قاموسنا العربى غنى بالمعانى والمترادفات، ولكن هناك كلمات لم أكن أعرف معناها حتى ابتُليت بالعيش فى زمن الإخوان وتحت حكمهم الميمون، حينها عرفت معانى لكلمات طالما احترت فى تفسيرها وإيجاد مرادف لها. أحياناً تمنح العامية العبقرية ظلالاً أخرى لبعض الكلمات الفصحى المحنطة، وهذه بعض الكلمات التى توصلت، والحمد لله، إلى معانيها، وأتمنى من مجمع اللغة العربية إضافتها إلى مختار الصحاح ومعاجم اللغة وضمها إلى كتاب الإنجازات الجديد ومشروع النهضة الأسطورى:
* التباتة: يقال رجل تبت وامرأة تبتة، ويطلق لفظ تبت على كل من يتمسك بالكرسى والمنصب برغم كراهية الناس له وتمنِّى اليوم الذى يغادر فيه مكتبه ويمتنع عن اتخاذ قراراته العشوائية، والتباتة صفة مكتسبة يتعلمها الإنسان فى جماعة منظمة تلقنه أن منصبه هذا تكليف من الله لأنه أمير المؤمنين ومسئوليته هذه لا يستطيع انتزاعها أحد منه لأنها ربانية حتى ولو تسلمها وانتزعها بالتزوير، والرجل التبت يفعل وكأنه يفعل ويحكم وكأنه يحكم ويصدر أمراً وكأنه يأمر، وتنمَّى خاصية التباتة عنده من خلال أظافر يثبتها فى الكرسى تجعله متشبثاً وملتصقاً به حتى ولو جلدته الألسنة والمظاهرات بمليون سوط، ونظراً لأهمية الأظافر التى فى نهاية الأصابع تجد من يعانى من التباتة يعشق الأصابع ومنها صوابع زينب وصوابع المحشى وصوابع الخارج والداخل.
* النطاعة: النطع هو الرجل الذى يحمل وجهاً كتماثيل الشمع وابتسامة ثلجية فريجيدرية أفعوانية، وتوصف جماعة من البشر بأنهم أنطاع (جمع نطع) عندما لا يخجلون من الكذب ويستمرون فى إنكار ما هو واضح كالشمس وتجاهل حقائق الأرض والشارع بدون أدنى طرفة عين أو إطراقة خجل أو رعشة عصب، وقد وُجدت أول حفرية نطعية فى التاريخ محتفظة بجلدها السميك تنتمى إلى العصر الجليدى الإرشادونوزى فى إحدى الطبقات الجيولوجية القديمة أسفل جبل المقطم والتى تنتمى إلى 28 قرناً قبل الميلاد، والنطع يقتل بقلب بارد ويتمسكن حتى يتمكن ويصبر عليك حتى يفترسك بالهنا والشفا.
* السماجة: معنى السماجة مرتبط باللجاجة والفجاجة، والسمج اللزج هو رجل تحس بعد مصافحته بأن ثمة مخاطاً التصق بأصابعك لا يمحوه حمض الكبريتيك المركز، وعندما تدخل معه فى حوار يذكرك بحكاية «أحكى لك حكاية الدبانة؟»، فتقول له: إحكى، فيرد: أحكى ما احكيش، أحكى لك حكاية الدبانة؟، يا سيدى قول، أقول ما أقولش أحكى لك حكاية الدبانة؟، يخرب بيتك زهقت، فيرد: زهقت ما زهقتش أحكى لك حكاية الدبانة؟!، وهى لعبة سخيفة كان بعض الأطفال ماهرين فى صياغتها بإلحاح مستفز، وأظن أنهم جميعاً عندما كبروا انخرطوا فى التنظيم، تسأل السمج فيجيب عليك بسؤال ويظل يناور ويحاور وكأنه يسمع شبحاً فضائياً من كوكب خارج المجرة.
* البجاحة: يقال رجل بجح عندما يقتل القتيل ويمشى فى جنازته ويحرمك من الغاز والكهرباء والمياه ليوفرها لمن قتل أبناء وطنه وحراس بوابته، ويقال رجل بجاح أو بجوح كصيغة مبالغة حين يذبحك ويسبق جثتك ليشكوك لنائبه الخاص الذى سرعان ما يقبض عليك بكفنك ويحكم عليك بإعدام الجثة وشنق الرفات، ويقال عن جماعة إنها بجاحة أو بجوحة عندما تدمن الركوب على الثورات لتعلن أنها صاحبتها وصانعتها وهى التى جلست وفاوضت أمن دولتها وسدنة نظامها ودم الشباب لم يجف بعد.
ما زال فى القاموس الكثير من مترادفات ومعانى هذا الزمن الردىء الكئيب، ولكن الذى زال واندثر هو النور الذى ابتلعه الظلام بعد أن بذلت أجيال وأجيال الجهد والعرق والدم من أجل تحضُّر هذا الوطن.