الشّك هو بداية المعرفة إذا أعقبه بحث عن الحقيقة . والبحث الحقيقة يلأتى من سؤال من يعرف من المتخصصين ، أو أن يقوم الباحث عن الحقيقة بالبحث بنفسه مسلحا بأدوات البحث ومؤهلاته .
بالنسبة لى ـ وقد قلت هذا كثيرا ـ فعندما فوجئت برفض شيوخ الأزهر لما أقوله فى رسالتى للدكتوراة ، رجعت للقرآن محتكما اليه ، هل أنا على الحق أم هم ؟ وهل كل أولئك الشيوخ الكبار وكل الناس على ضلال وأنا وحدى على الحق . وقبل الرجوع للقرآن بدأت بالشك ، هل القرآن إفتراه محمد أم هو وحى الاهى ؟ لو إفتراه محمد سيكون من السهل علىّ أن أكتشف ثغراته بمثل ما أفعله مع كتب التراث ، ولأننى كباحث أكثر علما من ( محمد بن عبد الله ) العربى الذى عاش فى القرن السابع الميلادى ، لأن العلم جاء لى بالتراكم بعده بقرون . من هنا بدأت بدراسة القرآن وبحث ما فيه من متشابهات وتداخلات توحى بالتناقض والاختلافات فيما بينها . وبعد عام من البحث سجدت لله جل وعلا إيمانا بأن هذا القرآن لا يمكن لبشر فى عصر محمد او فى أى عصر أن يأتى بمثله ، وأنه ( محمد بن عبد الله ) هو رسول الله المبعوث بهذا القرآن ، وأن هذا القرآن لم يمسّه تحريف أو تغيير .
أكثر من ذلك ، فعملى فى المخطوطات ومنها نسخ مكتوبة بخط اليد للقرآن الكريم فى العصر المملوكى ــ وهو مجال تخصصى فى الدكتوراة ، جعلنى أتأكّد من تماثل طريقة الكتابة فى المصحف من وقتها حتى الآن ، بل إن دراستى البحثية للكتب المخطوطة فى التفسير والحديث وما يسمى بعلوم القرآن ، وكتب التصوف والمواعظ وهى تستشهد بمئات من الآيات القرآنية تثبت بم لا يدع مجالا للشك إلتزام من قام بكتابة تلك المخطوطات بالنصوص القرآنية كما هى بنفس الخط العثمانى نسبة الى ( عثمان بن عفّان ). الغريب أنهم يعلقون على الايات القرآنية بالطعن فيها وتأويل معانيها وإفتراء أحاديث كاذبة ، ولكن مع نقل الآية الكريمة كما هى . وفى أبحاثى فى العصر العباسى وفى كتابات ( المصحف ) وتدوينه تأكّد لى هذا ـ بل تأكّد من خلال أخبار ووقائع محاولات تزييف للمصحف تم معاقبة أصحابها . وهذا كله يؤكّد لى علميا وتاريخيا ما قاله رب العزة من أن حفظ القرآن هو من لدن الله جل وعلا ، وفوق إمكانات البشر . وهناك مقال لى تحدث عن هذا فى موضوع ( تدنيس القرآن ) .
وأخير ، جاء إكتشاف الاعجاز العددى الرقمى ليؤكد الحفظ الالهى للقرآن الكريم بطريقة كتابته الفريدة .
وهذا الحفظ الالهى للقرآن الكريم هو حجّة على الناس ، فالحفظ الالهى للنّصّ القرآنى لا يمنع أعداء القرآن ، ومعظمهم مسلمون أصحاب ديانات أرضية من تأويل معانى النصوص القرآنية ، أى إن عجزهم عن تحريف النصوص جعلهم يحرفون معانى النصوص بالتأويل ، وأن يلغوا تشريعات القرآن بما يعرف بالنسخ ، وأن يثبتوا ما يناقض القرآن بما يعرف بالحديث النبوى وبالحديث القدسى وسائر تلك المفتريات .
إننى بدأت بالشّك ، وأتبعته بالبحث ، فوصلت من الشك الى اليقين .
أما من يستسلم للشّك فسيظلّ تائها موسوسا مشوشا مبلبلا حيران .