تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح المساجد:(4)
(4) مقترح إصلاح المساجد المصرية

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا  : لمحة تاريخية عن مساجد الضرار

1 ـ فى عهد النبى عليه السلام كانت خطبة الجمعة قراءة للقرآن ، ولذلك لا توجد خطبة للنبى لأى صلاة جمعة ، مع إنه عليه السلام صلى الجمعة فى المدينة أكثر من 500 مرة . الأمويون إشتهروا بتأخير الصلاة عن مواقيتها ،وسيأتى تفصيل ذلك بعون جل وعلا فى الجزء الثانى من كتاب ( الصلاة بين الاسلام والمسلمين ) ، ولكن الأخطر أن الأمويين إستخدموا الصلاة والمسجد فى تدعيم سلطتهم السياسية وفق ما إعتادته قريش فى جاهليتها . تحولت خطبة الجمعة فى العصر الأموى الى منشور سياسى يتم فيه لعن ( على بن أبى طالب) والدعاء عليه فى الخطبة ، ثم يقوم القُصّاص بالقاء درس  يخلط فيه الخرافة بالأحاديث بالدعوة لبنى أمية ولعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) وتمجيد معاوية . ووصل لنا من هذا الهراء قولهم بأن معاوية كان من كُتّاب الوحى ، مع إن معاوية أسلم فى فتح مكة ولبث فيها مع أبيه بعيدا عن النبى الى أن مات النبى بعدها بقليل، فمتى وجد وقتا ليصحب النبى ويكتب الوحى ؟ . قام العباسيون بتدمير الدولة الأموية وإنشاء دولة دينية مكتملة الاركان فى العصر العباسى ، وفيه إصبحت المساجد ذات صبغة ايدلوجية سنية أو شيعية أو صوفية ، أى تحولت الى مساجد ضرار حقيقية . بل وتطور الصراع السّنى الشيعى فى بغداد فى العصر العباسى الثانى لتلعب فيه المساجد دورا تخريبيا ، سنعرض لملامح منه فى بحثنا عن انتهاك المسلمين للأشهر الحرم  فى كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين . وفى مصر أنشأ الفاطميون مساجد ضرار لنشر التشيع كان أشهرها ـ ولا يزال ـ الجامع الأزهر .

2 ـ  وفى النهاية صارت سُنّة متعارفا عليها أن يتم إستخدام المسجد فى أغراض سياسية أو نفعية ، وقد تتطور الى جعله مركزا إرهابيا حربيا ينشر القتل والخراب . وأصبحت الدعوة للسلطان الحاكم بالنصر تقليدا للمساجد الرسمية، بينما يقيم المعارضون السريون مساجد لهم يتآمرون فيها على السلطان ، أو ينشرون فيها سرا عقائدهم إن كانت ضد الدين الأرضى السائد . وهذا ما إتبعه الشيعة فى معظم فصول تاريخهم ، حيث إحترفوا التقية ، وهذا أيضا ما فعله الصوفية فى الوقت الذى سيطر فيه الحنابلة على العصر العباسى الثانى . والمضحك أن خطباء المساجد ظلوا قرونا يدعون بالنصر للسلطان على الكفرة ، ويهتفون : " اللهم إجعل أموالهم ونساءهم غنيمة للمسلمين " ، فى الوقت الذى كان فيه الاستعمار الأوربى يحتل معظم بلاد المسلمين . أى إن دعواتهم فى مساجدهم الضرار غير مستجابة ، ولا تزال ، بدليل أنه الآن مع وجود ملايين المساجد الضرار فى بلاد المسلمين فى العالم وصلواتهم الجمعة فيها خلال قرون ، ودعائهم لله جل وعلا فى خطب الجمعة ، فلا يزال المسلمون شرّ أمّة أخرجت للناس ، لأنهم بمساجدهم الضرار يحاربون الله جل وعلا ورسوله .

3 ـ وعندما إستولى عبد العزيز آل سعود على الأحساء ( المنطقة الشرقية حيث البترول الآن ) وأهلها شيعة فإن شيوخ الوهابية أصدروا أمرا لعبد العزيز بمنع أهل الأحساء من الصلاة فى مساجدهم وإلزامهم بالحضور فى مساجد الوهابية ، ومنعهم من إقامة شعائرهم الشيعية . هذا ، وقد أنشأ عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة مراكز مسلحة عُرفت بالهُجر ، وكانت مثل قرى صحراوية عسكرية يتشرب فيها شباب البدو تعاليم الوهابية ، ويتدربون على الحرب ، وكان المسجد يتوسط ميدان القرية ، وفيه الأسلحة ، وهو المركز الحربى للإعداد والتخطيط والتوجيه والحشد ، وكانت تأدية الصلاة بطابع عسكرى ، يجعل قتل الآخرين غير الوهابيين جهادا ، سواء كان من الأطفال أو النساء ، وقد إشتهر ( إخوان عبد العزيز ) بوحشية غير مسبوقة فى تاريخ المسلمين فى إستئصال المعارضين لهم وفى قتل الأبرياء من القرويين فى الشام والعراق فى هجمات ( جهادية ) قضى فيها الإخوان الوهابيون السعوديون على حوالى نصف مليون خلال عقدين من الزمان ( 1914 : 1930 ) . كانوا يقتلون بكل حماس الأطفال والنساء والفلاحين الأبرياء ، فى تاريخ مسكوت عنه . وفعلوا مثل ذلك فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، وإفتخر به مؤرخوهم وقتها . وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء بزعم الجهاد مرجعها الى التربية الدينية الوهابية فى مساجد الضرار  ، والتى تجعلهم يقترفون أكبر الكبائر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . .

4 ـ ومنذ سنوات إقتحمت الشرطة الباكستانية مسجدا لوهابيين أكثر تطرفا من التطرف الوهابى السائد فى ربوع باكستان . وهذه يؤكّد حقيقة ثابتة ، أن الوهابيين لو وصلوا للحكم فسيختلفون ويتقاتلون ، وتصير مساجدهم مراكز للقتال . حدث هذا مع عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة ، فالاخوان النجديون المُشار اليهم هم الذين أسسوا له دولته ، ثم إختلفوا معه وتزعمهم  فيصل الدويش وابن بجاد وضيدان بن حثيلين ، ثم إنشقوا عنه وحاربوه وقضى عليهم فى معركة السبلة 1929 / 1930 . وفى معارضتهم له وحروبهم ضده إستخدموا مساجدهم ضده يعلنون كفره ، وإستخدم هو مساجده ضدهم يؤكد كفرهم .  وفى مطلع القرن الهجرى الحالى عام 1979 قام وهابى متطرف هو جهيمان العتيبى باحتلال المسجد الحرام وإتخاذ الموجودين فيه رهائن ، ولم يستطع السعوديون القضاء عليه إلا بمجزرة حول الكعبة ، سكت عنها العالم . وسنعرض لهذا بالتفصيل فى بحث قادم .

5 ـ ولو أسّس الاخوان الوهابيون لهم حُكما فى مصر فلا بد أن يحدث بينهم إنشقاق وحروب ، تلعب فيها المساجد الدور الأساس فى تحويل مصر الى حمامات دم . إنّ إنتشار الوهابية فى الشرق الأوسط جعل إستخدام مساجد الضرار سوقا رائجة ، وهى تمارس دورها الدامى حاليا فى العراق وسوريا ، ثم جاء الدور على مصر لنكتشف أن الاخوان والسلفيين قد نجحوا خلال أربعين عاما فى تأسيس مئات الألوف من المساجد ، وفى السيطرة على المساجد الشهيرة والمنشأة من قبل ، والأهم أنهم نجحوا فى تحويلها الى مراكز دعوية للوهابية ،فأصبح سهلا عليهم أن يستخدموها فى إعتصاماتهم ومراكز لحشد أنصارهم ، وللتخطيط للقتل والتعذيب والتآمر السياسى والعمل العسكرى . إنفجر كل هذا مرة واحدة فى وجه المصريين المعروف عنهم ( من قبل ) المسالمة والابتعاد عما يُسمّى بالعنف . بسبب الوهابية تغير كثير من المصريين الآن ، صار البعض يحترف البلطجة ( العلمانية ) ، وإختار البعض الآخر ( البلطجة الدينية ) بالوهابية وتحت زعم الجهاد ، ويكفى أن يعتكف عدة اشهر فى مسجد ليصبح من ( أبناء لادن ) . تخيل لو لم يقم المصريون بإسقاط حكم الاخوان ، ماذا كان سيحدث لمصر بعد أربعة أعوام ؟ .. هذه الثورة المصرية تستلزم إصلاحا ثوريا للمساجد .

ثانيا : الاصلاح الثورى للمساجد :

1 ـ وقف إنشاء أى مساجد جديدة ، فالموجود يكفى ويزيد عن الحاجة . والمطلوب الان هو إصلاح المساجد القائمة ، وتحويلها من مساجد ضرار الى مساجد للإصلاح . وهذا بالإشراف التام لوزارة الأوقاف على جميع المساجد الحكومية والأهلية فيما يخص التبرعات والشئون المالية ، وأنشطة المسجد الاقتصادية والاجتماعية ، وفى تعيين ومراقبة ومحاسبة وعزل الدعاة .

2 ـ  إلزام دعاة المساجد بدورات تدريبية وإعادة تأهيل ، ومن ينجح فيها يستمر فى وظيفته ، ومن يرسب أو يرفض يتم عزله فورا .

3 ـ إلزام دعاة المساجد بخطة دعوة محددة المعالم فى خطب الجمعة والدروس الدينية . وتشرف الوزارة على تنفيذها بكل حزم ، وتعزل من لا يلتزم بها . وتركّز الدعوة الاصلاحية على القرآن الكريم وحده ، بأن تدور خطبة الجمعة على آيات قرآنية من أوامر ونواهى ووصايا وتشريعات وقصص فى مجالات العقيدة والأخلاق.ويتم تقسيمها على عدد ( 52 )خطبة للجمعة فى السنة . وعدد ( 52 ) درسا فى العام . 

4 ـ تشمل مجالات الاصلاح :

4 / 1 :  التعريف بلا اله إلا الله ، من حيث إخلاص الدين لله جل وعلا فى تقديسه وحده والتوسل به وحده وطلب المدد منه وحده وعبادته وحده . وأنه لا تقديس لأى مخلوق من أنبياء وصحابة وأولياء مع الله جل وعلا ، وأن الله جل وعلا هو وحده الولى والشفيع والنصير والوكيل ، وأن شهادة الاسلام واحدة ( لا إله إلا الله ) ويحرم التفريق بين الرسل ، بل الايمان بهم جميعا ، والايمان بالكتب السماوية جميعا وفق ما تأكّد وتكرّر فى مئات الآيات القرآنية .

4 / 2 : التعريف بمعنى الايمان باليوم الآخر عقيديا: بأن الله جل وعلا هو وحده مالك يوم الدين، ولا مُعقّب لحكمه، وأن يوم الدين هو العدل المطلق فلا تشفع نفس لنفس ولا تجزى نفس عن نفس. والتعريف به سلوكيا : بأن نتعلم تقوى الله جل وعلا فى حياتنا الدنيا تحسبا ليوم الحساب ، فلا نظلم ولا ننافق ولا نرائى ، ولا نستغل الدين للحصول على حُطام دنيوى زائل يترتب عليه خلودنا فى النار .

4 / 3 : التعريف بالتقوى الاسلامية ، عقيديا بإخلاص الدين لله جل وعلا وحده ، والتعامل معه جل وعلا مباشرة بلا واسطة ، وسلوكيا بحّسن الخلق مع الناس .

4 / 4 :  نشر وتعليم الجانب الأخلاقى فى القرآن الكريم فى التعامل بالحُسنى مع الناس ، فى العدل والقسط والاحسان والتسامح والرحمة والسلام والتيسير والتخفيف والرأفة والكرم والشجاعة ورعاية الوالدين واليتامى والمحتاجين وابن السبيل والجيران وأولى القربى ، والدفاع عن المظلومين ، وقول كلمة الحق، والأمانة والوفاء بالعهد والوعد وحفظ الحقوق والوقوف ضد الظلم والبغى والاستبداد والإكراه فى الدين وإستغلال الدين فى الحصول على مطامع دنيوية سياسية أو إقتصادية . وأنّ الذى يقتل الأبرياء باسم الدين هو الأكثر عداءا لله جل وعلا ورسوله ولدين الاسلام ، دين السلام والعدل والحرية.

4 / 5 ـ التعريف بمفاهيم القرآن الأصلية : مثل : معنى الاسلام عقيديا ( إسلام القلب لله جل وعلا ) وهذا مؤجل الحكم عليه لله جل وعلا وحده يوم القيامة . والاسلام سلوكيا هو ( السلام ) ، فكل إنسان مسالم هو مسلم بغض النظر عن ملته ودينه وإعتقاده . المهم لنا هو أنه مسالم فى سلوكه ويسلم الناس من إذاه ، وهذا لنا الحكم عليه حسب الظاهر من السلوك . معنى الايمان عقيديا هو الايمان قلبيا بالله جل وعلا وحده ألاها لا شريك معه فى الالوهية ، ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . ولله جل وعلا وحده يوم القيامة الحكم على هذا الايمان القلبى وما يتبعه من عبادات. ولا شأن لنا بهذا.ومعنى الايمان سلوكيا هو(الأمن ) ، فالمؤمن سلوكيا هو المأمون الجانب ، الذى يأتمنه الناس لأنه لا يعتدى على أحد ، ولنا الحكم على هذا السلوك الظاهرى . وعلى النقيض من ذلك يأتى معنى الكفر والشرك ، فهما معا فى الاعتقاد بمعنى إتخاذ شريك مع الله فى الالوهية . وهذه ناحية يرجع الحكم فيها لله جل وعلا يوم القيامة ، ولا شأن لنا بالتدخل فيها . الذى لنا التدخل فيه بالمنع والمواجهة والمقاومة هو الكفر والشرك بالمعنى السلوكى ، أى إستغلال دين الله فى القتل والسلب والنهب والزنا ، والظلم والاستبداد ، وفى الوصول للثروة والسلطة . وبالتالى فكل المسالمين مسلمون مهما إختلفت عقائدهم ، وكل من يستغل الدين فى الظلم والبغى هم الكافرون المشركون ، ويجب الوقوف ضد ظلمهم وبغيهم . وشرح معنى ( السّنة ) يعنى الشرع الالهى والمنهاج الالهى فى التعامل مع المشركين ، ومعنى طاعة الله ورسوله ، أى طاعة القرآن الكريم ، اى الرسالة الباقية بعد موت الرسول محمد عليه السلام . وهكذا بقية المفاهيم القرآنية ، لتخليصها من سوء الفهم التراثى لها .

4 / 6 : التنبيه فى كل خطبة على أن دور الداعية فى مساجد الله هو النصيحة والوعظ  بما جاء فى كتاب الله ( القرآن الكريم )، دون إكراه فى الدين ، وأن مسئوليته تنتهى بقول كلمة الحق ، وكل إنسان مسئول عن نفسه ، إذا إهتدى فلنفسه ، وإن ضلّ فعلى نفسه .

4 / 7 : التأكيد على الحقيقة القرآنية بأن (الدين لله ) جل وعلا يحكم به على البشر جميعا يوم القيامة ، وأن ( الوطن للجميع ) على قدم المساواة .

أخيرا : أصدق الحديث  :  ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) ( التوبة )

اجمالي القراءات 12619