حين يعلو الصوت فوق العقل وحين ينتشي العنف على حساب المنظومة الأخلاقية ،فلن نجد سوى أنماطاً من الهرطقات ينتهجها الغشاشون لأنفسهم وللناس، إنها أزمة الأخلاق التي حملت البعض ممن يتحدثون باسم الدين أن يكذبون خوفاً على سمعتهم ومقامهم الكريم، ولما لا ومنظومتهم الفكرية قائمة أساساً على أوهام أكثر من الحقائق، فلا أظن أن من كان مصدره الحقيقة أن يتيه عن دروب الأخلاق، أو من كان معتصماً بالتواضع أن يقع في إثم الغرور والتعالي على خلق الله، فيشرع على الفور في تصنيفهم ما بين كافرٍ ومسلم ما بين ضالٍ ومستقيم،وهنا يعمل الجهل على إضلال الإنسان عن حقيقته، ولو عرفها لعرف ما معنى الدين والتدين.
حين تحل التجربة محل البرهان -وخاصةً في السياسة- فلا ننتظر سوى التفكك والفتنة، فلا برهان دون إرادة وحين ينتفي البرهان تنتفي الإرادة، وبالتجربة يأتي الطمع وفرض الرأي فلا إرادة إذاً.. حتى لو فشلت التجربة فبغياب البرهان لن نتحمل توابع الفشل، لقد خلق الله الإنسان على مراحل جميعها أطوار تُشكل البرهان على وجوده،أو لم يكن الله قادراً على الخلق دون الأطوار؟وماذا لو كان وجودنا كالضوء نأتي ونختفي فجأة؟...فالبرهان كان الإنسان،وبالبرهان نرصد الظلم ونحاربه ونقاتل ضد أي منكرات عقلية وأخلاقية، فلا نقض للمواثيق والعهود ولا تبرير للأخطاء بأي حُجة،فكفار الجاهلية كانوا يعمرون البيت الحرام وكانوا يكذبون بقولهم هذا لله والحقيقة أنه كان لأنفسهم ولمقامهم الاجتماعي والسياسي بين القبائل، هذه قناعاتهم التي سلقوها في أنفسهم حتى تفاخروا بها فظنوا أنهم مُقرّبين، بينما الحقيقة أن الجهل والكِبر كان يتمكن منهم شيئاً فشيئا.
حين يأتي ملك هامبوكو بأصوات شعبه فينقض عهده معهم ولا يسمع منهم فلا ننتظر سوى العُزلة والرياء لكسب الوجاهة والسُمعة، فإذا كان ممن لا يهوى إلا نفسه فيهتم أولاً بمحبيه وخادميه وينسى فقراء ومظلومي شعبه حتى لو بغير إرادته، فينتشر الظلم بين الناس ويهم كل قويٍ بضعيف حتى إذا بقي منهم ضعيف جعلوه من أرذل القوم وأسفلهم فيبيعوه وينتهكوه...فكما أن النوايا الطالحة هي لديهم منبع الشرور فالنوايا الصادقة تأتي بالخيرات.. وأن هؤلاء الضعفاء لا يستحقون الريادة ولا الوَجاهة، وإذا نالوها بخسوها حقها فيظنون أنهم يخدمونهم بجهلهم.. وهنا يبدأ مسلسل الكذب.. أن النوايا الصادقة ليست بالضرورة أن تأتي بفِعل الخير، فالجاهل والمُجرم وجهان لعُملة واحدة، فالقاتل ينوي -في بعض الأحيانِ -صدقا وهنا كانت رسالة التقويم..أن مقاعد الحُكم تنشر البلاء والجهل إذا ما كان الحاكمُ جاهلاً غبياً ربيبا...وأنها تنشر الرخاء والعدل إذا ما كان الحاكم عالماً فاهماً مستقلا..
اللهم ارزقنا حاكماً يفهم ويعلم .