كان الرئيس مبارك دقيقًا جدًا حين قال في خطابه بمناسبة عيد تحرير سيناء «إن مصر تتمتع بمساحات غير مسبوقة لحرية الرأي والتعبير» فالحقيقة فعلا أن مصر لا تتمتع بحرية رأي وتعبير بل بمساحات من هذه الحرية!، وكون أنها غير مسبوقة فهذا مؤكد حيث لم يكن بلدنا يتمتع بحرية في عصر الرئيس مبارك إلا بهامش حرية!
فاكرين إنتوا هذا مصطلح «هامش الحرية» الذي كان يتباهي به النظام ليل نهار ويردده دومًا إعلامنا الرسمي، بعد هذا العمر الطويل للنظام انتقلنا ياللهول من مرحلة هامش الحرية إلي مساحات غير مسبوقة من حرية التعبير!
وسواء كانت مساحة أو هامشا، فالواضح أنها ليست حرية أصيلة وحقيقية، لكن الغريب أن الرئيس وحزبه وحكمه يقدمون هذا الهامش ثم المساحات غير المسبوقة علي أنها فضل ونعمة ومنحة من النظام، علينا أن نشكرهم عليها ونحمد ربنا وش وضهر علي النعيم الذي نحياه، وكأن هذا النظام لايعرف أن الحرية حق للمواطن بل هي أكثر حقوقه وضوحا وبساطة وبدهية، ثم العجيب أنه لم يحصل عليها حتي الآن بل الموجود فتات وهوامش أو هاموش ومساحات تتسع وتضيق حسب ظروف الرئيس ومدي اتساع صدره وحنية أمنه، هي مساحات غير مسبوقة لكنها يمكن أن تنتهي فورًا وتزول وتتبخر أو تتقلص وتنكمش بمجرد تعليمة من الرئيس أو غضبة منه أو حملة منظمة ضد هؤلاء الذين يمشون ويروحون في المساحات غير المسبوقة زعمًا بأنهم زودوها أو قلوا أدبهم، فتخرج ترسانة القوانين المقيدة للحريات ويتم إعمال وتطبيق قانون الطوارئ وتشتغل التليفونات لتمنع برامج وتتقفل جرائد أو تستدعي النيابات صحفيين وتصدر المحاكم أحكامًا بالسجن، وإذ فجأة تغلق هذه المساحات غير المسبوقة لتصبح سابقة!
إذن:
أ- نحن لا نتمتع بحرية حقيقية أو طبيعية.
ج - يمكن لهذه المساحات أن تتقلص وتنتهي في أي لحظة.
ليه ؟
1- لأن الحرية يكفلها القانون والعدل وليس سعة صدر الرئيس وقدرة نظامه علي التحمل، وبما أن القانون في مصر معبأ بمواد تمنع أي حرية وتقود أي صاحب رأي للسجن فلا حرية ولا يحزنون.
2- لأن الحرية ليست فقط القدرة علي أن تتكلم وتعبر عن رأيك بل أن يصبح لهذا الرأي تأثير واستجابة وفعالية، ولأن مصر تتمتع بمساحة غير مسبوقة في أن نقول بينما النظام يتمتع بمساحة مطلقة في أن يعمل ما بدا له ويبيع ويشتري فينا وفي البلد كما يحلو له ولا تؤثر فيه كلمة ولا تردعه معارضة ولا يخاف ولا يختشي من كشف فساده وفضح إفساده .، ما نعيشه ليس حرية ولا يمكن وصفها بالحرية.
3- لأن الحرية ليست في التعبير بالكلام فقط بل بحرية التظاهر وحرية تكوين الأحزاب وحرية إصدار الصحف وحرية ملكية القنوات التليفزيونية وحرية الترشيح في الانتخابات وحرية التصويت ونزاهة العملية الانتخابية، ولأن كل هذا غير موجود بتاتًا فنحن لا نعيش حرية أبداً.
ما نعيشه هو شجاعة بعضنا الذي يتكلم بحرية ويعبر بحرية متحملاً العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنزل علي دماغه في أي لحظة، هذه شجاعة الاستعداد لتلقي أي مصيبة ما بعد مساحتك غير المسبوقة في التعبير عن رأيك!
وربنا يستر!
غير مسبوقة!