كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الأول : قبل مذبحة كربلاء : ( معاوية والحسن والمال المعبود )
مقدمة:
1 ـ أعدنا ترتيب الأبواب فى هذا الكتاب ـ وقسمناها ، فالباب الرابع عن انتهاكات الأشهر الحرم فى الفتوحات ( ابو بكر وعمر ) ، والباب الخامس عن انتهاكات الأشهر الحرم فى الفتنة الكبرى ( عثمان وعلى ) . ونجعل هذا الباب السادس عن ( مذبحة كربلاء وانتهاكات الشهر الحرام والبيت الحرام ) .
2 ـ وقد إخترنا مذبحة كربلاء لنؤرخ من خلالها وماقبلها ومابعدها لانتهاكات المسلمين للشهر الحرام والبيت الحرام، لأن المذبحة حدثت فى شهر محرم الحرام ، وتداعياتها إمتدت أهوالها فى العصر الأموى ، ولأنها محطة هامة فى تطور الدين الشيعى ، وقد ظلت تداعياتها تؤرخ كل عام تقريبا فى العصر العباسى ، والأهم أنها لا تزال تأثيراتها حية فى واقعنا الراهن فى العراق ، حيث يفقد آلاف الأبرياء من الشيعة حياتهم بسبب إحتفالاتهم الدينية المرتبطة بذكرى كربلاء .
3 ـ وسيتناول هذا الباب بعرض تاريخى تحليلى موجزوسريع الظروف التاريخية التى أدت الى هذه المذبحة ، ثم أحداثها ، ثم يتوقف مع تأثيراتها فى العصرين الأموى والعباسى . وكالعادة ، لا نعرف الى أين سيوجهنا البحث ، وكم سنكتب من فصول .
4 ـ ولا بأس من التذكير مجددا بموقفنا السياسى الحقوقى : أننا ضد الظالمين ومع كل المظلومين فى الماضى والحاضر . مع السنيين المضطهدين فى ايران، والشيعة والصوفية المضطهدين فى الخليج ومصر ، مع الضحايا فى كل مكان .
5 ـ ولا بأس من التذكير مجددا بمنهجنا : فنحن لا نؤلف من خيالنا تاريخا للصحابة والمسلمين ، وإنما ندخل حجرة فيها مصادر تاريخ الصحابة والعصر الأموى وماتلاه . لا نفرض أمانينا على التاريخ المكتوب ، بل مُلزمون ببحثه موضوعيا بلا تقديس لبشر أو أنحياز لشخص على حساب آخر. كلهم عندنا سواء ، مجرد شخصيات تاريخية ، وكل ما نعلمه عنهم هو ذلك المكتوب عنهم . وعملنا فى البحث التاريخى بمنهجيته الصارمة الباردة ، وهذا هو تخصصنا لمدة أربعين عاما .
6 ـ ليس ذنبنا أن التعليم فاسد وأن الشيوخ جهلة ، وأن العوام صم بكم عمى فهم لا يعقلون، وأنهم يتعلمون تقديس الخرافة من المساجد والمدارس وقنوات التليفزيون. ليس ذنبنا أن التعليم لدى المسلمين أصبح تعليما للجهل ونشرا للخرافة بعد أن سيطرت عليه الأديان الأرضية . ليس ذنبنا أن صعاليك الانترنت ينصبون من أنفسهم علماء ، وكل منهم يتقيأ على ما نكتب سبأ وشتما لأننا نقدم له معرفة تخالف ما عاشوا عليه من جهالة وضلالة . ليس ذنبنا أن أغلبية مثقفى اليوم يكتبون ولا يقرأون وإذا قرأوا لا يفقهون . ليس هذا كله ذنبنا ، بل إن هذا كله يدفعنا الى الجهاد فى سبيل الاصلاح والتنوير.
7 ـ وفى قيامنا بفريضة الدعوة للحق وواجب الاصلاح لا نفرض رأينا على أحد ، ولا نزعم العصمة من الخطأ ، فقط نرجو ممن يختلف معنا أن تكون حجته علمية لنستفيد منه ، فربما يكون على صواب فيصحح لنا ، والباحث محتاج للتصحيح لأنه ( باحث ) عن الحق والحقيقة . وليتذكّر المختلف معنا أن غيرنا يكتب ليؤجّج الفتنة التى تريق دماء المسلمين كل يوم ، أما نحن فنكتب لإنقاذ المسلمين منها ، فنقدم فكرا ورأيا يهدف للاصلاح وتكسير الأصنام البشرية والحجرية لإنقاذ المسلمين من شرور أديانهم الأرضية ، التى بسببها تسيل دماؤهم اليوم . نقوم بهذا إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، وكفى به جل وعلا وليا وكفى به جل وعلا نصيرا . وندخل فى موضوعنا اليوم .
أولا : المال هو المعبود الأكبر لصحابة الفتوحات ، استخدمه معاوية فى الايقاع بالحسن بن على .
1 ـ بويع معاوية بالخلافة فى شوال 41 . وبين ثنايا الروايات التاريخية نلمح تخطيط معاوية فى إرغام ( الحسن بن على ) على التنازل له عن الخلافة . فقد بويع الحسن بعد يومين من مقتل أبيه . فى رمضان سنة اربعين . وظل خليفة 8 أشهر وعشرة أيام ، ثم اضطر للتنازل لمعاوية . تقول الروايات أن الناس تفرقت عن الحسن ، وبقى معه أوباش الأعراب ، وهؤلاء ( نهبوا سرادق الحسن ،حتى نازعوه بساطًا كان تحته .وطعنوه فى خاصرته )، ( لما قتل علي رضي الله عنه توجه الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى المدائن ، فلحقهما الناس بساباط ، فحمل على الحسن رجل فطعنه في خاصرته ، فسبقهم حتى دخل قصر المدائن .. ثم وجه ألى معاوية فصالحه. ). ويذكر المسعودى أن الحسن خطب ( فقال : يا أهل الكوفة، لو لم تذهل نفسى عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم لأبى ، وسلبكم ثقلى ، وطعنكم فى بطنى . وإنى قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا " . يقول المسعودى :" وقد كان أهل الكوفة انتهبوا سرادق الحسن ورحله ، وطعنوه بالخنجر فى جوفه ، فلما تيقن ما نزل به إنقاد للصلح . ). وذلك في سنة إحدى وأربعين فسمي عام الجماعة .
2 ـ ونقرأ تخطيط معاوية من خلال فهم سياسته ، فبينما كان ( على ) سريعا للحرب دون إعداد سليم ، كان معاوية لا يلجأ اليها إلا بعد أن يفشل أهم سلاح لديه ، وهو سلاح المال الذى كان يحوّل به المحايد الى صديق ـ ويحيّد به العدو ، ويزيد به الأنصارا ويزداد به ولاءا وتأييدا . وبسلاح المال نجح معاوية فى التحالف مع ( عمرو ) ، ونجح فى تثبيط وتخذيل أتباع ( على ) وبه نجح فى الايقاع بالحسن . المال هو الأقوى مفعولا لأنه كان ـ ولا يزال ـ لغة التعامل فى دنيا السياسة القائمة على المنفعة بعيدا عن الشعارات ومزاعم التقوى والصلاح والضحك على الذقون . كان العرب فى الجاهلية يقتتلون على الشاة والبعير ومواضع الكلأ والرعى ، ثم أشرفوا بالفتوحات على نعيم الدنيا وزخرفها وورثوا أغنى المدائن فأذهلتهم الدنيا وتفتّحت شهيتهم بما أصبح تحت لديهم فتقاتلوا بسببه، وأصبح المال هو المعبود الأكبر لدى صحابة الفتوحات . وفهم معاوية هذا ، فجعله وسيلة التعامل ، يشترى به الأتباع ويهدّىء به النفوس .
3 ـ لذا لا نستبعد أن يكون عملاء معاوية هم الذين حرّضوا الأعراب على نهب متاع الحسن وطعنه والتطاول عليه .أراد معاوية أن يزيل هيبة الحسن ويجعل حياته مهددة . لو أراد قتله لاستطاع ، ولكن قتل الحسن لن يُحلّ مشكلة معاوية ، لأن من بايع الحسن سيبايع بعد مقتله للحسين ، ثم بعد الحسين لفلان وفلان من أولاد (على ) وما أكثرهم . إذن فالحل هو إرغام الحسن على التنازل لمعاوية ، وأن يبايع له هو إخوته وشيعته . وهنا يأتى دور المال فى تشجيع ( الحسن ) على التنازل . وتقول الروايات : ( فلما رأى الحسن تفرق الناس عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح. فبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما عليه المدائن فأعطياه ما أراد ، وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها . ) وكان من شروط الصلح أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن ثم للحسين ، وأن لا يقضي معاوية بشيء دون مشورة الحسن ، وعدم شتم (على ) وعدم ملاحقة شيعته .وأن يعطيه معاوية خراج دار بجرد فى فارس ، وأن يعطيه ما فى بيت مال الكوفة .
4 ــ وهنا نصل الى المقصود الأعظم . وهو المال . فقد تنازل الحسن عن الخلافة وبايع معاوية مقابل أن يأخذ من بيت مال الكوفة 5 مليون درهم . وحسبما تقول الرواية فقد ( كان معاوية قد أرسل إليه قبل ذلك صحيفة بيضاء ، وكتب إليه : "اشترط في هذه الصحيفة ما شئت . " فاشترط أضعاف الشروط التي سألها معاوية قبل ذلك . وأمسكها عنده. وأمسك معاوية صحيفة الحسن التي كتب إليه فيها . فلما اِلتقيا ، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في الصحيفة فأبى معاوية وقال: لك ما كنت تسألني. ). أى أعطاه معاوية ( شيك على بياض )، فكتب فيه الحسن ما شاء . ثم أراد الحسن مبلغا أكبر فرفض معاوية. من الآخر ..الهدف هو المال يا ولدى .!!، وهذا المال ليس مالهم ، ولم يؤت به من داخل الصحراء العربية ، ولكن من الجزية والخراج وعرق ودماء اهل البلاد المفتوحة . أى مال سُحت .
5 ـ وترى المال يغلّف كل تصرف وسياسة ، ونفسر من خلاله تاريخ أبى بكر وعمر وعثمان وعلى . فعندما أختلف (على ) مع عماله فى الشرق كان بسبب المال. إلا إن عليا كان (عادلا ) فى توزيع هذا المال ( السُّحت ) مثل (عمر ) . وعندما فارق ابن عباس ابن عمه عليا حرص ابن عباس على أن يأخذ معه بيت مال البصرة ، واستعان بأخواله ، وصار المال الذى معه سبب صراع بين الأعراب ، وكادوا أن يقتتلوا بسببه.
6 ـ واستعمل معاوية فى خلافته سلاح المال أحسن إستعمال ليتفادى الحروب والفتن ما استطاع . فقد أغدق معاوية المال على (الحسن والحسين ) وسائر وجوه بنى هاشم كى يضمن سكوتهم وولاءهم . وحتى يشغلهم بالنعيم عن السياسة . وقد جمع ابن كثير بعض الروايات التى تذكر كرم معاوية فى خلافته مع الهاشميين ( قال: قدم الحسن بن علي على معاوية فقال له: لأجيزنك بجائزة لم يجزها أحد كان قبلي، فأعطاه أربعمائة ألف ألف. ) (ووفد إليه مرة الحسن والحسين فأجازهما على الفور بمائتي ألف، وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلي. فقال له الحسين: ولم تعط أحد أفضل منا. ) ( أرسل الحسن بن علي، وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه المال، فبعث إليهما - أو إلى كل منهما - بمائة ألف.) .( وروى الأصمعي قال: وفد الحسن وعبد الله بن الزبير على معاوية فقال للحسن: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله، وأمر له بثلاثمائة ألف. وقال لابن الزبير: مرحباً وأهلاً بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر له بمائة ألف. )
7 ـ وبسبب كثرة الأموال التى كان يهبها معاوية لهم ، فقد كانوا يتبارون فى تفريقها كرما، تقول الروايات ( بعث معاوية إلى الحسن بن علي بمائة ألف فقسمها على جلسائه، وكانوا عشرة، فأصاب كل واحد عشرة آلاف. وبعث إلى عبد الله بن جعفر بمائة ألف فاستوهبتها منه امرأته فاطمة ، فأطلقها لها.) ( كان لعبد الله بن جعفر على معاوية في كل سنة ألف ألف، فاجتمع عليه في بعض الأوقات دين خمسمائة ألف، فألحّ عليه غرماؤه فاستنظرهم حتى يقدم على معاوية فيسأله أن يسلفه شيئاً من العطاء، فركب إليه فقال له: ما أقدمك يا بن جعفر؟ فقال: دين ألحّ علي غرماؤه. فقال: وكم هو؟ قال: خمسمائة ألف. فقضاها عنه وقال له: إن الألف ألف ستأتيك في وقتها. ) . هذا مع الكرماء ، أما عبد الله بن الزبير المشهور بالبخل ، فتقول الرواية عنه (..وبعث إلى عبد الله بن الزبير بمائة ألف فقال للرسول: لم جئت بها بالنهار؟ هلا جئت بها بالليل؟ . ثم حبسها عنده ولم يعط منها أحداً شيئاً. ).
8 ـ وفعلا إنشغل الحسن بأمواله عن حقوقه السياسية التى إشترطها على معاوية ، وهى ( أن لا يقضي معاوية بشيء دون مشورة الحسن. ) . إنهمك الحسن فى الزواج وإقتناء السبايا والجوارى . فاشتهر بكثرة زيجاته ، وانه كان مزواجا مطلاقا ، وأحيانا كان يتزوج المرأتين فى ليلة واحدة ، وجمع فى ليلة زفاف بين زوجتين كل منهما ابنة عم الأخرى . وصار له 20 ولدا ، وتقول الرواية :( أرخى الحسن بن علي رضي الله عنهما ستره على مائتي حرة. ) أى تزوج مائتى حُرة ، غير السبايا المملوكات ، وقد انجب منهن أيضا.
9 ـ وبالمال ايضا تخلّص معاوية من الحسن قتلا بالسّم عندما قرّر معاوية أن الوقت قد حان ( للتوريث )، أى للعهد لابنه يزيد بالخلافة . وبالتالى كان لا بد من إغتيال الحسن. ولجأ معاوية للمال. يروى المسعودى فى (مروج الذهب ) أن معاوية بعث الى جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن برسالة يقول فيها : " إنّك إن إحتلت فى قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم ، وزوجتك من يزيد " . فسقته السم فمات ، فبعث لها معاوية بالمال وكتب لها " إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه " ).!.
10 ـ جدير بالذكر أن معاوية ـ فى إعتقادنا ـ مسئول عن الموت المفاجىء لزعيم قبائل كندة القحطانية ، والد السيدة ( جعدة ) ، وهو الأشعث بن قيس الذى مات فجأة بعد مقتل (على ) بأربعين يوما ، وكان موته المفاجىء هذا تمهيدا لأن ينفرد معاوية بالحسن بن على وأن يتلاعب به . كان وقتها الحسن خليفة لا يزال ، ويحظى بالأعوان والجُند ، خصوصا من قبائل كندة ، وهذا بسبب تأييد صهره والد زوجته ( جعدة ) زعيم قبائل كندة ( الأشعث بن قيس ) . وهذا الأشعث الطموح للسلطة يرى فى خلافة الحسن فرصته الكبرى للسيادة ،وهو من قبل قد تزوج أخت أبى بكر فى سبيل الصعود السياسى ، فجاء موت أبى بكر المفاجىء وقوّض أحلامه، ثم حاول ان يوثّق علاقته بخالد بن الوليد فوقف له (عمر ) بالمرصاد وأطاح (عمر ) بخالد . ثم حقّق الأشعث بعض أمانيه فى خلافة عثمان ، ثم عزله (على ) فتسبب الأشعث فى فشل ( على ) وتضييع إنتصاره فى صفين . ونجح الأشعث فى تزويح الحسن بابنته جعدة . ولكن مكر معاوية أسرع بإغتياله ، ليس فقط لينفرد معاوية بالحسن ـ كما حدث ـ ولكن أيضا لينفرد صهر معاوية حسان بن بحدل الكلبى بزعامة القبائل القحطانية بلا منازع بعد إغتيال الأشعث بن قيس ، ولتنفرد قبائل كلب بزعامة القبائل القحطانية اليمنية بدلا من كندة .
11 ـ جدير بالذكر أيضا أن معاوية نجح بالمال فى تحييد عبد الله بن عباس . وهو يعرف ذكاء عبد الله بن عباس ، ويعرف أيضا حبّ ابن عباس للمال ، وهو الذى سرق بيت مال البصرة وهرب به من قبل . الخطورة هنا أن يقوم ابن عباس بفضح مخطط معاوية بعد إغتيال الحسن ، لذا بادر معاوية برشوة ابن عباس حتى يسكت . تقول الرواية ( قال معاوية: يا عجباً للحسن بن علي !! شرب شربة عسل يمانية بماء رومة فقضى نحبه،) أى يتعجب من مقتل الحسن بالسم ، وهذا فى حضور ابن عباس . أى يريد أن يعرف موقف ابن عباس . تقول الرواية عن معاوية ( ثم قال لابن عباس: لا يسؤك الله ولا يحزنك في الحسن بن علي. ) . وفهم ابن عباس بحصافته السياسية أن مصلحته فى كسب ودّ معاوية وماله ، فأجاب ينافق معاوية : (فقال ابن عباس لمعاوية: لا يحزنني الله ولا يسوءني ما أبقى الله أمير المؤمنين. ). وكانت النتيجة أن أعطاه معاوية مليون درهم وأشياء أخرى وعروضا أى ممتلكات عينية له ولأهله : ( فأعطاه ألف ألف درهم وعروضاً وأشياء. وقال: خذها فاقسمها في أهلك. ).
12 ـ لم يكن للعرب علم بإدارة البلاد المفتوحة وكيفية تسيير شئونها الادارية والمالية وحسابات الخراج والضرائب ، وغيرها . فتركوا هذا للإدارات المحلية التى كانت تمسك الدفاتر والحسابات للملوك السابقين ، وتقوم بجمع الجزية والخراج من القرى والفلاحين . وتنافس كبار تلك النواحى فى دفع الرشاوى للقيام بمسئولية الادارة وتحصيل الأموال . ثم يقوم بالتحصيل من الفلاحين وأهل البلاد أضعاف أضعاف ما قدمه من رشاوى يعطى نصيب الخليفة ويأكل معظم الباقى . ومن هذا المال السّحت كان معاوية يسترضى بنى هاشم وغيرهم من وجوه قريش . ومن هذا المال السّحت كانوا يتنافسون فى إنفاقه كرما وسخاءا كما هو حال الهاشميين ، أو يجمعونه حرصا وبخلا كما كان ابن الزبير . وتقول الرواية : ( كان لعبد الله بن جعفر على معاوية في كل سنة ألف ألف، ويقضي له معها مائة حاجة، ) أى يطلب منه مائة طلب فيلبيها له معاوية . ( فقدم عليه عاماً فأعطاه المال وقضى له الحاجات، وبقيت منها واحدة، فبينما هو عنده إذ قدم أصبغهند سجستان يطلب من معاوية أن يملكه على تلك البلاد، ) أى يجعله يديرها لحساب الخليفة . ( ووعد من قضى له هذه الحاجة من ماله ألف ألف. ) أى يبحث عن واسطة يتوسط له عند معاوية ليجعله معاوية مديرا لبلاد " سجستان " ، ووعد بأن يدفع رشوة قدرها مليون درهم .( فطاف على رؤوس الأشهاد والأمراء من أهل الشام وأمراء العراق، ممن قدم مع الأحنف بن قيس، فكلهم يقولون: عليك بعبد الله بن جعفر، فقصده الدهقان .). وتوسط عبد الله بن جعفر له عند معاوية ، ونجحت التوصية (، فكلم فيه ابن جعفر معاوية ، فقضى حاجته تكملة المائة حاجة. وأمر الكاتب فكتب له عهده، وخرج به ابن جعفر إلى الدهقان فسجد له وحمل إليه ألف ألف درهم. فقال له ابن جعفر: "اسجد لله واحمل مالك إلى منزلك، فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالثمن. ). هنا نرى ابن جعفر كريما يصنع معروفا مع هذا الرجل الراشى الفاسد الذى عرض مليون درهم رشوة بمعنى أنه سيربح أضعافها بعد تأدية المقرر من الخراج والجزية . ومع ذلك يتنازل ابن جعفر لهذا الرجل الفاسد عن مليون درهم ، ويمكّنه من رقاب مئات الألوف من الفلاحين المستعبدين فى الأرض .! فهل هذا معروف ؟!. .
13 ـ والعجيب أن التاريخ لعصر الخلفاء الراشدين والأمويين فى تركيزه على العرب يتجاهل تماما الاشارة لأهل البلاد المفتوحة ، وكأنه لا وجود لهم . وهذا إنعكاس لموقف الصحابة من هؤلاء المساكين . حتى ( على ) الذى كان يزعم مراعاة العدل كان لا يرى أهل البلاد المفتوحة ؛ كان لا يرى سوى العرب. وحين كان يهاجم أتباعه يقول ( يا أهل العراق ) كأنما لا يوجد فى العراق سوى الأعراب . وكان يقال عن الأعراب الثائرين على ( عثمان ) القادمين من مصر ( المصريون ) أما سكان مصر فهم ( الأقباط ) . أهل العراق الحقيقيون هم غير العرب ، ممن كانوا يطلق عليهم العرب ( الموالى ) . أى تملّك العرب الأرض ومن عليها ، وإحتقروا أصحاب الأرض وسكانها الذين يتمتعون بثمار عرقهم وخيرات أرضهم . وهو نفس تعامل الانسان مع الأنعام التى سخرها رب العزّة له . فالانسان يتملك الماشية ويستغلها ويذبحها ويأكلها ، ثم لا يراها أهلا للتساوى به . وهذا لا بأس به فقد سخّر الله جل وعلا لنا الأنعام . ولكنه جل وعلا لم يسخر سكان فارس وايران والعراق والشام ومصر وشمال افريقيا للعرب الصحابة . بل خلقنا أخوة لآب واحد وأم واحدة ، وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13) الحجرات ) . ولكن كفر صحابة الفتوحات بهذا ، وظهر هذا فى تعاملهم الصحابة والأجيال اللاحقة لهم مع أبناء الأمم المفتوحة . إمتصوا دماءهم ، ونهبوا اموالهم واسترقوا نساءهم وذرياتهم وقتلوا خيرة رجالهم ، وعاشوا على خيراتهم ، وتجاهلوهم كأنه لا وجود لهم . وحين كانت تضطرهم الظروف للتعامل مع ابناء البلاد المفتوحة كانوا يعاملونهم باحتقار شديد ، خصوصا فى العصر الأموى . وعاقبوهم بكل وحشية إذا ثاروا دفاعا عن أنفسهم . ومن يقرأ الحوليات التاريخية كالطبرى وغيره لا يرى أدنى إشارة لأصحاب البلاد . كل الكلام عن العرب فقط . أما أصحاب الوطن الغلابة فلا وزن لهم ولا ذكر لهم ، وهم حتى لو أسلموا كان الأمويون يأخذون منهم الجزية !.
أخيرا : الجهاد فى الاسلام هو بذل النفس والمال فى سبيل الله جل وعلا ، دعوة سلمية أو قتالا دفاعيا فى إطار تقوى الله جل وعلا . الجهاد الذى قام به صحابة الفتوحات وأنشأوا به امبراطوريتهم كان فى سبيل المال والثرة والجاه والسلطان . كان جهادا ـ ليس فى سبيل الله ـ ولكن فى سبيل الشيطان . لذا تقاتلوا ولا يزال على أثرهم المسلمون يهرعون . ونشقى الآن بهذا الجهاد فى سوريا وباكستان والعراق وأفغانستان والجزائر والشيشان ومصر وليبيا والسودان .. أما (الاسلام ) فقد أصبح فى ( خبر ..كان ).