بالثورة المصرية الحالية بدأ العدّ التنازلى للوهابية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠١ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

1 ـ هى حقيقة تاريخية واقعية سياسية جيبولوتيكية ، تقول أن مصر هى صاحبة الريادة لمن حولها فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسودان والبحر الأحمر . إذا أرتفعت يرتفع معها من حولها وإذا هبطت هبط بها من حولها ، إذا هبطت يصعد على أكتافها من ليس مؤهلا للقيادة والريادة فينتشر الفساد والخراب . مصر ( محمد على ) قادت التحرر من ( رجل أوربا المريض ) أى الدولة العثمانية ، فأرست فيما بعد حركات للتحرر . وأرست إصلاحا توجّه نحو أوربا . ثم نبتت الوهابية بتخلفها فى الجزيرة العربية فقضت  مصر على دولتها السعودية الأولى ، ولهذا عمل عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة على أن يتسلل الى المجتمع المصرى بتنظيماته الدعوية الوهابية تحت مسمى السّنة والاسلام ، وانتهى الأمر بتنظيم الاخوان المسلمين الوهابى والذى أجهض حركة التنوير والاجتهاد الدينى التى أرساها الامام محمد عبده . ثم تعاونت الظروف المحلية والاقليمية والدولية ( والبترولية ) لتسود الوهابية مصر ـ وتصبح مصر تابعة للأسرة السعودية ، وبنفوذها حاولوا ولا يزالون يحاولون القضاء على التيار القرآنى الذى يبنى على فكر الامام محمد عبده مواجها الوهابية وارهابها وتطرفها وتزمتها وتخلفها وفسادها من داخل الاسلام . وصل الاخوان المسلمون المصريون بالوهابية النجدية الصحراوية الى شتى أنحاء العالم ، وأفلحوا فى خداع العالم بأنهم الممثلون للاسلام فأطلق عليهم العالم بكل سذاجة ( إسلاميون ) ، ونسب كل تخلفهم وارهابهم وتزمتهم وفسادهم الى الاسلام . وبحّ صوتنا وكاد أن يضيع ، ونحن نؤكّد على كفر الوهابية بالاسلام والقرآن وتناقضها مع جوهر الاسلام وشريعة الاسلام والقيم العليا للاسلام . وجاءت الُّنصرة لنا من الثورة الشبابية المصرية فى 25 يناير  2011وفى  30 يونية 2013 ، وارتفعت شعارات جديدة تفصل الاخوان عن الاسلام ، وتؤكد أن الثوار مع الاسلام وضد الاخوان . هو نفس منهج الراحل المصرى العظيم فرج فودة ، وهو نفس منهجنا ـ أهل القرآن.

2 ـ أكتب هذا وتباشير الانكسار السياسى للاخوان تتوالى بعد ان وجّه القائد العسكرى المصرى الفريق عبد الفتاح السيسى إنذارا ب48 ساعة ( بقى منها 45 ساعة ) للاخوان كى يستجيبوا للشعب المصرى الذى أخرج أكبر مظاهرة إحتجاج فى تاريخ البشرية ضد الاخوان ، مؤكدا ـ وهو الشعب المتدين ـ  أنه ضد الاخوان ومع دين الله القائم على السلام والمحبة والعدل والحرية. هذا الشعب بعبقريته الكامنة قد أوجز كل هذا فى شعارات بسيطة تتفق مع حقوق الانسان فى الاسلام ولكن بلا نصوص دينية ، الشعار هو ( عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ) . هذه الثورة الشعبية غير المسبوقة فى حشدها على المستوى المصرى والعالمى تعنى بداية العدّ التنازلى للإخوان ودينهم الوهابى . فقد وصل بمصر الدين الوهابى الى الذروة ، وهو الآن ـ وبمصر ـ يبدأ مرحلة الانكسار والانهيار . ما يحدث فى مصر سينعكس سريعا جنوبا على السودان والصومال ، وشرقا على الاردن ولبنان وسوريا والعراق وسيصل حتما فى النهاية الى الخليج والجزيرة العربية . وستتهاوى عروش الضلال والاستبداد الوهابية ، والتى عاشت طويلا عالة على غياب الدور المصرى وتبعيته الذليلة للمشيخات الوهابية فى   الخليج والجزيرة العربية .

3 ـ مصر ـ بموقعها الفريد فى وسط العالم على البحر المتوسط والبحر الأحمر وبين أفريقيا وآسيا وفى منتصف العالم العربى وقلب العالم ( الاسلامى ) ـ وبعودتها الى دورها الرائد الطبيعى ستُعيد الأمور الى نصابها ، وستختفى أعاجيب  الأعراض المرضية ( من المرض )، مثل تحكم الأسرة السعودية فى مُعظم الجزيرة العربية وأن تسلب ثروة النفط التى هى لكل الأجيال القادمة ، وبعد أن تظلم الناس فإنها تظلم رب الناس بأن تجعل من نفسها الممثلة للاسلام والقائمة على البيت الحرام وفريضة الحج . هذا الإفك وذاك الظلم سينتهى بانحسار الدين السعودى الوهابى . ومصر التى أسقطت الدولة السعودية الأولى عام 1818 بعد حرب صحراوية عاتية استمرت عدة سنوات ستسطيع أن تسقط الدولة السعودية الثالثة والراهنة فى أقل عدد من السنوات وبلا حرب وبلا دماء ، فقط بالاصلاح الدينى والتنوير الدينى ، ومنبعه دائما مصر . وبوسائل الاتصالات الحديثة وبعقول المصريين ستنتشر حملات التنوير الدينى تناقش الوهابية وتضربها فى مقتل ، وتزيل تمسحها الكاذب بالاسلام ، بل وتفضح السلفية و جرائم حكامها ، وتعيدهم الى مزبلة التاريخ .

4 ـ المفروض فقط من مصر فى ثورتها الناهضة أن تؤكد على الحرية فى الدين والفكر والرأى والابداع ، وأن تمحو كل القوانين التى تعوق هذه الحرية الفكرية والدينية . بهذا ستعود مصر لدورها الريادى فى مجالات الدين والفكر والثقافة والابداع والفن والاعلام . إن ثروة مصر الحقيقية هى فى الانسان المصرى . مصر ليست هبة النيل ، فالنيل يمر عبر بلاد كثيرة لم تقم فيها حضارة مع أن بها من ثروة النيل المائية أضعاف ما لمصر من النيل . مصر هى هبة الانسان المصرى الذى صنع فى الصحراء المصرية أقدم حضارة قبل اختراع الكتابة المعروفة ، وأقام أقدم دولة، ولا تزال تلك ( الدولة العميقة ) متجذرة وسائدة من عهد مينا نارمر حتى الآن . هذا الانسان المصرى هو الكنز الحقيقى ، وهو الثروة الحقيقية لمصر ونهضتها وريادتها . هذا الانسان المصرية حين يضيق به الحال فى مصر ويغادرها وينتظم عاملا فى مجتمع حُر فى الغرب وأمريكا تراه يتألّق ويُبدع . أى إن المطلوب هو إصلاح تشريعى دستورى وقانونى لكى تنهض مصر من كبوتها وتستعيد ريادتها . إصلاح يُزيل كل معوقات التفكير والابداع والاجتهاد ، كما يُخفّف من تدخل البيرقراطية والدولة العميقة فى حياة الفرد وحركته وسعيه الاقتصادى والانتاجى .

5 ـ ليس مهما من يتولى المسئولية . المهم هو تنفيذ الاصلاح التشريعى بأسرع وقت لكى نُصلح تخريبا وتجريفا استمر 30 عاما . هذا الاصلاح ضرورى ليس فقط لانقاذ مصر بل أيضا لانقاذ الاسلام من رجس الوهابية ولوقف المذابح وحمامات الدم فى سوريا والعراق ، ولمنع حدوث حمامات دم أخرى فى بلاد العرب والمسلمين .

6 ـ لن يقضى على الوهابية ورجسها ولن يقضى على السعودية محور الشّر إلا الاصلاح التشريعى فى مصر بفتح باب الحرية الفكرية والدينية على مصراعيه . الوهابية تحتاج الى سُلطة وقوانين مصنوعة تحميها من النقد وتقيها شرّ النقاش . إذن لا بد من إزالة كل تلك القوانين المقيدة لحرية الفكر ، وأن تكون حرية الفكر للجميع حتى الوهابيين أنفسهم ، والفائز هو صاحب الحُجّة وليس صاحب السلطان وتابعه مسرور السيّاف .

7 ـ اللهم يا مالك السماوات والأرض إحفظ  ثورة مصر من كل سوء .  

اجمالي القراءات 11089