رؤيتي للأيام القادمة

كمال غبريال في الجمعة ٢٨ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تلعب المفاجآت دوراً خطيراً في مثل الظروف التي تمر بها مصر وشعبها الآن، وهذا يجعل قراءة الواقع استشرافاً للمستقبل القريب أو البعيد محفوفة باحتمالية عالية للخطأ، ومع ذلك يبقى لقراءة الواقع قيمته الجديرة بالاعتبار، وما أراه الآن من حشد شعبي غير مسبوق رفضاً لنظام الحكم القائم، مقابل موقف الطرف الآخر، والذي يتضمن شخوص المسيطرين على الأمور، ومعهم سائر مؤسسات الدولة السيادية منها وغير السيادية، هو أن ذلك الحشد الجماهيري الثائر لا تتوفر له العوامل الكفيلة بتحويله إلى "قوة فاعلة"، ليظل أقرب للمادة الخام التي يمكن أن يتم تشكيلها لتصير قوة تتناسب مع الحجم المتوافر من هذا الخام، ولكن هذا لم يحدث بعد، ومن غير المنظور حدوث هذا في القريب العاجل.
الآن ما نشهده من نزول الجيش إلى الشوارع بهدف حماية البلاد يعطي قوة للدولة المصرية ولنظام الحكم، ويجعل من خروج الجماهير يوم 30 يونيو وما بعده مجرد استعراض لحجم المادة الخام للغضب المختزن في الشارع وفي القلوب والعقول، وهذا في حد ذاته جيد، إذ يعطي رسالة واضحة لأولي الأمر وللعالم كله عن موقف الشعب المصري، لكن هذا لا يعني أن ثمة ما قد يتغير بناء على هذا في الواقع السياسي المصري، خاصة وأن الممسكين بزمام الأمور ليسوا من ذلك النوع الذي يكترث برأي الجماهير أو مواقفها، فهم يرون أنفسهم رواداً منوط بهم دفع الجماهير طوعاً أو كرهاً أو تهديداً وإرهاباً للسير في طريق محدد في أذهانهم بوضوح.
سيناريو 25 يناير- 11 فبراير 2011 لن يتكرر، فقد أُخذ النظام ومؤسساته السيادية على حين غرة، وفوجئوا بما لم يتوقعه أحد، وكان لدى المؤسسة العسكرية أيضاً من الأسباب ما يجعلها لا تميل للوقوف بجانب الشرعية الدستورية، فكان سقوط النظام بالتوازي مع نزول الجيش وسيطرته على الشارع والبلاد، ولجوءه لتسليم السلطة للقوة الوحيدة المتواجدة بالشارع، ومن يومها والجيش يسيطر على الوضع الأمني للبلاد، ويقودها في طريق شرعية دستورية وقانونية، وبالتالي فإن هامش أو مجرى التغيير المتاح الآن وفي المستقبل هو عبر هذه الشرعية الدستورية القانونية، مهما كان رأينا في محتواها ومضمونها الحقيقي ومدى تطابقه مع المعايير المعروفة للشرعية.
إذا ما تحول الحشد الرافض إلى قوة حقيقية فسوف يستطيع وقف عملية أخونة مؤسسات الدولة، كما ستتوقف وتتراجع مظاهر الأخونة في الشارع المصري والحياة المصرية بصورة عامة، تلك الأخونة التي بدأت في سبعينات القرن الماضي ووصلت لذروتها الآن، وستكون هذه القوة أيضاً هي الضمانة الحقيقية لنزاهة أي انتخابات قادمة، فالجماهير المنظمة هي الوحيدة القادرة على إجبار عتاة التزوير في أي نظام على التزام جادة الصواب والحياد.
أتصور أن الطريق مسدود تماماً أمام أي رؤية لتغيير راديكالي فجائي أو انفجاري، فالوضع المصري وموازين القوى وقدرة الشعب المصري على تحمل تكلفة مثل تلك الحالة تجعل التفكير في مثل هذا الأمر ضرباً من طلب المستحيل.
يوم 30 يونيو سوف تصل رسالة الجماهير إذن وبقوة إلى جميع الأطراف، وسنتأكد جميعاً من حجم الرفض الجماهيري وجديته للنظام القائم، لكن التغيير لابد وأن ينتظر ربما طويلاً، ريثما تتوافر العوامل التي تحول المادة الخام للغضب والرفض إلى قوة لها قدرة الفعل والتأثير.
ليس تلك الكلمات سنداً لمن ينحو للتقاعس والقعود لعدم الجدوى، فاللاجدوى سوف تتحقق إذا التزم الناس بكظم الحنق في صدورهم كما اعتادوا على مدى عشرات القرون. 
اجمالي القراءات 8243