تصدع الإخوان(التقليد والانقياد والوهم)

سامح عسكر في السبت ٠١ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تعاني المنظومة الفكرية داخل الجماعة من عَطَن التقليد من أثر السمع والطاعة، والتقليد في العادة لا يُنتج سوى نُظم إدارية شمولية تمارس الطُغيان باسم المحافظة، فالتفكير الحر داخل الجماعة يكاد يكون معدوم ولا يُسمح به إلا في إطار الذود عن الجماعة ومشروعها، وهذا يُفسر انعدام وجود المبدعين ممن التحفوا بالعباءة الاخوانية، فالعمل الجاد والإبداعي يتطلب أولاً التخلص من الأوهام، ولم أرَ في خلال سنواتي مع الجماعة أي محاولة لرصد تلك الأوهام الموجودة في عمق كل إنسان،فأعتقد أنه وبمجرد القول بوجود الوهم داخل الجماعة فيتعرض قائله إما للعقوبات وإما للطرد، وأذكر أنني عندما كنت في الجماعة أن كنا في مجلس كتيبة وكان المُحاضر هو المستشار "حامد السيد"مستشار وزير الصناعة السابق، فجلس المُحاضر يشرح مفهوم الدرس وكان عن .."توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية"..ولم يتوانى السيد المستشار عن إسقاط ردئ للمفهومين على المجتمع حتى بدا للجاهل قبل العالم أن الرجل يحكم بالكُفر على من بدا لنا بأنه مُقصّر في توحيده أياً كان ربوبياً أو ألوهياً.

حان وقت الأسئلة وقد كانت المُدة المتاحة لنا –كتلاميذ-هي نصف ساعة لا أكثر،تقدمت للسؤال ثم ألحقته بعمل نقدي للفكرة الرئيسية للمحاضرة وقلت بأن تقسيم التوحيد لم يثبت عن سلفنا الصالح وسقت له الأدلة، وأن التقسيم إن كان ذا موضع فهو اصطلاحي لا نفهمه بهذا الشكل الرهيب والذي يُذكرني بالشيخ سيد قطب –رحمه الله-واستشهدت حينها ببرنامج كان مذاعاً منذ أيام عن الشيخ القرضاوي والذي أقر فيه بأن الشيخ سيد قطب لم يكن على مذهب السنة في آخر حياته، وأن الرجل كان خارجياً تكفيرياً من أثر ما عانى منه من صنوف العذاب، وقلت أنني أتحفظ على رأي القرضاوي ولكن شهادته يجب تدارسها لأنني فهمت- وأنا أول مرة أسمع للسيد المُحاضر-أنك تقول بكُفر وجاهلية مجتمعنا..كان هذا اختصار ما حدث مني ثم جاءت فقرة تعقيبه والتي لم تخلُ من التبرير-كالعادة-ولكن لاحظت أنه نفى قوله بأنه يقول بكفر أحد وأن منهج الإخوان لا يحكم على الناس ولماذا لا يكون السبب في أفهامنا نحن وتفسيرنا للأشياء.

حقيقة أنا لا أؤمن بصلابة أي فكرة إلا بعد طرحها بعيداً عن الهوى المُجرد،أو أن تأتي في سياق الإنصاف والجدلية.. فالرجل بان أنه وبعد أن تعرض للضغط آثر المراجعة والنفي، وهذا سلوك قد يسلكه بعض السياسيين والفقهاء، ولكن أن يسلكه محاضر في قاعة أو في منزل فهذا يثير التساؤل لماذا كانت هذه المحاضرة إذا؟!ً..إن ما حدث يستدعي الرجوع بنا إلى عصر الشيخ سيد قطب وأفكاره التصنيفية التي تسببت في نشوء أقوى جماعات العُنف السياسي في التاريخ المصري، فإذا قُلنا وبنفس منطق المحاضر أن العيب –كل العيب-في أفهامنا نحن وتفسيرنا للأشياء فلا حاجة للعوام والجهال من أمثالي بالتكليف، ولماذا ننفي عن أنفسنا التقصير سواء في إيصال الفكرة الصحيحة أو في قصور المعرفة أو في غلبة الهوى أو التقليد إن كنا حقاً نريد وجه الله وسنة رسوله.

لا أريد أن أسرد ما حدث بعدها بالتفصيل ولكن شاء الله أن نتعرض لعقوبة شهرين أو ثلاثة-على ما أتذكر-بحرماني من حضور الكتيبة الشهرية، وأتذكر أنني تعرضت لتوبيخ ونهر شديدين من نقيب الأسرة ومن زملائي..وكل جريمتي أنني قلت رأيي بصراحة ووضوح بعيداً عن التقليد أو التقديس، حينها كان من ينقد أي فكرة من أفكار الدكتور "علي لبن" التي كنا نتدارسها أسبوعياً يعني أننا نسير في الاتجاه الخطأ، وأظن أن ما طرحه السيد المستشار موجود في دروسنا التي نتلقاها عن تقليد وانقياد تامين..فأحسب نفسي أنني أكره الانقياد والتقليد ولا أنكر أنني أحيانا أتبع الهوى فهذا ما نعاني منه بني البشر إجمالاً والشاهد في من يقاوم رغباته وأهوائه لا أن يتعامى عنها تعصباً وحِزبية وانقيادا..فالمُقلد أعمى وكما قال ابن القيم بأن المتعصب بالهوى والمُقلد الأعمى ليسوا من زمرة العلماء ولو كان الناس يرونهم كذلك.

يقول عبدالمؤمن الأصفهاني في كتابه "أطباق الذهب"..(مثل المقلد بين يدي المحقق مثل الضرير بين البصير المُحدق، ومثل الحكيم والحشوي كالميتة والمشوي،أقنعه رواية الرواية عن دُرّ الدراية، وما أشقى جُهالاً قلدوا آبائهم فهم على آثارهم مقتدون، أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)..وكلام الأصفهاني يُذكرني بأحوال المستشرقين الذين أفجعونا على واقع ديني وفكري بغير ما ورثناه عن آبائنا في مطلع القرن العشرين، لم يكن للأجنبي–قبلها-إرادة الخوض في تراث المسلمين، ولكن فور دخولهم أحدثوا هزّة عنيفة في وعي المسلمين والنُخبة المثقفة بالتحديد، أعتقد أن السبب من وراء ذلك أنهم بحثوا في تراث المسلمين بعقل متحرر عن التبعية والانقياد، وأن أقوال ومفاهيم.. "كقال السلف أو أجمع أهل العلم أوحدثنا فلان أوالقاعدة تقول"..كل هذا لم يهتموا به لأن طُرق تفكيرهم ليست مثلنا، ولا أنكر أن الكثير مما وصل إليه المستشرقين محل نظر ، وأن عامل اللغة والثقافة يقف أحياناً عائق بين النص والتأويل بين القاعدة والتفسير بين التاريخ والتراث..ويخلط في أمور عديدة بين النقد والرد بين القبول والإيمان بين البحث من مرجعية الاجتهاد للحق وبين البحث من مرجعية الانتصار للذات.

أخيراً فالأزمة التي أراها داخل الإخوان -وكما أشرنا إليها من قبل في مواضع عدة –هي جزء من الكل النابع من ثقافة وظروف المرحلة، وأن ما يعاني منه الإخوان يعاني منه المجتمع العربي بالعموم، فالتقليد سمة المرحلة في كل شئ، حتى ممن سموا أنفسهم علمانيين بعضهم يُقلد ويحصر نفسه في مفاهيم ورؤى السابقين أو الحاليين، بينما أرى أن التقليد هو انقياد بالتبعية ، وأن المقلد- ومن أثر تعصبه وجموده- إذا انتقد شيئاً فينقد مخالفه بوقوفه على النقائص والدنايا ويغفل عن صوابه وحسناته، وليس هذا من منهج أهل الحق في شئ، فليس المطلوب مني كمؤمن أو كإنسان أن أسير على أفكار فلان حتى إذا دخل جحر ضب فندخله حينها تنتفي الحرية ونُصبح عُبّاداً لأشياء لا تستحق.

اجمالي القراءات 8340