أريد في البداية أن أشكر الأستاذ أحمد صبحي منصور على سماحه لي بالكتابة في هذا المنتدى وقد أعطيته الحق بحذف ما يراه لا يتناسب مع ما يعتقده صائبا.
لقد تبنى القرانيون مبدأ أن القران الكريم كمصدر وحيد للتشريع وقد تخلصوا بهذا من الكثير مما أثقل كاهل المفكرين من التناقض الكبير بين مصادر متعددة.
ولكن هذا ليس نهاية الطريق.. فما زال القرانيون كما هو الحال مع الآخرين رازحين تحت مصادر اللغة العربية التقليدية المتمثلة في الشعر الجاهلي بالدرجة الأولى ثم روايات الحديث ثم القران الكريم في تفسيرهم لما يقوله القران الكريم.
هذا التعدد هو مصدر خلل كبير ويؤدي إلى اختلاف كبير في تفسير القران الكريم لأن مصادر اللغة متعددة ومن الطبيعي أن تصبح نتيجة التفسير حينها متعددة.
لهذا نجد البعض يقوم بالتفسير معتمدا على أدوات البيان التقليدية و آخرين قاموا بإيجاد دليل آخر على البيان وهو الإعجاز العددي وآخرين اعتمدوا على العلم الحديث كدليل آخر لتأييد التفسير. لكن أليس هناك ماهو أقرب وأليس هناك إمكانية لتوحيد بيان القران الكريم وبالتالي توحيد أدواته الاستنباطية؟
لقد افترض كثير من الأولين و الآخرين الافتراضات التالية عند تناولهم لبيان القران الكريم:
- أن القران الكريم نزل بلغة قريش في رأي الكثيرين في حين رأى بعضهم أن القران نزل بلهجات متعددة للعرب ورأى البعض أنه نزل بلغة موحدة للغة العرب وأن مالا يجدونه من لفظة عند قبيلة سيجدونه في لهجة قبيلة أخرى.
- رأى الكثيرون أن السياق في القران الكريم هو الذي يحدد المعنى حتى لو كانت الكلمة هي نفس الكلمة وتنتمى إلى نفس الجذر.
فمثلا: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" فإن الفتى هنا تعني الشاب الصغير. أما في قوله تعالى: "من فتياتكم المؤمنات" فإن السياق يدل على أن معنى فتيات هنا هن الجواري من ما مللكت الأيمان. ولذلك فإن الكلمة الواحدة يتغير معناها حسب السياق.
- أن العرب الأوائل كانوا أقرب إلى اللغة العربية منا اليوم وبالتالي فإن قدرتهم على فهم القران الكريم تفوق ما نستطيعه اليوم وبالتالي فإن علم اللغة العربية هو أدق من خلال الأولين نظرا لبعدنا عن اللغة الأصلية اليوم.
- أن إعجاز القران الكريم يتمثل في بلاغته اللغوية من حيث مهارات البلاغة المعروفة لدى علماء اللغة من استعارات وتشبيه وترادفات.
إن التسليم بهذه الافتراضات هو في رأيي هو ما أخر تطور علم بيان القران الكريم. وقد استسلم الكثيرون منا لما عرضه علماء اللغة الأولون وكأن الباب أغلق في تجديد البحث في علم لغة القران الكريم تماما مثلما أغلق باب الاجتهاد في القران الكريم (مع اعتراضي على شروط علم الاجتهاد عندهم).
أنا اليوم أكتب هنا لأعرض تجربتي الخاصة والتي تعارض هذه الافتراضات. والتي وجدت من خلالها أن رؤيتي لبيان القران قد اختلف تماما عند دراستي له على مدى عام كامل حتى الآن. وقد قمت بإفتراض التالي:
- القران الكريم مرجع اللغة المبينة الوحيد.
- القران الكريم نزل بلسان عربي مبين وأن لساننا ربما يكون هو عربي غير مبين.(إلى أن نعرف على الأقل ما معنى كلمة عربي بحيث لا تتعارض مع كلمة عربا).
- أن إعجاز القران في قدرته البيانية بشكل عام وليس في البلاغة فقط. وهو يختلف عما درجنا عليه في علم البلاغة.
- أننا يجب أن نتعلم من القران الكريم طريقة البيان لا أن نفرض عليه قواعد لغتنا.
- أن فرصة المتأخرين في فهم بيانه أفضل من فرصة المتقدمين نظرا لقوله تعالى: "ثم إن علينا بيانه".
- القران الكريم مرجع العلوم جميعا بما فيها اللغة العربية و العلم الحديث. فجميعها ترجع إليه ولا يرجع إليها أبدا.
- الكلمة في القران الكريم دالة على وصف لا يتغير وإنما يحدد السياق الموصوف فقط.(وهذا يعني أن الكلمات ذات الجذر الواحد لا تتغير دلالتها إلا بما اقتضاه تغير تفعيلتها).
- ليس في ألفاظ القران الكريم ترادف. فكلمة "جاء" مثلا تختلف عن كلمة "أتى" ولا بد أن نعرف الفرق.
فمثلا: العقوبة و المعقبات و العاقبة و العقبة هي كلمات من جذر ع ق ب وهذا الجذر له دلالة واحدة لا يبتعد معنى الكلمة عنه أبدا. وسنرى هذا بأدلة أكثر وضوحا إن شاء الله.
ومثلا: كلمة المحصنات تشير إلى الحصن في القران كله والسياق يحدد هل هن المتزوجات المحصنات(والمحصنات من النساء) أم العازبات المحصنات(مثل مريم التي أحصنت فرجها). فالمتزوجات والعازبات المؤمنات جميعهن محصنات ولكن السياق يحدد لك هل المقصود المتزوجات أم العازبات أم أخريات.
وللتوضيح فلا بأس بعرض ما توصل إليه علماء اللغة الأوائل مع لغة القران الكريم لكي يقوم القران الكريم بتحقيقها وتأكيد الصالح منها ورفض ما يخالفه.
وللإنصاف فإني أرى أن علم النحو أفضل في نظرياته من علم الصرف بكثير حتى الآن ولكن مازالت الكثير من كتب المشكل في إعراب القران تملأ المكتبات. ما سنذكره هنا يمس علم الصرف بالدرجة الأولى.
السؤال الذي يتبادر الآن إلى البعض هو:
هل يستطيع القران الكريم أن يوضح لنا بيانه دون تدخل القواميس العربية ودون تدخل ما تعارف عليه العرب من معاني الألفاظ؟
الإجابة عندي : نعم يستطيع .. لأنه تفصيل لكل شيء.
وسأقوم بتوضيح ما قد توصلت إليه من البحث في هذا المجال إلى المهتمين من أهل القران الحقيقيين. فنحن لسنا أهل للقران إن لم نقم بالبحث الجاد في هذه المسألة.
وبرأيي القرانيون هم أحق من يهتم بهذا ليثبتوا نظريتهم بأن القران الكريم تفصيل وتبيان لكل شيء. كما أنصح ممن هو عالق في حبال الأولين بخصوص البيان أن لا يجهد نفسه بنقدنا. فنحن نريد إثبات التجربة من عدمها أكثر من حرصنا على مجادلة المقلدين, إيمانا مني بأنه من الأفضل أن نوقد شمعة من أن نلعن الظلام.
وليس ما قام به الأولون محل سخرية أبدا ولكن ما قاموا به ينطبق على لغتنا أكثر مما ينطبق على بيان القران الكريم. فقد قاموا بأفضل ما أمكن لبيان لغتنا لكن ليس لبيان القران الكريم (المختلف من وجهة نظري).
سأقوم في كتابات لاحقة بالإجابة عن السؤال التالي:
كيف يستطيع القران الكريم أن يوضح لنا بيانه دون تدخل العرب؟ وكيف يمكن أن نتعلم البيان العربي من خلال القران الكريم وحده دون الاستعانة بعلم اللغة العربية المتداول حاليا و الذي مرجعه بالأساس لغة العرب والشعر الجاهلي؟ .
عندما قمت بعرض الفكرة على بعض منتديات علوم القران واللغة العربية قاموا بصد الفكرة وحظري عن المشاركة بسبب عدم إشراكي للرواية مع بيان القران, وعندها أدركت أنني على المسار الصحيح وأن هذا الموقع هو إن شاء الله المكان المناسب.
وأخيرا أريد ممن هو جاد الاهتمام و المراجعة الجادة مما سنكتبه هنا وأن يعقد النية على أن يقوم بالبحث معنا عن المزيد من إستنباط بيان القران الكريم على المرجعية الواحدة لبيان القران الكريم.
وبانتظار تعليقاتكم على هذا الموضوع..