الاخوان والسلفيون بين المعلومات والرأى

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٧ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : بين المعلومة والرأى

1 ـ المعلومة الصحيحة ينبنى عليها الرأى الصائب ، لذا ففى الدول الديمقراطية يأتى الحق فى الحصول على المعلومة بجانب حرية الرأى . وفى الدول المتخلفة يمتنع الحصول على المعلومة الصحيحة ويتم تجريم الرأى المخالف . بل أكثر من هذا يتم تجريم الحصول على المعلومة الصحيحة بحجج ، منها المساس بالأمن القومى ، ومع حجب المعلومات الحقيقية تنتشر الشائعات ، ويتأسس بالتلاعب بالمعلومة آراء فاسدة حتى مع حُسن النيّة . وفى الدول التى تسيطر عليها الأديان الأرضية تتحول المساجد والتعليم والاعلام الى نشر الأكاذيب والخرافات المقدسة ، فيتوطّد تعليم الجهل وتقديس الأساطير ، وينشأ الأطفال والشباب على تقديس الخرافات على أنها دين ، وأن من يكتشف الحقائق ويقول رأيا مخالفا يكون كافرا حلال الدم . وهذا هو السائد الآن فى السعودية وايران ، وكان سائدا فى مصر ، وبه وصل الاخوان الى صدارة المشهد لولا الانترنت الذى ساعد الأحرار فى هتك الستار الحديدى والوصول مباشرة الى الشباب بالتوعية وبالسخرية ، فتهاوت مقدسات كثيرة ، وانتهت فى مصر السيطرة المطلقة للوهابية الاخوانية السلفية ، ووقع عليها عبء المواجهة العلمية والدينية ، وهى لا تقدر عليها .ـ من هنا نناشد واضعى الدستور المصرى بالتأكيد على الحق فى الحصول على المعلومات الصحيحة فى كل مجالات المعرفة وفى التراث وفى مناهج التعليم ، ليتأسّس الرأى الصواب.

2ـ إن المعلومة فى حدّ ذاتها محايدة ، ولكن الرأى المقام عليها يحمل بصمة صاحبه ، ويقبل الجدل والنقاش والأخذ والرد . وهناك منطقة وسطى بين المعلومة والرأى فيما يخص البحث التاريخى فى تفصيلات الأحداث التاريخية . فالمعلومات التاريخية التراثية تأتى عبر روايات يختلط فيها الحق والباطل ، وتحتاج الى التنقية والترجيح وفق منهج البحث التاريخى ، ونحن هنا نتحدث عن الروايات التاريخية وتفصيلاتها والاختلاف فيها بما يستوجب البحث بالمنهجية التاريخية . لا نتحدث عن ( الكليات التاريخية ) مثل العصر الأموى أو المملوكى مثلا ، أو مذبحة كربلاء أو الخليفة الفلانى . هذه حقائق تاريخية لا ينكرها إلّا الجاهل . نحن نتحدث عن الروايات التفصيلية داخل تلك ( الكليات التاريخية ) وهى تفصيلات تتناقض وتتداخل وتتشابك ، وتحتاج الى باحث تاريخى . وما يصل اليه الباحث التاريخى فى تقديم المعلومة يكون رأيا فى حد ذاته ، ولكنه رأى يجمع بين المعلومة ورأيه فى أنها معلومة صحيحة وأنّ ما يناقضها باطل مشكوك فيه . ثم لهذا الباحث بعد أن يقدم المعلومة التاريخية الصادقة من وجهة نظره أن يقيم عليها رأيا ،ويكون هذا الرأى أيضا محتاجا للنقد والتمحيص من جانب أقرانه من الباحثين .

 ثانيا : بعض معلومات عن الاخوان والسلفيين من الجذور الى القشور

1 ـ هناك فارق بين الاسلام والمسلمين .دين الاسلام أوامر ونواهى تتطلب الطاعة من المسلمين . المسلمون تتعدد مواقفهم من هذه الأوامر والنواهى ، منهم من يطيع  بدرجة 90 % ، ومنهم من يعصى بنفس الدرجة ، ومنهم ما بين هؤلاء وهؤلاء . منهم من يعصى فقط ، ومنهم من يقوم بتسويغ عصيانه بإختراع أحاديث ينسبها للوحى ويقيم لها تشريعا . المسلمون فى كل الأحوال هم بشر يخطئون ويصيبون ، وكل ما فعلوه من فتوحات وحضارة وتاريخ وتراث وفكر هو عمل بشرى ، هذا ينطبق بالذات على كل شىء مكتوب بعد موت خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . كل هذا التراث بتنوعاته عمل بشرى لا ينتسب الى الاسلام بل الى مؤلفيه وواضعيه من البشر . كتاب البخارى هو للبخارى ، وكتاب (الأم ) هو للشافعى، وكذا (مُسند أحمد )وكذا كتب ابن عبد الوهاب وسيد قطب..الخ. كل ما فعله المسلمون وما قالوه وما كتبوه وما سجلوه من خير أو شرّ من طاعة أو معصية هو عملهم البشرى ، وسيحاسبهم الله جل وعلا عليه يوم القيامة ، أى ان الاسلام يعلو على المسلمين وأعمالهم ، وبالتالى فلا يصح أن نؤاخذ الاسلام بأعمالهم .

من يؤاخذ الاسلام بأعمال المسلمين يتمتع بجهل خارق ، لأن الانسان البسيط يعرف الفارق بين المبدأ والتطبيق ، ويعرف الفارق بين النظرية البشرية وتطبيقها،  فالشيوعية كايدلوجية شهدت تطبيقات شتى ، وكذا غيرها من الايدلوجيات السياسية والاقتصادية . أى إن ما يؤلفه البشر أنفسهم من نظريات وأيدلوجيات بشرية يختلفون فى تطبيقاتها . فإذا كان هذا حال البشر بالنسبة لنظرياتهم البشرية فحالهم أولى فى الفجوة بين الدين الالهى وتطبيقاته البشرية . من هنا ينزل الدين الالهى لاصلاح البشر فيتحول بالتزييف والافتراء الى وسيلة لإفساد البشر يرتكبها أخسّ البشر . ومنهم الوهابيون والاخوان المسلمون .!

2 ـ بعد هذه المعلومات عن الفارق بين الاسلام والمسلمين نأتى للمعلومة التالية: وهى الفوارق بين المسلمين فى الفكر والدين . هناك مسلمون مفكرون كانت لهم آراء عقلية كالفلاسفة والمعتزلة ، لم يحتاجوا فيها الى إختراع نصوص دينية يزعمون أنها ( وحى ) وينسبونه للنبى بعد موت النبى بقرنين وأكثر . وهناك آخرون وضعوا آراءهم فى صيغة أحاديث ليحصنوها من النقد . فجعلوا بهذا آرءاهم دينا طالما هى منسوبة للوحى وللنبى عليه السلام . ولأنه لا أصل لها فى الرسالة السماوية الخاتمة ولأن الاسلام اكتمل بالقرآن فإن هذه الكتابات تعبر عن ( دين أرضى ) لأن الدين السماوى اكتمل بالرسالة السماوية الخاتمة وهى القرآن الكريم .

3 ـ ولقد تعددت أديان المسلمين الأرضية ، وبقى منها الآن ثلاث أديان أرضية رئيسة ، هى السّنة والتشيع والتصوف .الأغلبية الساحقة من مسلمى اليوم ينتمون الى التصوف السّنى ،  أى يقدسون الأضرحة وأوليائها ولكن يؤدون الصلاة والمناسك وفق الشريعة السّنية الأرضية ، ويؤمنون بما فيها من عقوبات أو ( حدود ) وبما تتضمنه من مقولات ، ويعتقدون إعتقاددا عاما بأن النبى قالها . بعد هذه الأغلبية المنتمية للتصوف السنى توجد أقليات ، أكبرها حجما الأقلية الشيعية ، وهى تنقسم الى مذاهب وطوائف . ثم الأقلية الصوفية التى تُنكر مقولات السّنة وتؤمن بوحدة الوجود والاتحاد والحلول . ثم الأقلية السنية من الفقهاء والدعاة واتباعهم .

4 ـ الأقلية السنية التى تكفّر كل من عدها وخصوصا الشيعة والصوفية ظهرت منذ عهد المتوكل العباسى ، واستمرت بعده ، وتتكون من مذاهب أربعة:الأحناف والمالكية والشافعية  والحنابلة . وهم جميعا متعصبون ولكن الحنابلة كانوا هم الأشد تعصبا فى العصر العباسى . وفى العصر المملوكى ظهر تيار ابن تيمية الحنبلى أشد تعصبا من بقية التيارات الحنبلية . ثم ظهرت الوهابية فى العصر الحديث ( والذى شهد مولد الديمقراطية وحقوق الانسان ) وكانت الوهابية أشد تعصبا من من تيار ابن تيمية .!

5 ـ بالوهابية قامت الدولة السعودية الأولى ، ثم الثانية ، ثم الثالثة الراهنة عام 1932 بقيادة عبد العزيز آل سعود . وهو الذى نشر الوهابية فى مصر عبر تنظيمات دعوية ، ثم تنظيم الاخوان المسلمين المُنشأ عام 1928 . ومن عباءة الاخوان ظهر التنظيم العالمى للاخوان المسلمين ، وانتشرت تنظيمات الاخوان دخل وخارج مصر ، وكان لهم جهازهم السّرى  المسلح ، وتغلغلوا داخل تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بانقلاب يولية 1952 ، ثم إختلفوا مع عبد الناصر ، ثم أعادهم السادات الى مصر وأتاح لهم تفريخ جماعات الارهاب المختلفة التى قامت بإغتيال السادات ، وأتاح مبارك للدعاة السلفيين السيطرة على الاعلام والتعليم والأزهر والمساجد بينما إضطهد الاخوان ظاهريا واحتفظ بهم فزّاعة ليخيف بهم أمريكا وتيارات العلمانية المصرية . وبسقوط مبارك إختطف الاخوان الثورة وأصبح مرسى رئيسا   بينما ظهر السلفيون فى الساحة السياسة عُمقا إستراتيجيا للاخوان . ويحاول السلفيون الآن إختطاف ثورة 30 يونية كما إختطف الاخوان من قبل ثورة 25 يناير .

ثالثا : الرأى بعد المعلومة :

1 ـ نؤكد ما قلناه سابقا :  إن سقوط الاخوان سياسيا لا يعنى زوال خطرهم . فالخطر الحقيقى فى الأصل وهو الوهابية ، ولذا لا بد من مواجهتها من داخل الاسلام ، وهذا لا يتطلب فقط إصلاحا دستوريا بل إصلاحا قانونيا يجعل القوانين متفقة مع نصوص الدستور التى تحمى حرية الفكر والدين والرأى ويزيل القوانين سيئة السُّمعة التى تعرقلها .

2 ـ السلفيون الآن هم الممثلون للوهابية ، وبالتالى فهم الخطر الحقيقى بعد الاخوان . ومن الخطأ إعطاء السلفيين أكثر من حجمهم . لقد ظهروا بالصدفة المحضة فى العمل السياسى ، وكانوا من قبل خدما لنظام مبارك وجهازه الأمنى ، وتشربوا الطاعة للنظام والفزع منه ، ولكن سقوط مبارك وما حدث من بعده من فوضى شجّع السلفيين على الخروج من القمقم . ومن السهل إرجاعهم اليه بالقوانين العادلة التى تُجرّم التحريض على القتل ، وبالتطبيق الحازم لهذه القوانين سيرجعون الى جحورهم لأن ترسانتهم السياسة الوحيدة هى استغلال الدين فى التحريض .

3 ـ ومن هنا يأتى الخطر من الخضوع لابتزازهم وتنفيذ مطالبهم باستبعاد البرادعى ، فلو نجح ضغطهم فستتوالى ضغوطهم بما يتجاوز حجمهم ومقدرتهم فى الساحة السياسية ، وسيتمكنون من خطف ثورة 30 يونية بالفعل . أما لو تم تجاهلهم فلن يكون أمامهم إلّا طريقين : أمّا الرضا والتبعية للشارع المصرى الذى أظهر ضآلتهم وقلة تأثيرهم فى الساحة ، وبالتالى دخولهم فى مرحلة الانقراض السياسى ، وإمّا أن يرفضوا وبالتالى فسيلجأون الى التحريض بالدين ، وعندها يقعون تحت طائلة قانون العقوبات ، ويعودون الى الشقوق كما كانوا فى عصر مبارك .

اجمالي القراءات 11460