لماذا انحاز الإعلام الأمريكى للاخوان ضد ثورة 30 يونيه؟

مجدي خليل في الثلاثاء ٢٣ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لا يخفى على أى مراقب منصف رؤية انحياز الإعلام الأمريكى فى تياره الرئيسى للاخوان المسلمين ضد ثورة 30 يونيه، ولكن ما لاحظته فى مصر هو إرجاع هذا الانحياز فقط لموقف الإدارة الأمريكية الحالية من الثورة. فى الواقع أن الأسباب اوسع واعقد من ذلك بكثير،فما هى هذه الأسباب؟:

أول هذه الأسباب ترجع لسيطرة اليسار الأمريكى بدرجة كبيرة على وسائل الإعلام وعلى الجامعات، وموقف اليسار الغربى من الإسلام السياسى يختلف كليا عن موقف اليسار المصرى والعربى من هذا التيار، ورغم أن اليسار بحكم تعريفه يسار وأن الإسلام السياسى هو اقصى اليمين فأن مساحة كبيرة مشتركة بينهم فى رؤيتهم للغرب وعدائهم له، ومن هنا جاء تعاطف وانحياز ، ولدى بعض متطرفى اليسار فى الغرب تحالف ، مع الإسلام السياسى فى مواجهة الغرب.وقد شاهدنا الكثير من اقطاب اليسار الأوروبى والأمريكى يخرجون فى مسيرات المنظمات الإسلامية فى الغرب أو يكتبون المقالات دفاعا عنهم، بل أن بعضهم تورط فى مساندة عمليات إرهابية قام بها متطرفون إسلاميون.

ثانى هذه الأسباب تعود إلى عشرات الملايين التى انفقنها جماعة الاخوان المسلمين والتنظيم الدولى للاخوان على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط الأمريكية من آجل تحسين صورة الاخوان على مدار العام الماضى وكذلك مؤخرا لتوصيف ما حدث على أنه إنقلاب على رئيس منتخب وعلى ديموقراطية ناشئة جاءت بعد عقود من الحكم العسكرى.إن شركات العلاقات العامة المحترفة  المؤجرة هى على اتصال خلال الساعة بوسائل الإعلام لتروييج فكرة الإنقلاب، ولا تستهينوا بمهارة وتأثير وحرفية هذه الشركات فى مطاردة أهدافها والالحاح عليهم بكل الطرق بشراء هذه الفكرة،خاصة وأن الكثير من هذه الافكار تتسرب بنعومة وحرفية للصحفيين والإعلاميين على جلسات العشاء فى المطاعم الفاخرة  مع شباب أنيق وسيدات جميلات.

ثالث هذه الاسباب يعود إلى قناة الجزيرة المعادية للثورة المصرية، حيث أن هذه القناة، والتى اصبحت شبكة كبيرة لديها عقود تبادل للاخبار مع محطات أمريكية واسعة الانتشار مثل سى ان ان ،و ام اس ان بى سى وغيرها ، وهذه العقود مستمرة منذ سنوات،  وبدواعى الثقة تأخذ القنوات الأمريكية الصور وبعض الاخبار من شبكة الجزيرة بدون أن تدرى أن بعضها مزور تماما ، لأنها لا تتخيل أن تقوم شبكة كبيرة كالجزيرة بتزوير صور واخبار لصالح حلفائها الاخوان، خاصة وأن الجزيرة لها قناة بالانجليزية أكثر توازنا من مثيلتها العربية وكوادر تتعامل على مدار الساعة مع الشبكات العالمية، كما أن قطر اشترت منذ شهور قناة أمريكية خاصة من آل جور المرشح السابق للرئاسة.

رابع هذه الأسباب يعود إلى أن هناك دولا بوسائل إعلامها وصحفييها تقف مع الاخوان لأنها محكومة من نفس الفصيل، مثل تركيا وتونس، مع انحياز أيضا للاخوان من قبل النظام الاصولى فى باكستان. ان اكثر الدول الإسلامية التى تتواجد بها حركات للإسلام السياسى مؤثرة وكبيرة أو حاكمة تساند الاخوان ضد الثورة،خاصة، وإذا علمنا كذلك أن اعضاء التنظيم الدولى للاخوان يتحركون بهستيريا فى محاولة لتقليص خسائر ما حدث إلى اقل درجة، وهؤلاء لا يخاطبون تنظيم الإسلام السياسى ويحشدونه فى كل مكان فقط ولكنهم يخاطبون وسائل الإعلام العالمية أيضا بكل الطرق من آجل الانتصار للاخوان وتصوير ما حدث على أنه إنقلاب، خذ على سبيل المثال توكل كرومان اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل تتكلم بعصبية وعداء شديد للثورة المصرية وهى فى حالة نشاط دائم لتروييجها على أنها إنقلاب.

خامس هذه الأسباب تعود إلى التداخل الناعم بين بعض المؤسسات الأمريكية الهامة وبعض رجال الصحافة والإعلام، ففى كثير من الاحيان ترغب الإدارة  أو أجهزة الدولة الأمنية والسياسية فى تسريب رأيها لصحفى معين أو لصحيفة معينة من خلال جلسات العشاء أو فى المكاتب  خلال احتساء القهوة. الصحفى يجد نفسه أمام سبق صحفى مسرب خصيصا له أو لصحيفته، وهذا اغراء لا يقدر على رفضه، فينشره فى خبر لو كان صحفى اخبار أو من خلال عموده لو كان كاتب عمود، وفى نفس الوقت يكون المسئول قد سرب ما يريد ايصاله والمسموح بنقله لوسائل الإعلام من الملفات السرية، وحيث أن إدارة أوباما منحازة للاخوان فأن كثير من الاخبار التى تدعم وجهة نظرها قد تم تسريبها للصحافة وهى بدورها نقلت هذا الانحياز.

سادس هذه الأسباب تعود إلى تقديس الثقافة السياسية الإمريكية لمبدأ الأنتخابات وبنفس القدر نفورها من حكم العسكر الذى يأتى من خلال الاطاحة بنظام منتخب. طبعا هم غير مدركين لطبيعة النظام الاخوانى الذى لم يترك طريقا للمصريين لتغييره سوى الثورة وبمساندة الجيش، والذى لا يعنيه موت كل المصريين من آجل بقاءه فى الحكم،فالاخوان يأخذون بمقولة ضحى بالأم والجنين من آجل نجاح العملية، والأم هنا هى الدولة المصرية والجنين هو الشعب أما نجاح العملية فهو مبدأ التمكين وحلم الخلافة الوهمى.

واخيرأ علينا أن لا ننسى عشرات الباحثين المصريين والعرب والأمريكيين الذين عملوا فى مشروع مشاركة الإسلاميين فى الحكم بتمويل سخى قطرى وأمريكى، وهؤلاء مازالت اجندتهم ومصالحهم هى مع عودة الاخوان للحكم ، ولهذا يغذون وسائل الإعلام الأمريكية بمعلومات وتحليلات مشوشة عن الديموقراطية والليبرالية تصب فى النهاية لصالح الاخوان.

ولكن يبقى السؤال هل وسائل الإعلام الأمريكية بهذه الهشاشة؟، وهل هى منحازة أم تقف على مسافة واحدة من جميع الاحداث الداخلية والخارجية؟.

والاجابة فى تقديرى أن وسائل الإعلام الأمريكية ليست هشة بل هى تتميز بقدر كبير من الموضوعية والدقة والتوازن والتنوع والمهنية العالية، ولكنها فى نفس الوقت عرضة للتأثر فى سوق رأسمالى منفتح، وأيضا لا تجد عيبا فى الانحياز ولا تجده ينتقص من مهنيتها، وتفرق بين الموضوعية والانحياز، نعم هى موضوعية  ونعم أيضا هى منحازة. ولنضرب مثلا بسيطا لتفسير هذا الذى يراه البعض متناقضا، ففى السباق الرئاسى الأخير بين أوباما ورومنى انحازت النيويورك تايمز لأوباما بشكل سافر عندما اعلنت فى افتتاحيتها أن جميع المحررين اجتمعوا وناقشوا ميزات وعيوب كل مرشح واتفقوا على إعلان تأييدهم لأوباما، ولكن الموضوعية جعلتها تنشر وجهات النظر المختلفة لكلا المرشحين وتقبل إعلانات التروييج من كلا المرشحين. هذا هو الفرق بين الموضوعية والانحياز فى الصحافة الأمريكية التجارية الخاصة. أما وسائل الإعلام الأمريكية العامة مثل راديو وتليفزيون أن بى آر فأن تتعامل بمنتهى الاستقلالية وعدم الانحياز واداء مذيعيها يدرس فى التعامل بحيادية وحتى وجوه مذيعيها يدرس فى التعامل بوجه جامد وبدون مشاعر مع كافة الاخبار.

 هناك مثل روسى يقول  الموضوعية أن تعلن انحيازك من البداية، فهم يرون أن الكل منحاز وأن الانحياز هو الوضع الطبيعى فى الحياة، ولكن المدرسة الأمريكية فى الإعلام التجارى فصلت بين الموضوعية والانحياز وعلمت صحفييها امكانية الجمع بين الموضوعية والانحياز.

نعم الإعلام الأمريكى منحاز للاخوان للأسباب التى ذكرتها ولكن به من الموضوعية  والمهنية ما يجعل التواصل معه ممكنا ومثمرا، فلا تتركوا الملعب للاخوان وتنظيمهم الدولى وحلفاءهم الاشرار.

اجمالي القراءات 10404