء السعوديين في تعاملاتهم مع شركات السياحة بحجة تجنب العقوبات التي تفرضها عليهم السلطات السعودية وجعلهم يحملون قيمة تلك الغرامات التي يدفعونها بسبب هروب الكثير من الحجاج المصريين علي تكلفة رحلات الحج فتقوم شركات السياحة بتحميل هذه الزيادة علي المواطنين.