ليس التعليم صلاة وإيمانا ولكنه احتجاج وتجاوز . - العالم يشك ، والجاهل يستيقــن ، والعاقل يتروى ...
آراء ووجهات نظر للتأمــل

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ٢١ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

آراء  ووجهات  نظر  للتأمــل 

II 

       21) ليس الذين  يشغلون بالدفاع عن النصوص والبحث عن التفاسير لها إلا قوما هاربين من التفكير، وهم يعانون عملية هدم لا بناء فيها ، يعانون عملية احتراق باهظة ، إنهم كالذين يحتلمون أو يمارسون العادة السرية بحثا عن الأبناء، أو في أسلوب من يبحثون عن الأبناء ، أو تعويضا  عن ذلك . 

        22) ما أكثر ما يغفر الإنسان  لنفسه وما أكثر ما يصبر عليها ويحابيها.

        23) العلم شك ، والجهل يقين ، والعقل تدبير. إذن أكثر الناس يقينا هم  الجهال ، وأكثرهم  شكا هم العلماء ، وأكثرهم  تروياً هم  العقلاء.

        " العالم  يشك ،  والجاهل  يستيقن ، والعاقل  يتروى ".

        24) ليس الشك إلا خروجا أو احتجاجا على القيود الموضوعة فوق المنابر وفي المعابد ، وعلى كل  سيادة  إملائية  سابقة على العقل والحركة والشعور. 

        كان يقال في القديم :

        " فلان يفكر،  إذن هو  خطر ".

        25)  ... ولست أرى  فضيلة  في  أي  إنسان  أروع  من أن يشك  في أن  مذهبه ، أو وطنه ، أو  رأيه   أو  موقفه ،  أفضل  أو  اصدق من مذهب  غيره ، أو  من رأيه ،  أو  من موقفه .

        26) والمزيد من الشك يجب أن يعني المزيد من التسامح والحب  والإعتذار عن الناس، وهذا هو الذي يعنيه ويصنعه الشك الفكري والمذهبي ، أو هذا هو الذي يفترضه ويدعو إليه الشك الفكري والمذهبي، أو الشك ضد النفس دفاعا عن الآخرين،  أو ضد  المذاهب والعقائد  دفاعا عن النفس وعن الآخرين.

        إن الشك بحث عن أسباب التسامح والحب والاعتذار عن الآخرين .

        إنه بحث عن أسباب  العدل.

        إنه بحث عن الأسباب  المسقطة  أو المضعفة  للتعصب والبغضاء.

        إنه بحث عن مرآة  متدينة يرى بها الناس وجوههم ، ومذاهبهم ، وتاريخهم ومزايا  آبائهم بالحنان والحب اللذين يرون بهما  وجوه مخالفيهم ، ومذاهبهم ، وتاريخهم ، ومزايا  آبائهم .

        أو يرون بها دمامات وجوههم بالقسوة التي يرون بها دمامات وجوه  الآخرين !  

        26) إن الذي يرفع  صوته  بغضب بالغ  مجهد، يجادلنا أو يعظنا  مثل نبي قادم  من جبل المناجاة ، وفي فمه وأعصابه  كل توتر النبوة  وغضبها ،  إنما هو إنسان بائس هارب من عذابه ، من حرائقه  الذاتية ، يبحث في الهرب إلينا  عن النجاة لنفسه  ، لا عن الجنة  لنا .

        27) وإنه لو تحولت كل عداوة وحقد وخبث  في النفس  الإنسانية إلى  سلاح لأصبحت نفوس كثيرة  من أكبر المصانع  المنتجة  للأسلحة ، ولاستطاعت نفس ثائر واحد  أو زعيم  واحد  أن تنتج من الأسلحة  ما يكفي لقتل جميع البشر.

        28) أفضل أحزاني ورثائي لذلك التقي الفاسق، الجائع المحروم ، لذلك القديس الذي يمشي في موكب من التقى تخشع له النجوم ، يمشي وقد  كسر طرفه في غمد التقوى والتقية  دون أن يستطيع النظر إلى جمال  الزهرة  أو طلعة  القمر خوفا  من أن يعده الله – بذلك – مشغولا عن النظر إليه بالنظر إلى ما سواه ،  أو أن  يكون  بذلك  قد خرق العفاف  والنظافة ، أو فعل ما ينكره المذهب أو النظام الذي  يؤمن  به .

        هل يمكن أن تنطلق أعمالنا القوية المنتصرة إلا عن نفوس فيها صفاء ، واتزان ، وحب ، وتوافق ، وسلام مع الخارج  ومع ذاتها ؟

        29) ولو تحولت آراء الناس بعضهم  في بعض، وحقد بعضهم على بعض، وبغض بعضهم لبعض ، ونيات بعضهم نحو بعض ، إلى سلوك ، وكذلك لو تحولت رغباتهم ، وأمانيهم ، وكل حقائقهم  الداخلية المخفاة  تحت عديد الأقنعة  والشعارات ،  لكان شيئا عجيبا أو شيئا مخجلا  ومهينا أن يعايش أو يلقى بعضهم بعضاً ، ولكان من المحتوم أن يتفوق الإنسان حينئذ في افتراسه على كل الوحوش والحشرات الكئيبة .

        30) إن الزمان كائن محايد فلماذا صنع بعض المجتمعات وبعض الكائنات  أفضل أو أكثر مما  صنع المجتمعات والكائنات  الأخرى ؟

        31) إن استيراد الحضارة  أو استهلاكها  ليس حضارة،  بل  الحضارة طاقة إنسانية  تتفاعل  مع الظروف والاحتياجات لتصبح خُـلقاً  من أخلاق مبدعيها .

        إن الحضارة  ولادة  وليست تبنيا ، إنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية .

        32) إن الطريق  إلى التقدم والرخاء هو أن نكون متحضرين في  مستوياتنا النفسية والأخلاقية والفكرية والفنية، لا أن نكون مستوردين ما يصنعه المتحضرون.

        33) ... لماذا لا نناضل لنتساوى حضاريا مع هؤلاء الذين نعيش على حضارتهم ؟         كيف لا نصاب بالذهول من هول الفرق؟

        لماذا لا نقاتل أو نضج ونصيح لنتحضر كما نقاتل ونضج ونصيح لننال استقلالنا السياسي ؟

        لماذا لا نحاول أن نسرق أو نغتصب موهبة الابتكار ؟

        كيف نصرّ على الظفر بالمساواة سياسيا مع أرقى المتحضرين ، ولا نصر  على المساواة  بهم  في  القدرة على ابتكار الحضارة وتصديرها إلى الآخرين ؟

        كيف نطالب العالم بأن نتساوى سياسيا، ولا نطالبه بأن نتساوى قدرة حضارية ؟

        34) إن الهمجية بلا وسائل حضارية قد تكون محتملة ، أما  الهمجية بوسائل حضارية فهذا  هو  الهول.

        35) إن الاستعمار لا يمكن أن يفسر به  التخلف أو العيوب،  وإنما يفسر هو بالعيوب والتخلف ،  إنه نتيجة  لتخلف وعيوب سابقة  لا  خالق  لها .

        36)  إن الاستعمار إهانة للإنسان لا بد من غسلها  والتكفير عنها ،  وأفضل أساليب  التكفير عن هذه الإهانة  هو  تحضّـر الجميع  وتقدم  كل  المجتمعات حتى  تموت  الظروف التي تصنع الاستعمار أو  تسوغه.

        37) إن استقلال كثير من الشعوب الذي حققته لها الظروف الجديدة الملائمة قد أصبح افتضاحاً وهجاء  لها ، أي إن الاستقلال الذي نالته أخيرا كثير من الشعوب قد تحوّل إلى أقوى هجاء  وافتضاح لهذه الشعوب ، لأنه قد  ألقى  بها تحت التجربة  التي  كشفت  فيها عن خزائن ومخابئ  هائلة  من  الضعف  والغباء  والطغيان .

        38) ... فكذلك التعليم إذا  لم  يكن  تحويلاً  أصبح موتا ، موتا  للعقل والسلوك  والحماس والإبداع ،  أو أصبح  شيئا  لا  نفع  فيه .

        إن التعليم يجب أن يكون تحويلاً للذات المتعلمة، يحول  تفكيرها  وأحاسيسها وقدرتها وأخلاقها ورؤيتها  للأشياء والناس والمذاهب والكون وأحكامها ،  يحوّلها إلى وجود  إنساني جديد بمقاييسه  ونشاطه وكل مستوياته ، أي  إلى  تغيير.

        39) ... ليس  التعليم  مقررات وصلاة  وإيمانا ، ولكنه احتجاج وتجاوز.

        نحن نتعلم ونناقش ونرفض ونتغير،  لا  لنعرف  ونرضى  ونطمئن ، أعني أن هذا من الافتراض  النموذجي في  التعليم .

        40)  إن التعليم  يجب  أن يكون حركة لا  معرفة ، شكا  لا  يقينا ،  سؤالا لا اقتناعاً. والخطر على المتعلمين ومن المتعلمين أنهم  يتحددون ويصبحون حقيقة لا  احتمالا ، ويتحولون إلى قراءة  لا إلى  تجربة أو تفكير ، ويجدون فيما يتعلمون أجوبة  مسكتة لكل تساؤلات الحياة  فيهم ، فيملؤون كل فراغ فيهم  ملأً  كاذبا ، ويسكتون احتجاجات التناقض بينهم وبين الطبيعة والناس والأشياء والمذاهب والمعتقدات ، ويميتون أشواقهم .

*********************

اجمالي القراءات 8820