دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف:(9 / 3) الاوقاف والظلم والفساد والخراب فى مصر

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٨ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : إزدهار الوقف المملوكى

1 ـ دخلت الأوقاف فى تطور خطير فى العصر المملوكى إذ يعتبر قيام الدولة المملوكية حدثا فريدا إذ حكم المماليك وهم رقيق مجلوبون لمصر ما ورثوه عن سادتهم الأيوبيين . فى إحتياجهم لشرعية دينية تسوّغ هذا الانقلاب الخطير قام الظاهر بيبرس بنقل الخلافة العباسية للقاهرة بعد سقوط بغداد على يد المغول . بالاضافة الى وجود الخليفة العباسى ليعطى شرعية للسلطنة المملوكية فقد حرص المماليك على تزيين ملكهم بكهنوت دينى من فقهاء التصوف السنّى الذى يتسامح مع عقائد التصوف وتقديس أوليائه وفى نفس الوقت يحكم بالفقه السّنى وشريعته طبقا لهوى السلطان . هذا الكهنوت الدينى أستلزم التوسع فى إقامة معابد دينية تعبّر عن التصوف السّنى من مساجد وجوامع وقباب وخوانق وأربطة وزوايا وترب وقبور مقدسة ، ليس فقط لإقامة الشعائر بل أيضا للتعليم والتدريس والتفرغ للعبادة الصوفية ، وكان يقيم فيها الطلبة والمدرسون والموظفون والفقراء أى ( الصوفية ) . وهذا التوسع إحتاج بدوره الى من ينفق عليه فى تأسيس تلك المؤسسات وصرف مرتبات المقيمين فيها ، وتكفلت الأوقاف بهذا الدور .

2 ـ وهناك عامل آخر ينبع من مفتاح الشخصية المملوكية نفسها كنظام سياسى فريد فى نوعه . لم يكن المماليك كالأسرات الحاكمة العريقة : الأموية والعباسية والأيوبية ، بل كانت تحكمهم  المساواة بينهم في الأصل والنشأة وينحصرالتفاضل بينهم فى المقدرة القتالية والدهاء السياسي. فكلهم جيء به من بلاده الأصلية رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسية والحربية حتى يصل إلى السلطنة ولا عبرة بنسبه ولا حسبه ، بل بقدرة المملوك فى الفتن والتآمر. لذا نجد بعض الغرائب؛ فالظاهر بيبرس كان في الأصل مملوكا لأحد الأمراء ، وهوالأمير البندقداري ونسب اليه فقيل بيبرس البندقداري . واعتقه سيده ثم وصل بيبرس بدهائه وقدرته ليصبح سلطانا وأصبح سيده السابق مجرد تابع صغير له في دولته . ومهارة بيبرس تتجلى في قدرته الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربي . وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات إلى السلطنة فأنه يواجه مؤامرات الآخرين ، وقد ينجح وقد يفشل فينتهى به الأمر الى السجن أو القتل ، وفى أغلب الأحوال تتم مصادرة أمواله، ويخسر نفسه وماله . وفى كل الأحوال يظل شبح مصادرة المال يؤرق المماليك ، سواء من وصل منهم الى السلطنة ويواجه تآمر الآخرين أو من يقوم بالتآمر ويطمح للترقى والوصول على حساب ( خشداشيته ) او رفاقه أو (دُفعته) فى التجنيد حسب المصطلح السائد الآن فى مصر.  شبح مصادرة المال كان عاملا أساسا فى الوقف ، وبه إستشرى الوقف الأهلى . كان الوقف الخيرى هو السائد فاستشرى فى العصر المملوكى الوقف الأهلى ، بل برز فى هذا العصر ثلاث نوعيات من الوقف : الوقف الخيرى المعتاد ، وهو أن يوقف الواقف عينا تدرّ ربحا على جهة خيرية مثل مارستان (مستشفى) أو ( سبيل ) لرعاية وتعليم اليتامى أو مسجد أو مدرسة . أما الوقف الأهلى فهو أن يوقف السلطان أو غيره عينا تدر ربحا ، ويكون هو المستفيد منها هو وذريته   الى أن تنقرض الذرية فيعود الوقف الى أعمال البر حسبما يحدده كتاب الوقف ، وكان لكل وقف كتاب يحدد كل التفصيلات . ثم هناك الوقف الخيرى الأهلى ، حيث يوقف الواقف المزيد من العقارات والأراضى التى يزيد ريعها على الحاجة فيتم تحويل الزائد الى حساب الواقف وذريته حسبما يحدده هو ، وبعد إنقضاء الذرية تعود لأوجه البر التى يحددها فى كتاب وقفه . بهذا الوقف الأهلى كان يتم تحصين ثروة السلطان أو الأمير المملوكى أو الموظف أو الفقيه العامل فى الدولة من المصادرة ، فلا يجوز شرعا بيع العين الموقوفة ، ولا يجوز مصادرتها أو التصرف فى ريعها خارج شروط كتاب الوقف . وكانت الأوقاف الأهلية والخيرية تحت إشراف قاضى القضاة الشافعى لأنه كان الأبرز بين قضاة المذاهب .

3 ـ لم تكن المصادرة وحدها من عوامل إنتشار الوقف المملوكى ، بل كان الاعفاء من الضرائب والخراج على الموقوفات سببا آخر . وقتها كان هناك ما يعرف بديوان (المواريث الحشرية ) الذى يستولى على التركات التى لا وارث لها ، أو التى يوجد لها وريث لا يرث كل التركة مثل البنت أو الأخت . لذا لجأ للوقف من لا وارث له أو له وارث لا يستحوذ على كل التركة . وحين يوقف ضياعه وعقارته وقفا أهليا تنجو من ( المواريث الحشرية ).

ثانيا : هذا الوقف لم يكن اسلاميا فى أغلبه

1 ـ بشيوع الوقف الأهلى بهدف ضمان الاستحواذ على الثروة فإنّ المبدأ الاسلامى فى إنفاق المال إبتغاء مرضاة الله جل وعلا لم يعد متوفرا . صحيح أنه كان لا يزال هناك الوقف الخيرى ، والذى تمت به أقامة البيمارستانات والأسبلة ( جمع سبيل ) لرعاية اليتامى ، وأوجه خير عديدة مثل تكفين الفقراء ورعاية الحجّاج والانفاق على فقراء ( الحرمين ) وإقامة المدارس . ولكن الصحيح أيضا وجود شكّ كبير وهائل فى مصدر تلك الأموال ، فلم تكن فى أغلب الأحوال نقية طاهرة لأن الوصول للسلطة والثروة فى أى حكم مستبد ظالم فاسد يجعل من المتعذر أن تكون ثريا وقادرا على الوقف بمال حلال خال من الشبهة .

2 ـ يعزّز ذلك أن فقهاء الشرع وقضاته كانوا الأكثر فسادا . وهذا ما شرحناه فى كتاب ( المجتمع المصرى فى عصر قايتباى فى ظل تطبيق الشريعة السّنية ) وهو منشور هنا . أولئك الفقهاء هم الذين إبتدعوا ( الوقف الأهلى ) لينجو صاحب المال الحرام من المصادرة ومن ضرائب المواريث الحشرية ، وهم الذين ابتدعو مزيجا من الوقف الأهلى والخيرى ليبيحوا لصاحب السلطة أن يغتصب المزيد من العقارات ويوقفها بحيث يزيد ريعها على المصاريف فتتم إضافتها الى الواقف . هؤلاء الفقها هم أيضا الذين أخترعوا ( السّم ) والترياق المضاد له . هم الذين أخترعوا للسلاطين الوقف الأهلى ، ثم هم الذين إخترعوا لهم طرق التحايل على الاستيلاء على الوقف ، بما يعرف بالاستبدال .

ثالثا : إغتصاب الأوقاف بالاستبدال

1 ـ لأنّ الظلم هو الأساس ولأن خبراء الشرع السّنى فى خدمة سلاطين وأمراء الظلم فقد شاع الاستيلاء على أملاك الغير وأوقافهم بحجة الاستبدال للأوقاف . فقد أجاز فقهاء الشرع السّنى الحق فى استبدال العين الموقوفة بعين أخرى بنفس شروط الوقف ، أى إذا أوقف شخص أرضا زراعية مساحتها مائة فدان يمكن للسلطان أن يستبدلها بمائة فدان فى الصحراء مثلا ، أو يمكنه أن يبيع المائة فدان الزراعية ويشترى بثمنها مائة فدان أخرى فى الصحراء . ولا بأس بهذا مع النصّ على تماثل هذه بتلك على الورق فى كتابة العقد . المهم وجود السلطة التى تتحكم والفقيه الذى يفتى والكاتب الذى يسجل العقد على هوى صاحب السلطة. وكان يحدث هذا غالبا مع الأوقاف الأهلية التى ورثها ذرية ضعاف. طبقا لهذا فقد استولى الأمير قوصون على وقف حمّام قتّال السبع عام 730 ، وعلى وقف الدار البيسرية عام 733 ، وكان هذا فى عصر المماليك البحرية.

2 ـ وانتشر الاستيلاء على الأوقاف بحجة الاستبدال فى عصر المماليك البرجية فتم الاستيلاء على أوقاف المماليك البحرية السابقين على يد المتسلطين فى عصر المماليك البرجية ، أو المماليك الجراكسة ، فيقول المقريزى فى الخطط عن الأوقاف فى هذا العصر إنّها ( إختلّت وتلاشت فى زماننا هذا ، وعما قليل لن يبقى لها أثر البتّة ) ( الخطط 2 / 296 ) . واشتهر السلطان برسباى بالاستيلاء على كثير من الأوقاف ، وأعاد وقفها على منشئاته ، وفعل ذلك السلطان الغورى عام 908 .

3 ـ على أن أشهر سارق لأوقاف الغير بحجة الاستبدال كان جمال الدين الاستادار ، وهو صاحب خانقاة مشهورة . تعاون جمال الدين الاستادار مع قاضى القضاة الحنفى إبن العديم ، فكان جمال الدين الاستادار إذا أعجبه وقف من الأوقاف وأراد الاستيلاء عليه أقام شاهدين يشهدان بأن هذا العقار يضرّ بالجار وبالمار ، أى يضر بالجيران وبالمارة فى الشارع . وبهذه الشهادة يحكم  قاضى القضاة ابن العديم لجمال الدين باستبدال العقار الموقوف بغيره . وبذلك استولى جمال الدين على أفخم القصور العامرة بمقابل من أراضى بور وخرائب ، يقول المؤرخ ابن حجر المعاصر لجمال الدين الاستادارعنه إنّه :(استولى على القصور العامرة بشىء من الطين من الجيزة وغيرها )( إنباء الغمر بأبناء العمر2 / 446 : 447). استولى جمال الدين الاستادار على أفخر العقارات ، وأعاد وقفها على خانقاته أو مدرسته ، ومن الأوقاف التى استولى عليها قصر بشتاك التابع للسلطان الناصر حسن بن قلاوون ، وكان أعظم مبانى القاهرة ، واستولى على قصر الحجازية وعمارة أم السطان وحمّام الخراطين . ومن كان يرفض التنازل عن الوقف من الورثة يستأجر جمال الدين الاستادار عمالا يقومون بتخريب العقار الموقوف ليرغم صاحب الوقف على قبول الاستبدال .

4 ـ ويقول المقريزى فى الخطط عن جمال الدين الاستادار والقاضى ابن العديم : ( والناس على دين ملوكهم ، فصار كل من يريد بيع أو شراء وقف سعى عند القاضى المذكور ( يعنى ابن العديم ) بجاه أو مال ( أى باستغلال النفوذ أو بالرشوة ) فيحكم له بما يريد ). ويستطرد المقريزى ( ثم تطور الأمر الى أن يشهد شاهدان بأن الوقف ضار بالجار وبالمار وأن المصلحة فى بيعه أنقاضا ، فيحكم القاضى الشافعى ببيع تلك الأنقاض .) أى دخل فى اللعبة قاضى القضاة الشافعى المهيمن على الأوقاف الخيرية و الأهلية ، وأصبح سهلا تخريب العقارات وبيعها أنقاضا. واجتهد بعضهم بالتحايل ، يقول المقريزى ( وأصبح القاضى ( الشافعى ) يحكم ببيع المساجد الجامعة إذا خُرّب ما حولها ، ويأخذ ذرية الواقف ثمن الأنقاض ، فتم تخريب العقارات والمساكن الأنيقة بمصر والفسطاط ) ( الخطط 2 / 296 ).

5 ـ وتطوّر الأمر أكثر فصار القضاة يحكمون ببيع الأوقاف وتسليم الثمن للورثة دون التثبت من عدالة الثمن ، بل أصبح شائعا وضع اليد على الأوقاف بمساعدة القضاة ، بل الاستيلاء على أعمدة الرخام بعد هدم العقارات ، ثم يستعملون تلك الأعمدة الرخامية فى بناء عقارات أخرى موقوفة أيضا .

6 ـ واشتهر قضاة فى مجال الاستبدال ، منهم قاضى القضاة الحنفية فى عهد برقوق عام 800 ، وزميله الشافعى عام 821 ، وابن العديم811 ، وعلم الدين البلقينى الشافعى الذى تولى منصب قاضى القضاة ُلاث مرات بين سنوات 826 : 841 .

7 ـ و ( طبّاخ السم لا بد أن يذوقه)،فأولئك القضاة المتحكمون فى الأوقاف كانوا يأكلونها بالحرام ، وهناك تفصيلات فى هذا فى كتابنا عن عصر قايتباى . ونعطى تفصيلات أخرى : فقاضى القضاة الشافعى السفطى الذى تولى فى عهد السلطان جقمق ( من 851 : 852 ) إستولى على أوقاف فى ولايته للقضاء ، ومثله القاضى المقدسى الذى استولى على أوقاف اليتامى ، وأنفق منها على المجون فعزله الناصر محمد بن قلاوون عام 738 . واقترض بعض القضاة من مال الأوقاف التى كانوا يشرفون عليها ، ومنهم القاضى جلال الدين القزوينى الذى اقترض 230 الف درهم أنفقها ابنه فى اللهو والمجون فتم عزله فى نفس العام 738 .

رابعا : طرق أخرى فى الاستيلاء على الأوقاف

1 ـ الارغام : أى يستعمل السلطان سلطته فى إرغام الواقف على الاشهاد على نفسه أن أملاكه وأوقافه من مال السلطان ، أو أنه متنازل عنها أو عن ريعها للسلطان ، فعل ذلك الناصر محمد بن قلاوون مع كريم الدين . ولنتذكر أنه كان من حق السلطان قتل من يشاء بسيف الشرع ، وبالتالى يحق له إرغامه   بالتعذيب على أى شىء ، وسبق فى كتاب ( عصر قايتباى ) التعرض للتعذيب كاسلوب لتعامل السلطان والأمراء المماليك مع الغير. ومثلا ، فإنه حين غضب السلطان المؤيد شيخ على كاتب السّر إبن معتصم جعله يتنازل عن أوقافه تحت العذاب ، وبعدها بليلة واحدة أمر بقتله خنقا فى السجن عام 816 .

2 ـ وهناك حيل أخرى مثل : إباحة القضاة للسلطان بتعمير الوقف القديم مقابل أن يكون للواقف الأصلى جزءا منه . ومنها تأجير الوقف لأصحاب النفوذ ، وشاع هذا فى سلطنة برقوق ، ومنها الاقتراض من ريع الأوقاف كما فعل الأمير منطاش عام 791 ، أو فرض الغرامات على الوقف كما كان يفعل السلطان الكامل شعبان عام 746 .

3 ـ وقام بعض السلاطين بحلّ أوقاف السلاطين القدماء والاستيلاء عليها أو على بعضها ، فالناصر محمد ابن قلاوون استولى على أوقاف غريميه السلطان بيبرس الجاشنكير والأمير سلار ، وكانا من قبل يتحكمان فيه فلما تغلب عليهما وقتلهما استولى لنفسه على اوقافهما . والسلطان الناصر فرج بن برقوق استولى على أوقاف الطواشى فيروز الخازندار عام 814 . ثم استولى الأمير شيخ قبل توليه السلطنة على بعض أوقاف الناصر فرج بن برقوق عام 815. أى كانت أوقاف السابقين غنيمة للّاحقين ، فالسلطان برسباى استولى على بعض أوقاف الناصر صلاح الدين الأيوبى ، والسلطان عثمان بن جقمق استولى على أوقاف الاستادار الزينى ، واستولى السلطان خشقدم على أوقاف الأمير جانبك عام 868 .

4 ـ وحاول بعض السلاطين فى وقت الأزمات الحربية والاستعداد للقتال الاستيلاء على كل الأوقاف بحجة أنها فى الأصل ملك لبيت المال تبعا لنظرية أن مصر قد تم فتحها عنوة ، وقد أشرنا لهذا فى المقال السابق ، ومن السلاطين الذين حاولوا الاستيلاء على الأوقاف قطز عام 657 ، والظاهر بيبرس ثم الناصر محمد ابن قلاوون عامى 699 ، 738 والناصر فرج بن برقوق عام 803  وبرسباى فى عامى 837 ، 839 وقايتباى فى اعوام 872 ، 877 ، 894 ، 896 . والغورى عام 906

5 ـ وترتب على هذا ظاهرة فريدة أن العقار الواحد يتم الاستيلاء عليه عدة مرات فى عصور مختلفة خصوصا إذا كان عريقا فى القدم ، ومنها قيسارية القاضى الفاضل فى العصر الأيوبى التى تم الاستيلاء عليها بضع عشرة مرة الى عهد المقريزى .

خامسا

1 ـ ومن الطبيعى أن يؤدى هذا الى خراب الأوقاف ليس فقط بهدم بعض العقارات وتخريب الحوانيت و( القيساريات أى الأسواق الكبرى )، ولكن أيضا فى نهب الأوقاف الزراعية، فالذى يستولى على ما ليس له يحاول الاستفادة منه باسرع ما يمكن قبل أن يضيع منه ولا يقوم باصلاحه وإستثماره بطريقة أمثل.  

2 ـ بالاضافة الى أن الوقف فى حد ذاته هو حبس للعين عن التداول ، وتحويل مالكيها الى عاطلين بالوراثة يتعيشون كسالى من ريع ثابت . ثم أن إتساع الوقف ترتب عليه أن صارت معظم عقارات القاهرة والفسطاط ومعظم الأراضى الزراعية وقفا فى نهاية العصر المملوكى ، اى تحت الركود والتخريب .

2 ـ والمؤسسات التعليمية التى تعتمد على الوقف من مدارس وغيرها كانت تضم عاطلين تحت شعار العلم والتعليم ، ليس فقط لأنها كانت تعلّم خرافات وأكاذيب ما يعرف بالسّنة والحديث والفقه والتفسير والتصوف ، ولكن حتى فى تعليمهم لتلك العلوم الوهمية فقد كانوا عالة على التراث العباسى. فالحركة العلمية فى العصر المملوكى عموما قامت على كتب العصر العباسى فى الفقه والحديث والتفسير، تشرحه ثم تلخّص الشرح ، ثم تعيد تلخيص الشرح ثم تحول الملخص الى متون ، ثم تعيد شرح المتون . أى كان العصر المملوكى بكل مؤسساته التعليمية عصر التقليد والجمود والانحدار العلمى  أو الانتحار العلمى.! وورث هذا العصر العثمانى . أما الصوفية العاكفون فى تلك المؤسسات فلم يكن لهم من عمل رسمى فى كتاب الوقف إلا الدعاء لصاحب الوقف، وكانوا فى الواقع يقضون وقتهم فى الثرثرة والتشاجر..واللواط .. والتفاصيل ستأتى فى موسوعة التصوف فى الجزء الخاص بالحياة الخلقية فى مصر المملوكية . أى أتاح انتشار الوقف فرصة لتكوين ما يسمى بتنابلة السلطان الذين يأخذون أجرا بلا عمل ، فى الوقت الذى كان فيه الفلاح المصرى يئن فى إنتاج الخير للغير ، يكدح تحت ضرب السياط ، وغيره من التنابلة يعيش من خيره فى رغد وكسل .

أخيرا

1 ـ كل ما سبق يمكن للأخوان إعادته فى مصر عندما يصلون للتمكين والأخونة . برجاء إعادة قراءة المقال مع التفكير فيما يمكن للإخوان ( المستحلين ) تطبيقه بقضاة شرعهم وبالشهود  الجاهزين للشهادة الزور، كما كان الشأن فى عصور تطبيق شريعة أهل السّنة والجماعة من قبل .

2 ـ المقال القادم : ( الأوقاف والأزهر وشيوخ القزل باش ).

اجمالي القراءات 11024