الكتاب كاملا
ßÊÇÈ ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء )
مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء

في الإثنين ٢٣ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء )

عن الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى ( دار السلام ودار الحرب ) الجزء الأول

الكتاب كاملا

الفهرس

هذا الكتاب

مقدمة الكتاب

 الفصل الأول : مسلسل الدماء فى الخلافة الأموية

رحلة الشتاء والصيف ( التجارة الشرقية ) أساس الصراع العالمى من قريش وحتى الآن

 غزو (القسطنطينية ) من معاوية الى السلطان محمد الفاتح العثمانى (  أولا :  معاوية وحصار القسطنطينية عام  49 / 50 ـ ثانيا : كيد البيزنطيين للأمويين فى شمال أفريقيا ـ ثالثا : محاولة الأمويين الأخيرة لاحتلال القسطنطينية ـ  رابعا : كيد البيزنطيين للعرب مع بداية العصر العباسى ـخامسا : الرد على البيزنطيين بتقوية ( الحرب الفكرية ) أملا فى فتح القسطنطينية ـ أخيرا : أثر تلك الحرب الفكرية فى فتح القسطنطينية

دور معاوية : ( مقدمة . أولا :الخليفة معاوية يتابع الحملات فى الشتاء والصيف على غرار رحلتى الشتاء والصيف  ـ ثانيا : الجهاد القرشى مع الخارج ( دار الحرب ) لا يعوق القتال فى الداخل ( دار السلم ) ـ ثالثا : الوصول لمنبع التجارة الشرقية ـ  رابعا : الجهاد القُرشى الأموى فى سبيل السلطان وليس فى سبيل الله جل وعلا )

مسلمة بن عبد الملك نموذج للجهاد الأموى : جهاد فى سبيل الشيطان : ( مقدمة . أولا : لمحة عن مسلمة بن عبد الملك ـ ثانيا : غزوات مسلمة بن عبد الملك  ضد البيزنطيين وتوسعه شرقا فى الطريق للهند ـ ثالثا : مسلمة يحارب فى الداخل أيضا  ـ رابعا : إستمرار الجهاد الأموى فى إتجاه الهند والصين: منبع التجارة الشرقية ) .

 عمر بن عبد العزيز : فريد عصره :"عصر تقسيم العالم الى معسكرين" ( مقدمة ـ أولا ـ كيف وصل هذا الرجل المتفرد الى العرش الأموى ؟  ثانيا : عمر بن عبد العزيز فى خلافته ـ وبدأ مبكرا بتطبيق  العدل والسلام :  العدل :  رد المظالم ـ  السلام ووقف الحروب ـ مع الأمويين ـ  سبب قتل عمر بن عبد العزيز )

أواخر الدولة الأموية : مسلسل الدم داخليا وخارجيا فى 17 عاما فقط .!

مسلسل الدماء قبيل سقوط الدولة الأموية ( 118 : 127 )

مسلسل الدماء بين ( المسلمين فى دار السلام ) فى خلافة مروان بن محمد (127 : 132 )

 الفصل الثانى : مسلسل الدماء فى الخلافة العباسية

مسلسل الدماء فى خلافة السفاح العباسى (  132 ـ   136 )

مسلسل الدماء فى عشر سنوات من خلافة أبى جعفر المنصور ( 136 : 145 )

مسلسل الدماء فى خلافة ابى جعفر المنصور من عام 146 الى وفاته فى 158

مسلسل الدماء فى خلافة المهدى العباسى ( 158 : 169   )

مسلسل الدماء فى خلافة الهادى العباسى (  169  : 170 )

مسلسل الدماء :الخيزران تقتل زوجها الخليفة المهدى ثم تقتل ابنها الخليفة الهادى

 

مسلسل الدماء فى خلافة الرشيد : الرشيد بين الاسراف فى النساء والاسراف فى الدماء

موجز أنباء مسلسل الدماء فى خلافة الرشيد (170 : 193) 

مسلسل الدماء فى خلافة ( الأمين ) العباسى  (الخليفة الشاذ التافه ) 

مسلسل الدماء فى خلافة المأمون  (198:  218 ) أولا :  شخصية المأمون :

 مسلسل الدماء بين المأمون وأهله العباسيين والبغداديين

 مسلسل الدماء فى خلافة المأمون  (198:  218 ) : بين المأمون والعرب  

 مسلسل الدماء فى خلافة المأمون  (198:  218 ) : بين المأمون والعلويين

 مسلسل الدماء فى خلافة المأمون(198:  218 )  بين المأمون وبلاد الشرق

المأمون ومسلسل الدماء فى مصر

 مسلسل الدماء فى خلافة المأمون:زيادة الله الأغلبى فى شمال أفريقيا بين حرب الداخل والخارج  

مسلسل الدماء فى خلافة المأمون : الهجوم على البيزنطيين (دار الحرب )

 

هذا الكتاب

يتغنون بما يسمونه بالخلافة الاسلامية ، وهى فى الحقيقة خلافة شيطانية نشرت حمامات الدم فى العالم ، والذين يتغنون بها هم سفاكو دماء . لتبرئة الاسلام من شرورهم ننشر هذا الكتاب ، نبدأ بالجزء الأول عن الدولة الأموية والعصر العباسى الأول .

مقدمة الكتاب

أولا :

1 ـ سبق لنا نشر مقالات كتاب المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ، وفيه تحليل الفتوحات والفتنة الكبرى ، ثم تلاه مقالات كتاب عن مأساة كربلاء ، ثم مقالات كتاب عن الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير . موجز ما سبق أن الفتوحات ـ أكبر جريمة إرتكبها الصحابة ـ قد أنتجت الفتنة الكبرى ، وهذه الفتنة الكبرى أنتجت مأساة كربلاء ثم الفتنة الكبرى الثانية . ولا يزال المسلمون المعاصرون يعيشون تلك المآسى لأنه تأسست عليها اديان أرضية تجعلهم يتقاتلون فيما بينهم فى حروب مذهبية ، نراها الآن بين السُّنّة والشيعة . هذا فيما يخص العلاقات بين المسلمين وحروبهم المذهبية .

2 ـ وهناك أثر عالمى للفتوحات ، وهو تلك الحرب العالمية الدينية بين المسلمين والأوربيين ـ ويمثلهم الروم أساسا ـ فى القرن الأول الهجرى . الفتوحات التى دمرت الامبراطورية الفارسية الشرقية ، وقلّصت الامبراطورية الرومية البيزنطية ـ كانت تحولا هائلا فى التاريخ العالمى ، أحدثته قريش والأعراب ، واستمر هذا التحول يقسم الصراع العالمى الى صراع بين امبراطوريتين ( عربية مسلمة ) و ( نصرانية رومية ) . ولقد كان الصراع عالميا وعلمانيا بين الفرس والروم لذا كان ممكنا إنهاؤه . ولكنه تحول الى صراع دينى بين قريش التى تحمل إسم الاسلام ، وتتهم الآخر ( المسيحى ) بالكفر توطئة لتبرير الهجوم عليهم وإحتلال ما تحت أيديهم ، بل وغزو وحصار عاصمتهم القسطنطينية . ولذا إستمرت الحروب بين ( المسلمين و الأوربييين )  لأنها تأسست على دين أرضى ، وتأسّس له تعبير لا يزال ساريا هو تقسيم العالم الى معسكرين ، هو التعبير الفقهى السُّنّى : دار السلام ودار الحرب ، أو دار الاسلام ودار الكفر . هذا من وجهة نظر المسلمين ، يعتبرون أنفسهم دار السلام والسلام والايمان ويعتبرون المعسكر الآخر دار الكفر والحرب . والطرف الآخر ( الروم ) يعتبر الخصم العربى المسلم كافرا .

3 ــ بالاضافة الى إستمرارية الصراع بين الشرق المسلم والغرب المسيحى ( حتى الآن )  فقد ترتب عليه فى الداخل : إضطهاد النصارى ( المسيحيين ) داخل ما يسمى بدار السلام ، وهم أهل البلاد الأصليين وكانوا فى القرون الأولى من الهجرة الأغلبية من السكان . وعقوبة من يرتد عن الاسلام بالقتل على إعتبار أنه خائن وينتمى للمعسكر المعادى ، وهذا مع استمرار الحرب الداخلية داخل ( دار السلام ) حربا مذهبية .

4 ــ الغريب أن المؤمنين فى مكة ــ وهم تحت إضطهاد قريش ـ كانوا يتابعون صراع الروم والفرس ، ويتمنون نُصرة الروم ، بينما كان عُتاة قريش يتمنون نُصرة الفرس . وإستبشرت قريش بانتصار الفرس ، وحزن المؤمنون لهزيمة الروم لأنهم أهل كتاب .  ونزل قول رب العزة جل وعلا : (الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) الروم ) . أخبر جل وعلا يبشر المؤمنين مقدما بنصرة الروم وعدا منه ، وتحقق هذا الوعد ، وانتصر الروم فعلا بقيادة هرقل ، وغرق اسطول الفرس وتفرق جيش كسرى . بعد موت النبى عليه السلام قادت قريش المسلمين ومعها قوة الأعراب الحربية ، فأشعلت حربا عالمية ـ هى أطول حرب عالمية فى التاريخ ، بدأت بخلافة أبى بكر ..ولا تزال تقوم بها داعش . بدأ العرب الحرب ، هاجموا الامبراطوريتين العظميين ( الفرس والروم ) فى نفس الوقت ، دمروا مبراطورية الفرس وتجاوزوها شرقا ، وإستحوذوا من الامبراطورية البيزنطية على الشام ومصر وشمال أفريقيا ، ودمروا اسطولها فى البحر المتوسط ، وتوسعوا الى المحيط الأطلنطى ، ثم عبروا الى اسبانيا ووصلوا الى جنوب فرنسا .

5 ـ وتواصلت الحرب بين قريش والروم فى دول الراشدين والأمويين والعباسيين عبر ما كان يسمى ب ( الثغور ) أو النقاط الحربية على التخوم بين العرب والروم فى آسيا الصغرى أو ما يعرف الآن بتركيا ـ هذا مع استمرار الحروب فى أقصلى الغرب فى اسبانيا وفى أقصى الشرق فى آسيا الوسطى ، ومع إستمرار الحروب الأهلية داخل ( دار السلام ) أو معسكر المسلمين ، من الفتنة الكبرى الأولى والثانية وثورات الخوارج والشيعة وسقوط الدولة الأموية وتأسيس الدولة العباسية .

6 ـ وضعفت قريش مُمثلة فى خلفائها العباسيين فقام عنها بإدارة الصراع مع البيزنطيين قادة آسيويون تحكموا فى الخلافة العباسية كان أهمهم الأتراك السلاجقة . وبعد إنتهاء عصر الخلفاء العباسيين الأقوياء وفى العصر العباسى الثانى بدأت الكفة تميل ناحية البيزنطيين ، وإستمر ميلها نحوهم الى درجة أنهم بدأوا حركة إسترداد لما إستولى عليه العرب منهم ، ووصلت غاراتهم الى حلب وشمال العراق ، بعد أن كان العرب يحاصرون القسطنطينية مرتين فى الدولة الأموية .

7 ــ وأصاب الاجهاد البيزنطيين والمسلمين معا فدخلت اوربا بزعامة البابوية فى الحروب الصليبية والتى احتلت بيت المقدس وأسست ممالك لها فى الشام وآسيا الصغرى ، مع حملات صليبية لمصر . وبعد ملاحم حربية تمكن المماليك من إجتثاث الوجود الصليبى .

8 ـ بضعف المماليك ظهر العثمانيون فى مناطق الثغور ــ او الجهاد فى آسيا الصغرى ـ وبإحياء الجهاد توسعوا على حساب البيزنطيين حتى إستولوا على القسطنطينية نفسها ، وتوسعوا فى أوربا الشرقية والجنوبية من حدود فيننا الى البلقان واليونان ، ثم ضموا اليها العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا بدون المغرب .

9 ـ  ثم ما لبث أن دخل العثمانيون فى دور الضعف ــ الى أن حوصروا بين روسيا من الشرق وأوربا من الغرب ، وبدأت حركة إسترداد مسيحية فى إسبانيا قامت بتقليص الوجود العربى الى أن إجتثته تماما ، وواصلت الهجوم على موانى المسلمين فى شمال افريقيا ونقلت المعارك الى داخلهم ، وحاولت الوصول الى الهند لتكسر إحتكار المسلمين للتجارة الشرقية ولتتحالف مع المملكة المسيحية فى الحبشة لتغزو مكة والمدينة . ونتج عن هذه المحاولات الكشوف الجغرافية وبدء حركة إستعمار لم تقتصر على العالم الجديد ، بل إمتدت الى بلاد المسلمين نفسها ، ولم تقتصر على اسبانيا والبرتغال بل انضم اليها انجلترة وفرنسا وهولندة ثم أيطاليا . 

10 ـ وقع المسلمون تحت إستعمار أوربا المسيحية  فى وقت أصبحت فيه الدولة العثمانية ( رجل أوربا المريض ) الذى يتسابق الأوربيون على نهش ممتلكاته . وحاول  الوالى محمد على باشا إحياء الدولة العثمانية فكسرته أوربا ، فقنع بمصر له ولذريته ، ولكنه ترك مشروعا لليقظة بالأخذ عن أوربا ، بينما ظهرت الوهابية فى الجزيرة العربية تستعيد أسوأ ما فى تاريخ وتراث المسلمين ، ظهر فى الدولة السعودية الأولى والتى قضى عليها محمد على عام 1818 ، ثم أعيد قيامها وانهارت ثم أعاد تأسيسها عبد العزيز آل سعود ، وأعطاها إسم إسرته عام 1932 .

11 ــ أدت الظروف الاقليمية والدولية والبترولية الى أن تنشر الدولة السعوية وهابيتها على أنها الاسلام ، والوهابية تعطى المسوّغ الدينى للسلطان القائم لكى يستمر فى الحكم ، كما تعطى المسوّغ الدينى لمن يثور عليه ، بمجرد التكفير . ولذا أنتجت الوهابية أنظمة حكم وأنتجت أيضا الثائرين عليها ، وهؤلاء وهابيون وأولئك وهابيون . ونشرت الوهابية حمامات الدم فيما بينها وبين الشيعة ( حروب مذهبية ) وفيما بينها وبين الغرب ( حروب دينية ) وفيما بين أجنحتها المختلفة ( سعوديون وإخوان نجديون فى عهد عبد العزيز ، سعوديون وإخوان مسلمون فيما بعد / سعوديون والقاعدة / سعوديون وداعش / داعش والنصرة ..الخ ) .

ثانيا :

فيما يخص موضوعنا عن دار السلام ودار الحرب ، فقد أعادته الوهابية على المستوى النظرى والمستوى العملى .

1 ـ فى المستوى النظرى نقرأ هذه الفتوى الوهابية : ( ما معنى دار حرب و دار السلم؟:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد عَّرف الفقهاء دار الإسلام ودار الحرب بتعريفات وضوابط متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي، دار الإسلام هي: الدار التي تجري فيها الأحكام الإسلامية، وتحكم بسلطان المسلمين، وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين.ودار الحرب هي: الدار التي تجري فيها أحكام الكفر، أو تعلوها أحكام الكفر، ولا يكون فيها السلطان والمنعة بيد المسلمين.

قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: تعتبر الدار دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها، وإن كان جُلُّ أهلها من الكفار.وتعتبر الدار دار كفر لظهور أحكام الكفر فيها، وإن كان جل أهلها من المسلمين. المبسوط للسرخي 10/144.

وقال الإمام ابن القيم: دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون، وجرت عليها أحكام الإسلام، وما لم يجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها. أحكام أهل الذمة 1/266.

ويقول الإمام ابن مفلح: فكل دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار الإسلام، وإن غلب عليها أحكام الكفر فدار الكفر، ولا دار لغيرهما. الآداب الشرعية 1/213.

إذا عرفت هذا استطعت التمييز بين دولة وأخرى من حيث كونها دار إسلام، أو دار حرب. والله أعلم.) http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=7517

نلاحظ الآتى على الفتوى :

1 / 1 ـ أنها تخلو من أى آية قرآنية ، أو حتى أى حديث من أحاديثهم . وهم يعلمون أنه لم ترد أحاديث فى موضوع دار الاسلام ودار الكفر. هى مجرد آراء فقهية تعبّر عن ظروف عصرها .

 1 / 2  ـ إنها تعطى المسوغ الشرعى السُّنّى لتكفير أى مجتمع وأى دولة ، لمجرد الخلاف المذهبى ، والتكفير يُسوّغ الهجوم والاحتلال . وبالتكفير قامت قريش بالفتوحات ، وبالتكفير قام آل سعود بإقامة دولتهم وإحتلال ما ليس لهم ، وبالتكفير أسّست ( داعش ) دولتها المؤقتة الحالية ، وبالتكفير تسعى منظمات الوهابية ما ظهر منها وما بطن الوثوب للحكم . والفتوى فى سطرها الأخير تعطى القارىء حق الحكم على أى دولة بما يشاء .

1/ 3  ـ إذا كان التكفير وجهة نظر خلافية فى داخل دول المسلمين ( أو فى داخل دار الاسلام والسلام ) فإنه ليس كذلك . فالجميع يتفقون على تكفير الغرب المسيحى . وهو ليس مجرد أحكام فقهية بل قرون من الصراع المسلح بأنهار من الدماء ، وإحتلالات وإستردادات ، وسبى وسلب وقتل للأسرى بلا رحمة .

2 ـ على المستوى العملى الواقعى فى عصرنا :

2 / 1  ـ المملكة السعودية بحدودها الحالية أسسها عبد العزيز آل سعود بسيوف الاخوان . وهم جُند من الأعراب المتوحشين علمهم الوهابية على انها الاسلام . واضطرت ظروف السياسة عبد العزيز الى التعامل مع ( مصر ) و ( إنجلترة ) ، وهذا فى التشريع الوهابى ــ الذى تعلمه الاخوان ــ  كُفر بُواح . لذا بدأت معارضتهم لعبد العزيز ، وتصاعدت الى  تكفيره وحربه . وقد قضى عليهم فى موقعة السبلة عام 1930 ، بعد أن أنشأ الاخوان المسلمين المصريين بديلا عنهم عام 1928 . يهمنا هنا  هو : أول بنود معارضتهم له  فى  مؤتمر الارطاوية في ديسمبر 1926: ، وهو إرسال ولده سعود الي مصر و ولده فيصل الي لندن وهما من بلاد الشرك . طبقا للوهابية فمصر بلد المشركين ( حرب مذهبية ) وبريطانيا بلد الكفار ( حرب دينية ) ، وهذا تطبيق عملى لشريعة تقسيم العالم الى معسكرى الايمان والكفر . تقسيم يبدا بالقسمة علىى إثنين ( المسلمون و النصارى ) بالحرب الدينية  ثم ينتهى الى تقسيم آخر داخل ( دار الاسلام ودار الكفر ) بالحرب المذهبية . . ثم تقسيم أصغر داخل المذهب السُّنّى ثم داخل الوهابية . والاخوان النجديون ما لبث أن حاربوا استاذهم عبد العزيز واقاموا مذابح للوهابيين التابعين له .

2 / 2 : ـ أسس عبد العزيز الاخوان المسلمين فى مصر وحظر عليهم العمل فى بلاده كى لا يكرر تجربة الاخوان النجديين ، ونجح حسن البنا فى إنشاء 50 الف فرع للاخوان فى العمران المصرى وتأسيس جيش سرى له وتنظيمات دولية له ، وأسهم فى إشعال ثورة الميثاق فى اليمن لصالح عبد العزيز ، ونجح فى التسلل للجيش المصرى ، وفيما بعد قامت حركة الجيش بتأييد الاخوان ، ثم اختلف الاخوان مع عبد الناصر فعصف بهم عبد الناصر ، وهرب معظمهم الى السعودية بعد موت عبد العزيز . وقاموا بتطوير الوهابية ونشرها ، ولكن أسهموا فى تحويل بعض الوهابيين الى معارضة للأسرة السعودية . فبدأت الخصومة بين الاخوان المسلمين وسادتهم آل سعود . وكانت المعارضة السعودية فى أواخر القرن الماضى بعد حرب الخليج بتأثير الاخوان المسلمين ، وشرحنا هذا فى مقالات كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) . يهمنا أن هذه المعارضة هى التى أنتجت أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة المُنشأ عام 1998 للجهاد ضد ( اليهود والصليبيين ) ، طبقا لشريعة دار الاسلام ودار الحرب . واستهدفت القاعدة الغرب الأوربى والأمريكى بهجمات إنتحارية ، وعندما تباطأ جهادها الوهابى السلفى نهضت داعش وأخواتها تحارب فى جبهتين : ضد الغرب ، وضد الشيعة معا .

أخيرا :

1 ـ لا نملٌّ من تكرار أن الاسلام هو دين اسلام وان القتال فيه دفاعى لرد العدوان بمثله ويتوقف الرد بتوقف العدوان ( البقرة 190 : 194 ) وأنه يتوجب معاملة الذين لا يعتدون على دولة الاسلام بالبر والقسط والعدل ( الممتحنة 8 : 9  ) وأن قريش غيّرت هذا التشريع الاسلام بجريمة الفتوحات ، وجعلت تكفير الغير مسوغا للهجوم عليه واستحلال أرضه وماله وعرضه . وأصبح التكفير سلاحا داخليا استخدمه الأعراب الخوارج ضد قريش بمثل ما استخدمه إخوان عبد العزيز ضده .

2 ـ  ونقول أيضا أن تشريع (  دار السلام والاسلام ودار الكفر والحرب ) لا أصل له حتى فى التشريعات الفقهية الشفوية فى العصر الأموى . أى تم إستحداث تشريعها فى العصر العباسى . وبالتالى فهى نتاج عصرها حيث ساد تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين حربا دينية، وإستلزمت هذه الحرب الدينية المُعاشة تأطيرا فقهيا يواكبها ويؤيدها ويسوغها، وقامت الدولة الدولة السعودية بإحيائه فى عصرنا على المستويين النظرى والعملى ، ويتم تطبيقه الآن فى حمامات دم ضحاياها ألان بلغوا عدة ملايين منذ ظهور الوهابية وحتى الآن .

3 ـ وفى كتابنا هذا ، نستعرض سجالات الحروب بين قريش والروم البينزنطيين ، على المستوى العسكرى والمستوى الانسانى أيضا .. لاثبات أن:

3 / 1 :  هذه الحروب كانت الأرضية التى نشأ عليها تشريع ( دار الحرب / دار الاسلام ودار الكفر ) . 

3 / 2 : وأن الدين الأرضى مملوك لأصحابه ، هم الذين يملكون التشريع فيه طبقا لأهوائهم.

3 / 3 : وللتأكيد على أن دين الله جل وعلا وهو السلام لا شأن له بهذا الهجص الدموى .

3 / 4 : أن الفتوحات العربية التى قام بها الخلفاء ( الراشدون / الفاسقون ) هو أفظع خطيئة ، اضاعت الاسلام ، واضاعت المسلمين ، ولا يزالون يدفعون ثمنها حتى الان حروبا أهلية .

3 / 5 : فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

  والله جل وعلا هو المستعان .

 

 

الفصل الأول

رحلة الشتاء والصيف ( التجارة الشرقية ) أساس الصراع العالمى من قريش وحتى الآن

مقدمة

1 ـ نريد التذكير والتأكيد على أن قيام دين أرضى بإسباغ مشروعية دينية على الصراع السياسى والحربى يجعله مستمرا طالما بقى هذا الدين الأرضى مسيطرا . ولهذا إستمر صراع الشرق ( المسلم ) مع  الغرب ( المسيحى ) فى حروب دينية استمرت قرونا ترعاها ( الخلافة ) والكنيسة . ما عدا ذلك ، فكل الصراعات الدولية والاقليمية والمحلية ( العلمانية ) تنتهى وتصبح تاريخا ماضيا ، بل قد تتحول الى علاقات صداقة وتحالف ، أو العكس ( ألمانيا وفرنسا وانجلترة وايطاليا ) ( اليابان وأمريكا ) ( أمريكا والاتحاد السوفيتى قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ). تظل فى إطار العلاقات المتغيرة حسب المصلحة . يختلف الحال لو تدخل الدين الأرضى فيحولها الى علاقات حرب متصلة عبر القرون ، سواء كانت حربا دولية دينية ( دار السلام ودار الحرب ) أو حربا مذهبية داخلية ( السنة والشيعة ، الخوارج ..الخ ) . 

2 ـ هذا التذكير للتأكيد على حجم الجريمة الكبرى التى إقترفها أبو بكر وعمر وعثمان والأمويون فى فتح صفحة الحرب الدينية بين ( المسلمين ) والأوربيين المسيحيين ، تلك الحرب التى لم تنته ، ولن تنتهى إلا بزوال هيمنة الدين السُّنّى الوهابى بالذات ، وحصره كما حاصرت أوربا المسيحية داخل الكنائس وحظرت عليها التجول فى الحياة السياسية .

أولا :

1 ـ جذور الفتوحات التى إقترفها الخلفاء ترجع الى التجارة الشرقية ( رحلة الشتاء والصيف ) التى إحتكرتها قريش بزعامة الأمويين فى الجاهلية ، والتى بسببها عارض الأمويون الاسلام ، ثم بسببها إضطروا للدخول فى الاسلام مؤخرا قبيل موت النبى ، ثم إستغلوه من خلال الخلفاء الفاسقين فى الفتوحات خدمة لهدفهم ليس فقط فى إقامة امبراطورية ، بل أيضا فى السيطرة على التجارة الشرقية .

2 ـ كات التباعد هائلا بين الشرق الأقصى والهند من ناحية وأوربا ( والامبراطورية البيزنطية ) من ناحية أخرى . كان هذا التباعد يجعل الاتصال التجارى بين الشرق وأوربا متعذرا ، زاد منه خطورة الطريق البرى عبر الاستبس الأسيوى من أواسط آسيا الى أوربا الشرقية ، كما زاد من تعذره تلك الحروب المتصلة بين القوتين العظميين وقتها ( الفرس والروم ) ، وتركز هذا الصراع فى المنطقة الوسطى من العالم ( أو ما يعرف الآن بالرافدين والشام وآسيا الصغرى ) . بهذا أصبح الطريق الوحيد المُتاح للتجارة الشرقية هو من الهند والصين بحرا الى اليمن ، ومنها عبر القوافل الى الشام حيث تسيطر الامبراطورية البيزنطية ، ومن موانى الشان تنتقل الى أوربا . العقبة الوحيدة فى هذا الطريق هو عدم الأمن فى الصحراء حيث  تحترف القبائل الاغارات سبيلا للعيش . وهنا حدث الانقلاب فى مكة وقريش والذى أحدثه ( قُصىّ ) الذى قضى شطرا من عمره فى الشام ، وأدرك أهمية  موقع ( مكة ) والبيت الحرام فى جعل مكة والبيت الحرام مركزا للتجارة الشرقية عبر الصحراء والقوافل فى رحلتى الشتاء والصيف . ومن هنا ظهر الايلاف ، وهو عقد إتفاقات مع القبائل فى طريق التجارة من مكة الى الشام ومن مكة الى اليمن ، على أن تحمى القوافل فى رحلتى الشتاء والصيف ، مقابل رعاية أوثانها داخل الحرم المكى ، ثم إيلاف آخر بين قريش فى أن ينقسم رأس مال التجارة على أسهم ، وتتقسم الارباح حسب الأسهم . وتقاسم أبناء قصى ركنى النفوذ ، قام بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بالاشراف على الجانب التجارى وقام بنوهاشم بن عبد مناف بالاشراف على البيت ورعاية الحجاج . وبنزول القرآن  ــ والدعوة الى تنقية ملة ابراهيم من الموروثات الشركية ومنها تطهير البيت الحرام من رجس الأوثان  ــ وقف الأمويون ضد الاسلام حماية لمصالحهم التجارية وعلاقاتهم بالقبائل ، كانت معارضتهم إقتصادية بحتة مع علمهم بأن القرآن هدى ( القصص 57 / الواقعة  81 : 82 ). وأخرجت قريش المؤمنين من ديارهم وأموالهم وورثت أسهمهم فى التجارة ، بل تابعت الهجوم على المؤمنين فى المدينة وقت أن كان المؤمنون ممنوعين من رد الاعتداء ، فلما نزل لهم الإذن برد الاعتداء كانت موقعة بدر ليحصل المؤمنون على حقهم الذى صادرته قريش فى تجارتها الشرقية . ومع تواصل الصراع الحربى بين النبى وقريش أدركت قبائل العرب كيف كانت قريش تخدعهم ، وبدأ الاسلام بمعنى السلام ينتشر ومعه الادراك بعبثية تقديس البشر والحجر ، وشعرت قريش بأن الاسلام هو الذى سيكتسح الساحة فسارعت بركاب قطار الاسلام ، منتهزة فرصة أن أهم الفاعلين فيه هم القرشيون المهاجرون . وبموت النبى تخالف القرشيون جميعا ، وأدرك الأعراب عودة نفوذ قريش فثاروا فى حرب الردة ، وأخمدتها قريش ، وحتى لا تتكر ثوراتهم أقنعتهم قريش بأن المجال واسع أمام نشاطهم الحربى بالجهاد ضد ( الكفار ) ، وبهذا غيّرت قريش تشريع القتال من الدفاع الى الهجوم والاحتلال والظلم . وبالفتوحات أقامت أمبراطوريتها .

4 ـ ويلاحظ أن إتجاه الفتوحات سار فى ناحيتين ، هما معا طريق التجارة بين الشرق الآسيوى والغرب الأوربى ، أى بالاستيلاء على الشام وسواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر ، والاستيلاء على العراق وايران وأواسط آسيا . وبهذا وقع طريقا التجارة الشرقية تحت سيطرة قريش المباشرة . أصبح البحر الأحمر بحيرة مقفولة ، كما أصبح البحر المتوسط تحت السيطرة بعد تحطيم الاسطول البيزنطى فى موقعة ذات الصوارى عام 35 . وأصبحت قريش هى المنفذ الوحيد لأوربا فى الحصول على التجارة الشرقية . وفقد البيت الحرام أهميته التجارية بالنسبة للأمويين ، وحين سيطر عليه ابن الزبير وجعل من الحج وسيلة للدعاية ضد الأمويين سارع عبد الملك بن مروان بتأسيس المسجد الأقصى فى القدس بديلا عنه لأهل الشام .

ثالثا :

1 ـ وفى سجالات الحرب بين العرب ( المسلمين ) القوة الشرقية و البيزنطيين ( القوة الغربية )  نمت وإزدهرت الموانى الايطالية كوسيط فى نقل التجارة الشرقية من العرب الى أوربا ، وتحولت جنوة والبندقية الى إمارات قوية بأساطيل تجارية وعسكرية ، وسيطرت على السواحل الايطالية لتحمى نقل البضائع من موانى الاسكندرية والشام اليها ، ثم منها الى الداخل الأوربى . 

2 ـ وضعف الخلفاء العباسيون وسيطرت عليهم قوى آتية من الشرق كان آخرهم الأتراك السلاجقة . وتابع السلاجقة الجهاد ضد البيزنطيين ، وقد سيطروا على معظم آسيا الصغرى ، واستطاع السلطان السلجوقى الب ارسلان  هزيمة البيزنطيين هزيمة ساحقة موجعة وأن يأسر الامبراطور فى موقعة ملاذكرد عام 1071  ، وبها تم انهاء هيبة بيزنطة وفتح الدور لاوربا وكنيسة روما لتدخل فى الصراع ( المسلم / المسيحى ) . وبدأت الحملة الصليبية الاولى  بالاستيلاء على القسطنطينية نفسها عام 1097 : 1099 . وقضت الحملات الصليبية على النفوذ السلجوقى فى آسيا الصغرى والشام وأسسوا ممالك لهم فى المنطقة ، أهمها مملكة بيت المقدس ، وتابع الزنكيون  ( عماد الدين زنكى ) ثم ( نور الين زنكى ) مقاومة الصليبيين ، ثم ورث صلاح الدين الأيوبى هذا الجهاد .

3 ـ  وفى خضم المعارك الحربية لم يكن العامل التجارى غائبا . خصوصا مع التفوق الواضح البحرى للصليبيين .   ومع عقد هدنة بين صلاح الدين والصليبيين فإن رينو دى شاتيو أو ( إرناط ) صاحب خصن الكرك ( او الاردن ) نكث بالعهد وهاجم القوافل ، بل إنه أعدّ حملة بحرية لتخترق البحر الأحمر وتهاجم جدة ثم مكة والمدينة .   وفي عام (578هـ) شرع أرناط في بناء سفن نقلها إلى ساحل البحر الأحمر مفككة على ظهور الجمال وعبر بها الأراضي العربية كانها قافلة تجارية عابرة ، ولم يكن للصليبيين وجود في البحر الأحمر قبل هذا، وباغت المسلمين في ديارهم على حين غفلة؛ فقتل، ونهب، وسلب، وأسر، ثم توجه إلى أرض الحجاز وسار باتجاه المدينة المنورة مرة أخرى حتى وصل إلى رابغ، ، وأسرع قائد الأسطول حسام الدين لؤلؤ بارسال حملة بحرية فى رمضان 578 هـ= يناير سنة1183 م إلى قلعة أيلة واستولت على مراكب العدو برمتها، وقتلت أكثر مقاتليها ، وأرسل حملة أخرى الى ميناء عيذاب بالبحر الأحمر  ، وأطلقت المأسورين من المسلمين فيها ،  وأدركت حملة ارناط قبل وصولها المدينة فقتلوا معظمهم وأسروا الباقين. وأمر صلاح الدين بقتل الأسرى علنا ،   أما أرناط فقد استطاع الهرب ، الى أن قتله صلاح الدين بيده بعد أن وقع أسيرا فى موقعة حطين .

4 ـ  كانت الامبراطورية البيزنطية قد إنتقلت الى متحف التاريخ ، واستولى السلطان العثمانى محمد الفاتح على القسطنطينية عام  1453 ،وحول كنيستها الشهيرة آيا صوفيا الى مسجد ،  وتحولت الى عاصمة لدار السلام والاسلام ( اسلامبول ) ضد دار الحرب والكفر فى أواسط أوربا وشرقها ، وبالتالى إنتقل قطب الصراع الى أسبانيا ،  التى توحدت بزواج ايزابيلا وفريدناند عام 1469 ـ وكان اول اعمالهما عام 1492  هو اسقاط غرناطة وطرد المسلمين منها  وارسال رحلة كولومبوس . ثم تم كشف رأس الرجاء الصالح 1498  وبعده توسعوا الى الهند وشرق آسيا . وبهذا دخل الغرب الأوربى عصر الكشوف الجغرافية والاستعمار للعالم الجديد والقديم على السواء .

 5 ـ خلال قرون مضت كانت أوربا قد أدمنت السلع الشرقية  ، وأهمها  البهارات ( التوابل ) ، والعقاقير ( الأفيون بالذات )  والعطور.  وبلغت شهرتها الآفاق ؛ كان : كيس البهار يساوى وزنه فضة ، وكان الرجل الأوربى الثرى يطلق عليه لقب كيس بهار ، وكان البهار أثمن هدية للعروسين . إرتفعت أسعار تلك السلع إرتفاعا باهظا مع تعاظم الطلب عليها بسبب الجمارك الباهظة التى كان يفرضها المماليك، وكانوا يفرضونها  مرتين ، من وصولها الى موانيهم فى البحر الأحمر ، ومن تصديرها الى أوربا فى الاسكندرية ودمياط ، ثم تكلفة النقل والتجارة عبر إمارتى البندقية وجنوة ، وبسبب الارباح الهائلة لتلك التجارة الشرقية والتى إحتكرتها البندقية و وجنوة فقد إزدهرتا إزدهارا فاحشا على حساب بقية البلدان الأوربية . ومن هنا نشأت الحاجة الى الوصول الى الهند عبر طريق آخر غير هذا الطريق الذى يسيطر عليه المسلمون .

6 ـ وكالعادة تعانق العامل الدينى والتجارى فى هذا الصراع . أصبح من عوامل الكشوف الجغرافية : التخلص من الجمارك الباهظة التى كان يفرضها المماليك وضرب إحتكار البندقية فى نقل التجارة الشرقية ، واضيف اليه تحويل السكان الى المسيحية  ، والتعاون مع مملكة الحبشة المسيحية لضرب الاسلام فى العُمق . وبزول بيزنطة وإنحسار دور كنيستها الشرقية المذهبية  برزت المذهبية الكاثولوكية فى تحالف الكرسى البابوى فى روما مع اسبانيا والبرتغال المتعصبتين للكاثولوكية .  وصدرت المراسيم  البابوية تبيح وتخوّل للبرتغال واسبانيا ملكية ما يكتشفونه ، وتوجب عليهم الجهاد ضد ما اسموه بطاعون الاسلام ، وتعطى المجاهدين الصليبيين صكوك الغفران والتمتع بالجنة .

7 ـ ومضى كولومبوس بسفنه فى المحيط الأطلنطى ليصل الى الهند من الناحية الغربية بإعتبار كروية الأرض فوصل الى العالم الجديد وظنّه الهند فأطلق على سكانه ( الهنود الحمر ) . ثم تتابعت الكشوف ليدرك الأوربيون أنهم بإزاء عالم جديد ، ودخل فى الكشوف انجلترة وفرنسا ، وامتدت الكشوفات لتتحول الى إستعمار إستيطانى ، ثم إمتد الى العالم الآسيوى القديم فى الفلبين وجزر الهند الشرقية ( أندونيسيا ) ووصلت اوربا الى الشرق الآسيوى واستولت بريطانيا على الهند عبر ( شركة الهند الشرقية )، ولم تستطع السيطرة على العملاق الصينى فقامت بتخديره بالأفيون ، وفرضت عليه تدخين وإدمان الأفيون فى حربى الأفيون ألأولى ( 1840 : 1842 ) والثانية ( 1856 : 1860 ) . بدأت أسبانيا والبرتغال الكشوف الجغرافية وأنتهى الأمر بالامبراطورية البريطانية التى لا تغيب عنها الشمس بسبب سيطرتها على التجارة الشرقية ، ومركزها الهند التى كانت (دُرّة التاج البريطانى ) .

8 ـ التطرف الأسبانى البرتغالى فى سفك الدماء والتعصب الدينى لديهما مع قلة عدد سكانهما أخرجهما مبكرا من الصراع الأوربى حول إستعمار العالم الجديد والقديم ، خصوصا بعد قيام انجلترة بتدمير الاسطول البرتغالى السبانى ( الأرمادا ) فى اغسطس عام  1588 ، وبهذا خرجت اسبانيا والبرتغال من ميدان التنافس فى التجارة الشرقية . ولكن قبل أن نغادرهما نتذكر الحملة الصليبية البرتغالية لهدم الكعبة ونبش قبر النبى فى المدينة ثم الزحف منها الى تبوك والقدس . كان هذا  فى عهد السلطان الغورى المملوكى .  وقد استعان البرتغاليون في حملاتهم باليهود الذين استخدموا كجواسيس ، وقد ساعدهم في ذلك معرفتهم باللغة العربية، وعلى سبيل المثال فقد ارسل ملك البرتغال يوحنا الثاني خادمه الخاص ومعه رفيق آخر يهودي الى مصر والهند والحبشة وكان من نتائج رحلتها تقديمها تقرير يتضمن بعض الخرائط العربية عن المحيط الهندي .وذكر ابن اياس إنه في زمن الشريف بركات قد ارتاب في ثلاثة أشخاص تسللوا إلى مكة المكرمة وكانوا يحومون حول المسجد الحرام متظاهرين بأنهم مسلمون، و يرتدون زي العثمانيين، و يتكلمون العربية والتركية. فأمر بالقبض عليهم. وبالكشف على أجسامهم اتضح أنهم مسيحيون لأنهم كانوا بغير ختان. وباستجوابهم اتضح أنهم جواسيس برتغاليون بعثت بهم سلطات لشبونة ليعملوا أدلاء للجيش البرتغالي الصليبي عند دخوله مكة "و قد وضعوهم في الحديد و بعث بهم إلى السلطان الغوري" . و قد وقع هذا الحادث في عام  1510.

وكان السلطان الغوري  قد انهزم حربيا أمام البرتغال فى البحر الأحمر. وكان البرتغاليون بعد وصولهم إلى الهند قد نقلوا جزءاً من نشاطهم الحربي إلى منطقة الخليج العربي وبحر العرب واستولوا على مسقط وهرمز و البحرين وقلهات على ساحل عمان ، و قربات ، و صحار ، وحور و غيرها وجزيرة سقطرى وضربوا ساحل عمان . و فشلوا في احتلال عدن، نجحوا في دخول البحر الأحمر. وبعد أن ضربوا بعض الجزر القريبة من مدخله الجنوبي وبعض ثغوره اتجهوا عام 1517م لاحتلال جدة وفشلوا ، ثم فشلوا ثانيا عام 1520 بع سقوط الدولة المملوكية عام 1517 .

9 ـ  وحاول السلطان العثمانى  سليمان القانونى ضرب البرتغاليين بإرسال حملة كبرى عام 1538م ، و قد نجحت هذه الحملة في الاستيلاء على عدن، و فشلت في ضرب البرتغاليين في الهند. ورد البرتغاليين على الدولة العثمانية بحملة بحرية كبرى دخلت البحر الأحمر واتجهت إلى ميناء السويس، وهي مقر القاعدة العثمانية البحرية. ولكنها ولت مدبرة على أعقابها بعد أن تبين لها أن الأسطول العثماني في حالة تأهب.وقررت الدولة العثمانية وضع خطة جديدة لحماية الولايات العربية الخاضعة لها ، و تتمثل هذه الخطة في اتخاذ عدن- وهي البوابة الكبرى للبحر الأحمر - خط دفاع وقاعدة عسكرية لضرب المراكز البرتغالية في شرق الجزيرة العربية و للسيطرة على البحر الأحمر، وزيادة نشاط الترسانة البحرية في السويس في بناء سفن حربية جديدة وعديدة. تنفيذا لهذا المخطط العكسري قررت الدولة ، كإجراء أمن داخلي وخارجي، إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن البرتغالية، ثم عممت هذا المبدأ على جميع السفن المسيحية. فكان لا يسمح لها بالإبحار بالبحر الأحمر فيما وراء ثغر المخا جنوبي ثغر الحديدة في اليمن، فتفرغ شحناتها ويعاد شحن حمولاتها على سفن إسلامية تجوب أنحاء البحر الأحمر و تتردد على ثغوره وموانئه.  

10 ـ وانتهى دور التجارة الشرقية التى كانت تسيطر عليها قريش ، ثم استولت عليها أوربا ، وحلّ محل التجارة الشرقية حاليا ـ تجارة البترودولار . وعاد الصراع  ــ معقدا بالغ التعقيد ــ بين الطرفين يتداخل فيه ويتشابك مصالح السياسة والاقتصاد مع تغلغل النفوذ السعودى الوهابى بعملائه ( الطابور الخامس ) داخل  (معسكر الكفر ودار الحرب ) ، ويتعين على امريكا والغرب أن تحارب الارهاب ( اللوجيستى فقط ) داخل اراضيها مع المحافظة على استمرار ثقافته ودعوته الوهابية حرصا على إقتصادها الذى يعتمد على نفط الخليح الوهابى . تأخذ من الوهابية نفطها مع التقليل بقدر الامكان من خطورة إرهابها . لُعبة بالغة التعقيد ، ويدفع أهوالها الفقراء والمستضعفون فى دار هذا ودار ذاك .

أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

 

غزو (القسطنطينية ) من معاوية الى السلطان محمد الفاتح العثمانى

مقدمة :

1 ـ كانت قرية للصيادين اسمها بيزنطة ، ثم جعلها الامبراطور قسطنطين عاصمة الامبراطورية الرومانية الشرقية عام من 335 ، وسماها القسطنطينية ، وجعلها مقر الكنيسة الشرقية الارثوذكسية ، وكانت كنسيتها آياصوفيا آية فى المعمار الدينى . وعاشت عصرها الذهبى ، وصارت مطمح الأمويين فى الاستيلاء عليها بإعتبارها مركز المعسكر الآخر المعادى . وفشلت حملتان أمويتان فى غزوها ، وظلت القسطنطينية تمثل مركز المواجهة ضد المسلمين فى العصر العباسى فى مصطلح ( دار السلام والاسلام ضد دار الحرب والكفر ) ، الى أن انتهى الأمر بأن فتحها السلطان العثمانى محمد الفاتح عام 1453 ، واطلق عليها إسم إسلامبول ، أو دار الاسلام . ثم بعد سقوط الخلافة العثمانية وتولى أتاتورك بعلمانيته المتطرفة أطلق عليها إسم إستانبول .

2 ـ ولأنها حرب دينية فى الأساس فقد إستمر حُلم الاستيلاء على القسطنطينية مسيطرا على الخلفاء القرشيين العباسيين بعد فشل أبناء عمومتهم الخلفاء الأمويون فى الاستيلاء عليها . ولقد تحولت الحروب الدينية بين العباسيين والبيزنطيين الى معارك برية بعيدا عن حصار القسطنطينية نفسها ، وكانت للعباسيين الغلبة فى المعارك فى عصر قوتهم فى الدولة العباسية الأولى ، ثم بضعف الخلفاء العباسيين بدأت الكفة تميل نحو البيزنطيين حتى لقد بدأوا حرب إسترداد وصلت الى شمال الشام والعراق . وهذه الانتكاسات الحربية زادت من تأكيد الحُلم بالاستيلاء على القسطنطينية . وكانت ـ من خلال الأساطير الدينية التى لبست ثوب الأحاديث والروايات التاريخية ــ أكبر محرّض للسلطان العثمانى محمد الفاتح على تحقيق الحلم .

3 ــ ونعطى بعض التفصيلات :

 

أولا :  معاوية وحصار القسطنطينية عام  49 / 50

1 ـ يقول ابن الأثير : ( في هذه السنة، وقيل: سنة خمسين، سيّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتل، فأمسك عنه أبوه ) .. ( ثم  أقسم عليه ليلحقن بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه، وكان في الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم وعبد العزيز ابن زرارة الكلابي، فأوغلوا في بلاد الروم حتى بلغوا القسطنطينية، فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم.. ) .

2 ـ وفشل الجيش الأموى وعاد .

 

ثانيا : كيد البيزنطيين للأمويين فى شمال أفريقيا

1 ـ استطاع عقبة بن نافع طرد البيزنطيين من مساحات كثيرة من شمال أفريقيا . وكان كسيلة زعيم البربر ( الأمازيغ ) قد اسلم وانضم بقومه للعرب ، ولكن عقبة بن نافع أهانه ،   فتحالف سرا مع الروم ، وإستطاع كسيلة ومعه الروم هزيمة العرب وقتل عقبة بن نافع عام 63 ، ودخل القيروان . فأرسل عبد الملك بن مروان قائدا جديدا هو زهير بن قيس البلوى ـ وكان مقيماً ببرقة مرابطا فيها . وتقدم زهير بن قيس بجيشه فواجهه كسيلة بجمع من البربر والروم ، وبعد صدام حربى مروع إنتصر العرب ولقى كسيلة حتفه ، ومعه أعيان البربر والروم .

2 ـ  وانتهز الامبراطور البيزنطى خروج زهير بن قيس بجنده من برقة الى القيروان وتركه برقة خالية من الجنود ـ فارسل حملة بحرية قوية من   جزيرة صقلية، تقول الرواية : ( وأغاروا على برقة، فأصابوا منها سبياً كثيراً، وقتلوا ونهبوا، ووافق ذلك قدوم زهيرمن إفريقية إلى برقة، فأخبر الخبر، فأمر العسكر بالسرعة والجد في قتالهم، ورحل هوومن معه، وكان الروم خلقاً كثيراً، فلما رآه المسلمون استغاثوا به فلم يمكنه الرجوع، وباشر القتال واشتد الأمر وعظم الخطب ، وتكاثر الروم عليهم ، فقتلوا زهيراً وأصحابه ولمينج منهم أحد، وعاد الروم بما غنموا إلى القسطنطينية.)
3 ــ   وأرسل عبد الملك بنمروان إلى إفريقية حسان بن النعمان الغساني بجيش ( لم  يدخل إفريقية قط جيش مثله.فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة ( تونس الآن )، وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية، ولم يكن المسلمون قط حاربوها، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر مالا يحصى كثرةً، فقتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيراً، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب، فركبوا في مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية وبعضهم إلى الأندلس، ودخلها حسان بالسيف فسبى ونهب وقتلهم قتلاً ذريعاً وأرسل الجيوش فيما حولها، فأسرعوا إليه خوفاً، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه.ثم بلغه أن الروم والبربر قد اجمعوا له في صطفورة وبنزرت، وهما مدينتان، فسار إليهم وقاتلهم ولقي منهم شدةً وقوة، فصبر لهم المسلمون، فانهزمت الروم وكثر اقتل فيهم واستولوا على بلادهم، ولم يترك حسان موضعاً من بلادهم إلا وطئة، وخافه أهل إفريقية خوفاً شديداً . )  

4 ـ أدى هذا الى معاودة الأمويين محاولة فتح القسطنطينية ، لبتر ( رأس الأفعى ) أو ( مركز دار الحرب والكفر ) فى دينهم الأرضى العملى .

 

ثالثا : محاولة الأمويين الأخيرة لاحتلال القسطنطينية

 

1 ـ كان فتح الاندلس مع عام 92 ، وبه طالت المسافة بين دمشق واسبانيا ، وكان ممكنا أن ينتهز الروم الفرصة بالاغارة البحرية على المسلمين فى الشمال الأفريقى ، لذا كان ضرورة فتح القسطنطينية ، وجرت محاولة  لهذا فى عام 98 فى خلافة سليمان بن عبد الملك . وكانت الحملة بقيادة مسلمة بن عبد الملك أعظم قائد أموى وقتها .

2 ـ  وقد اختط مسلمة خطة جديدة في ذلك الحصار ، تفادى فيها أخطاء حملة معاوية السابقة التى تعجلت الرحيل والعودة ، إذ أقام بتخرين الطعام والمؤن وأقام بيوتا من خشب للجيش وأمرهم بأن يزرعوا ويأكلوا مما يزرعون ومما يصيبون من الغارات وذلك حتي يستمر الحصار أطول مدة ممكنة . وفي نفس الوقت الذي ضمن فيه إمدادات الجيش أقام العسكر حول أسوار القسطنطينية يشددون عليها الحصار ، وجعل علي مقدمة الجيش قوادا مهرة مثل خالد بن بعدان ومجاهد بن جبر وعبد الله زكريا . واضطر الروم لأن يعرضوا الجزية دينارا عن كل شخص في مقابل إنهاء الحصار ولكن رفض مسلمة.

2 ـ وحدث أثناء  ذلك أن مات ملك الروم فاستمال الروم إليهم القائد الرومي إليون ، وقد كان ثائرا علي الملك السابق ومناصرا لمسلمة ومتحالفا معه في حصار القسطنطينية. وحدث التحالف السري الجديد بين الروم وإليون من وراء ظهر مسلمة الذي كان يثق في إليون ولا يتصور أنه سيخونه ، وعدّ المؤرخون ذلك خطأ من جانب مسلمة لأن الذي يخون قومه لا يستبعد عليه أن يخون حليفه. وكان أعيان القسطنطينية قد وعدوا إليون بالملك إذا تمكن من صرف المسلمين عن حصار مدينتهم، فاقنع إليون مسلمة بأن يعطي المؤن للروم في مقابل أن يعطيه الروم الطاعة وانتقلت المؤن لأهل القسطنطينية وهم تحت الحصار والجوع ، ففوجيء مسلمة بإليون ينضم إليهم بعد أن نقل كل مؤن الجيش المسلم ، وأصبح الروم في قوة وشبع بينما أصبح مسلمة وجيشه في خوف وجوع خصوصا وقد حل الشتاء فاضطر الجيش لأكل الدواب وأصول الشجر، وساءت الأحوال حتي تولي عمر بن عبد العزيز عام 99 ، فأمر مسلمة بالرجوع عن حصار القسطنطينية.  

 

رابعا : كيد البيزنطيين للعرب مع بداية العصر العباسى

1 ـ  انتهز البيزنطيون سقوط الدولة الأموية عام 132 ، وإنشغال العباسيين بتأسيس مُلكهم الجديد فأغاروا عام 133 تحت قيادة الامبراطور قسطنطين، على ملطية وملكوها ، تقول الرواية : ( في هذه السنة أقبل قسطنطين، ملك الروم، إلى ملطية وكمخ، فنازل كمخ، فأرسل أهلها إلى أهل ملطية يستنجدونهم، فسار إليهم منها ثمانمائة مقاتل، فقاتلهم الروم، فانهزم المسلمون، ونازل الروم ملطسة وحصروها، والجزيرة يومئذ مفتونة بما ذكرناه، وعاملها موسى بن كعب بحران.فأرسل قسطنطين إلى أهل ملطية: إني لم أحصركم إلا على علم من المسلمين واختلافهم، فلكم الأمان وعودون إلى بلاد المسلمين حتى أحترث ملطية. فلم يجيبوه إلى ذلك، فنصب المجانيق، فأذعنوا وسلموا البلاد على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام وحملوا ما أمكنهم حمله، وما لم قدروا على حمله ألقوه في الآبار والمجاري.فلما ساروا عنها أخربها الروم ورحلوا عنها عائدين، وتفرق أهلها في بلاد الجزيرة، وسار ملك الروم إلى قاليقلا فنزل مرج الخصي، وأرسل كوشان الأرمني فحصرها، فنقب إخوان من الأرمن من أهل المدينة ردماً كان في سورها، فدخل كوشان ومن معه المدينة وغلبوا عليها وقتلوا رجالها وسبوا النساء وساق القائم إلى ملك الروم.) .

2 ـ  المستفاد من الرواية السابقة : تبادل الفريقين القتل والسلب والسبى ، وتقسيم العالم الى معسكرين ، فالامبراطور إتفق مع أهل ملطية المسلمين على تسليم ملطية والرحيل عنها الى بلاد الاسلام : (فأذعنوا وسلموا البلاد على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام ) .

  

خامسا : الرد على البيزنطيين بتقوية ( الحرب الفكرية ) أملا فى فتح القسطنطينية

1 ـ شهد العصر العباسى متغيرات شتى ، منها الدخول فى عصر التدوين وإزدهار التأليف والاختلاق فى الحديث ، وتأسيس الأديان الأرضية بكتب أحاديث وفقه ، هذا مع ، إنتقال العاصمة من دمشق الى بغداد شرقا ، بمعنى أن تتجه الأنظار أكثر ناحية الشرق ، خصوصا وأن الدولة العباسية قامت على أكتاف الفُرس وتشبّه خلفاؤها بالأكاسرة ، وفى تركيزهم على الشرق أضاعوا الأندلس ثم المغرب ـ مبكرا . وهذا التركيز على الشرق حصر الصراع العسكرى مع القسطنطينية على التخوم بين الامبراطوريتين العباسية والبيزنطية ، فظلت القسطنطينية بمأمن من محاولات الغزو . هذا الإخفاق العباسى فى تحقيق الحُلم بفتح القسطنطينية أجّج فى إختلاق روايات حديث وتاريخ تُحرّض على فتح القسطنطينية ، وتضيفها الى محاولة معاوية غزو القسطنطينية .

2 ـ إنتهزوا وجود أبى أيوب الأنصارى فى جيش يزيد بن معاوية فزعموا أنه : ( توفي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينية فدفن بالقرب من سورها، فأهلها يستسقون به، وكان قد شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين مع علي وغيرها من حروبه.) ( وقيل إن الروم قالت للمسلمين في صبيحة دفنهم لأبي أيوب: "لقد كان لكم الليلة شأن"، قالوا: "هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا وأقدمهم إسلاماً، وقد دفناه حيث رأيتم، ووالله لئن نبش لا ضرب لكم بناقوس في أرض العرب ما كانت لنا مملكة". )"، ( وكان ابو ايوب الأنصارى في جيشٍ متوجهٍ لفتح القسطنطينية، يقوده يزيد بن معاوية في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، فمرض أبو أيوب، فدخل عليه يزيدٌ يعوده فقال: "ما حاجتك؟&"> 5 ـ وإخترع البخارى ( ت 256 ) شخصية لم ترد من قبل فى الصحابيات فى الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 ، وهى شخصية ( أم حرام بنت ملحان ) وبنى عليها طعنا حقيرا فى خاتم النبيين ، عليهم السلام ـ يزعم فيه أن النبى كان : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت وما يضحكك يا رسول الله؟ قال (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة). شك إسحاق قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال (أنت من الأولين). فركبت البحر في  زمان معاوية  فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.. ).

 وقد حللنا هذا الحديث الحقير فى كتابنا ( القرآن وكفى ) ولكن ما يهمنا هنا أن الحديث إنتشر ، وابتلع الناس الاهانة التى وجهها البخارى لشخص النبى عليه السلام فى مقدمة الحديث ، وهللوا لما جاء فيه من غزو بحرى للروم ، مفهوم أنه غزو للقسطنطينية . هذا مع أنهم ــ فى تناقض مفضوح ـ قالوا انها ماتت فى عصر عثمان فكيف تحضر عصر معاوية ؟ . ولكن بإستمرار الشحن الاعلامى الدينى لفتح القسطنطينية أصبحت شخصية أم حرام بنت ملحان حيّة فى الوجدان ، خصوصا مع تقديس البخارى فى الدين السُّنّى الأرضى . وفيما بعد زعموا لها قبرا هناك ، وأقيم عليه مسجد عام 1760 برعاية شيخ يسمى حسن الصالحة .!!

أخيرا : أثر تلك الحرب الفكرية فى فتح القسطنطينية

1 ـ  لسنا فى معرض التفصيل لفتح السلطان العثمانى محمد الفاتح القسطنطينيةعام 1453 ، ولكن نؤكد على أنه بالتوازى مع الاستعداد العسكرى للحملة العثمانية ( ربع مليون جندى على أعلى تدريب وتسليح ، وأقوى مدفعية فى وقتها مع اسطول ضخم ب 400 سفينة ) فقد كان الاعداد الدينى على أعلى مستوى ، وتمثل فى الآتى : جيش من الشيوخ والقُصّاص لتحميس الجنود ، وتلاوة الأحاديث على مسامعهم ، وأهمها حديث : (لئَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ) ،ثم خدعة هائلة ، وهى إكتشاف قبر ( أبى أيوب الأنصارى ) عند أسوار القسطنطينية قبيل الهجوم.!؟ وبعدها خطب السلطان محمد فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم أحاديث ( الجهاد ) وتلك التى تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عز للإسلام والمسلمين، وبدأ الهجوم بالتكبير والتهليل .

2 ـ ولنتذكر أن القسطنطينية وقتها كانت رأسا كبيرا بلا جسد ، لم يبق لها ممالك تُذكر ، وكانت فى خصومة مع البابا الكاثوليكى ، ولكنها ظلت محتفظة بمكانتها الدينية كمركز للكنيسة الشرقية ، وبموقعها البحرى الحصين . وكان وجودها يفصل ممتلكات العثمانيين ويقف حائلا دون توسعهم فى أوربا . وبفتحها تمكن السلطان محمد الفاتح من التوسع فى شرق أوربا وتوحيد الأناضول .

3 ـ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فلا مجال فيها للتراجع أو الاستسلام ، سواء من جانب الامبراطور أو من السلطان . لقد استمات الإمبراطور البيزنطي في إسترضاء السلطان ورشوة كبار أتباعه لصرفه عن غزو القسطنطينية ، فلما يأس طلب المساعدات من  دول اوربا ، وعرض على بابا روما توحيد الكنيستين الشرقية البيزنطية الكاثولوكية . وبعث البابا مندوبا الى القسطنطينية خطب فى كنيسة آيا صوفيا معلنا توحيد الكنيستين بما يعنى تبعية كنيسة بيزنطة الى روما فأغضب هذا جمهور الارثوذكس ، وفضّل بعضهم عمامة العثمانيين على بابا روما . وفي يوم 24 مايو سنة 1453م، الموافق 15 جمادى الأولى سنة 857هـ، أرسل السلطان محمد إلى الإمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة إلى حيث يشاؤون بأمان،  وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى وأعطاهم الخيار بالبقاء في المدينة أو الرحيل عنها، ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر، فمال بعضهم إلى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور إلى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه أو يُدفن تحت أسوارها،  فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال:  ( حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر ) 

4 ـ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فقد واصل العثمانيون حصارهم ، وبعد 53 يوما من الحصار إقتحم العثمانيون القسطنطينية وهم يهللون ويكبرون ، وقُتل الأمبراطور دفاعا عن مدينته ودخل الفاتح فأوقف السلب والنهب ، ودخل كنيسة آيا صوفيا ، أعلن تأمين أهل المدينة وحريتهم الدينية والمدنية . وأعلن كثير منهم إسلامهم ، وبالأذان تحولت الكنيسة الى مسجد. وأطلق على القسطنطينية ( إسلامبول ) أى ( دار الاسلام ).!

5 ـ  ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فإن السلطان محمد الفاتح أمر السلطان ببناء مسجد بالقرب من قبر أبى أيوب الأنصارى عام 1458 ، وصار هذا المسجد مركزا لتقليد السلطنة العثمانية لكل سلطان جديد ، حيث يتقلد فيه كل سلطان جديد سيف جده ( عثمان "الغازى الأول " ) . فقد تأسست دولة العثمانيين وشهرتهم على ( الغزو وفق التشريع السُّنّى ).

6 ــ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فقد حاول البابا بيوس الثانى أن يقنع السلطان محمد الفاتح باعتناق المسيحية ووعده بأنه بالغفران والجنة  ، فلما فشل حاول إستثارة أوربا لحرب صليبية ضد العثمانيين ، وفشل أيضا . 

7 ــ ولا تزال هذه الحرب الدينية مشتعلة بين الوهابية والغرب المسيحى ..

أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

  

دور معاوية :

مقدمة

1 ـ تعاون بنو عبد مناف ( الهاشميون والأمويون ) فى إستغلال البيت الحرام فى الايلاف ورحلتى الشتاء والصيف وإحتكار نقل التجارة الشرقية العالمية بين الهند وأوربا عبر اليمن والشام . ونزل القرآن بالاسلام على النبى الهاشمى فحدث الخلاف والصراع بين بنى هاشم وبنى أمية ، ويرز هذا فى حربى بدر و أحُد والخندق . ثم قام الأمويون بعد إسلامهم المتاخر وبعد موت النبى بتوجيه الخلفاء ( الراشدين ) للفتوحات ، وكانوا القادة لهذه الفتوحات فى الشام ، حيث كانت أعين الأمويين مفتوحة على مصراعيها على أهمية الشام وجبهة البيزنطيين ، ومعهم قبيلة كلب العربية التى كانت حليفا لهم فى الجاهلية ، وكانت التى تحرس قوافلهم فى الشام . ولم يكن مستغربا أن يستحوذ معاوية على حكم الشام كله ، ويظل فيه دون أن يعزله عمر بن الخطاب الذى عزل الكثيرين ومنهم سعد بن أبى وقاص الذى دمّر امبراطورية كسرى .

2 ـ ما نريد التذكير به هنا أن معاوية فى ولايته على الشام وفى خلافته جعل ( الجهاد القُرشى ) وسيلة يصل بها الى أحقيته فى الخلافة  وتوريثها لذريته ، ووساما يضعه على صدره فى تنافسه مع بنى عمه الهاشميين ، وخصوصا (على بن أبى طالب ) الذى جلس فى المدينة ، يستمتع بثمار الجهاد القرشى من أموال وسبايا ، ينجب منهن ذرية لم ينجح ابن سعد ـ فى طبقاته الكبرى ـ فى التعرف عليهم بالكامل .

 3 ـ معاوية فى ولايته على الشام إفتتح قبرص عام 27 ، لتكون موطأ قدم له ضد القسطنطينية ، تقول الرواية لابن كثير: ( وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص ، وسكنها المسلمون قريباً من ستين سنة في أيامه ومن بعده، ولم تزل الفتوحات والجهاد قائماً على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها‏.‏ ) .

وتوقفت فتوحات معاوية فى الفتنة الكبرى ، وحاول امبرطور بيزنطة إستغلال الموقف فهدده معاوية ، يقول ابن كثير : ( فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحرهم‏.‏ فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه‏:‏ " والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت‏.‏"!فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة‏.‏  .

4 ــ وتولى معاوية الخلافة فأشعل ( الجهاد القرشى ) شرقا وغربا ، برا وبحرا ، مع حربه الداخلية ضد الخوارج . يقول عنه ابن كثير : ( فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية‏.‏ والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ‏.‏ ) ( قالوا‏:‏ وكان عام غزوة المضيق - يعني‏:‏ مضيق القسطنطينية - في سنة ثنتين وثلاثين في أيامه، وكان هو الأمير على الناس عامئذ‏.‏  ثم قُتل علي، فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء.. )( ..‏ لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية تغزو، حتى كان عام الجماعة فأغزا معاوية أرض الروم ست عشرة غزوة، تذهب سرية في الصيف ويُشَتُّوا بأرض الروم، ثم تقفل وتعقبها أخرى‏.‏ وكان في جملة من أغزى ابنه يزيد ومعه خلق من الصحابة، فجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل بهم راجعاً إلى الشام، وكان آخر ما أوصى به معاوية أن قال‏:‏ شد خناق الروم‏..)‏ .

5 ـ ونعطى بعض التفصيلات والتحليلات :

أولا :

الخليفة معاوية يتابع الحملات فى الشتاء والصيف على غرار رحلتى الشتاء والصيف :

1 ـ عام 42 : تقول الرواية لابن الأثير : ( في هذه السنة غزا المسلمون اللان وغزوا الروم أيضاً فهزموهم هزيمةً منكرة وقتلوا جماعة من بطارقتهم.)

2 ـ عام 43 : ( في هذه السنة غزا بسر بن أبي أرطأة الروم وشتا بأرضهم حتى بلغ القسطنطينية ...)

3 ـ عام 44 : ( في هذه السنة دخل المسلمون مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم وشتوا بها، وغزا بسر بن أبي أرطأة في البحر.)  هنا جمع فى عام واحد بين الغزو البرى والبحرى .

4 ـ عام 46 : ( في هذه السنة كان مشتى مالك بن عبد الله بأرض الروم، وقيل: بل كان ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وقيل: بل كان مالك بن هبيرة السكوني.).

5 ـ  عام 47 : ( في هذه السنة كان مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، ومشتى عبد الرحمن القيني بأنطاكية.) حملتان فى عام واحد .

6 ـ عام 49 : ( فيها كان مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم. وفيها كانت غزوة فضالة ابن عبيد حزة وشتا بها، وفتحت على يده، وأصاب فيها شيئاً كثيراً. وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز البجلي. وفيها كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي في البحر فشتا بأهل الشام. وفيها كانت غزوة عقبة بن نافع البحر فشتا بأهل مصر. ) حملات شتوية وصيفية وبرية وبحرية .

7 ـ  حصار القسطنطينية  عام  49 أو 50 وأرغم معاوية ابنه يزيد على المشاركة فى هذا  الجهاد ( القرشى ) توطئة لاعداده للتوريث.

8 ـ عام 50 : ( فيها كانت غزوة بسر بن أبي أرطأة وسفيان بن عوف الأزدي أرض الروم، وغزوة فضالة بن عبيد الأنصاري في البحر.) حملة بحرية وأخرى برية .

9 ـ عام 51 : ( وفيها كان مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزوة بسر بن أبي أرطأة الصائفة.) حملة شتوية وأخرى صيفية .

10 ـ عام 52 : ( فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأسدي الروم وشتى بأرضهم، وتوفي بها في قول، فاستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري، وقيل: إن الذي شتى هذه السنة بأرض الروم بسر بن أبي أرطأة ومعه سفيان بن عوف، وغزا الصائفة هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي.) بسبب كثرة الحملات وتعدد القادة يحدث الخلط فى الروايات .

11 ـ عام 53 : ( فيها كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم.وفيها فتحت رودس، جزيرة في البحر، فتحها جنادة بن أمية الأزدي ونزلها المسلمون وهم على حذر من الروم، وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر فيأخذون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم العطاء، وكان العدو قد خافهم. ) إمتدت الفتوحات البحرية الى جزيرة رودس فى البحر المتوسط فى حصار لأوربا جنوبا بالاضافة الى حصار البيزنطيين فى شرق البحر المتوسط ، وتوالى حملات الشتاء والصيف البرية عليهم .

12 ـ عام 54 : ( ذكر غزوة الروم وفتح جزيرة أرواد:فيها كان مشتى محمد بن مالك بأرض الروم، وصائفة معن بن يزيد السلمي.وفيها فتح المسلمون ومقدمهم جنادة بن أبي أمية جزيرة أرواد قريب القسطنطينية، فأقاموا بها سبع سنين، وكان معهم مجاهد بن جبر، فلما مات معاوية وولي ابنه يزيد أمرهم بالعود فعادوا.)  .

13 ــ عام 56 : ( فيها كان مشتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم، وقيل: عبد الرحمن ابن مسعود. وقيل: غزا فيها في البحر يزيد بن شجرة، وفي البر عياض بن الحارث . )

14 ـ عام 57 : ( فيها كان مشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم.) .

15 ــ عام 58 : ( في هذه السنة غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم وعمرو بن يزيد الجهني في البحر، وقيل: جنادة بن أبي أمية.)

16 ــ عام 59 : ( في هذه السنة كان مشتى عمرو بن مرة الجهني بأرض الروم البر، وغزا في البحر جندة بن أبي أمية، وقيل: لم يكن في البحر غزوة هذه السنة.   وفيها غزا المسلمون حصن كمخ ومعهم عمير بن الحباب السلمي، فصعد عمير السور ولم يزل يقاتل عليه وحده حتى كشف الروم فصعد المسلمون، ففتحه بعمير، وبذلك كان يفتخر ويفخر له بذلك.  )

17 ــ  عام 60 : ( في هذه السنة كانت غزوة مالك بن عبد الله سورية ودخول جنادة رودس وهدمه مدينتها في قول بعضهم وفيها توفي معاوية بن أبي سفيان. .! ) 

ويلاحظ التقدم فى الحملات البرية والفتوحات البحرية صيفا وشتاء نحو عاصمة البيزنطيين نفسها : القسطنطينية ، أى نحن هنا أمام خطة يتم تنفيذها على مراحل لتدمير الامبراطورية البيزنطية كما حدث مع الامبراطورية الكسروية وعاصمتها المدائن .

ثانيا : الجهاد القرشى مع الخارج ( دار الحرب ) لا يعوق القتال فى الداخل ( دار السلم )

1 ـ فى هذا كله كان معاوية يواجه الخوارج . مثلا فى عام 42 : ( في هذه السنة غزا المسلمون اللان وغزوا الروم أيضاً فهزموهم هزيمةً منكرة وقتلوا جماعة من بطارقتهم.)
 .وبعده فى أحداث نفس العام : ( .ذكر الخبر عن تحرك الخوارج ) .

2 ـ  فى عام 43 :( في هذه السنة غزا بسر بن أبي أرطأة الروم وشتا بأرضهم حتى بلغ القسطنطينية ..) وبعده فى أحداث نفس العام  : ( ..ذكر مقتل المستورد الخارجي ) .

3 ـ  عام 52 : ( فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأسدي الروم وشتى بأرضهم، وتوفي بها في قول، فاستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري، وقيل: إن الذي شتى هذه السنة بأرض الروم بسر بن أبي أرطأة ومعه سفيان بن عوف، وغزا الصائفة هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي.) وبعده فى أحداث نفس العام  : ( .ذكر خروج زياد بن خراش العجلي:) و ( .ذكر خروج معاذ الطائي:).

ثالثا : الوصول لمنبع التجارة الشرقية

هذه الحملات البرية والبحرية فى آسيا الصغرى والبحر المتوسط واكبتها ـ فى خلافة معاوية ـ حملات أخرى إتجهت من الشرق الآسيوى جنوبا الى الهند منبع التجارة الشرقية بعد إخضاع أفغانستان وهى بوابة الهند  .

1 ـ عام : 43  بدء فتح ما يعرف الآن بأفغانستان : ( .ذكر عود عبد الرحمن إلى ولاية سجستان:في هذه السنة استعمل عبد الله بن عامر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطي ومعه من الأشراف عمرو بن عبيد الله بن معمر وغيره، فكان يغزو البلد قد كفر أهله فيفتحه، حتى بلغ كابل فحصرها أشهراً ونصب عليها مجانيق فثلمت سورها ثلمةً عظيمة، فبات عليها عباد بن الحصين ليلةً يطاعن المشركين حتى أصبح فلم يقدروا على سدها وخرجوا من الغد يقاتلون فهزمهم المسلمون ودخلوا البلد عنوةً، ثم سار إلى بست ففتحها عنوةً، وسار إلى زران فهرب أهلها وغلب عليها، ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها، ثم أتى الرخج فقاتلوه فظفر بهم وفتحها، ثم سار إلى زابلستان، وهي غزنة وأعمالها، فقاتله أهلها، وقد كانوا نكثوا، ففتحها، وعاد إلى كابل وقد نكث أهلها ففتحها.) بعدها غزو الهند أو شمال الهند ، أو ( السند ) . تقول الرواية : ( .ذكر غزوة السند:استعمل عبد الله بن عامر على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدي، ويقال ولاه معاوية من قبله، فغزا القيقان فأصاب مغنماً . ) 

2 ـ عام  44   غزو الهند .: ( ذكر غزو المهلب السند:وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة ثغر السند فأتى بنة والأهور، وهما بين الملتان وكابل، فلقيه العدو وقاتله، ولقي المهلب ببلاد القيقان ثماية عشر فارساً من الترك فقاتلوه فقتلوا جميعاً . )  .

رابعا : الجهاد القُرشى الأموى فى سبيل السلطان وليس فى سبيل الله جل وعلا :

1 ـ كل هذا التعب فى سبيل المُلك والسلطان والثروة والسُّلطة . حرص فيه معاوية على إغراق الحسن بن على فى المال ـ وكان المفترض أن يلى الحسن الخلافة بعده . ولكن سرعان ما قتله معاوية بالسّم بمؤامرة نفذتها زوجة الحسن نفسها ، وهى بنت الأشعث بن قيس . وكان الحسن بن على مُدمنا للزواج ، يتزوج ويطلق . وفى نفس الفخ أغرق معاوية الحسين فى الأ موال ، بل أغرق ابن الزبير حتى يكبح طموحه وتآمره . رأى معاوية أن تعبه فى الجهاد القرشى يجب أن يكون من نصيب ذريته ، وابنه يزيد . ليس هذا جهادا فى سبيل رب العزة جل وعلا . فالجهاد فى سبيله جل وعلا هو ببذل النفس والمال دفاعا وليس إعتداءا .

2 ـ الطريف أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لمع نجمه ــ  مبكرا ــ فى الجهاد القُرشى ضد الروم ، وخشى  معاوية أن يكون هذا خطرا على  تخطيط معاوية فى التوريث ، فكان لا بد من التخلص  ــ مبكرا ــ من هذا البطل القرشى الذى بدأ يستعيد شُهرة أبيه ويكون منافسا لمعاوية كما كان أبوه من قبل وكانت الطريقة المُلى لمعاوية هى قتله بالسُّم ، كما قتل من قبل خالد بن الوليد والأشتر النخعى والأشعث بن قيس والحسن بن على . مات عبد الرحمن بن خالد بن الوليد شابا ، بالسُّم . تقول الرواية عن أحداث عام 46 : ( وفيها انصرف عبد الرحمن بن خالد من بلاد الروم إلى حمص ومات.).

 وتستطرد الرواية تحت عنوان : ( .ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد:وكان سبب موته أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه، فخافه معاوية وخشي على نفسه منه ، وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص. فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربةً مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها، فمات بحمص، فوفى له معاوية بما ضمن له.) .

ثم يذكر ابن الأثير هذه الطُرفة : ( وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد المدينة فجلس يوماً إلى عروة بن الزبير، فقال له عروة ما فعل ابن أثال؟ فقام من عنده وسار إلى حمص فقتل ابن أثال، فحمل إلى معاوية، فحبسه أياماً ثم غرمه ديته، ورجع خالد إلى المدينة فأتى عروة، فقال عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقال: قد كفيتك ابن أثال، ولكن ما فعل ابن جرموز؟ يعني قاتل الزبير، فسكت عروة.).

أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

  

 

 مسلمة بن عبد الملك نموذج للجهاد الأموى : جهاد فى سبيل الشيطان

مقدمة

1 ـ قلنا إن الجهاد الأموى تحددت مسيرته فى خلافة معاوية بأنه : ( خارجيا ) :  ضد الامبراطورية البيزنطية ومعسكر الكفر والحرب ( غربا )، والتوسع ( شرقا ) للوصول الى الهند منبع التجارة الشرقية . وأنه : ( داخليا ) ضد أى حركة معارضة للحكم الأموى. وكان الخوارج هم المعارضة المسلحة ضد الأمويين فى خلافة معاوية . على نفس المنهج سارت الدولة الأموية تحت حكم بنى مروان بن الحكم. وكان الأمير الأموى مسلمة بن عبد الملك بن مروان أبرز من طبّق هذا المنهج .

أولا : لمحة عن مسلمة بن عبد الملك

1 ـ كان مسلمة أفضل ابناء عبد الملك سياسيا وحربيا ،ووعلى فراش الموت أوصى عبد الملك أولاده  فقال : (.. وانظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون، ومجنكم الذي عنه ترمون. ) ، ولكن لم يجرؤ عبد الملك على تعيينه لولاية العهد لأن أمه لم تكن عربية حرة ، بل كانت من السبى ، ( الرومى غالبا ) ، وإذا صحّ هذا فإن مسلمة كان يحارب بضراوة أخواله البيزنطيين عالما بهذا ، وهذا يدخل فى موضوع العلاقات الانسانية التى جدّت على هامش الصراع الحربى بين المعسكرين، وتشمل الأسرى والسبى والعلاقات الاجتماعية ، وسنتوقف معها فى فصل خاص .

2 ـ وكان مسلمة نعم الناصح الأمين لإخوته الصغار من الخلفاء .. وقد كان إلي جانب يزيد ثم هشام يشير عليهما ويقود الجيوش يحارب أعداء الأمويين في الداخل والخارج، في العراق حين قاتل يزيد بن المهلب الثائر علي الأمويين وفي الشمال والشرق حين جاهد الروم والخرز والترك والأرمن.وفي خلافة هشام كان الوالي علي الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان إلي أن عزله هشام وولي مكانه مروان بن محمد سنة114هـ

ثانيا :    غزوات مسلمة بن عبد الملك  ضد البيزنطيين وتوسعه شرقا فى الطريق للهند

1 ـ  أقام الروم سلاسل من الحصون والمدن الحربية فى آسيا الصغرى فى مناطق المواجهة مع الأمويين ، وحولها دارت المعارك التى برز فيها مسلمة بن عبد الملك .    

وأول غزوة غزاها مسلمة كانت سنة 86 هـ في أرض الروم ، وقد فتح حصن بوق وحصن الأخرم ، واستمر مسلمة يغزو الروم في نفس العام ففتح حصن تولو وبحيرة الفرسان وبلغ عسكره فلورنس وسوسنة في المعيصة، وسبي وأسر وأنهك الروم .

2 ـ ولكى يتفرغ مسلمة بعض الوقت للتوسع العسكرى فى الشرق الآسيوى وأواسط آسيا فقد عزم على ان يؤهل ابن أخيه العباس ليتولى مكانه فى حرب الروم فى آسيا الصغرى .

 وفي سنة 87هـ قام بغزوتين ، في المرة الأولي صحب ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك وربما خاف علي ابن أخيه الخليفة فاكتفي بالمرابطة في تطوانة ليدربه ، ولكنه في المرة الثانية صحب معه ابن أخيه العباس ودخل في حرب ضارية مع الروم وفتح تطوانة والحوصة وقتل من الروم خمسين ألفا.وبذلك أحسن مسلمة تدريب ابن أخيه العباس بن الوليد بعد تلك التجربة . وقد شهد عام 88هـ غزوتين  قام بهما مسلمة ومعه العباس ، وهزم فيهما الروم وفي الغزوة الثانية فتح ثلاثة حصون.

3 ــ  وكانت سنة 89هـ حافلة في سجل مسلمة الحربي ضد الروم ، كان ابن أخيه قد أصبح كفؤا للقيادة ، فأوكل إليه مسلمة فتح اذروليه وهزم العباس بن الوليد جيش الروم  بينما فتح مسلمة حصن عمورية وهزم جيشا روميا عندها ، وفتح مدينتي هرقلة  وقونية ، بينما كان العباس بن الوليد يتوغل بجيشه من ناحية البندون.وبعد أن إطمأن مسلمة لكفاءة ابن أخيه العباس فى مواجهة وهزيمة الروم فى الأناضول وآسيا الصغرى فقد تحرك مسلمة فى نفس العام بجيش قوي إلي ناحية الشرق الآسيوى فهزم الترك في أذربيجان وفتح حصونا ومدائن أضافها للدولة الأموية.

4 ـ ثم أصبح مسلمة يوزع وقته بين الشرق الآسيوى و الأناضول يحارب هنا وهناك .

في سنة 90 هـ عاد يغزو الروم فى آسيا الصغري فاستولي علي عدة قلاع وحصون شمال ديار بكر، وبلغ عدد الحصون التي استولي عليها في هذا العام خمسة حصون.

ثم عاد يغزو الشرق الآسيوى في سنة91 هـ ، حيث توجه مسلمة بجيش إلي أذربيجان فوصل إلي بحرها وافتتح المدن والحصون المتاخمة لمدينة الباب في أرمينية.

 وفي سنة92هـ عاود مسلمة غزو الروم ففتح ثلاثة حصون وأجلي أهل سوسنة والروم عنها وطردهم إلي  بلادهم.

 وفي سنة 93هـ غزا مسلمة الروم ففتح حصن الحديد وقلعة غزالة.

 وفي سنة 94هـ جمع مسلمة بين الجهاد والحج فقد غزا أرض الروم ثم خرج من الروم قاصدا الحج ومعه أعيان جيشه ثم عاد بعد الحج إلي الثغور حيث الجهاد.

 وفي سنة 95 هـ فتح مسلمة مدينة الباب في أرمينية ، وقد هدمها بسبب قوة ومناعة حصونها التي أرهقت المسلمين ، ثم أعاد بناءها بنفسه بعد ذلك بتسعة أعوام.

 وفي سنة 96هـ اتجه مسلمة إلي البيزنطيين فى آسيا الصغري ففتح مدينة الصغالية وقام بغارة سريعة علي المنطقة القريبة من القسطنطينية فوقع في كمين وحاصره الروم بجيش ضخم وكان جيش مسلمة أقل عددا ولكن استطاع مسلمة أن يهزم الروم وقائدهم برجان ففرت أمامه جموع الروم.

 وفي سنة 97هـ غزا مسلمة بعض الحصون الرومية واستطاع أن يفتح منها حصني الحديد وسروا، وأقام الشتاء في ضواحي الروم.

وفي سنة98هـ كان حصاره لمدينة القسطنطينية. وقد عرضنا لذلك .

بعد حصار القسطنطينية  تولي إمارة أرمينية وأذربيجان في خلافة أخيه هشام .

وغزا سنة 107هـ قيسارية وفتحها عنوة .

وفي سنة 108هـ غزا قيسونة وحصونها وانتشر جيشه في الجزء الذي لم يتم فتحه في أذربيجان واستمرت غزواته .

ثالثا : مسلمة يحارب فى الداخل أيضا

1 ـ ضد  بنى المهلب

إشتهر المهلب بن أبى صفرة الأزدى ( اليمنى القحطانى ) أولا فى حرب الخوارج فى المشرق فى الفتنة الكبرى الثانية ، ثم إنضم الى الأمويين بعد مقتل ابن الزبير ، وقاد حروب الأمويين فى المشرق  ، عينه الحجاج على خراسان عام 78 ،  وفتح بلاد ما وراء النهر، ومنها الصغد وخوارزم وجرجان وطبرستان ومات عام 82 ، وإكتسب أبناؤه شهرة بعده خصوصا يزيد بن المهلب . والمهلب ينتمى الى القبائل اليمنية وكان هناك تنافس بين قبائل ( مضر ) وقبائل اليمن ، وحرص عبد الملك بن مروان على التوازن بينهما وإستخدام تنافسهما لصالحه . وبعد موت عبد الملك زاد نفوذ الحجاج وقبائل مُضر ، وقام الحجاج بسجن آل المهلب وتعذيبهم ، وهرب يزيد من السجن قبيل وفاة عمر بن عبد العزيز ، خوفا من أن يتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة ، وكان بينهما عداء شخصى بالاضافة الى أن يزيد بن عبد الملك كان صهر الحجاج بن يوسف . ودخل يزيد بن المهلب البصرة وخلع يزيد بن عبد الملك ، وأحرز يزيد بن المهلب إنتصارات جزئية وتجمع حوله الآلاف من الأنصار لأنه كان يوزع الذهب بينما كان الوالى الأموى شحيحا بخيلا . تحرك يزيد بن عبد الملك سريعا ، تقول الرواية :( جهز أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العابس بن الوليد بن عبد الملك في سبعين ألف مقاتل من أهل الشام والجزيرة، وقيل: كانوا ثمانين ألفاً، فساروا إلى العراق. ..  ولما سمع أصحاب بن المهلب وصول مسلمة وأهل والشام راعهم ذلك، فبلغ ابن المهلب، فخطب الناس وقال: قد رأيت أهل العسكر وخوفهم، يقولون: جاء أهل الشام ومسلمة، موما أهل الشام؟ هل هم إلا تسعة أسياف، سبعة منها إلي وسيفان علي؟ وما مسلمة إلا جرادة صفراء، أتاكم في برابرة وجرامقة وجراجمة وأنباط وأبناء فلاحين وأوباش وأخلاط، أوليسوا بشراً بألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون؟ ) ودارت موقعة العقر عام 102 ، وانهزم فيها ابن المهلب ، وتولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخراسان . 

2 ـ ضد الخوارج ، قتل شوذب الخارجى عام 101 :

 إلتزم الخوارج الهدوء فى خلافة عمر بن عبد العزيز بعد المناظرة التى قامت بينهما والتى أدت الى قيام الأمويين بإغتيال عمر بن عبد العزيز بالسم خوفا من تأثره بمنطق الخوارج الرافض لتوارث العهد . ونقض والى الكوفة الأموى الهدنة مع الخوارج فهزمه الخوارج بزعامة شوذب ، وهزم الخوارج حملات متفرقة للأمويين . ومع هذا لم يدخل الخوارج الكوفة ، وظل مقامهم بجانبها مخيفا لأهل الكوفة فجاءهم مسلمة. تقول الرواية : ( وأقام الخوارج بمكانهم حتى دخل مسلمة بن عبد الملك الكوفة، فشكا إليه أهل الكوفة مكان شوذب وخوفوه منه، فأرسل إليه مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي، وكان فارساً، في عشرة آلاف، فأتاه وهو بمكانه، فرأى شوذب وأصحابه ما لا قبل لهم به، فقال لأصحابه: من كان يريد الشهادة فقد جاءته، ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت. فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا فكشفوا سعيداً وأصحابه مراراً حتى خاف سعيد الفضيحة، فوبخ أصحابه وقال: من هذه الشرذمة لا أب لكم تفرون! يا أهل الشام يوماً كأيامكم! فحملوا عليهم فطحنوهم طحناً وقتلوا بسطاماً، وهو شوذب، وأصحابه.).

رابعا : إستمرار الجهاد الأموى فى إتجاه الهند والصين ( منبع التجارة الشرقية ) .

1 ـ بعد آل المهلب قام قتيبة بن مسلم بمتابعة الجهاد الأموى فى وسط آسيا الى أن وصل تخوم الصين . تقول الرواية فى أحداث عام 96 : ( .ذكر فتح قتيبة مدينة كاشغر:وفي هذه السنة غزا قتيبة كاشغر، فسار وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعهم بسمرقند، فلما عبر النهر استعمل رجلاً على معبر النهر ليمنع من يرجع إلا بجواز منه، ومضى إلى فرغانة وأرسل إلى شعب عصامٍ من يسهل الطريق إلى كاشغر وهي أدنى مدائن الصين وبعث جيشاً مع كبير بن فلان إلى كاشغر، فغنم وسبى سبياً، فختم أعناقهم وأوغل حتى بلغ قريب لصين.)

2 ـ وفى نفس العام 89 الذى استولى فيه قتيبة على ( بخارى ) إستولى الشاب محمد بن القاسم الثقفى ابن عم الحجاج بن يوسف ـ على السند ، وقتل ملكهم ذاهر.  ثم توسع فى الهند بعدها ، تقول الرواية : ( فلما قتل ذاهر غلب محمد على بلاد السند وفتح مدينة "راور" عنوةً، وكان بها امرأة لذاهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها.ثم سار إلى " برهمناباذ "  العتيقة .. وكان المنهزمون من الكفار بها، فقاتلوه ففتحها محمد عنوةً وقتل بها بشراً كثيراً وخربت.وسار يريد "الرور" و " بغرور" فلقيه أهل "ساوندرى " فطلبوا الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين، ثم أسلم أهلها بعد ذلك. ثم تقدم إلى " بسمد  " وصالح أهلها، ووصل إلى " الرور" ، وهي من مدائن السند على جبل، فحصرهم شهوراً فصالحوه، وسار إلى" السكة "  ففتحها، ثم قطع نهر بياس إلى  "الملتان " فقاتله أهلها وانهزموا، فحصرهم محمد فجاءه إنسان ودله على قطع الماء الذي يدخل المدينة فقطعه، فعطشوا فألقوا بأيديهم ونزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة وسبى الذرية وسدنة البلد، وهم ستة آلاف، وأصابوا ذهباً كثيراً، فجمع في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يلقى إليه من كوة في وسطه، فسميت الملتان فرج بيت الذهب، والفرج الثغر .. ونظر الحجاج في النفقة على ذلك الثغر فكانت ستين ألف ألف درهم، ونظر في الذي حمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف، فقال: ربحنا ستين ألفاً..).

من النّصّ السابق نفهم دين السنيين المعتدى ، فأصحاب البلاد المُسالمون الذين يتعرضون للإعتداء هم الكفار ، أى إتهموهم بلكفر مسوغا لاحتلال بلادهم وسلب أموالهم وسبى نسائهم . والمعتدون الكفار فى الحقيقة هم الأمويون الذين جاءوا من الجزيرة العربية ليقتلوا ويسلبوا وينهبوا ويسبوا . والمال هو الاله الأعظم لديهم ،: (ونظر الحجاج في النفقة على ذلك الثغر فكانت ستين ألف ألف درهم، ونظر في الذي حمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف، فقال: ربحنا ستين ألفاً..). والمحصلة هى كم أنفق الحجاج الثقفى الآتى من الجزيرة العربية على هذه الحملة على الهند ، وكم كسب ، وليس مهما عدد الضحايا من القتلى والسبى ..!!

3 ـ ولأن المال هو المعبود الأعظم للأمويين فى هذه الحرب التى جعلوها ( دار السلام والسلام ضد دار الكفر والحرب ) فلا بأس من قراءة هذه الرواية عن صاحبنا الأمير مسلمة ابن عبد الملك. تحت عنوان : ( .ذكر عزل مسلمة عن العراق وخراسان وولاية ابن هبيرة:) تقول الرواية : ( وكان سبب ذلك أنه ولي العراق وخراسان، فلم يرفع من الخراج شيئاً، واستحيا يزيد بن عبد الملك أن يعزله فكتب إليه: استخلف على عملك وأقبل.) . رأى مسلمة أن كل فتوحاته التى ملأت خزائن أخيه يزيد بن عبد الملك لم يأخذ منها ما ينبغى له ، فاستحوذ لنفسه على خراج نصف الامبراطورية ( العراق وخراسان ) . ولأن المال هو المعبود الأعظم ، ولأنهم لا يقاتلون فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل الشيطان فإن الخليفة الماجن ( يزيد بن عبد الملك صاحب سلامة وحبابة والذى لا يفيق من الخمر  ) صحا وقرر عزل مسلمة .

ومات مسلمة عام 120 ، ويقال عام 121 . بعد أن قتل وسبى عشرات الألوف ..

4 ـ   ولا تزال هذه الحرب الدينية مشتعلة بين الوهابية والغرب المسيحى ..

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

 عمر بن عبد العزيز : فريد عصره ( عصر تقسيم العالم الى معسكرين )

مقدمة :

1 ـ وسط بحور الدماء فى الصراع بين ( العرب ) وغيرهم شرقا  فى آسيا وغربا ( دار الحرب  ) ، وفى صراع الأمويين مع خصومهم فى الداخل ( فى دار السلام ) ظهر على السطح شخصية فذّة تثبت إمكانية الاصلاح  . جاء عمر بن عبد العزيز : فريد عصره .

2 ـ هو فريد عصره لأنه من الصعب جدا القيام بإصلاح وأنت قائد لقلعة تم تأسيسها  على يد الخلفاء الفاسقين أصحاب الفتوحات ، من عظام وأشلاء ودماء مئات الألوف من البشر ، وتم تسويغ ذلك بالدين ، فكيف يمكن بالدين أن تُصلح هرما من الظلم والبغى ؟ ثم إن هذا الهرم كان متسقا مع ثقافة العصور الوسطى وجهالتها ، تلك الثقافة التى آمن بها أولئك الخلفاء الفاسقون وبها تمكنوا من تغييب شريعة الاسلام ، وإحلال شريعة العصور الوسطى تحت إسم الاسلام .

من السهل على الفرد العادى المسئول عن نفسه تطبيق الاسلام عقيدة وشريعة. أن يطهر قلبه من تقديس البشر ، لأن كل البشر يتبولون ويتغوطون ويبكون ويصرخون ويمرضون ويموتون ، ومن السهل عليه أن يطبق الاسلام سلاما وإحسانا فى تعامله مع الناس ، بأن يخاطب جانب الخير فى كل الناس ، وبأن يرد السيئة بالتى هى أحسن فإذا بخصمه يضطر الى أن يتراجع ويتصرف كأنه ولىّ حميم : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت ). ولكن من الصعب جدا أن تقوم بإصلاح قلعة تأسست من الظلم . هى معركة إنتحارية ، نتيجتها حاسمة ، أن القلعة ستقتلك ، وتعود الى سيرتها الأولى . هذا بإيجاز هى ملحمة هذا الرجل الرائع عمر بن عبد العزيز ، الذى ظلموه فجعلوه خامس الخلفاء الراشدين ، وهو لا ينتمى اليهم ، فهم خلفاء فاسقون ، بل أفظع ، لأنهم روّاد البغى والظلم والفتوحات التى أسبغوا عليها إسم الاسلام ظلما وزورا وفجورا . من الظلم وضع عمر بن عبد العزيز مع أولئك الخلفاء الفاسقين ، لا فارق بين الراشدين أو الأمويين . لذا فهو فريد عصره .

3 ـ تنقية الروايات المكتوبة فى ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) عمل علمى ثقيل ولذيذ ، فالروايات عنه تكاثرت بمرور القرون ، وفيها الخيالى وفيها الواقعى ، وفيها التضارب ، وفيها خرافات العلم بالغيب ، وفيها المبالغات ، وفيها ما يتفق مع ثقافة العصر . شخصية عمر بن عبد العزيز المتفردة ـ والتى لم يسبقها أحد ولم يلحقها أحد ـ كانت مُغرية للقُصّاص وللوُعّاظ فى العصر العباسى ، وهو عصر التدوين ، فالذى يريد الاحتجاج على ظلم الخلفاء العباسيين فى عصره يؤلف قصة عن عمر بن عبد العزيز تخاطب الخليفة الظالم وتعظه ، وتقول له بطريق غير مباشر : (إنك أيها الخليفة العباسى الهاشمى لم تصل الى عدل ذلك الخليفة الأموى ). ووصلت جاذبية عمر بن عبد العزيز الى فقهاء العصر العباسى ، فنسبوا له أقوالا فى مسائل فقهية لم تكن متداولة أو حتى لم تكن معروفة فى العصر الأموى ، ولم يكن لديه متسع من الوقت  ــ فى حكمه القصير ووسط مسئولياته الضخمة ــ  أن يتحدث فيها.

4 ـ  لسنا هنا فى معرض التفصيل ، ولكن نستشهد ببعض الروايات  الكاذبة التى ذكرها ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمته لعمر بن عبد العزيز : ( قال عمر بن الخطابليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ) (   قال رايت في المنام رجلا قاعدا عنيمينه رجل وعن شماله رجل اذ اقبل عمر بن عبد العزيز فاراد ان يجلس بين الذي عنيمينه وبينه قال فلصق بصاحبه فدار فاراد ان يجلس بينه وبين الذي عن يساره فلصق بهفجذبه الاوسط فاقعده في حجره قال قلت من هذا قالوا هذا رسول الله وهذا ابو بكر وهذاعمر  ) (  كنت اسمع بن عمر كثيرا يقول ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر فيوجهه علامة يملا الارض عدلا  ) (   قال ابن عمر انا كنا نتحدث ان هذا الامر لا ينقضي حتى يلي هذه الامة رجل من ولدعمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة قال حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز وامه امعاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال يزيد ضربته دابة من دواب ابيه فشجته قال فجعلابوه يمسح الدم ويقول سعدت ان كنت اشج بني امية . )  (  قال سمعت سعيد بن المسيب وساله رجلفقال له يا ابا محمد من المهدي فقال له سعيد ادخلت دار مروان قال لا قال فادخل دارمروان تر المهدي قال فاذن عمر بن عبد العزيز للناس فانطلق الرجل حتى دخل دار مروانفراى الامير والناس مجتمعين ثم رجع الى سعيد بن المسيب فقال يا ابا محمد دخلت دارمروان فلم ار احدا اقول هذا المهدي فقال له سعيد بن المسيب وانا اسمع هل رايت الاشجعمر بن عبد العزيز القاعد على السرير قال نعم قال فهو المهدي  ) (   سمعت محمد بن علييقول النبي منا والمهدي من بني عبد شمس ولا نعلمه الا عمر بن عبد العزيز ) (   قال قلت لمحمد بن عليان الناس يزعمون ان فيكم مهديا فقال ان ذاك كذاك ولكنه من بني عبد شمس قال كانه عنىعمر بن عبد العزيز ) ( حدثنا مالك بن دينار قال لما استعمل عمر بن عبد العزيز على الناسقالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس قيل لهموما علمكم بذاك قالوا انه اذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا  ) (   راع كان لمحمد بن ابيعيينة قال كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاء والذئابوالوحش ترعى في موضع واحد فبينا نحن ذات ليلة اذ عرض الذئب لشاة فقلنا ما ارى الرجلالصالح الا قد هلك ) (   قالت فاطمة بنت عبد الملك، رحمها الله، امرأة عمر: لما مرض عمر اشتد قلقه ليلة، فسهرنا معه، فلما أصبحنا أمرت وصيفاً له يقال له مرثد ليكون عنده، فإن كانت له حاجة كنت قريباً منه، ثم نمنا، فلما انتفخ النهار استيقظت فتوجهت إليه فرأيت مرثداً خارجاً من البيت نائماً، فقلت له: ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني، وقال لي: إني أرى شيئاً ما هو بإنس ولا جن، فخرجت فسمعته يتلو: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقينالقصص: 83. قالت: فدخلت فوجدته بعدما دخلت قد وجه نفسه للقبلة وهو ميت.) ( بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبدالعزيز اذ سقط علينا رق من السماء فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم امان من اللهلعمر بن عبد العزيز من النار . ) .

  أولا ـ كيف وصل هذا الرجل المتفرد الى العرش الأموى ؟

 1 ـ كان مستحيلا أن يلى الخلافة شخص خارج أبناء عبد الملك بن مروان . عبد الملك هذا بجبروته قتل عمرو بن سعيد الأشدق لكى يجعل الخلافة فى أولاده ، ولنفس السبب كان على وشك التخلص من اخيه عبد العزيز . فكيف يصل ( عمر بن عبد العزيز بن مروان ) للحكم فى وجود أبناء عبد الملك ؟  والذى لم يصل اليه مسلمة  ، وهو أنجب أبناء عبد الملك .؟!..  الجواب فى الخليفة سليمان بن عبد الملك .

2 ـ وقف عمر بن عبد العزيز ضد ابن عمه الخليفة الوليد بن عبد الملك حين أراد خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ، وتعرض عمر للأذى والسجن بسبب موقفه هذا . وكان الوليد قد حاول إرغام سليمان على التنزل فرفض ، وأيّد الولاة الأقوياء خلع سليمان ، وأهمهم الحجاج بن يوسف وآله ، وقتيبة بن مسلم الباهلى الفاتح فى تخوم الصين ، وعبد العزيز بن موسى بن نصير الذى وطّد حكم الأمويين فى الاندلس . بعد أن إستوثق الخليفة الوليد من تأييد كبار دولته  أرسل الى سليمان ليأتيه ، تقول الرواية : ( فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه، فأبطأ، فعزم الوليد على المسير إليه ليخلعه ..فمات قبل أن يسير إليه.). وعن موت الوليد المفاجىء وتولية سليمان تقول الرواية عن أحداث عام 96 : ( وفي هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي توفي فيه الوليد وهو بالرملة.) .

3 ـ البلاط الأموى تخصص فى فنون التآمر من عهد معاوية ، وكان التخلص من الخصوم بالسُّم وغيره ايسر وسيلة ، ووصل هذا الى داخل البيت الأموى نفسه ، بقتل  معاوية الثانى ، ثم بقتل مروان بن الحكم ، وبهذا مات فجأة الخليفة الوليد ، وهو على وشك عزل أخيه سليمان . 

4 ـ سليمان بن عبد الملك كان عريقا فى التآمر ، وكان حقودا محبا للإنتقام ، وبينما كافأ ابن عمه عمر بن عبد العزيز فإنه إفتتح خلافته بالانتقام من الولاة الذين أيدوا خلعه . ونجا الحجاج من إنتقامه ، إذ مات قبل أن يتولى سليمان الحكم ، فلم يجد سليمان وسيلة سوى الانتقام من آل الحجاج ، فسلّط عليهم خصومهم من آل المهلب . تقول الرواية عن عام 96 أول حكم سليمان بن عبد الملك : (وفيها عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق واستعمل يزيد بن المهلب ، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج ، وأمره بقتل بني عقيل وبسط العذاب عليهم وهم أهل الحجاج، فكان يعذبهم ويلي عذابهم عبد الملك بن المهلب  ). ووصل إنتقامه الى أقصى الشرق فقتل  ــ بمؤامرة  ـ  قتيبة بن مسلم أكبر قائد  فى  أقصى الشرق عام 96 . وقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير فى الأندلس فى أقصى الغرب  عام 97 .

5 ـ وسليمان بن عبد الملك ـ فى عراقته بالتآمر ـ إكتشف حركة الشيعة الكيسانية السرية ، وإستدعى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ( حفيد على بن أبى طالب ) و ( أكرمه وقضى حوائجه ) ثم وضع له فى الطريق (من وقف على طريقه فسمّه في لبن.  ) .  ولما أحس أبوهاشم بالسّم وأيقن موته سار الى ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) وأفضى اليه بأسرار التنظيم العنقودى ، وكلفه بتولى أمره . وهذا التنظيم العنقودى الذى كان يدعو سرا الى ( الرضى من آل محمد) هو الذى تمكن فى النهاية من إسقاط الدولة الأموية .

6 ـ ودفع سليمان الثمن مبكرا .  فى عام 98 ، تقول الرواية : ( بايع سليمان لإبنه أيوب بولاية العهد، فمات أيوب قبل أبيه ) . مات هذا الشاب مبكرا ، ثم ما لبث أن لحقه أبوه الخليفة سليمان عام 99 ، تقول الرواية : (في هذه السنة توفي سليمان بن عبد الملك بن مروان لعشر بقين من صفر، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام...، فتكون ولايته سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ) . أحسّ بالسُّم الذى سقاه لضحاياه، فكان إنتقامه الأخير بأن يجعل ولى عهده (عمر بن عبد العزيز). وبهذا تولى عمر بن عبد العزيز ، وتحقق المستحيل .!! 

7 ـ وحاول عمر بن عبد العزيز تحقيق مستحيل آخر ، هو إصلاح قلعة الظلم التى أسسها الخلفاء الفاسقون ، فلقى عمر بن عبد العزيز حتفه أيضا بالسّم عام  101 ، تقول الرواية :  ( توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة.. ) (   مات عمر بن عبد العزيز لعشر ليال بقين من رجب سنة احدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثينسنة واشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة اشهر . ) . كانت خلافة سليمان سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ) .وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز (سنتين وخمسة اشهر ) ، وكلاهما مات فى شبابه ..مسموما ..

ثانيا : عمر بن عبد العزيز فى خلافته :

1 ـ وضع منهاجه السياسى فى أول خطبة له قالها فى عبارات قصيرة واضحة ، تقول الرواية : (  خرج الى المسجد فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعدفانه ليس بعد نبيكم نبي ، ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب . الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامة وما حرم الله حرام الى يوم القيامة . الا اني لست بقاض ولكنيمنفذ . الا اني لست بمبتدع ولكني متبع  . الا انه ليس لاحد ان يطاع في معصية الله . الا انيلست بخيركم ، ولكني رجل منكم ، غير ان الله جعلني اثقلكم حملا  ) . لم يكن وقتها كلام عن مصدر آخر غير القرآن الكريم ، هذا من الناحية الدينية ، أما من من الناحية السياسية الاسلامية فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .  وأكد على ذلك : ( قامفي مسجد دمشق ثم نادى باعلى صوته : لا طاعة لنا في معصية الله  ).وأرسل كتابا بنسخة واحدة لكل الولاة .  وبدأ مبكرا بتطبيق  العدل والسلام :

ثانيا :  العدل

1 ـ  كتب عمر إلى والى الكوفة : ( أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين العدل والإحسان .. ) ومنع  أشكالا من الضرائب : فقال : (   ولا تأخذن أجور الضرابين ولا هدية النوروز والمهرجان ولا ثمن الصحف، ولا أجور الفتوح ولا أجور البيوت، ولا درهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض .. ) الى أن قال له : (..   ولا تعجل بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه ..) ، كان للوالى الأموى قتل من يشاء أخذا بسنة زياد وابن زياد والحجاج . فمنع ذلك عمر بن عبد العزيز .

 وكتب الى والى المدينة بالمساواة  بين الأمويين وبقية الناس  : ( .. ولا يكن احد من الناس اثر عندك من احد ، ولا تقولن هؤلاء من اهل بيتامير المؤمنين  ، فان اهل بيت امير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء.  بل انا احرى اناظن باهل بيت امير المؤمنين انهم يقهرون من نازعهم. ).

2 ـ واستبشر أهل البلاد المفتوحة خيرا . قال أهل سمرقند للوالى سليمان بن السرى : (  قتيبة ظلمنا وغدر بنا فأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين. فأذن لهم، فوجهوا وفداً إلى عمر. ) وقابل الوفد الخليفة عمر ، فكتب عمر إلى سليمان:  ( إن أهل سمرقند شكوا ظلماً وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة. ) وحكم القاضى  بخروج عرب سمرقند الى معسكرهم . 

3 ـ وتوافدت الوفود من البلاد على دمشق ترجو الانصاف ، فكان ينصفهم ويقول لهم : (  الحقواببلادكم فاني اذكركم امصاركم وانساكم عندي الا من ظلمه عامل فليس عليه مني اذنفلياتني  ) ، وظل هذا التوافد الى آخر عهده ، ففى آخر خطبة قال للناس : ( ايها الناس الحقوا ببلادكم فاني اذكركم في بلادكم وانساكم عندي .  الاواني قد استعملت عليكم رجالا لا اقول هم خياركم ولكنهم خير ممن هو شر منهم ، فمن ظلمهعامله بمظلمة فلا اذن له علي) أى أن يأتى ويدخل بلا إستئذان .

4 ــ وتقول الرواية : (   لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل ارض ووضع الجزية عن كلمسلم  ) كان الأمويون يأخذون الجزية من أهل البلاد المفتوحة حتى من أسلم منهم ، فمنع ذلك ، وكتب اليه ابن شريح والى مصر : (  ان اهل الذمة قداسرعوا في الاسلام وكسروا الجزية  ، فكتب اليه عمر اما بعد فان الله بعث محمدا داعياولم يبعثه جابيا فاذا اتاك كتابي هذا فان كان من اهل الذمة اسرعوا في الاسلاموكسروا الجزية فاطو كتابك واقبل ) أى عزله . ورفض عمر إمتحان من أسلم بالختان ،  وقال : (  انا اردهم عن الاسلام بالختان ؟ .. لو اسلموا فحسن اسلامهم كانوا الى الطهرةاسرع .. فاسلم على يده نحو من اربعة الاف ). وولى على شمال أفريقيا  ( إسماعيل بن عبد الله  ..، وكان حسن السيرة، فاسلم البربر في أيامه جميعهم.)
 ثالثا : رد المظالم :

إستأثر بنو أمية بالضياع ، وإغتصبوا الأموال والعقارات من أصحابها ، ولتحقيق العدل كان التحدى الأكبر  فى إرجاع هذا كله الى بيت المال سواء كان مسلوبا فى عهد معاوية أو بعده .

1 ـ وبدأ عمر بنفسه وزوجته  بمجرد بيعته ، تقول الرواية : ( فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لأمرأته فاطمة بنت عبد الملك: أن أردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلى وجوهر إلى بيت مال المسلمين فإنه لهم، فإني لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد. فرددته جميعه.) ( ان عمر بن عبد العزيز لما استخلف نظر الى ما كان لهمن عبد والى لباسه وعطره واشياء من الفضول فباع كل ما كان به عنه غنى فبلغ ثلاثةوعشرين الف دينار فجعله في السبيل  ) (  لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال انهلينبغي ان لا ابدا باول من نفسي فنظر الى ما في يديه من ارض او متاع فخرج منه حتىنظر الى فص خاتم فقال هذا مما كان الوليد بن عبد الملك اعطانيه مما جاءه من ارضالمغرب فخرج منه ) (رايت عمر بن عبدالعزيز بدا باهل بيته فرد ما كان بايديهم من المظالم ،  ثم فعل بالناس بعد .)

2 ـ وشمل هذا كل المظالم القديم منها والحديث : ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم من لدن معاوية الى ان استخلف،  اخرج من ايدي ورثة معاوية ويزيد بن معاوية حقوقا .)  وشمل هذا كل الولايات : ( كتب الينا عمر بن عبد العزيز بالعراق في ردالمظالم الى اهلها فرددناها  ).

3 ـ ولم يكن المظلوم محتاجا لإثبات قاطع :  ( وكان عمر يرد المظالم الى اهلها بغير البينة القاطعةكان يكتفي بايسر ذلك اذا عرف وجها من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق البينةلما كان يعرف من غشم الولاة ) .

4 ــ وإذا مات صاحب الحق يعطيه لورثته سواء كان صاحب الحق مسلما أو غير مسلم ، فكتب الى والى المدينة  : (  ان استبرىء الدواوين فانظر الى كل جور جاره من قبليمن حق مسلم او معاهد فرده عليه فان كان اهل تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه الى ورثتهم )، واستمر يعيد الحقوق لأصحابها الى أن مات :  ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف الى يوم مات ),

5 ـ هذا بالاضافة الى إصلاحات فى احوال المساجين وبناء خانات لأبناء السبيل ، وترك سب  ( علي بن ابى طالب ) على المنابر . 

ثالثا : السلام ووقف الحروب :

1 ـ بدأ خلافته بعودة جيش مسلمة الذى كان يحاصر القسطنطينة ، وأن ينسحب من أرض الروم .وأمر    أهل طرندة بالقفول عنها إلى ملطية. وكانت طرندة تتبع  الروم ، وقد استولى عليها الأمويون وأسكنوها مقاتلين عام 83 ، فأمرهم عمر بن عبد العزيز بالانسحاب منها .  أى أوقف الحرب بين ( دار السلام ضد دار الحرب ) . 

ونفس الحال فى الشرق ، أوقف الحروب هناك ، و ( كتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم جيشه بن ذاهر، والملوك تسموا له بأسماء العرب. .. وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد ابن عبد الملك، فلما كان أيام هشام ارتدوا عن الإسلام ). 

2 ـ وهو إختيار للسلام قائم على القوة ، وليس الضعف ، وعندما أغار ( الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة، فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير، وقدم على عمر منهم بخمسن أسيراً )

 رابعا : مع الأمويين

1 ـ إعترضوا فهددهم بالتنازل عن الخلافة وأن يُرجعها شورى ، تقول الرواية : (   جاء بنو مروانالى عمر فقالوا انك قصرت بنا عما كان بنا من قبلك وعاتبوه، فقال : لئن عدتم لمثل هذاالمجلس لاشدن ركابي ثم لاقدمن المدينة ولاجعلنها او اصيرها شورى ) .. ووسطوا  عمته  فلم تنجح وساطتها عنده .  وكان أحيانا يهددهم بالقتل ، تقول الرواية : (   اتى عمر بن عبدالعزيز كتاب من بعض بني مروان فاغضبه فاستشاط غضبا ،  ثم قال : ان لله في بني مروان ذبحاوايم الله لئن كان ذاك الذبح على يدي ." .. فلما بلغهم ذلك كفوا ، وكانوا يعلمون صرامتهوانه إذا وقع في امر مضى فيه  ).

2 ــ وواقع الأمر أنه كان يتحاشى أن يلجأ الى سفك الدماء . وقد طلب منه ابنه  عبد الملك  أن يقيم العدل بالقوة ، فقال له :  ( يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ، ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف .).!

أخيرا : سبب قتل عمر بن عبد العزيز

 1 ـ خرج شوذب الخارجي ، وأمر عمر بعدم التعرض له طالما لم يسفكوا دما ، ، ودعاه عمر الى المناظرة  وكتب له : بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.فكتب بسطام إلى عمر: قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرنك.).

2 ـ  وقد أفحمهما عمر فى البداية ، إلا إنه عجز عن الرد حين حاججوه فى ولاية يزيد بن عبد الملك بعده بلا شورى من المسلمين . تقول الرواية : ( قال اليشكري: أرأيت رجلاً ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون، أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله، عز وجل، أو تراه قد سلم؟ قال: لا. قال: أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي. قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقاً؟ فبكى عرم وقال: أنظراني ثلاثاً...  فكان عمر بن عبد العزيز يقول: أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه، فأستغفر الله.) تقول الرواية : ( فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سماً، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات . )

 

 

أواخر الدولة الأموية : مسلسل الدماء داخليا وخارجيا فى 17 عاما فقط .!

مقدمة :                                                

كانت خلافة عمر بن عبد العزيز لمحة ضوء بزغت فى ظلام الخلافة ، ودليلا على إمكانية الاصلاح الاسلامى القائم على العدل والحرية والسلام ، ودليلا آخر على أن الظلم فى الداخل يؤدى الى حروب داخلية وخارجية. بموت عمر بن عبد العزيز عاد الظلم والحروب على كل المستويات : ( خارجيا ) فى الغرب ضد بيزنطة وأوربا ، فى الشرق الآسيوى ، و( داخليا ) فى حروب متنوعة بين القبائل ، وضد الخوارج ،   وأثناء هذا كانت الدعوة السرية للرضى من آل محمد تنتشر وتتمدد فى خراسان  

2 ـ نعطى نشرة أخبار سريعة لمسلسل الدماء من عام 101 الى عام 117 

عام 101 :

1 ـ موت محمد بن مروان ( أخو عبد الملك، وكان قد ولي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، وغزا الروم وأهل أرمينية عدة دفعات . ) وابنه مروان بن محمد واصل بعده نفس الحروب ثم صار آخر خلفاء بنى أمية .

عام 102 : 

1 ـ مقتل  يزيد بن المهلب وآله فى موقعة العقر ، ثار ابن المهلب على الخليفة يزيد بن عبد الملك بسبب خصومة شخصية بينهما وبسبب عداء قديم للحجاج بن يوسف وآله وهم أصهار الخليفة يزيد . 

2 ـ غزو الترك  وهزيمتهم فى سمرقند.

3 ـ غزو الصغد ، وهزيمتهم ، ( وكانوا قد نقضوا العهد وأعانوا الترك على المسلمين، فقال الناس لسعيد: إنك قد تركت الغزو وقد أغار الترك وكفر أهل الصغد. فقطع النهر وقصد الصغد، فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون . )

  4 ـ قبض سعيد خذينة  والى خراسان على بعض دُعاة بنى العباس ، ثم أطلق سراحهم .  

5 ـ ( غزا عمر بن هبيرة الروم من ناحية أرمينية وهو على الجزيرة قبل أن يلي العراق، فهزمهم وأسر منهم خلقاً كثيراً وقتل سبعمائة أسير. ) ( وغزا عباس بن الوليد بن عبد الملك الروم فافتتح دلسة.)

عام 103  

1 ـ تولى سعيد الحرشي خراسان ، وعزل سعيد خدينة عنها ، وكان خدينة وقتها يغزو سمرقند ، وتولى الحرشى الحرب ، ( فلما سمع أهل الصغد بقدوم الحرشي خافوا على نفوسهم لأنهم كانوا قد أعانوا لترك أيام خذينة، فاجتمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم. )  وذهبوا الى (حجندة )

2 ـ  ( أغارت الترك على اللان ). و  ( غزا العباس بن الوليد الروم ففتح مدينة يقال لها دلسة. ) 

عام 104 :

1 ـ حرب الحرشى والصغد:وهزمهم الحرشى (فقتلوا عن آخرهم، وكانوا ثلاثة آلاف، وقيل سبعة آلاف، واصطفى أموال الصغد وذراريهم، وأخذ منها ما أعجبه . )( وسار الحرشي إلى كش وصالحوه على عشرة آلاف رأس، وقيل ستة آلاف رأس. وسار إلى زلرنج، فوافاه كتاب ابن هبيرة بإطلاق ديوشتى، فقتله وصلبه وولى نصر بن سيار قبض صلح كش، واستعمل سليمان بن أبي السري على كش ونسف حربها وخراجها. وكانت خزائن منيعة. ) وكان اسم ملكها سبغرى، وقد خدعه  الحرشى بالأمان ثم قتله وصلبه بعد ان استولى على خزائنه  .
 2 ـ  الخزر يهزمون الأمويين .  ( دخل جيش للمسلمين بلاد الخزر من أرمينية..فاجتمعت الخزر في جمع كثير وأعانهم قفجان وغيرهم من أنواع الترك فلقوا المسلمين في مكان يعرف بمرج الحجارة فاقتتلوا هنالك قتالاً شديداً، فقتل من المسلمين بشر كثير واحتوت الخزر على عسكرهم وغنموا جميع ما فيه. )

 3 ـ طمع الخزر فى مزيد من الانتصار ، فأرسل الخليفة يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا يقوده الجراح الحكمى وولاه أرمينيا ،  ( .. وسار الخزر إليه وعليهم ابن ملكهم فالتقوا عند نهر الران واقتتلوا قتالاً شديداً، وحرض الجراح أصحابه، واشتد القتال، فظفروا بالخزر وهزموهم وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فقتل منهم خلق كثير، وغنم المسلمون جميع ما معهم وساروا حتى نزلوا على حصن يعرف بالحصين فنزل أهله بالأمان على مال يحملونه، فأجابهم ونقلهم عنها.ثم سار إلى مدينة يقال لها يرغوا، فأقام عليها ستة أيام، وهو مجد في قتلهم، فطلبوا الأمان، فأمنهم وتسلم حصنهم ونقلهم منه.ثم سار الجراح إلى بلنجر .وهو حصن مشهور من حصونهم )واستولى الحكمى عليه ، (..ثم إن الخزر انهزموا واستولى المسلمون على الحصن عنوة وغنموا جميع ما فيه في ربيع الأول فأصاب الفارس ثلاثمائة دينار، وكانوا بضعة وثلاثين دينار، وكانوا بضعة وثلاثين ألفاً.ثم إن الجراح أخذ أولاد صاحب بلنجر وأهله وأرسل إليه فأحضره ورد إليه أمواله وأهله وحصنه وجعله عيناً لهم يخبرهم بما يفعله الكفار...) 

عام 105  

   1 ـ حركات للخوارج تم وأدها : عقفان  فى خراسان ، ومسعود العبدى فى البحرين . ومصعب بن محمد الوالى فى الموصل ,

2 ـ   غزا الجراح الحكمي اللان حتى حاز ذلك إلى مدائن وحصون وراء بلنجر ففتح بعض ذلك وأصاب غنائم كثيرة.غزا  سعيد بن عبد الملك أرض الورم، فبعث سرية في نحو ألف مقاتل فأصيبوا جميعاً. وغزا مسلم بن سعيد الكلابي أمير خراسان الترك بما وراء النهر، فلم يفتح شيئاً وقفل. وغزا مسلم أفشين فصالح أهلها على ستة آلاف رأس ودفع إليه القلعة،  وغزا مروان بن محمد الصائفة اليمنى فافتتح قونية من أرض الروم وكمخ.
3 ـ ومات يزيد بن عبد الملك حزنا على محظيته حبابة ، وتولى بعده أخوه هشام ، وعين الخليفة الجديد خالد القسرى على العراق ، أى النصف الشرقى من الامبراطورية الأموية . .

   عام 106 : 

1 ـ حرب بين قبائل مضر وقبائل اليمن فى بلخ .

2 ـ وغزا مسلم بن سعيد الكلابى الترك .وولى خالد القسرى أخاه ( اسد القسرى ) على خراسان ، وعيّن أسد القسرى على سمرقند ( الحسن الكندى ) ,قيل للحسن الكندى :(إن الأتراك قد أتوك في سبعة آلاف. فقال: ما أتونا، نحن أتيناهم وغلبناهم على بلادهم واستعبدناهم )

 3 ـ  غزا سعيد بن عبد الملك الصائفة. وغزا الجراح بن عبد الله اللان فصالح أهلها فأدوا الجزية.  

عام 107 :

1 ـ حرب الهند : كان جيشبه بن ذاهر ملك السند قد أسلم وتملك بلده بإتفاق مع عمر بن عبد العزيز . ولم يعترف خالد القسرى بهذا فأرسل الجنيد واليا للسند ، فتصدى له الملك الهندى وقال له : ( إننا مسلمون، فقد استعملني الرجل الصالح، يعنى عمر بن عبد العزيز، على بلادي ولست آمنك )، فأعطاه رهناً وأخذ منه رهناً بما على بلاده من الخراج . ثم نكث الجنيد بعهده (  فأتى الهند فجمع جموعاً وأخذ السفن ) وقتل ملك الهند ، ( وهرب أخوه "صصه " إلى العراق ليشكو غدر الجنيد، فخدعه الجنيد حتى جاء إليه فقتله.)
2 ـ وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قد نقضوا، ففتحها عنوةً وفتح أزين والمالبة وغيرهما من ذلك الثغر.

3 ـ غزوة عنبسة الفرنج بالأندلس:( ..ونازل مدينة قرقسونة وحصر أهلها، فصالحوه على نصف أعمالها وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم وأن يعطوا الجزية ويلتزموا بأحكام الذمة من محاربة من حاربه المسلمون وسالمة من سالموه، فعاد عنهم عنبسة. )   

4 ـ غزا أسد القسرى بلاد الغور،( جبال هراة )  وقد أخفى اهلها كنوزهم فى كهف ( ليس إليه طريق، فأمر أسد باتخاذ توابيت ووضع فيها الرجال ودلاها بسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه.) وغزا أسد جبال نمرون ملك غرشس مما يلي جبال الطالقان، فصالحه نمرون وأسلم على يده .

5 ـ والى خراسان أسد القسرى إعتقل بعض دعاة العباسيين فقطع أيدى بعضهم وصلب البعض الآخر

6 ـ عزل الجراح بن عبد الله الحكمي عن أرمينية وأذربيجان وتولى مسلمة بن عبد الملك، فاستعمل عليها مسلمة الحارث ابن عمرو الطائي، فافتتح من بلد الترك رستاقاً وقرى كثيرة .  7 ـ أسد القسرى يقوم بتوطين الجند فى (بلخ  ) . 

عام 108  

1 ـ  غزوة الختل والغور:( وانهزم المشركون وحوى المسلمون عسكرهم وظهروا على البلاد وأسروا وسبوا وغنموا.)   

  2 ـ ( غزا مسلمة بن عبد الملك الروم مما يلي الجزيرة ففتح قياسرية، وهي مدينة مشهورة. ) ( غزا إبراهيم بن هشام ففتح حصناً الروم. )

 3 ـ ( سار ابن خاقان ملك الترك إلى أذربيجان فحصر بعض مدنها، فسار إليه الحارث ابن عمرو الطائي فالتقوا فاققتلوا فانهزم الترك وتبعهم الحاث حتى عبر نهر أس، فعاد إليه ابن خاقان فعادو الحرب أيضاً، فانهزم ابن خاقان وقتل من الترك خلق كثير. )

4 ـ حركة للخوارج فى اليمن تزعمها ( عباد الرعيني ) فقتله أميرها يوسف بن عمر وقتل أصحابه. وكانوا ثلاثمائة.

5 ـ غزا معاوية بن هشام بن عبد الملك قبرس، وغزا في البر مسلمة بن عبد الملك بن مروان.  

عام 109

1 ـ أسد القسرى يقتل عشرة من دعاة بنى العباس

2 ــ عزل خالد وأخيه أسد القسرى عن خراسان بسبب تعصبها للقبائل اليمنية ، وتولى أشرس السلمى خراسان .

3ـ غزا عبد الله بن عقبة الفهري في البحر، وغزا معاوية ابن هشام أرض الروم ففتح حصناً يقال له طيبة .
4 ــ غزا مسلمة بن عبد الملك الترك من ناحية أذربيجان فغنم وسبى وعاد سالماً.
5 ــ  وفيها غزا بشر بن صفوان عامل إفريقية جزيرة صقلية فغنم شيئاً كثيراً  

عام 110

1 ـ أشرس يدعو  أهل سمرقند الى الاسلام وأن يضع عنهم الجزية ، فأسلم كثيرون فأعادوا فرض الجزية عليهم ، فارتدوا .فاشتعلت الحرب سجالا بين ( المسلمين ) وانتصر الأمويون فى النهاية (، فحملوا على العدو فقاتلوهم فكشفوهم وركبهم المسلمون يقتلونهم حتى حجزهم الليل وتفرق العدو، وأتى أشرس بخارى فحصر أهلها.)

2 ـ حاصر خاقان الترك كمرجة بمن فيها من العرب ، ودارت معارك أسوارها ، ( وكانت مدة حصار كمرجة ثمانية وخمسين يوماً )

3 ـ أرتد أهل كردر، فأرسل إليهم أشرس جنداً فظفروا بهم .

4 ـ غزا مسلمة الترك من باب اللان، فلقي خاقان في جموعه فاقتتلوا قريباً من شهر وأصابهم مطر شديد، فانهزم خاقان وانصرف ورجع مسلمة فسلك على مسلك ذي القرنين.

5 ــ غزا معاوية الروم ففتح صملة. وفيها غزا الصائفة عبد الله بن عقبة الفهري، وكان على جيش البحر عبد الرحمن بن معاوية بن حديج .   

عام 111

1 ـ عزل أشرس عن خراسان واستعمال الجنيد ، والجنيد يقاتل خاقان الترك ويهزمه :، وكان الجنيد يتعصب لقومه من قبائل مضر . وكان التعصب القبلى سائدا بين العرب فى خراسان .

2 ـ   غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وغزا سعيد بن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية، وغزا في البحر عبد الله بن أبي مريم.  

3 ـ  سارت الترك إلى أذربيجان فلقيهم الحارث ابن عمرو فهزمهم.

4 ـ عزل مسلمة عن أرمينية وتولى الجراح الحكمى مكانه ، فدخل بلاد الخزر من ناحية تفليس وفتح مدينتهم البيضاء وانصرف سالماً. ، ( فجمعت الخزر وحشدت وسارت إلى بلاد الإسلام، وكان ذلك سبب قتل الجراح. )

عام 112 

.1 ـ إتحد الخزر والترك وهزموا وقتلوا الجراح الحكم ، وتوغلوا حتى قاربوا الموصل .

2 ـ الجنيد يغزو طخارستان ، ومعارك متصلة مع الترك انتهت بأن ( سار المسلمون فدخلوا بخارى يوم المهرجان ).

3 ـ غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة.

عام 113

 1 ـ ( وفيها فرق مسلمة الجيوش ببلاد خاقان ففتحت مدائن وحصون على يديه وقتل منهم وأسر وسبى وأحرق ودان له من وراء جبال بلنجر، وقتل ابن خاقان، فاجتمعت تلك الأمم جميعها الخزر وغيرهم عليه في جمع لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، وقد جاز مسلمة بلنجر فلما بلغه خبرهم أمر أصحابه فأوقدوا النيران ثم ترك خيامهم وأثقالهم وعاد هو وعسكره جريدة، وقدم الضعفاء وأخر الشجعان، وطووا المراحل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل إلى الباب والأبواب في آخر رمق.)

2 ـ هزيمة عبد الرحمن الغافقى أمير الأندلس  فى ( توربواتييه ) : (  فغزا إفرنجة وأوغل في أرضهم وغنم غنائم كثيرة، وكان فيما أصاب رجل من ذهب مفصصة بالدر والياقوت والزمرد، فكسرها وقسمها في الناس. ..  ثم خرج غازياً ببلاد الفرنج هذه السنة، ..  فقتل هو ومن معه شهداء.)
 3 ـ  عبيد الله بن الحبحاب، يغزو السودان : (  .. وسيرهم إلى أرض السودان فظفر بهم ظفراً لم يظفر أحد مثله وأصاب ما شاء، ثم غزا البحر ثم انصرف.)
4 ـ  غزا معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع.
5 ـ الجنيد يقتل احد دعاة العباسيين .

 عام 114

1 ـ الخليفة هشام يولى مروان بن محمد أرمينية وأذربيجان:ومروان يسير بجيش من 120 الفا ، وخدع ملك الخزر بأنه يريد الصلح ، ودخل بلاده ، فانسحب ملك الخزر شرقا ( ودخل مروان البلاد وأوغل فيها وأخربها وغنم وسبى وانتهى إلى آخرها وأقام فيها عدة أيام حتى أذلهم وانتقم منهم، ودخل بلاد ملك السرير فأوقع بأهله وفتح قلاعاً ودان له الملك وصالحه على ألف رأس وخمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور ومائة ألف مديٍ تحمل إلى الباب، وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس نصفين، وعشرين ألف مدي، ثم دخل أرض زريكران، فصالحه ملكها، ثم أتى إلى أرض خمزين، فأبى حمزين أن يصالحه، فحصرهم فافتتح حصنهم، ثم أتى سغدان فافتتحها صلحاً ووظف على طيرشانشاه عشرة آلاف مدي كل سنة تحمل إلى الباب، ثم نزل على قلعة صاحب اللكز، وقد امتنع من أداء الوظيفة، فخرج ملك اللكز يريد ملك الخزر، فقتله راعٍ بسهم هو لا يعرفه، فصالح أهل اللكز مروان،واستعمل عليهم عاملاً، وسار إلى قلعة شروان، وهي على البحر، فأذعن بالطاعة، وسار إلى الدوداني فأقلع بهم ثم عاد.)

2 ـ غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، فأصاب ربض أقرن، وإن عبد الله البطال التقى هو وقسطنطين في جمع، فهزمهم البطال وأسر قسطنطسن. وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى، فبلغ قيسارية.

عام 115
1 ـ  غزا معاوية بن هشام أرض الروم.   

2 ـ وغزا عبد الملك بن قطن عامل الأندلس أرض البشكنس  وعاد سالماً.

عام 116 

1 ـ   غزا معاوية بن عبد الملك أرض الروم الصائفة.

2 ـ ثورة الحارث بن سريج بخراسان:إنشقّ عن الأمويين ، وحاربوه وانهزم (فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أصحاب الحارث فغرق منهم بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم ومضت الدهاقين إلى بلادهم، وغرق خازم بن عبد الله ابن خازم، وكان مع الحارث، وقتل أصحاب الحارث قتلاً ذريعاً، ..واجتمع إلى الحارث زهاء ثلاثة ألاف.)

3 ـ  ( سير ابن الحبحاب جيشاً إلى صقلية، فلقيهم مراكب الروم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت الروم، وكانوا قد أسوا جماعة من المسلمين، منهم عبد الرحمن بن زياد، فبقي أسيراً إلى سنة إحدى وعشرين ومائة، وفيها سير ابن الحبحاب أيضاً جيشاً إلى السوس وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا. وفيها استعمل عبد الله بن الحبحاب عطية بن الحجاج القيسي على الأندلس، فسار إليها ووليها في شوال من هذه السنة وعزل عبد الملك ابن قطن، وكان له كل سنة غزاة، وعو الذي افتتح جليقية والبتة وغيرهما ).

عام  117

1 ـ  ( غزا معاويةً بن هشام الصائفة اليسرى، وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة، وفرق سراياه في أرض الروم.) 

2 ـ ( بعث مروان بن محمد، وهو على أرمينية، بعثين، وافتحح أحدهما حصوناً ثلاثة من اللان، نزل الآخر على تومانشاه فنزل أهلها على الصلح.)

3 ـ ولاية ابن الحبحاب أفريقيا ( شمال أفريقيا ) والأندلس . (وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازياً إلى المغرب، فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان فلم يقالتله أحد إلا ظهر عليه، وأصاب من الغنائم والسبي أمراً عظيماً، فملئ المغرب منه رعباً، وأصاب في السبي جارتيتين من البربر ليس لكل واحدة منهما غير ثدي واحد، ورجع سالماً. وسير جيشاً في البحر سنة سبع عشرة إلى حزيرة الردانية، ففتحوا منها ونهبوا وغنموا وعادوا. ثم سيره غازباً إلى جزيرة صقلية سنة اثنتين وعشرين ومائة ومعه ابنه عبد الرحمن بن حبيب، فلما نزل بأرضها وجه عبد الرحمن على الخيل فلم يلقه أحد إلا هزمه عبد الرحمن، فظفر ظفراً لم ير مثله، حتى نزل على مدينة سرقوسة، وهي من أعظم مدن صقلية، فقاتلوه فهزمهم وحصرهم، فصالحوه على الجزية، وعاد إلى أبيه، )

4 ـ ثورة البربر لأن والى طنجة اسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب إعتبر البربر فيئا للمسلمين : ( فأساء السيرة وتعدى وأراد أن يخمس مسلمي البربر، وزعم أنهم فيء للمسلمين، وذلك شيء لم يرتكبه أحد قبله، فلما سمع البربر بمسير حبيب بن أبي عبيدة إلى صقلية بالعساكر طمعوا ونقضوا الصلح على ابن الحبحاب وتداعت عليه بأسرها ملمها وكافرها، وعظم البلاء، وقدم من بطنجة من البربر على أنفسهم ميسرة السقاء قم المغدوري، وكان خارجياً صفرياً وسقاء، وقصدوا طنجة، فقاتلهم عمر بن عبد الله فقتلوه واستولوا على طنجة وبايعوا ميسرة بالخلافة وخوطب بأمير المؤمنين وكثر جمعه من البربر وقوي أمره بنواحي طنجة.وظهر في ذلك الوقت جماعة بإفريقية فأظهروا مقالة الخوارج . ) واصطدم العرب والبربر فى معركة  ( غزوة الأشراف ) التى انهزم فيها العرب هزيمة قاسية ، ووصلت الأنباء الى الأندلس فثاروا على واليهم ، وبعث هشام بجيش يقوده كلثوم ابن عياض القشيرى ، فانهزم وتفرق من بقى من جيشه ، ( فلما ضعفت العرب بهذه الوقعة ظهر إنسان يقال له عكاشة بن أيوب الفزاري بمدينة قابس، وهو على رأي الخوارج الصفرية، فسار إليه جيش من القيروان فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم عسكر القيروان، فخرج إليه عسكر آخر فانهزم عكاشة بعد قتال شديد وقتل كثير من أصحابه، ولحق عكاشة ببلاد الرمل.فلما بلغ هشام بن عبد الملك قتل كلثوم بعث أميراً على إفريقية حنظلة ابن صفوان الكلبي، فوصلها في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة، فلم يمكث بالقيروان إلا يسيراً حتى زحف إليه عكاشة الخارجي في جمع عظيم من البربر ... ) وفى النهاية انهزم البربر والخوارج : (هزم الخوارج والبربر ونصر العرب، وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون ..فقيل: لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة، فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى، فعجز الناس عن ذلك حتى عدوهم بالقصب، فكانت عدة القتلى مائة ألف وثمانين ألفا. )

ملاحظة :

قارن بين عدد القتلى فى الحرب العالمية الأولى ، وتلك الحروب التى تسبب فيها الأمويون خلال 17 عاما . عدد قتلى الحرب العالمية الثانية حوالى 60 مليونا . ربما يصل عدد القتلى هنا بضع مئات من الألوف ، ولكن الفارق فى نوعية الاسلحة . كان السلاح فرديا ، ( سيف مقابل سيف مثلا ) ، أما فى الحروب الحديثة فالطائرة يمكن أن تقتل آلافا مؤلفة . وبالتالى لو كان للأمويين نفس التسليح الحالى لتضاعف القتلى الى عشرات الملايين . هذا بالاضافة الى أن الحرب العالمية الأولى والثانية كانتا حربا علمانية ، قامت وتوقفت ، بل أصبح الخصوم خلفاء وأصدقاء تبعا لتغير المصالح . أما الحرب التى أشعلها الصحابة وتابعها الأمويون والعباسيون والعثمانيون فهى الحرب العالمية التى لا تنتهى طالما بقى دينها الأرضى مسيطرا .ولا تزال هذه الحرب الدينية مشتعلة بين الوهابية والغرب المسيحى ..

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

 

 مسلسل الدماء قبيل سقوط الدولة الأموية ( 118 : 127 )

مقدمة :

تتابع مسلسل الدماء فى علاقة ( دار السلام ) بدار الحرب : مع أوربا وأقصى الشرق ، وفى نفس الوقت تتابع مسلسل الدماء داخل ( دار السلام ) ، فى قتال الأمويين مع خصومهم من الخوارج وغيرهم ، بل وصل الاقتتال الى البيت الأموى ، وبعد أن كان القتل يتم سرا بمؤامرة وبالسُّم ، أصبح القتال علنيا عسكريا ، وفى نفس الوقت كانت الدعوة السرية لبنى العباس آتت أُكلها ، فظهرت فجأة بجيش يقوده أبو مسلم الخراسانى ، فاجأ مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين ، والذى كان منهمكا فى حروب داخلية ( فى دار السلام ) وحروب خارجية مع ( دار الحرب ) ، فوجىء بالمارد العباسى الذى هزمه وقتله وقتل من وجدهم من الأمويين . 

2 ـ نعطى بعض التفصيلات لمسلسل الدماء فى عناوين سريعة  من عام 118 الى تولى مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية فى دمشق:

عام 118 :

 1 ـ ( غزا معاوية وسليمان ابنا هشام بن عبد الملك أرض الروم.)

2 ـ ( غزا مروان بن محمد بن مروان من أرمينية ودخل أرض ورنيس إلى الخزر ونزل حصنه، فحصره مروان ونصب عليه المجانيق، فقتل ورنيس، قتله بعض من اجتاز به وأرسل رأسه إلى مروان، فنصبه لأهل حصنه، فنزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة وسبى الذرية.)

3 ـ   عودة الحارث بن سريج للثورة على الامويين : نزل الوالى على خراسان ( أسد بن عبد الله القسرى ) بلخ ، وارسل جيشا يقوده جديع الكرمانى فحاصر الحارث فى قلعته فى طخارستان ، ومنعهم الطعام والشراب ، فاستسلموا ، تقول الرواية عن مصير أتباع ابن سريج  : (  فقتل بني برزى وسبى عامة أهله من العرب والموالي والذرادي وباعهم فيمن يزيد ( اى فى مزاد ) في سوق بلخ . )  وهرب الحارث بن سريج . وبناء على أمر الوالى أرسل الكرمانى خمسين من كبار الأسرى الى الوالى أسد القسرى ، تقول الرواية عن مصيرهم : (  فحملوا إليه، فقتلهم . وكتب إلى الكرماني أن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثاً، فثلث يقتلهم، وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم، وثلث يقطع أديهم، ففعل ذلك الكرماني وأخرج أثقالهم فباعها. )

4 ـ بعدها واصل أسد القسرى الغزو : ( واتخذ أسد ميدنة بلخ داراً، ونقل إليها الدواوين، ثم غزا طخارستان ... فغنم وسبى.).
5 ـ ارسل بكير بن هامان ــ القائم على الدعوة العباسية السرية ــ عمار بن يزيد إلى خراسان داعية ،  فنزل مرو وغيّر اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى محمد بن علي، فسارع إليه الناس وأطاعوه، ثم غيّر ما دعاهم وتحوّل الى دين الخرمية الفارسى ودعا اليه واباح الزنا وأبطل الصلاة والصيام والحج ، تقول الرواية : ( ورخص لبعضهم في نساء بعض، وقال لهم: إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج،) (وكان خداش نصرانياً بالكوفة فأسلم ولحق بخراسان.
وكان ممن اتبعه على مقالته مالك الهيثم، والحريش بن سليم الأعجمي وغيرهما .. فبلغ خبره أسد بن عبد الله، فظفر به، فأغلظ القول لأسد، فقطع لسانه وسمل عينيه  )  وقتل  أسد إثنين آخرين .

عام 119

 1 ـ قتل خاقان الترك بعد معرك طاحنة وتحرير سبى المسلمين فى معسكره

2 ـ :هزيمة الخوارج : هزيمة بهلول الخارجى الذى ثار على خالد القسرى : (فلما قُتل بهلول خرج عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل.وخرج البختري صاحب الأشهب، وبهذا كان يعرف، على خالد في ستين، فوجه إليه خالد السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف، قالتقوا بناحية الفرات، فانهزمت الخوارج، فتقلاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم.ثم خرج وزير السختياني على خالد بالحيرة في نفر، فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها، ولا يلقى أحداً إلا قتله، وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال، فوجه إليه خالد جنداً فقاتلوا عامة أصحابه وأثخن بالجراح، وأتي به خالد، وأقبل على خالد فوعظه، فأعجب خالداً ما سمع منه فلم يقتله وحبسه عنده، وكان يؤتى به في الليل فيحادثه. فسعي بخالد إلى هشام وقيل: أخذ حورياً قد قتل وحرق وأباح لأموال فجعله سميراً، فغضب هشام وكتب إليه يأمره بقتله، وكان خالد يقول: إني أنفس به عن الموت، فأخر قتله، فكتب إليه هشام ثانياً يذمه ويأمره بقتله وإحراقه، فقتله وأحرقه ونفراً معه، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات وهو يقرأ(قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81 ).وخرج الصحارى بن شبيب ، فهزمه خالد القسرى .

3 ـ غزو أسدٍ بلاد الختل بالقرب من الصين :(.. وفرق أسد العسكر في أودية الختل فملأ أيديهم من الغنائم والسبي . ) ، ( وهرب أهله إلى الصين.)

4 ـ و غزا الوليد بن القعقاع أرض الروم.

5 ـ وغزا مروان بن محمد أرمينية فدخل بلاد اللان وسار فيها حتى خرج منها إلى بلاد الخزر فمر ببلنجر وسمندر وانتهى إلى البيضاء التي يكون فيها خاقان، فهرب خاقان منه.

عام 120

1 ـ وفاة أسد بن عبد الله والى خراسان ، وتعيين نصر بن سيار فى العام التالى . وقد مدح دهقان هراة ( أسد بن عبد الله القسرى ) فكان مما قاله له : (ومن يُمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مائة ألف ومعه الحارث بن سريج فهزمته وقتلته وقتلت أصحابه وأبحت عسكره،   ) هذه هى ثقافة العصر ، القتل العام والسبى العام ، وهذا الدهقان الفارسى جاء بهدية الى أسد ، تقول الرواية : (، فقدم عليه في المهرجان ومعه من الهدايا والتحف ما لم يحمل غيره مثله، وكانت قيمة الهدية ألف ألف. ) ، وهذه الهدية من عرق الفلاحين الذين كان هذا الدهقان يمصّ دماءهم ليعطى هدايا لأسد وأمثاله .

2 ـ  عزل خالد بن عبد الله القسري ( زعيم القبائل اليمنية )عن العراق وولاية يوسف بن عمر الثقفي ( المُضرى ) مكانه.  وفيما بعد عام  126 ـ وفى خلافة الوليد بن يزيد ـ كان قتل خالد القسرى بعد تعذيبه وإهانته ، فتصاعد الصراع القبلى بين قبائل اليمن وقبائل مضر ، خصوصا مع تعيين نصر بن سيار على خراسان ، وهو من قبائل (مُضر )، فتعصّب نصر بن سيار لقومه من (مُضر ) ولم يعين فى ولايات خراسان أحدا إلا من ( مُضر )  .

3 ـ   غزا سليمان بن هشام بن عبد الملك الصائفة وافتتح سندرة.

4 ــ غزا إسحاق بن سلم العقيلي تونشاه وافتتح قلاعها وخرب أرضها.

عام  121

1 ـ غزا مسلمة  بن هشام الروم فافتتح بها مطامير.

2 ـ  ـ ثلاث غزوات لنصر بن سيار فيما وراء النهر .

3 ـ غزو مروان بن محمد بن مروان من ارمينيا الى طبرستان

 4 ـ غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح بها مطامير

5 ـ وثار زيد بن علي زين العابدين بن الحسين . كان الخليفة هشام قد أهان زيد بن على ، وأهانه أيضا الوالى خالد القسرى ، فالتف حول زيد شيعة الكوفة يدعونه الى الثورة والخروج على الأمويين ، وبرغم النصائح إستجاب لهم ، وثار فى العام 122 التالى وقتلوه .

عام 122

1 ـ قتل عبد الله البطّال أشهر جنود الأمويين فى حرب الروم البيزنطيين ، وكانت تُقال عنه حكايات فى ( بطولاته ) فأطلقوا عليه ( البطّال ) صيغة مبالغة من (البطل ) واسمه الحقيقى عبد الله أبو الحسين الأنطاكي . وقتل الروم معه جماعة من أصحابه .

2 ـ قتل زيد بن على بن الحسين وهزيمته بعد ان تخلى عنه معظم أتباعه . 

 عام 123

1 ـ  اضطرابات فى الاندلس : إنعكاسا لما حدث للبربر عام 117 . خلع اهل الاندلس الوالى عقبة بن الحجاج وولوا عبد الملك بن قطن ( للمرة الثانية ). وحاصر البربر فى افريقيا الوالى الاموى بلج العبسى فاستغاث بعبد الملك بن قطن ان يعينه على الهرب الى الاندلس فرفض أبن قطن ، ثم إضطر ابن قطن لنجدة بلج وادخله الاندلس بجنوده ، وكانوا فى اسوأ حصار . تقول الرواية : (  وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية، فأجابوه إلى ذلك ). وقاتل بلج جمعا من البربر فى شدونة الاندلسية، وأهلكوهم وسلبوهم ، تقول الرواية : ( وقصدوا جمعاً من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا مالهم ودوابهم وسلاحهم، فصلحت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها.) وطلب عبد الملك والى الاندلس من بلج الرحيل الى أفريقيا ، وتنازع معه ، وانتهى الأمر بالقتال ، وانهزم عبد الملك بن قطن ، وقتله بلج وصلبه، وتولى الاندلس مكانه. وكان عبد الملك بن قطن فى التسعين من عمره حين مقتله، وهرب ولداه قطن وأمية، فلحق أحدهما بماردة والآخر بسرقسطة.

2 ـ غزا نصر بن سيار فرغانة غزوته الثانية.  

عام 124 

1 ـ بداية ظهور أبى مسلم الخراسانى قائد جيش العباسيين الذى أسقط الولة الأموية عام 132 .

2 ـ الحرب  فى الاندلس ( بين بلج وابني عبد الملك ، ووفاة بلج وولاية ثعلبة بن سلامة الأندلس ) : تحالف مع إبنى عبد الملك بن قطن جموع من البربر والعرب وكانوا مائة ألف مقاتل، فسمع بهم بلج والذين معه فسار إليهم، والتقوا واقتتلو تقالاً شديداً، وجرح بلج جراحات، ثم ظفر بابني عبد الملك والبربر ومن معهم وقتل منهم فأكثر ، وعاد إلى قرطبة مظفراً منصوراً، فبقي سبعة أيام، ومات من الجراحات التي فيه. وعين مكانه ثعلبة العجلى .

 2 ـ وثارت في أيامه البربر بناحية ماردة، فغزاهم ثعلبة العجلى فقتل فيهم فأكثر، وأسر منهم ألف رجل وأتى بهم إلى قرطبة.

3 ـ  غزا سليمان بن هشام الصائفة، فلقي أليون ملك الروم فغنم.  

عام 125

1 ـ وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك وتولى ابن أخيه الوليد بن يزيد ، ونهاية عهد الاستقرار فى البيت الأموى .

2 ـ وأمر الخليفة الجديد ( الماجن الملحد ) الوليد بن يزيد والى خراسان نصر بن سيار أن  يحمل اليه ( ما قدر عليه من الهدايا والأموال،) و( أن يتخذ له برابط وطنابير وأباريق ذهب وفضة، وأن يجمع له كل صناجه بخراسان، وكل بازي وبرذون فاره، ثم يسير بكل ذلك بنفسه في وجوه أهل خراسان.). ونفّذ الوالى الأمر ، وسار بالهدايا ومن معه فبلغه فى الطريق قتل الخليفة الوليد فرجع بما معه ومن معه .

3 ـ  قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين فى خراسان . كان يحيى قد هرب الى خراسان بعد فشل ثورة ابيه ومقتله ، واستخفى عند الحريش بن عمر ، فبلغ ذلك والى العراق الذى تتبعه خراسان ، وهو يوسف بن عمر ( وهو الذى هزم زيد بن على بن الحسين ) فأمر والى خراسان نصر بن سيار فضرب الحريش ستمائة سوط ، وتحمل الحريش ورفض أن يدل على يحيى ، ولكن إبنا للحريث خاف على أبيه من القتل بالسوط فأقر بمكان يحيى فاعتقله نصر ، ولكن الخليفة الوليد أمر باطلاق سراح يحيى . وسار يحيى ثم جمع أنصارا وثار بهم ، وانتهى أمره بالهزيمة والقتل ، وامر الخليفة الوليد بإحراق جثة زيد بن على بن الحسين والد يحيى ، ونثر رماده فى الفرات ، (وأما يحيى ، فإنه لما قتل صُلب بالجوزجان، فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم الخرساني وأستولى على خراسان، فأنزله وصلى عليه ودفنه ، وامربالنياحة عليه في خراسان، واخذ ابو مسلم ديوان بني أمية ، وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى، فمن كان حياً قتله ،ومن كان ميتاً خلفه في أهله بسوء.) .

4 ـ  ( خرجت الروم إلى زبطرة، وهو حصن قديم كان افتتحه حبيب بن مسلمة القهري، فأخربته الروم الآن، فبنى بناء غير محكم، فعاد الروم وأخربوه أيام مروان بن محمد ..ثم بناه الرشيد وشحنه بالرجال، فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه، فأمر المأمون برمته وتحصينه، ثم قصده الروم أيام المعتصم .. )   

5 ـ  غزا الغمر بن يزيد بن عبد الملك  .
 عام 126

1 ـ . قتل خالد بن عبد الله القسرى ، والى العراق السابق وزعيم قبائل اليمن :، وكان قتله دخولا فى صراع قبائل مضر مع قبائل اليمن ، وتداخل هذا الصراع مع صراعات البيت الأموى فأضعفه، وكان خالد القسرى متهما فى دينه .

2 ـ قتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، قتله ابن عمه يزيد الثالث ( يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) وتولى مكانه . تقول الرواية ( وكان سبب قتله ما تقدم ذكره من خلاعته ومجانته، فلما ولي الخلافة لم يزد من الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تمادياً، فثقل ذلك على رعيته وجنده وكرهوا أمره، وكان أعظمه ما جنى على نفسه إفساده بني عميه هشام والوليد، فإنه أخذ سليمان بن هشام فضربه مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغربه إلى عمان من أرض الشام فحبسه بها، فلم يزل محبوساً حتى قتل الوليد . )

3 ـ اضطراب أمر بني أمية:(  وثوب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد قتل الوليد بعمان، وكان قد حبسه الوليد بها، فخرج من الحبس وأخذ ما كان بها من الأموال وأقبل إلى دمشق وجعل يلعن الوليد ويعبه بالكفر.) (  خلاف أهل حمص:لما قتل الوليد أغلق أهل حمص أبوابها وأقاموا النوائح والبواكي عليه، ... )  ( خلاف أهل فلسطين: وثب أهل فلسطين على عاملهم سعيد بن عبد الملك فطردوه، وكان قد استعمله عليهم الوليد، وأحضروا يزيد بن سليمان بن عبد الملك فجعلوه عليهم وقالوا له: إن أمير المؤمنين قد قتل فتول أمرنا. فةليهم ودعا الناس إلى قتال يزيد، فأجابوه... ) ( وعٌزل الخليفة الجديد ( يزيد بن الوليد ) يوسف ابن عمر على العراق وولي منصور بن جمهور، فامتنع نصر بن سيار والى خراسان من الاعتراف به )  ( نشوب الحرب بين أهل اليمامة وواليهم الأموى  وهزموه فهرب ، وتجددت الحروب بين القبائل هناك فيما يسمى بيوم الفلج الأول والفلج الثانى ، واستمرت القلاقل الى أن جاءت الدولة العباسية  ) ( وعزل الخليفة يزيد الثالث منصور بن جمهور عن العراق وولى مكانه إبنا لعمر بن عبد العزيز ، هو عبد الله ، وقال له  ( سر إلى العراق فإن أهله بميلون إلى أبيك. )، وحاول إرضاء أهل العراق فثار عليه قواده من أهل الشام ، ( وثار غوغاء الناس من الفريقين فأصيب منهم رهط لم يعرفوا. )   (  وسقطت خراسان فى حروب قبلية بين القبائل النزارية المضرية يتزعمها نصر بن سيار والقبائل اليمنية القحطانية يتزعمها الكرمانى . ) ( وطلب الحارث بن سريج الأمان فأعطوه الأمان وكان لاجئا عند الترك اثنتي عشرة سنة، وعاد إلى خراسان.وتحالف مع نصر بن سيار )

4 ـ فى الاضطراب الذى كان فى ( شمال ) أفريقيا والأندلس التابع لها : (ثار بعبد الرحمن جماعة من العرب والبربر ثم قتل بعد ذلك.فممن خرج عليه عروة بن الوليد الصدفي واستولى على تونس، وقام أبو عطاف عمران بن عطاف الأزدي فنزل بطيفاس، وثارت البرر بالجبال، وخرج عليه ثابت الصنهاجي بباجة فأخذها...) واستمر الاضطراب فيها من طرابلس (فى ليبيا الآن ) الى الاندلس ، من هذا الوقت الى أن هرب اليها عبد الرحمن الأموى ( الداخل ) أو ( صقر قريش ) فدخل بالأندلس عصرا جديدا . 

5 ــ ومرض الخليفة الجديد الشاب يزيد بن الوليد  ( فجأة ) فعهد بالخلافة لأخيه ابراهيم بن الوليد ، ورفض والى أرمينية القوى مروان بن محمد بن مروان  الاعتراف بهذا فجاء بجيشه بحجة الدفاع عن حق أبناء الخليفة المقتول الوليد بن يزيد . ومات الخليفة يزيد الثالث بعد أن حكم ستة أشهر .! . (فلما مات يزيد بن الوليد قام بالأمر بعده أخوه إبراهيم، غير أنه لم يتم له الأمر، فكان يسلم عليه تارة بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما، فمكث أربعة أشهر.. ثم سار إليه مروان بن محمد فخلعه .) .

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

 مسلسل الدماء بين (المسلمين فى  دار السلام) فى خلافة مروان بن محمد (127 : 132 )

مقدمة :

توقفت مؤقتا حرب ( دار السلام ) لدار الحرب والكفر لأن قادة (دار السلام ) ــ  وهم أساس البلاء ــ  دخلوا فى حروب متصلة مروعة ، ومن حُسن حظهم أن دار الكفر لم ينتهزوها فرصة للإنتقام ورد العدوان . والأبطال الفاعلون فى مسلسل الدماء  كانوا من الأمويين وبنى عمومتهم العباسيين ، وهم :

1 ـ مروان بن محمد بن مروان ، والى أرمينية والجزيرة القوى ، وكان صلبا عنيفا داهية ، وقد كان لقبه ( مروان الحمار ) بسبب صبره . وتولى الخلافة فى وقت تداعى الدولة فلم تنفعه شدته ولا حنكته ، خصوصا وأنه تمتع بأهم رذائل خلفاء بنى أمية ، وهى القسوة المفرطة والتعصب القبلى لفريق ضد فريق .

2 ـ ثم سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وهو شخصية درامية قضى الشطر الأول من عمره يقاتل ضد البيزنطيين ، ثم أهانه الخليفة الوليد بن يزيد  ( الماجن ) ، تقول الرواية فى سبب قتل الخليفة الوليد بن يزيد ( الماجن ) عام 126: ( وكان سبب قتله ما تقدم ذكره من خلاعته ومجانته، فلما ولي الخلافة لم يزد من الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تمادياً، فثقل ذلك على رعيته وجنده وكرهوا أمره، وكان أعظمه ما جنى على نفسه إفساده بني عميه هشام والوليد،   فإنه أخذ سليمان بن هشام فضربه مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغربه إلى عمان من أرض الشام فحبسه بها، فلم يزل محبوساً حتى قتل الوليد . ) . إنضم سليمان بن هشام الى يزيد بن الوليد ( ولقبه يزيد الناقص ، لأنه أنقص عطاء الناس ، بأن خصم الزيادة التى زادها الوليد الماجن ) وقتلوا الوليد (الماجن) وحبسوا ولديه ( الحكم وعثمان ) ، وبعد الموت المفاجىء ليزيد الناقص وتولى أخيه ابراهيم الخلافة كان سليمان بن هشام هو القائد الحربى لابراهيم ، الذى واجه الثائر مروان بن محمد حين جاء بجيشه من أرمينيا والجزيرة مدافعا عن حق ابنى الوليد ابن يزيد الماجن المقتول ( الحكم وعثمان ). وانتهى الأمر بسليمان بن هشام هذا وقد وبايع  الضحاك الخارجى الذى استولى على الكوفة. ثم قتله الخليفة العباسى السفاح  .

3 ـ أبطال الانتصار هم العباسيون فى قيادتهم السياسية ، ( ابراهيم الامام ، ثم السفاح أول خليفة عباسى )، والأبطال العسكريون:( أبو مسلم الخراسانى ) وقحطبة بن شبيب ، وابنه الحسن ، وعلى بن عبد الله العباسى وصالح العباسى ،الذين هزموا مروان بن محمد ، ثم قتلوه وأسقطوا الدولة الأموية .

ونعطى موجز الأنباء لمسلسل الدماء  ( الداخلى ) من عام 127 : 132 .

عام 127

1 ـ مروان بن محمد حاكم أرمينية القوى ثار على ( يزيد ) الناقص ، وجاء بجنه مطالبا بحق ابنى الوليد بن يزيد المقتول ، وهما ( الحكم وعثمان ) ، وحاصر مروان قنسرين  فنزلوا على طاعته، ثم حاصر حمص  فبايعوه وساروا معه قاصدين دمشق، ومعهم جند الجزيرة وجند قنسرين‏... فتوجه مروان إلى دمشق في ثمانين ألفاً، وتقاتل مع جيش إبراهيم بن الوليد بن هشام بن عبد الملك الذى يقوده سليمان بن هشام بن عبد الملك بلغ مائة وعشرين ألفاً،  فانهزم سليمان بن هشام ، وقتل  من  عسكره نحو ثمانية عشر ألفاً وأسر منهم مثلهم ..وأما سليمان بن هشام وبقية أصحابه فإنهزمزا ولحقوا بدمشق ، وقرروا قتل ابنى الوليد بن يزيد ( الحكم وعثمان ) خوفا من ان يغلب مروان  فينتقما ممن قتل أباهما . وتولى قتلهما فى السجن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري، فقتلهما وقتل معهما يوسف بن عمر - وكان مسجوناً معهما - وكان يوسف بن عمر هذا هو والى العراق من قبل ، وهو الذى قام من قبل بتعذيب وقتل خالد القسرى . وبمقتل ابنى الوليد الماجن أُتيح لمروان أن يطلب الخلافة لنفسه .

2 ـ  واقترب مروان بجيشه من دمشق فهرب الخليفة ابراهيم بن الوليد ، بينما استحوذ سليمان بن هشام على بيت المال فى دمشق ففرّق منه على الجنود وهرب من دمشق . وبويع مروان بالخلافة بعد دخوله دمشق . وعيّن ولاة من قبله . وسار موالى الوليد بن يزيد ( الماجن المقتول ) الى قبر ( يزيد الناقص ) فنبشوه وصلبوا جثته على باب الجابية إنتقاما لقتله ( الوليد الماجن ) . 

وطلب ابراهيم الخليفة السابق وسليمان بن هشام قائده العسكرى الأمان من مروان  فأمّنهما وأكرمهما ، وجعلهما الى جانبه . ثم ثار أهل الشام على مروان بعد أن بايعوه 

3  ـ  ثارت حمص فحاصرها مروان وهزمها . ( وقتل مروان جماعةً من أسرائهم، وصلب خمسمائة من القتلى حول المدينة . ).

4 ـ   ثارت دمشق والغوطة بقيادة يزيد بن خالد القسرى ، وهزمهم جيش مروان وقتل يزيد القسرى : ( واستباح أهل مروان عسكرهم وأحرقوا المزة وقرى من اليمانية، وأخذ يزيد بن خالد فقتل، وبعث زامل برأسه إلى مروان بحمص.

5 ـ وخرج ثابت بن نعيم في أهل فلسطين على الخليفة وأتوا طبرية فحاصروها، فبعث الخليفة إليهم جيشاً فأجلوهم عنها واستباحوا عسكرهم، وفر ثابت بن نعيم هارباً إلى فلسطين فاتبعه الأمير أبو الورد فهزمه ثانية وتفرق عنه أصحابه، وأسر أبو الورد ثلاثة من أولاده فبعث بهم إلى الخليفة ‏.‏ وتم أسر ثابت بن نعيم ، فقطع مروان يديه ورجليه، وكذلك جماعة كانوا معه، ثم صلبهم على ابواب دمشق:( فأمر به وبأولاده الثلاثة فقطعت أيديهم وأرجلهم وحُملوا إلى دمشق فألقوا على باب المسجد، ثم صلبهم على أبواب دمشق.)

6 ــ   إستأذن سليمان بن هشام من الخليفة مروان أن يستريح فى الرصافة ، فأذن له. وأقام سليمان بالرصافة ،  وانضم الى سليمان عشرة آلاف من فرسان مروان وثار بهم على مروان معلنا خلعه ، وسار بهم سليمان الى  قنسرين، وإنضم اليه كثيرون من أهل الشام ‏، كما إنضم اليه  حوالى 70 ألفا من جيش ابن هبيرة الذى كان مروان قد أرسله لقتال الضحاك الخارجى فى الكوفة. وقاتل مروان جيش سليمان بن هشام فهزمه ، وهرب سليمان بن هشام الى حمص ، ولجأ اليه من بقى من جيشه . تقول الرواية : ( واجتمع إلى سليمان نحوا من سبعين ألفاً من أهل الشام والذكوانية وغيرهم، وعسكر بقرية خساف من أرض قنسرين، وأتاه مروان فواقعه عند وصوله، فاشتد بينهم القتال، وانهزم سليمان ومن معه، واتبتعهم خيل مروان تقتل وتأسر، واستباحوا معسكرهم، ووقف مروان موقفاً ووقف ابناه موقفين، ووقف كوثر صاحب شرطته موقفاً، وأمرهم أن لا يؤتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبداً مملوكاً. فأحصي من قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين ألف قتيل، وقتل إبراهيم بن سليمان وأكثر ولده، وخالد بن هشام المخزومي خال هشام ابن عبد الملك، وادعى كثير من الأسراء للجند أنهم عبيد، فكف عن قتلهم وأمر ببيعهم فيمن يزيد ( أى فى المزاد ) مع من أصيب من عسكرهم.   وهرب سليمان إلى حمص، وانضم إليه من أفلت ممن كان معه، فعسكر بها ) وسار اليه مروان بن محمد ( وانهزم أصحاب سليمان، وقتل منهم نحو من ستة آلاف ) ( فلما بلغ سليمان هزيمتهم خلف أخاه سعيداً بحمص .. ونزل مروان على حمص فحصر أهلها عشرة أشهر ونصب عليهم نيفاً وثمانين منجنيقاً يرمى بها الليل والنهار، وهم يخرجون إليه كل يوم فيقاتلونه، وربما بيتوا نواحي عسكره. فلما تتابع عليهم البلاء طلبوا الأمان.. )

7 ــ   وثار بالكوفة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب . انتهز الشيعة فى الكوفة ضعف الوالى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز  فدعوا الى خلافة (عبد الله بن معاوية )   وانهزم عبد الله بن معاوية ، وأعطاه عبد الله بن عمر أمانا فغادر الى المدائن، فأتاه قوم من أهل الكوفة، فخرج بهم فغلب على حلوان والجبال وهمذان وأصبهان والري، وخرج إليه عبيد أهل الكوفة.  

8 ـ وبعودة الحارث بن سريج الى ( مرو ) فى وقت الصراع بين نصر بن سيار والكرمانى بدأ يُعدُّ للثورة مرة أخرى بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . 

 9 ـ وكان الضحاك الخارجى قد استولى على الكوفة وهزم واليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، وبايع ابن عمر بن عبد العزيز الضحاك الخارجى بالخلافة ، وقدم الى الكوفة أيضا   سليمان بن هشام بن عبد الملك هاربا بعد هزيمته من مروان ، فبايع الضحاك الخارجى . فقال الشاعر ساخرا : ألم تر الله أظهر دينه ** وصلّت قريش خلف بكر بن وائل.   

 عام 128

1 ـ   قتل الحارث سريج وسط صراع الكرمانى ونصر بن سيار .

2 ـ وألقى ابراهيم الامام ( صاحب الدعوة العباسية ) أوامره لأبى مسلم الخراسانى : (  احفظ وصيتي، انظر هذا الحي من اليمن فالزمهم واسكن بين أظهرهم، فإن الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم، فاتهم ربيعة في أمرهم، وأما مضر فإنهم العدو القريب الدار، واقتل من شككت فيه، وإن استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بلعربية فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله. ) .كانت قبائل اليمن منحرفة عن الأمويين وقتها ، بينما لم تكن قبائل ربيعة ( النزارية ) مخلصة للدعوة ، وكانت قبائل مضر النزارية فى معظمها مع الأمويين .

3 ـ مع الخوارج :  وارسل مروان فرقة قتلت الضحاك وستة آلاف كانوا معه . وبايع الخوارج بعده الخيبرى ، وكان معه سليمان بن هشام الأموى فى  أكثر من ثلاثة آلاف من أهل بيته ومواليه . وانهزم مروان أمام الخبيرى .ثم لم يلبث  الخيبرى أن قُتل

وظهر أبو حمزة الخارجى ، واسمه ( المختار بن عوف الأزدي السلمي البصري، وكان أول مرة أنه كان من الخوارج الإباضية، يوافي كل سنة مكة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد، فلم يزل كذلك حتى وافى عبد الله بن يحيى المعروف بطالب الحق في آخر سنة ثمان وعشرين، فقال له: يا رجل أسمع كلاماً حسناً وأراك تدعوا إلى حق، فانطلق معي فإني رجل مطاع في قومه.فخرج حتى ورد حضرموت، فبايعه أو حمزة على الخلافة ودعا إلى خلاف مروان وآل مروان.  ) 

عام 129

.1 ـ بعد قتل الخيبرى فى العراق بايع الخوارج شيبان بن عبد العزيز أبو الدلف اليشكري، وبنصيحة سليمان بن هشام انسحب الخوارج من الكوفة الى الموصل ، وانضم اليهم أهل الموصل  ضد مروان بن محمد . ( فأقام مروان ستة أشهر يقاتلهم، وقيل تسعة أشهر.
وأتي مروان بابن أخ لسليمان بن هشام يقال له أمية بن معاوية بن هشام، وكان مع عمه سليمان في عسكر شيبان أسيراً، فقطع يديه وضرب عنقه، وعمه ينظر إليه.) وتتابعت فصول المعارك بين مروان الأموى وشيبان الخارجى الى أن هزمه مروان فهرب شيبان الى إلى سجستان   .

2 ـ   مقتل الكرماني بعد أن قتل الحارث بن سريج ، وذلك فى إطار الصراع المسلح بينه وبين نصر بن سيار .

3 ـ وفوجىء العرب فى خراسان بظهور أبى مسلم وكثرة أتباعه وظهور دعوته فتعاقدوا على حربه . وانتصر أبو مسلم على من حاربه منهم ، وظهر عبد الله بن معاوية بن جعفر وغلب  فى ارض فارس ، فحاربه وغلبه ابو مسلم وقتله .

4 ـ واستولى ابو حمزة الخارجى على المدينة ومكة .

   عام 130

1 ـ  دخول أبي مسلم مرو والبيعة بها ، وقد بايعه على بن الكرمانى زعيم قبائل اليمن بعد مقتل ابيه ، ورفض نصر بن سيار  البيعة وهرب من مرو الى سرخس . ورفض شيبان الخارجى البعة فقاتله ابو مسلم وهزمه وقتله . ولم يلبث أبو مسلم أن قتل عليا بن الكرمانى وكبار أتباعه ،  وغلب أبو مسلم على خراسان، وبعث العمال على البلاد،  وبعث  قحطبة بن أبى شبيب إلى طوس فهزمهم، وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل، فبلغ عدة القتلى بضعة عشر ألفاً.وبعث جيشا الى نيسابور وقاتل  تميم بن نصر بن سيار وهزمه  وقتله ، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة واستبيح عسكرهم، وكان عدة من معه ثلاثين ألفاً،   وبلغ الخبر نصر بن سيار بنيسابور بقتل ابنه.ولما استولى قحطبة على عسكرهم  سار هو إلى نيسابور، وبلغ ذلك نصر بن سيار فهرب منها فيمن معه فنزل قومس، وتفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان، وقدم قحطبة نيسابور بجنوده فأقام بها رمضان وشوال.ثم قاتل وقتل نباته بن حنظلة والى جرجان 

2 ــ أبو حمزة الخارجى يهزم أهل المدينة عندما عصوا اوامره . وكان عدة القتلى سبعمائة.وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر.وخرج أبو حمزة لقتال مروان فهزمه مروان وقتله . ثم قُتل عبد الله بن يحيى ( طالب الحق ) :( وحمل رأسه إلى مروان بالشام )

3 ــ واوقع قحطبة بن شبيب بأهل جرجان:

 عام 131

1 ـ  فى معارك متصلة : دخول قحطبة الرى ثم اصفهان  ثم نهاوند  وفتح شهرزور:ومسير قحطبة إلى ابن هبيرة بالعراق وهروب ابن هبيرة  إلى الكوفة لقحطبة،  وقطع قحطبة الفرات ، ثم سار  يريد الكوفة حتى أنتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة .

2 ـ   الوليد بن عروة السعدي،  دخل ( المدينة ) وانتقم من خصومه ( فقتل منهم مقتلةً عظيمةً وبقر بطون نسائهم وقتل الصبيان وحرق من قدر عليه منهم.)

عام  132  :

1 ـ  هلك قحطبة بن شبيب بعد أن هزم ابن هبيرة ، وتولى الحسن مكان أبيه قحطبة

2 ـ وفى الكوفة انضم محمد بن خالد القسرى للدعوة الجديدة ، ودخلت الكوفة فى الدعوة ، وفيها كان إعلان الدولة العباسية ، ومبايعة أول خليفة ، وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأصبح لقبه ( السفاح ) بسبب المجازر فى عهده  . 

3 ـ هزيمة مروان بن محمد فى موقعة الزاب ، وكانت عصبيته ضد قبائل اليمن من أسباب تخليهم عنه فى المعركة ، تقول الرواية ( واشتد بينهم القتال. فقال مروان لقضاعة: انزلوا. فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا. فأرسل إلى السكاسك أن احملوا. فقالوا: قل لبني عامر فليحملوا. فأرسل إلى السكون أن احملوا، فالوا: قل لغطفان فليحملوا. فقال لصاحب شرطته: انزل. فقال: والله ما كنت لأحعل نفسي غرضاً. قال: أما والله لأسؤنك! فقال: وددت والله أنك قدرت على ذلك.) ولجأ مروان الى حيلة المال : (.. فأمر بالأموال فأخرجت، وقال للناس: اصبروا وقاتلوا فهذه الأموال لكم. فجعل ناس من الناس يصيبون من ذلك، فقيل له: إن الناس قد مالوا على هذا المال ولا نأمنهم أن يذهبوا به. فأرسل إلى ابنه عبد الله: أن سر في أصحابك إلى قوم عسكرك فاقتل من أخذ من المال وامنعهم.) .

4 ـ كان مروان قد علم أن ابراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس هو إمام الدعوة ، فحبسه ، ثم قتل فى السجن  .

5 ـ قتل مروان بن محمد بن الحكم فى أخر معركة له فى ابوصير بمصر ، وكان مروان قد واصل الهرب وخلفه جيوش العباسيين ، من الموصل:( وسبّه أهل الموصل، وقالوا: ياجعدي ! يا معطل.. الحمد لله الذي أزال سلطانكم وذهب بدولتكم! الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا! )   ( ومضى مروان إلى حمص، فلقيه أهلها بالسمع والطاعة، فأقام بها يومين أو ثلاثة ثم سار منها. فلما رأوا قلة ممن معه طمعوا فيه وقالوا: مرعوب منهزم؛ فاتبعوه بعدما رحل عنهم فلحقوه على أميال. فلما رأى غبرة الخيل كمن لهم، فلما جاوزوا الكمين صافهم مروان فيمن معه وناشدهم، فأبوا إلا قتاله، فقاتلهم وأتاهم الكمين من خلفهم، فانهزم أهل حمص وقتلوا حتى انتهوا إلى قريب المدينة.) ( وأتى مروان دمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان، فخلفه بها وقال: قاتلهم حتى يجتمع أهل الشام. )  وطارده جيش العباسيين  الى مصر،  ( وحملوا على أصحاب مروان فانهزموا، وحمل رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه، فأخذه عامر فبعث به إلى أبي عون، وبعثه أبو عون إلى صالح.فلما وصل إليه أمر أن يقص لسانه، فانقطع لسانه، فأخذه هر، فقال صالح: ماذا ترينا الأيام من العجائب والعبر! هذا لسان مروان قد أخذه هر " .! . وسيره صالح إلى أبي العباس السفاح.وكان قتله لليلتين بقيتا من ذي الحجة، ورجع صالح إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السلاح والأموال والرقيق.ولما وصل الرأس إلى السفاح كان بالكوفة، فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال: الحمد الله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين!  )

6 ـ قتل  العباسيين لبني أمية:

دخل سديف على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه، فقال سديف شعرا فى التحريض على بنى أمية ، فقتل السفاح ( سليمان بن هشام ).  ودخل شبل بن عبد الله   على ( عبد الله بن علي ) وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلاً على الطعام، فأقبل عليه شبل فقال شعرا يثير الحقد على بنى أمية وما فعلوه مع الحسين وبنى هاشم ، فأمر عبد الله العباسى بقتل ضيوفه الأمويين  ( فضُربوا بالعُمد حتى قتلوا، وبسط عليهم الأنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعهم حتى ماتوا جيمعاً. ) ، ( وأمر عبد الله ابن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد، ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح.وتتبع بني امية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس .. واستصفى كل شيء لهم من مال وغير ذلك .) (  وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضاً جماعةً من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكلاب.فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من قدر على الاختفاء. )

7 ـ ما سبق نقلناه موجزا من تاريخ الكامل لابن الأثير . وننقل بعض ما أورده ( ابن كثير )  فى حصار العباسيين لدمشق . فقائد الجيش العباسى ( عبد الله بن على ) حين إفتتحها ( فقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات، وهدم سورها‏. ويقال‏:‏ إن أهل دمشق لما حاصرهم عبد الله اختلفوا فيما بينهم، ما بين عباسي وأموي، فاقتتلوا فقتل بعضهم بعضاً، وقتلوا نائبهم ثم سلموا البلد .. ثم أبيحت دمشق ثلاث ساعات حتى قيل‏:‏ إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً‏.  ) ( وأن البلد كان قد حصنه نائب مروان تحصيناً عظيماً، ولكن اختلف أهلها فيما بينهم بسبب اليمانية والمضرية، وكان ذلك بسبب الفتح، حتى إنهم جعلوا في كل مسجد محرابين للقبلتين حتى في المسجد الجامع منبرين، وإمامين يخطبان يوم الجمعة على المنبرين ..)، ( وذكر في ترجمة محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي قال‏:‏ كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق، دخلها بالسيف، وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلاً لدوابه وجماله..ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته ..وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي‏:‏ عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال، مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة على وجهها وجسدها وثيابها ثم قتلوها‏. ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم‏.  ) 

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

 نذكركم بعنوان الكتاب : ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء ـ الأصل التاريخى لتقسيم العالم فى عصر الخلفاء الى :" دار السلام ودار الحرب ")

الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

5 ـ  فى حمامات الدم هذه كانوا يحرصون على تأدية صلاة شكلية ، كانت صلاة شيطانية لأنها لم تكن تنهاهم عن الفحشاء والمنكر بل كانت تأمرهم بالفحشاء والمنكر وتسوّغ لهم سفك الدماء والسلب والنهب والاسترقاق باسم الاسلام العظيم. كانت صلاتهم الشيطانية حربا لرب العزة جل وعلا.!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثانى : مسلسل الدماء فى الخلافة العباسية

مسلسل الدماء فى خلافة السفاح العباسى (  132 ـ   136 )

1 ـ فى معسكر :( دار السلام / الخلافة القرشية ) دمر العباسيون دولة ابناء عمومتهم الأمويين . وكان السفاح هو لقب أول خليفة عباسى ، وخلال السنوات الأربع  ــ التى حكمها هذا السفاح ـ بلغ عدد القتلى رقما مهولا يمكن تصوره من التمعن فى هذا المقال . وتوزع القتلى بين معسكر ( دار السلام ) ومعسكر ( دار الحرب ) . هذا مع قيام الدولة العباسية على دعوة دينية ، صنعوا من أجلها أحاديث ( نبوبة ) تبشّر مقدما بخلفائهم واستمرار الخلافة العباسية الى قيام الساعة . ولم يتورع ابن الجوزى ( فى المنتظم ) وابن كثير ( فى البداية والنهاية ) والسيوطى ( فى تاريخ الخلفاء ) من ترديد تلك الأحاديث . 

2 ــ انتهى موضوع حصار القسطنطسنية من الأجندة العباسية ، وتحول الصراع الى معارك مستمرة على التخوم بين ( دار السلام ) و ( دار الحرب ) . وفى العصر العباسى الأول كانت الغلبة للعباسيين ، ثم تحول الى صالح البيزنطيين فى العصر العباسى الثانى .

3 ـ تحول مركز الخلافة العباسية الى العراق ، وإسهام الفُرس فى تأسيسها جعل العباسيين يولون وجوههم أكثر شطر آسيا حتى ضاعت منهم الأندلس ثم المغرب ، ثم تونس .. وجعلهم يتشبهون بالأكاسرة ويتأثرون أكثر بالثقافة الفارسية . ومن الطبيعى أن يظهر هذا أكثر بعد مرحلة التأسيس والتوطيد ، أى بعد انقضاء خلافة السفاح وأبى جعفر المنصور .

4 ـ فى مرحلة التأسيس والتوطيد تفوق العباسيون على بنى عمومتهم الأمويين فى القسوة والوحشية فى تعاملهم مع الثائرين عليهم ، حتى لو كان من العلويين الهاشميين . وتفوقوا عليهم فى نكث العهود والتخلص من أقرب اتباعهم لينفرد الخليفة  بالسلطة . ووصل الصراع مبكرا الى داخل البيت العباسى ـ فى خلافة ابى جعفر المنصور . 

5 ـ  كان شعار العباسيين السواد ، جعلوا أعلامهم سوداء حُزنا على من قتلهم الأمويون من الهاشميين ، لذا كان يطلق عليهم وعلى جيوشهم ( المسودة ). وفى المقابل كان من يثور عليهم يرفع راية بيضاء ، ويقال عنه إنه (بيّض ) أى رفع البياض ثائرا على ( المسودة ).

ونعطى بعض التفاصيل  فى خلافة السفاح العباسى ، حسب تتابع السنين :

  132 عام سقوط الدولة الأموية  :

1 ـ فى هذا العام تقلبت الأحوال بقواد مروان بن محمد بعد هزيمته ومقتله ، منهم من رفع البياض ( بيّض ) متحديا العباسيين ، فانهزم ، ومنهم من انضم للعباسيين ، ثم عاد وثار عليهم ، ونفس الحال مع بعض المدن فى الشام وهى مركز الأمويين وشيعتهم .

 خاف حبيب بن مرة المرى من انتقام العباسيين ـ وكان من قواد مروان  ــ فثار عليهم واتبعته بعض من قبائل قيس وغيرهم ، فحاربه القائد عبد الله بن على العباسى ، ثم صالحه ليتفرغ لقتال ابى الورد الكلابى واهل دمشق .

أبو الورد الكلابى كان من قواد مروان ، وقد بايع للعباسيين ، ثم إنقلب عليهم ورفع الشعار الأبيض  وانضمت اليه مدينة قنسرين ، ثم مدينة دمشق وقام أهلها بقتال الوالى العباسى (وقتلوا من أصحابه مقتلةً عظيمة )  ، وانضم الى أبى الورد أهالى حمص وتدمر ، وقادهم حفيد لمعاوية بن أبى سفيان جعلوه ( السفيانى المنتظر ).!. وهزموا القائد العباسى عبد الصمد بن على وقتلوا ألوفا من جيشه ، فهرب الى أخيه عبد الله بن على . وتولى قتالهم عبد الله بن على بنفسه ، فهزمهم وبايعوه ، ثم تحرك نحو دمشق فهرب معظم أهلها ، فدخلها بلا قتال ، وبايعه من فيها. 

وخلع أهل الجزية الخليفة السفاح ورفعوا الراية البيضاء ( راية الثورة ) وتمكن ابو جعفر ( الذى تولى الخلافة باسم المنصور ) من إخضاعهم بعد عدة معارك .

2 ـ كان يزيد بن هبيرة والى العراق لمروان ـ وقبل هزيمة مروان فى موقعة الزاب ــ انهزم ابن هبيرة  أمام قحطبة بن شبيب القائد العباسى فانسحب الى واسط وتحصن بها ومعه خزائن الأموال .  ثم بعث الداعية العباسى أبو سلمة الخلال بجيش يقوده الحسن بن قحطبة فلقى جيش ابن هبيرة وهزمه ، فرجع ابن هبيرة الى واسط ، فحاصره فيها العباسيون . وطال عليهم الحصار وعلموا بمقتل مروان وحدث نزاع بين اليمانية والنزارية من جنود يزيد بن هبيرة فطلب الصلح مع عقد الأمان من أبى جعفر ( المنصور ) . وكتب له أبو جعفر عهد أمان ،  : ( وكتب به كتاباً ، مكث ابن هبيرة يشاور فيه العلماء أربعين يوماً حتى رضيه ، فأنفذه إلى أبي جعفر، فأنفذه أبو جعفر إلى أخيه السفاح فأمره بأمضائه...) ووفد ابن هبيرة على أبى جعفر بألف وثلثمائة من أتباعه يحيطون به . ثم صار أبو جعفر يخفّض عدد حراس ابن هبيرة حتى أصبحوا ثلاثة ، ثم جاء أمر السفاح لأخيه أبى جعفر بقتل ابن هبيرة ، استخلاص أمواله . وخرّ ابن هبيرة ساجدا حين دخلوا ليقتلوه ، فقتلوه ساجدا . وضاع الأمان المكتوب هباءا منثورا .!

3 ـ ـ وتخلص السفاح من إثنين من دعاته ، وهما أبو سلمة الخلال وسليمان بن كثير ، أمر السفاح قائده  أبا مسلم بإغتيالهما . وقتلهما ابو مسلم . وفيما بعد قتل ابو جعفر المنصور أبا مسلم الخراسانى. وأمر أبو مسلم بقتل ولاة فارس الذين عينهم أبو سلمة الخلال . وقام بذلك محمد بن الأشعث الوالى الجديد