تصدع الإخوان(تشويه التاريخ)

سامح عسكر في الخميس ١٨ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ليس المقصود من تشويه التاريخ أي مفردات تفيد التعمية أو الكذب أو الإبهام، ولكن المقصود هو عدم الاعتبار وتكرار نفس الأخطاء التاريخية التي نجمت عن قلة الوعي الإخواني -أو انعدامه- مما يستدعي حضور تلك المفردات ولو بطريقة غير مباشرة، أي حضور ذلك التشويه بإخضاعه للمُشاكلة فيظن الإخواني أنه وبتبرؤه من أخطاء الماضي فيتم التصديق..مثال ما يحدث الآن من معارك إخوانية مع القضاء المصري والتي تستدعي للذاكرة ما حدث للقاضي الخازندار من قبل بمجرد كونه كان ينظر إحدى القضايا التي كان يُتهم فيها أفراد من الإخوان فتم تعقبه وقتلوه في جريمة ألصقت بالجماعة ككل- وهذا سياق آخر..وبالتالي وبحسب ريادة الإخوان للتيار الإسلامي نرى كافة فصائل التيار من اليمين لليسار ومن المحافظين إلى الإصلاحيين ومن المتطرفين إلى المعتدلين قد اكتسبوا نفس الموقف، ومن كان يشهد للقضاء المصري من قبل بالنزاهة والعدالة نراهم الآن وهم يرفعون سيوف الطعن والتخوين والعنف اللفظي تجاه أي قاضي يُظهر حُكماً أو قولاً يخالف توجهات التيار.

حسب الرؤية الكلاسيكية للتاريخ فهو عبارة عن ماضي وحاضر ومستقبل وليس -كما هو مُشاع- أنه ماضي الأفراد والأمم، فحسب هذه الرؤية الكلاسيكية ربما تُنتج لنا معنىً خطياً لا أؤمن به، ولكن يتبدى لي أن رؤيتي الرافضة لخطية التاريخ هي بالفعل أو بالتطابق، وفي حالة الإخوان أرى خطية تاريخهم بالقوة أي بالمعنى أو بإمكانية الحدوث..وهذا أقرب تفسير حول استشكالي اليوم ، فتكرار جريمة الخازندار ممكنة في ظل هذا التحريض الإعلامي الإخواني ضد كل ما يمت للقضاء بصلة، والإنسان العربي-بضعفه-لا يتحكم في حدود صراعه فتتكرر المأساة وربما نرى خازنداراً آخر.

هذا السلوك أشبه بما يكنه الإنسان من طموحات فيطمع في درجات ليس مؤهلاً لها، كإرادة الجبان أن يكون شجاعاً فيظن بجهله أنه قادر على تحصيل الشجاعة بمجرد الغضب، وينسى أن ما بينه وبين الشجاعة هو نفسه فارق الطوابق المتعددة ما بين الطابقين الأول والأخير ، وبالتالي فينبغي عليه بلوغ الطابق الثاني والثالث قبل بلوغ الطابق الأخير..فلو سلك هذا الإنسان مسلكه الطبيعي في التدرج لتجذرت في نفسه روح الشجاعة-كقيمة- وفهمها قبل بلوغها ، حتى أنه ربما لا يشعر بها إلا بشهادة الغير ، أما لو حاول القفز فوق الطوابق فربما يصل ولكن حينها لن تكون شجاعة بل مشروعاً للغضب والتهور ينتهي بزوال الدافع وحضور الاكتفاء ،فيسقط في بئر الجهل والنسيان فيذوب حتى ينتهي، البعض يرى هذا رسماً خيالياً ولكنه ممكن حدوثه في من جعل دينه هويته، أو من اختزل قيم الإنسان والوطن والعالم في شخصه أو حزبه، ربما كانوا يؤمنون-عملياً وليس نظرياً- بأن الوحي لا يزال موجود، ولكن فور بروز السقوط القيمي لهم-من خارج النَسَق-يتحول الوحي إلى رأي، لذلك أؤمن يقيناً بأن السقوط سيبدأ من أول خسارة انتخابية سواء برلمانية أو رئاسية.

إن إشكالية التاريخ في ذهن الإخوان لا تقل عن إشكالية البرجوازية في ذهن الماركسيين، فالحدث التاريخي-أياً كان- يعبر عن نظام تفكير وضمير شعب وثقافة عامة سائدة أرى أن المجتمع المصري-بها-لم يختلف كثيراً عن زمن الاربعينيات، وما دام التعرض للقضاء لم ينتهِ من الوعي الإخواني فسيظل يحارب كمن حاربوا الخازندار من قبل.. ومع هذا فهناك بُعداً سيكولوجياً للمسألة لابد من طره في هذا السياق، أتخيله في يقين الإخواني بامتلاكه للحق المُطلق –إضماراً-وينعكس هذا على أفعاله وأقواله-أحياناً-ومع رفض سلطة الحق الدنيوية له "الممثلة في القضاء" فينزع نحو الدفاع عن نفسه معتقداً أنه يدافع عن القيم التي نشأ عليها، أي أنه يعتقد أنه يدافع عن الحق المُطلق بهجومه على القضاء فهو لا يريد سلطة دنيوية تتحدث نيابةً عن الحق إلا هو ، لذلك أعتقد وكما يثبت لي يوماً بعد يوم، أن الأزمة في الإخوان هي أزمة ثقافية حادة أنتجت لهم أعراضاً شكلت لديهم أزمات أخلاقية ومنهجية.

اجمالي القراءات 7809