أولا :
1 ـ فى أى مناقشة سياسية قد يختلف المصريون ولكن يتفقون فى أتهام اسرائيل وأمريكا بأنهما سبب ما يجرى فى مصر من فساد واستبداد وانهيار اقتصادى وأخلاقى .أى إن المصريين خير أمة أخرجت للناس ، وشعب مبرّأ من العيوب ولكن يأتيه الشّر من أمريكا واسرائيل . وبمعنى أنه لو كفّت أمريكا واسرائيل عن التلاعب بمصر فستكون مصر بلا فساد ولا إستبداد ولا إنهيار أخلاقى واقتصادى . وبمعنى أن مصر البريئة الطاهرة لا حول لها ولا قوة ، وهى مجرد جسد خائر نائم تتلاعب به أمريكا واسرائيل ، ولو كفّت امريكا واسرائيل عن التلاعب بالجسد المصرى الخائر الذى لا حول له ولا قوة فستتلاعب بها قطر أو الامارات أو البحرين أو موزمبيق .!! منطق أعرج يدل على شعب فاسد حتى النُّخاع .!!
2 ـ طيلة حياتى العملية وخلال أبحاثى التاريخية لم أجد شخصيات أحقر من حسنى مبارك وزمرته سوى محمد مرسى وجماعته . فهل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟ . يمتلك المشير طنطاوى أسوأ سجل فى العسكرية المصرية ، فقد كانت وظيفته التى يفخر بها هى أن يحمى بجيشه الشرعية ( أى شخص حسنى مبارك ) ، وحين تولى بمجلسه العسكرى لم يتورعوا عن قتل المتظاهرين بالعربات المصفحة، وانتهاك حرمة أجساد الفتيات المصريات الوطنيات . هؤلاء المجرمون والقتلة من القادة والجنود : هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. لا يوجد فى التاريخ المصرى الحديث وزير داخلية فى فساد ووحشية وحقارة حبيب العادلى .ارتكب هو كبار ضباط الداخلية مذابح وأقاموا سلخانات تعذيب للأبرياء . هؤلاء القتلة من القادة والضباط والجنود : هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ظهر فى عصر مبارك فساد لم يحدث من قبل من حيث الكمّ والحجم ومن حيث النوع . من الأدوية المسرطنة وأكياس الدم الملوثة والأطعمة الفاسدة والقمح الفاسد ..واستمر هذا حتى الان بعد عصره ، من نوعية تسمم الطلبة وتهريب الغاز والبنزين .. هؤلاء الفاسدون من كل الأصناف :هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم الاهمال الذى قتل ويقتل الالوف فى حوادث الطرق وفى حوادث القطارات والسفن والعبّارات ..ووصل أخيرا الى المنطاد . هذا الاهمال هل ارتكبه مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم المذابح العامة للمتظاهرين فى الشوارع والميادين منذ قيام ثورة 25 يناير الى مذابح المجلس العسكرى والاخوان فى القاهرة وبورسعيد والسويس والاسماعيلية وغيرها من المدن المصرية . المجرمون مرتكبو هذه المذابح : هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم جماعات البلطجية التابعين لنظام مبارك ووزارة الداخلية والبلطجية التابعين للإخوان ، والبلطجية أصحاب الأعمال الحرة الذين يظهرون دائما يسلبون ويغتصبون عيانا جهارا ، هؤلاء البلطجية : هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. هؤلاء الرعاع الذين قاموا فى الشارع بانتهاك حُرمة سيدة قبطية وعرّوا جسدها وهم يهتفون ( الله أكبر ) .!! هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. هؤلاء الذين يدمنون بثّ الفتنة والدعوة الى الارهاب باسم الاسلام : هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. هؤلاء الذين يقتلون الأقباط ويعتدون على كنائسهم من عهد السادات ( مثل حادثة الخانكة والزاوية الحمرا..الخ) الى عهد مبارك (الكّشح وابوقرقاص وشبرا وكنيسة القديسين فى الاسكندرية ) الى (الخصوص ) من اسبوع مضى ،هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. هؤلاء الذين يحترفون التحرش بالنساء وإغتصابهن فى الشوارع علنا ، لهدف سياسى ( إخوانى ) أو لسبب حيوانى .. هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم من الذى خضع لمبارك ثلاثين عاما وتحمّل الذل والهوان ؟ هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم الذين أعطوا أكثر من 95 % من الأصوات فى انتخابات الرئاسة الى مرشحى الاخوان والسلفيين والفلول ( مرسى ، أبو الفتوح ، العوا ، شفيق وعمرو موسى ) والذين لم يعطوا حمدين صباحى الناصرى عدو الأمريكان سوى الفتات . هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم هؤلاء الغوغاء الذين يهللون للمتطرفين السنيين وهم يضطهدون الأقباط والشيعة والبهائيين وأهل القرآن .. هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. وانظر حولك فى الشارع وانت تتعثّر فى جبال الزبالة ، وأنت تدخل المسجد لتسمع منكرا من القول وزورا باسم الاسلام وتلاعبا باسم الله جل وعلا ودينه فى سبيل السياسة وحُطام الدنيا ، والى مناهج التعليم المتخلف فى الأزهر والتعليم المدنى ، وانتشار الرشوة والمحسوبية والصفقات المشبوهة وفساد المحليات والمصالح الحكومية ..كل هذا السقوط الأخلاقى هل يرتكبه مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. ثم من الذى سرق من مصر أكثر من سبعين بليون دولارا وتسبب فى خسارة مصر 4 تيريليون دولار حسب ما قالت إشتيرن رئيسة الاتحاد الأوربى هل هو مبارك أم الأمريكان والاسرائيليون ؟. ثم من الذى يقوم ببيع مصر أنقاضا بعد أن دمرها مبارك ، هل هو الاخوان ( مرسى / الشاطر / بديع / مالك ) أم أمريكان واسرائيليون ؟. ومن الذى جعل مصر تابعة لدويلات الخليج ( السعودية ثم قطر ) هل هم الحكام المصريون أم الأمريكان والاسرائيليون ؟. ثم هذا القضاء الفاسد وعبد المجيد ومن جاء بعده نائبا عاما ، وهذا الاعلام الحكومى الفاسد وهذا الفشل الراهن فى كل شىء .. من هم أبطاله ؟ هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟. وهذا التعامل بالسُّخرة والتحقير والاستعباد للجندى المصرى فى الجيش وفى الأمن المركزى من جانب رؤسائه ، هؤلاء الرؤساء من ضباط وصف ضباط ، هل هم مصريون أم أمريكان واسرائيليون ؟.
المصريون يعذّب بعضهم بعضا ، ويقتل بعضهم بعضا ويسرق بعضهم بعضا ويغتصب بعضهم بعضا، ثم يزعمون أن السبب هو أمريكا واسرائيل . هل هو عمى ألوان أم عمى قلوب ؟
3 ـ ليس هذا تبرئة تامة لأمريكا واسرائيل . ولكنه تشخيص صحيح للمرض المصرى . هناك مرض حقيقى داخل الجسد المصرى ، صار وباءا يكتسح المصريين جميعا . أمريكا واسرائيل لم تخلق هذا المرض ، ولكن لأن السياسة هى فنّ المنفعة فقد حاولت كل منهما الاستفادة منه لمصلحتها . ولأن إستفادتها تعنى التعامل مع مرض مُعدى فقد دفعت أمريكا واسرائيل الثمن غاليا . كمن يتعامل مع شخص مُصاب بالجرب المّعدى فينتقل اليه المرض .
4 ـ وللتدليل على ذلك ، نقول : إن أمريكا لم تخترع الوهابية ، ولم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمريكيا من مواطنى تاكساس . وليست الأسرة السعودية من نيويورك . تأسست الدولة السعودية الأولى وأسقطتها مصر وتأسست الدولة السعودية الثانية وسقطت بلا أى إهتمام أمريكى . ثم أسّس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة ، وحتى لا تسقط كما سقطت مرتين من قبل فقد قام عبد العزيز آل سعود بنشر الوهابية فى مصر واسّس فيها جمعيات سنية سلفية وهابية كان أخطرها الاخوان المسلمين . كما وثّق عبد العزيز علاقته بأمريكا ، وأعطاها إمتياز التنقيب على البترول ، فدخلت أمريكا المنطقة من باب البترول السعودى . وخلال صراعها مع الاتحاد السوفيتى بعد احتلاله أفغانستان إضطرت أمريكا للتحالف مع الوهابية ..ودفعت الثمن بظهور القاعدة وتوالى التفجيرات و11 سبتمبر. إسرائيل أيضا لعبت بالنار ، فقد فرحت بظهور حماس ، وتغاضت عن نشاطها لتكون حماس شوكة فى حلق منظمة التحرير الفلسطينية . كررت اسرائيل غلطة أمريكا ؛ لعبت بالنار ووضعت يدها فى يد الأجرب فأصابها الجرب ، ولقد عانت من حماس أضعاف ما عانته من ياسر عرفات وأبى مازن . ولكى تتقى أمريكا واسرائيل شرّ حماس فقد عقدتا صفقة مع ( أم حماس ) أى جماعة الاخوان فى مصر، وسيدفع الأمريكان والاسرائيليون الثمن . المراد أن اسرائيل وأمريكا تتعاملان مع واقع موجود طلبا للمنفعة . ولكن لأن الواقع الموجود مرض شديد العدوى فإنهما يدفعان الثمن . أمريكا واسرائيل بريئتان من خلق الفساد فى مصر وفى العالم العربى . ما يحدث فى مصر والعالم العربى هو مرض وبائى إسمه الوهابية وثقافتها فى الفساد والاستبداد والاستعباد والتطرف والارهاب والتزمت والتخلّف . وقد حاولت أمريكا واسرائيل توظيف هذا لمصلحتهما فأصبحتا من ضحايا هذا الجرب .!!
5 ـ وقبل ظهور أمريكا بعشرة قرون كان السُّنة يقتلون الشيعة فى العراق ، ولا يزالون يمارسون ذلك جهادا دينيا سنيا بنجاح فائق حتى اليوم . ظنت أمريكا أن من مصلحتها ومصلحة سكان العراق إسقاط نظام صدام حسين . وحذّرنا من التدخل الأمريكى وقتها فى أعرق معاهد واشنطن البحثية . ونجحت أمريكا فى إسقاط صدام حسين ، وفشلت فى اصلاح العراق برغم إقامتها لنظام عراقى ديمقراطى . خسرت أمريكا البلايين من الدولارات وآلاف القتلى والجرحى ، واضطرت الى الانسحاب بخفّى حُنين . ولا يزال السنة يقتلون الشيعة برغم ان الشيعة هم الذين يحكمون . أى إن الفساد ليس فى نظام صدام حسين فقط ، بل هو مرض متوطّن فى الجينات العراقية . وتدخلت أمريكا فخسرت .! .
6 ـ ونفس الحال فى سوريا . إعتاد السّنة اضطهاد المسيحيين والشيعة العلويين النصيرية منذ العصر المملوكى ، وتفاقم الأمر بظهور وباء الوهابية كأفظع نسخة من التطرف والارهاب السّنى . ارتكبوا مذابح فى لبنان وسوريا خلال القرن التاسع عشر ،خصوصا مذبحة عام 1860 فهاجر مسيحيو الشام أفواجا الى مصر وامريكا الشمالية والجنوبية وظهور ما يعرف بأدب المهجر . فرارا من الاضطهاد اضطر الشيعة النصيرية فى سوريا لحمل راية العروبة وحزب البعث القومى ، وبها وصل حافظ الأسد للحكم ، وانتقم من السنيين . وانتهز السنيون فرصة الربيع العربى فثاروا على بشّار الأسد. ولأنه مرض متوطّن فى الجينات فقد تحولت الثورة ـ وبسرعة ـ الى حرب أهلية يتفنّن فيها كل فريق فى ذبح الآخر . وعزفت أمريكا واسرائيل عن التدخل العسكرى . ومع ذلك فلا تزال بعض الحيوانات الأليفة ترى أن ما يحدث فى سورية هو مؤامرة اسرائيلية أمريكية .
أخيرا
الحرب الأهلية التى ينحدر اليها الشعب المصرى أكبر دليل على وجود فساد هائل وصل الى النُّخاع . والعلاج الصحيح يبدأ بالتشخيص الصحيح . وهو أن الشعب المصرى حاليا شعب فاسد . ولشفائه فعلا فلا بد من اصلاح حقيقى فى التعليم والاعلام والتشريع ، على أن يبدأ الاصلاح بإلغاء كل القوانين التى تمنع حرية الرأى والفكر وحرية الدين للجميع .. بدون هذا سيدمّر هذا الشعب الفاسد نفسه بنفسه ، وسينتحر وهو يهتف ( الله أكبر ـ لا اله إلا الله ) .