مقدمة :
1 ـ فى منتصف التسعينيات كانت جريدة الدستور المصرية الأسبوعية تجربة رائدة فى الصحافة المصرية تجمع بين الجرأة السياسية والتثقيف ، وكان محرروها كتيبة من الشباب الصاعد تخرّج معظمهم من مدرسة روز اليوسف الصحفية ، يقودهم ابراهيم عيسى . وقبل قدوم شهر رمضان طلب منى ابراهيم عيسى تجهيز أربع مقالات بحثية عن الخلفاء الراشدين ، للنشر خلال الأسابيع الأربعة فى شهر رمضان . أعددت المقال الأول عن ( أبى بكر ) وأعطيته لهم معتقدا أنهم سيفردون له وحده صفحة كاملة ففوجئت بنشر المقال ومقالات أخرى ( صحفية ) عن ( ابى بكر الصديق ) إمتعضت ، وكنت قد أعددت المقال التالى عن عمر ( بعنوان المسكوت عنه من تاريخ عمر ) ، وأعطيته لابراهيم عيسى . ولم ينشره . وكنت على وشك الانتهاء من المقال الثالث بعنوان ( عثمان ..رجل قتله عصره ) ووضعت خطة المقال الرابع عن ( على ) بعنوان ( رجل رفضه عصره ). ولكن أدى خوف القائمين على الدستور من نشر مقال ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) الى توقفى عن كتابة مقالى ( عثمان ) و ( على ) . ثم طلبت منى مجلة ( سطور ) تأليف مقالات تاريخية ، فكتبت لهم الكثير ، وفى غمرة ترحيبهم بما أكتب عرضت عليهم مقال ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) فرفضوه . وأخيرا جاءت فرصة نشر هذا المقال عن (عمر ) فى مشروع مركز ابن خلدون ( إصلاح التعليم المصرى ) وكنت مكلفا بتقديم مناهج بديلة فى مادة التربية الدينية لمراحل التعليم الابتدائى والاعدادى والثانوى ، فجعلت من الجزء الخاص بالثانوى مقالات مثل ( الاسناد فى الحديث ) و ( الاسلام دين السلام ) و ( الشفاعة )..و ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) . وثارت ضجة على مشروع إصلاح التعليم ، من مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس الشعب والأزهر والصحافة والاعلام ، وانتهزتها فرصة فقمت بتسريب هذه المناهج للصحافة فانكبوا عليها وعلى مؤلفها سبّا وشتما وهجوما ، وقد سعدت بهذا لأنهم أذاعوا بعض ما قلت مما أسهم فى تحريك العقول .. وصدق ظنى .. فبعد الصدمة الأولى بدأ الاقتناع تدريجيا ، وخفّ الهجوم ، بل وبدأ بعض المهاجمين يعتذر بطريقة غير مباشرة ، بنقل فقرات مطولة وعرض للمناهج بموضوعية دون إبداء رأيه .. كان هذا فى عامى 1998 : 1999 . وكنّا أول من قام بالتنبيه على خطورة دور التعليم فى إفساد عقول الشباب .وبعد هجوم 11 سبتمبر 2001 . قامت أدارة بوش بحملة لاصلاح التعليم فى مصر والسعودية ،وما لبث أن غطت عليها أحداث غزو العراق.
2 ـ بعد عدة أسابيع اضطررت للهجرة الى أمريكا ، وبعد الاستقرار بدأت نشر مقالاتى القديمة فى المواقع الاليكترونية وأبرزها ( الحوار المتمدن ) ، ثم أنشأت موقع ( أهل القرآن ) ، وأتيح لى نشر الممنوع من مقالاتى وفى مقدمتها ( المسكوت عنه من تاريخ عمر فى الفكر السّنى ) . فعوقبت بتعليقات تلعن ،وبعد ستة أعوام من نشر المقال لا تزال لعنات السّنيين تنصب تعليقا على هذا الموضوع بالذات بما يدلّ على مدى التقديس الهائل الذى يتمتع به عمر فى الدين السّنى ، وأدى مسلسل ( عمر ) الى تأكيد هذا التقديس ، الأمر الذى يجعل إصلاح عقائد الأغلبية من المسلمين مهمة صعبة..
الطريف أننى إعتمدت فى بحث تاريخ عمر على المكتوب عنه فى الطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبرى، ومعظم الروايات التى ذكرتها معروفة ومألوفة ، يعنى لم أعتمد على مصادر شيعية أو كتابات مستشرقين . ولكننى ناقشت هذه الروايات السّنية فى ضوء القرآن الكريم طبقا لمنهجنا فى الاحتكام للقرآن الكريم فى تاريخ المسلمين وشريعتهم وعقائدهم . وهنا ظهرت الفجوة بل التناقض ، مما أفزع أولئك الذين يعبدون عمر بن الخطاب واولئك الذين يرتزقون من تقديس عمر بن الخطاب ، وتناسوا أننا نناقش روايات تراثهم السّنى وفى ضوء القرآن الكريم . هم لا يستطيعون إنكار القرآن ولا إنكار فرضية الاحتكام للقرآن كما لا يستطيعون إنكار تاريخ عمر المكتوب عندهم ، ولكنهم يستطيعون شيئا واحدا هو السّب واللعن والتكفير. وهذا هو دائما ما يفلحون فيه .
3 ـ وبسبب إستمرارهم فى اللعن إقتصرنا على النشر فى موقعنا وفى ( الحوار المتمدن ) و أقفلنا باب التعليقات على مقالاتنا فى موقع الحوار المتمدن وأبقينا باب التعليقات مفتوحا فى موقعنا ( اهل القرآن ).. وتتوالى التعليقات حتى الان فى موقعنا على مقال ( عمر ) بالذات ، منها البذىء ، ومنها المهذب الرقيق . ولم يعد لدىّ وقت للرد على التعليقات التى تخصّ مقالاتى القديمة خصوصا تلك التى تسبّ وتلعن . ولكن تعليقا مهذبا على مقال ( عمر ) كتبته الاستاذة أريج البلخى ، وقد تكرّم د عثمان بالتحاور معها . ووعدت فى التعليق عليها بإفراد مقال خاص فى هذه القضية ، وقد طال المقال فأصبح مقالين.
4 ـ تقول الاستاذة أريج البلخى :
( أعلم تماماً أن هذا التعليق متأخر جداً بالنسبة لتاريخ كتابة المقال.. لكن أتمنى أن أجد منك جواباً على ما ساتقدم بذكره على الرغم من هذا التأخير : اقتباس : ( التأريخ لعمر وقع بين طرفي نقيض ، فالشيعة لم يتركوا فيه منقبة حسنة ، بل ملأوا سيرته سبا وذما ، والسنة جعلوه ملاكا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واتفق الشيعة والسنة معا علي خلق شخصية لعمر من خيالاتهم الشخصية بعيدة عن التصور الانساني ، وضاعت الشخصية الانسانية الحقيقية لعمر بين هؤلاء وهؤلاء ، ) . عبارة جميلة و أعتقد أنها توضح بأن للكاتب الكريم وجهة نظر محايدة حول شخصية عمر.. لكن ألا تعتقد بأن المقال يقترب أكثر من منظور العداوة للشخصية و اتهامها بأنها حاكم ظالم؟؟. المقال في غالبه ركز في نقد الشخصية معرض الحديث على التمييز الذي وقع منها بين المسلمين العرب و المسلمين من غيرهم أولاً، و بين المسلمين عموماً و غير المسلمين ثانياً.. و كانت نقطة السبي هي النقطة التي تناولها المقال في تسليط الضوء على الشطر "الجاهلي" إن صح التعبير من شخصية عمر . لكن لنحاول التعامل مع الأمر بواقعية أكبر من وجهة نظر مسلم عاش في تلك الفترة . لنفترض أن التاريخ انقلب على المسلمين وكان في صالح الفرس، و ذهبت الآلاف من العبيد و السبايا من العرب في ملك فارس ،هل لنا أن نضمن حقوق المسترقين المسلمين عندهم كما نضمن للرقيق منهم حقوقهم عندنا؟ ألن يكون الاسترقاق في هذا الحال مباحاً للمسلمين من باب المعاملة بالمثل؟؟
نقطة أخرى : ما الذي جعل أهالي تلك البلاد يقبلون على الإسلام بتلك الكثافة لو كانوا يعانون من الظلم الذي عرض له الدكتور؟ لماذا لم تكن الثورات اللاحقة منهم؟ لقد قلت بأن فيروز قد اغتال عمر انتقاماً - و أتفق معك في ذلك - لكن أعتقد بأنه من غير الإنصاف الاستشهاد بأحقاد رجل واحد من كل بلاد الفرس لنستنتج ظلم عمر كحاكم لهم في ذاك الوقت ..أقدر جهد أستاذي الدكتور أحمد في كتابة المقال، و تعليقي هذا لم يأت إلا بغرض النظر بأمانة لشخصية عمر كصحابي إنسان أعتقد أن الأفضلية كانت له و لمن عاصره في فهم القرآن الكريم علينا. مع الأخذ في الاعتبار أنني لا أتعصب له أو أقدسه و لكن ذلك الاحترام الذي يحتفظ به الكثير من المسلمين لشخص و تأثير عمر لم يأت من فراغ .هذا مع اعترافي بقلة علمي مقارنة بما درسه الدكتور أحمد، لكنه الحق المشروع لأينا في السؤال و البحث. اطيب التحية للكاتب.والله ولي التوفيق ). انتهى التعليق..وأقول مع الشكر الجزيل للأستاذة أريج البلخى :
أولا :
1 ـ هناك مقياسان للعظمة : العظمة التاريخية السياسية ، وهى عظمة زائفة ، ثم العظمة الحقيقية .
2 ـ بمقياس العظمة التاريخية فإن ( عمر بن الخطاب ) من أعظم الشخصيات التاريخية فى العالم ، فهو ذلك الحاكم العربى الذى أسّس للعرب امبراطورية ، وهو الذى دمّر تماما إمبراطورية الفرس الكسروية ، وهو الذى هزم فى نفس الوقت إمبراطورية البيزنطيين وإقتلع منهم مصر وسوريا وشمال العراق . ثم هو الذى نهض بالعرب البدو الصحراويين وأهّلهم لحكم تلك البلاد النهرية ، ومهّد الطريق لفتوحات الأمويين التى وصلت بتلك الأمبراطورية العربية أقصى إتساعها من حدود الهند والصين شرقا الى جنوب فرنسا غربا. هذا المقياس للعظمة التاريخية يشمل الكثيرين من قام بتغيير التاريخ المحلى والاقليمى والعالمى مع إختلاف الزمان والمكان . تجد هنا عظماء تاريخيين ، تختلف حول بعضهم الآراء وتتناقض من معجب مفتون الى كاره الى درجة الجنون . من أولئك العظماء بعض الفراعنة مثل مينا نارمر الذى قام بتوحيد مصر و تحتمس الثالث ورمسيس الثانى اللذين أقاما أول امبراطورية فى التاريخ ، ومنهم دارا الفارسى ويوليوس قيصر وهانيبال ( حنا بعل ) وهرقل ، وعمر بن الخطاب ومعاوية وعبد الملك بن مروان والسفاح أول خليفة عباسى وأخوه أبو جعفر المنصور وصقر قريش ( عبد الرحمن الداخل ) وصلاح الدين الأيوبى وشجرة الدّر وجانكيزخان وهولاكو وتيمورلنك واسماعيل الصفوى وسليم الأول العثمانى ومحمد الفاتح العثمانى وفريناند وايزابيلا مؤسسا إسبانيا على أنقاض الاندلس وغرناطة وابن تومرت و السلطان بيبرس المملوكى . وفى العصر الحديث نابليون بونابرت ومحمد على باشا والى مصر وبسمارك وابن سعود وابن عبد الوهاب مؤسسا الدولة السعودية الأولى وجورج واشنطون وتشرشل وهتلر وروزفلت وماوتسى تونج ولينين وستالين وعبدالعزيز آل سعود وعبد الناصر .
3 ـ هى عظمة زائفة لأنّ المعيار هنا ليس بالأخلاق والقيم العليا ، ولكن بمدى التأثير العالمى و الإقليمى والمحلى لأولئك القادة فى حياة الشعوب وتاريخها ، وقدرتهم على تغيير الواقع سياسيا وحربيا بما ينتج عنه تأسيس دولة وإقامة نظام حكم والانتصار الحربى . وليس مهما هنا إطلاقا التكلفة البشرية لهذا التغيير وعدد الضحايا الذين سقطوا كى يصبح هذا القائد زعيما عظيما . ضحايا أولئك الزعماء هم مئات الملايين وبحور بل محيطات من الدماء وأهرامات من الجماجم والأشلاء وشعوب تم استعبادها وسلب مواردها وسبى نسائها .
4 ـ وهذا البطل قد يكون معبودا مقدسا عند قوم و شيطانا ملعونا عند قوم آخرين ،( مثل هتلر وستالين وعبد الناصر). وقد يستمر الجدل حوله بعد موته. ولا يشترط أن يكون أعداؤه من الضحايا فقط ، بل قد يكون الضحايا وأحفاد الضحايا من المتيمين بعبادة هذا الزعيم العظيم . فلا يزال ماو تسى تونج وستالين يتمتعون بالتقديس فى الصين وروسيا برغم ما يتم الكشف عنه من فظائعهم ، ولا يزال هناك مريدون لعبد الناصر وصدام والقذافى مع تميّز كل منهم بالاستبداد والهزائم . والسبب معروف هو غسيل المخّ عن طريق الاعلام والتعليم . وهو نفس الحال مع ( عمر بن الخطاب ) فأجيال توالت عبر القرون من ضحايا الفتوحات التى قام بها عمر نشأوا وعاشوا على تقديس عمر فيما يعرف بالعالم السّنى . نسوا معاناة أسلافهم فى القرن السابع الميلادى تولّها فى تقديس ( عمر). لأن المؤثر الأكبر فى غسيل المخ هو الدين . وهنا تبدأ أزمة ( عمر بن الخطّاب ) ومن يقدّسه .
5 ـ فقد نتج عن الفتوحات ـ مباشرة ـ ليس نشر الاسلام الحقيقى الذى نزل قرآنا على خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، بل تأسيس دينين أرضيين تحت لواء الاسلام ، وهما التشيع الكاره لعمر و( السّنة ) التى تقدّس عمر وتفضّله أحيانا فوق النبى ، وتجعله يصحّح للنبى وتجعله ( الفاروق ) الذى يتميز به الحق من الباطل ، وأن الوحى ينزل مصدقا له . تدخل الدين الأرضى يجعل الخلاف حول الشخصية التاريخية داخلا فى ( المطلق ) لأن الشخصية التاريخية هنا تترك ساحة التاريخ البشرى الأرضى لتصعد الى الأفق الأعلى للدين ، فتتحول الشخصية التاريخية الى إله للخيروالنور أو إله للشّروالظلام ، ويظل الخلاف ساريا وسائدا بين أصحاب هذين الدينين الأرضيين، فالتشيع يلعن (عمر ) ويجعله الاها للشر والظلام طبقا لموروثات الدين الفارسى التليد،بينما يؤمن الدين السّنى بعمر ويعتبر نقده كفرا وخروجا عن الدين (السّنى ).
وبينما يخفت الجدل ثم ينتهى حول الشخصيات التاريخية العظيمة التى لا ترتبط بالدين مثل نابليون وهتلر وعبد الناصر وصدام وماوتسى تونج فإن الجدل حول الشخصيات التاريخية التى أرتبطت بأديان أرضية يظل مشتعلا باستمرار الخلاف بين تلك الأديان الأرضية ، ويتحول الخلاف الى خلاف ( مطلق ) لا مجال للتوسط أو التعقل أو المساومة. ومن هنا وصل الجدل بين السّنة والشيعة الى مرحلة الاقتتال فى القرن الأول الهجرى واستمرّ من وقتها حتى الآن يضيف مئات الألوف الى قائمة الضحايا. وسيستمر ذبح الأحفاد طالما لا يزال هناك طبقة من الدجالين من رجال الدين هنا وهناك تؤجّج الصراع وتستفيد منه، تتوضأ بدماء المزيد من الضحايا وتنهش المزيد من أشلائهم وتتكدّس المزيد من أرصدتهم المالية .!! وفى سبيل إستمرار مكانتهم فوق جماجم الضحايا وأشلائهم يهاجموننا لأننا نحتكم للقرآن الكريم لوقف سفك الدماء.
6 ـ ولكن بالإحتكام الى القرآن الكريم تتطوّر و(تتأزّم ) ( أزمة ) عمر بن الخطّاب والمؤمنين به .
فهتلر وموسولينى وعبد الناصر وستالين وجنكيزخان وهولاكو..وغيرهم قتل ودمّر وبغى واستعبد وقهر وظلم ، ولكن لم يستخدم أحدهم إسم الله جل وعلا ولم يستخدم دينه جل وعلا ولم يستخدم شرعه جل وعلا سبيلا يستحلّ به قتل البشر واحتلال الشعوب وسلب مواردها واسترقاق أهلها . وطالما استخدم عمر إبن الخطّاب اسم الاسلام فى فتوحاته فلا بد أن نحتكم فى شأنه الى الاسلام . وهنا نحكم عليه بمستوى العظمة الحقة التى ترجع للدين . وهنا يدخل الأمر فى نطاق المطلق حيث لا توسّط : فإما أن يكون عمر كافرا بالله جل وعلا وشرعه حين استخدم إسم الله ودينه وشرعه فى ظلم الشعوب ، وإما أن يكون عمرا مستحقا للمكانة العظمى دينيا لو كان الاسلام يؤيد ظلمه وقهره لتلك الشعوب. هذه هى أزمة عمر العظمى :إرتباطه بالاسلام فيما قام به من فتوحات أسال فيها بحورا من دماء شعوب لم تهاجمه بل ربما لم تسمع عنه أصلا.
7 ـ لم يرد إسم (عمر بن الخطاب ) فى القرآن الكريم ،أى ليس جزءا من عقيدة الاسلام ،ومن ينكر وجوده لا ينتقص من إيمانه شىء ، بل من الناحية الإيمانية فإنّ من (يؤمن ) به يخرج عن دائرة الاسلام الحق . ولكن يختلف الأمر فى ناحية ( العلم بالتاريخ )، فعمر بن الخطاب (علم ) من أعلام تاريخ المسلمين ، ومن ينكر وجوده يكون ( جاهلا ) بتاريخ المسلمين.وهو شخصية مقدسة لدى الدين السّنى والدين الصوفى ، وملعون فى الدين الشيعى ، ومن ينكر هذا يكون ( جاهلا ) بتراث السنيين والشيعة والصوفية . هنا لدينا ما كتبه أساطين الدين السّنى عن ( عمر ) ومعنا ( القرآن الكريم ) نحتكم اليه فيما فعله عمر من فتوحات وقتل وسلب ونهب وسبى . هنا تتجلّى أزمة ( عمر ) . وهنا يكون مأزق المؤمنين بعمر، ويتضح لنا أن ليس له نصيب فى العظمة الدينية الاسلامية الحقّة ، بل العكس .
8 ـ بل تتجلّى أزمة عمر فى أن مقياس العظمة البشرية الأخلاقية ليس له فيه نصيب .
بعيدا عن العظمة التاريخية ( الزائفة ) فإن العظمة الحقة للبشر لها جانبان : بشرى ودينى . العظمة البشرية الحقة هى فيما يقدّمه هذا الشخص من خير يستحقّ به العظمة، وباسلوب سلمى بعيد عن العنف وسفك الدماء ، بل قد يضحّى بنفسه عن طيب خاطر فى سبيل خير الناس. ترى هذا فى نماذج المصلحين أمثال غاندى ومارتن لوثر كنج ونيلسون مانديلا والشيخ محمد عبده وإستاذه جمال الدين الأفغانى ، كما تراه فى بعض الحكام مثل عمر بن عبد العزيز وأبراهام لنكولن ، وتراه حاليا فى الحاصلين على جائزة نوبل العاملين لخير البشرية. هذه العظمة البشرية السلمية الخيريّة ليس لعمر بن الخطاب فيها نصيب .
9 ـ وأزمته أكبر فى العظمة الحقيقية الدينية التى نجدها فى الأنبياء رسل الله جلّ وعلا وهم صفوة الخلق ، وأعظم البشر على الإطلاق . لقد عايش عمر بن الخطاب خاتم الأنبياء ، وهو عليه السلام فى قمة العظماء من البشر . ومفروض أن يتعلم منه عمر الشريعة التى كان عليه السلام يطبقها فى تعامله السلمى مع أعدائه المعتدين. فهل سار عمر على السّنة الحقيقية لخام المرسلين فى تطبيقه شرع الله جل وعلا فى الدعوة وفى القتال ؟ .. هنا أزمة عمر الحقيقية ومأزق من يؤمن بعمر ، فقد أصبح (عمر بن الخطاب ) بتوالى القرون مقدسا مهابا وجزءا من ثوابت الدين السّنى وأحد معالم ( ما وجدوا عليه آباءهم.).
ثانيا : ـ التناقض هائل بين العظمة الحقيقية لخاتم المرسلين والسقطة الفظيعة لعمر بن الخطاب .
عظمته عليه السلام تتجلى فى نواح كثيرة ، يهمنا منها الآن :
1 : مع إسلوبه السلمى وصبره على الأذى فقد كان عليه السلام بكل ُنبل يحرص بشدة على هداية المعاندين المعتدين خوفا عليهم من الخلود فى النار ، حتى لقد قال له ربه جل وعلا : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)( يوسف )( إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ .(37) النحل ).
2 : حزنه الشديد على من يرتد من المؤمنين الى درجة أن ينزل الوحى مرات عديدة ينهاه عن هذا الحزن يقول له : ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (176) آل عمران ) ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (41)المائدة ). ونفس الحزن على عناد الكافرين المعتدين المتآمرين يحزن على عدم هدايتهم مع اضطهادهم له فيقول له ربّه جلّ وعلا : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) الحجر) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل ) (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل ).
بل كاد حزنه يصل به الى درجة المرض ، فيقول له ربه جل وعلا يهدئه : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ َ (8) فاطر) (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) الكهف ).
3 : لينه ورحمته بأعدائه المنافقين فى المدينة مما إستوجب اللوم ، فحين صدّق أكاذيبهم وأذن لهم بعدم الخروج للقتال الدفاعى قال له ربه جل وعلا معاتبا : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة ).
4: بل كان بتسامحه معهم يسمع لهم ويطيع مما إستلزم أن ينهاه ربه جل وعلا فى بداية الوحى فى مكة : (كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)( العلق )، ثم جاءه النهى مرة ثانية:( فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8)...( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)القلم ). وتكرر النهى فى مكة بسبب تسامحه مع مجرمى قريش ومستكبريها: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) الانسان ) (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) طه )( فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) الفرقان ). كل هذا وإضطهادهم مستمر له عليه السلام وللمستضعفين من أصحابه ، وهو يتحمل ويصبرويتسامح الى أن هاجر الى المدينة ، وهو يحمل داخله نفس صفات التسامح واللين ، ويواجه المنافقين فى المدينة والكفار خارجها بتسامح يعتبره رب العزة طاعة لهم فينهاه مجددا ومكررا عن طاعته للكافرين والمنافقين ويقول له بحزم : (أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) الأحزاب ). والمؤسف أن أولئك المنافقين كانوا يؤذونه وهو القائد المطاع فى المدينة ، يقول له ربه جل وعلا ألّا يطيعهم وأن يعرض عن أذاهم :( وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)الأحزاب ). ويعرض عليه السلام عن إذاهم له .
5 ـ بل ينزل الوحى ينهى المؤمنين أنفسهم عن أذى النبى إذ تشجع بعضهم فكان يؤذى النبى منتهزا لينه وطيبته عليه السلام ، فقال جل وعلا ينهاهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) )( الأحزاب )، وكانوا يغشون داره بتبجح يؤذيه فيستحى بسمو خلقه من إحراجهم فينزل الوحى يقول لهؤلاء المتبجحين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) ( الأحزاب ).
6 ـ ومن سورة الأحزاب فى حوالى السنة الخامسة من الهجرة الى سورة التوبة وهى من أواخر ما نزل من القرآن الكريم نراه عليه السلام كما هو فى لينه وتسامحه وعطفه وسموّ خلقه . يتقوّل عليه المنافقون بالأذى والاتهامات بأنه ( أذن ) أى يسمع لمن هبّ ودبّ ، فيرد عنه رب العزة مؤكدا أنه عليه السلام رحمة للمؤمنين : (وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) التوبة ). كان عليه السلام لا يملك تغيير أخلاقه ، فقد جعله الله جل وعلا لينا سهلا متسامحا ، ولم يكن مثل ( عمر ) فظّا غليظ القلب ، يقول جل وعلا عن خاتم المرسلين :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( آل عمران 159 ).
7 : بل يصل تسامحه وشفقته بالمنافقين وخوفه عليهم من الخلود فى الدرك الأسفل من النار أن يستغفر لهم برغم ما كان يعانيه منهم من أذى . ويأتى الرد فى سورة التوبة بأنه لا فائدة من إستغفاره لهم :(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (80) التوبة ). ونفس الحال ، كان يستغفر للمشركين فيأتيه العتاب واللوم بأن هذا لا ينبغى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) التوبة ).
8 ـ وأعظم دليل فى رحمته ورأفته عليه السلام أن الله جل وعلا وصف ذاته الالهية العلية بأنه جلّ وعلا بالمؤمنين رءوف رحيم ، وبنفس الوصف قاله عن خاتم النبيين وفى نفس السورة ، يقول جل وعلا عن ذاته : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) التوبة )، ويقول عن خاتم المرسلين : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) التوبة ).
9 ـ ومن هذه العظمة فى الرحمة والشفقة والرأفة نتأكّد أنه عليه السلام لم يقم مطلقا بالاعتداء الحربى على أحد ، وأنه عليه السلام إلتزم بالحرب الدفاعية بعد أن نزل له السماح بقتال الكفار المعتدين الذين تابعوا المؤمنين فى المدينة بالغارات الحربية فقال جل وعلا : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (40)( الحج ). إلتزم عليه السلام بالتشريع الالهى الذى يجعل الاعتداء الحربى على الآخرين عداءا لله جل وعلا وأنه جل وعلا لا يحب المعتدين :( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190 ) وأن هذا القتال الدفاعى يجب أن يتوقف لو توقف المعتدى عن إعتدائه :( فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وأن هدف القتال هو لمنع الاضطهاد والفتنة فى الدين ، فلو توقف المعتدى عن عدوانه وجب توقف المؤمنين عن قتاله:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)البقرة ). لو خالف خاتم المرسلين هذا الأمر لتعرّض للتأنيب الشديد ، لكنه طبّق شرع الله جل وعلا لأنه أول من يطيع الله جل وعلا ، ولأن هذا التشريع هو ما يناسب أخلاقه السامية السلمية عليه السلام . ولذلك فإنه عليه السلام رأى قبيل موته الناس يدخلون فى دين الله أفواجا بعد أن إقتنعوا بعبثية عبادة الأحجار والأصنام . وقبيل موته أرسل عليه السلام خطابات سلمية تدعو الحكام والملوك للاسلام ، وتحمّلهم المسئولية عن شعوبهم . لم يرسل جيوشا وإنما رسائل بالحكمة والموعظة الحسنة .
10 ـ تناقض الحال بعد موته بتحالف القرشيين مع بعضهم وتهميش الأنصار واستغلال قريش الاسلام لتأكيد زعامتها واستغلالها طاقة الأعراب الحربية وتصديرها للخارج حتى لا يعودوا للردة ، فكانت الفتوحات تحت راية الاسلام ، وهى تتناقض مع الاسلام . وأسفرت عن حروب أهلية وإغتيال عمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وعشرات الألوف من الصحابة . الأفظع تغييب الاسلام الحقيقى بعيدا عن واقع المسلمين ونفيه الى القرآن الكريم وقيام أديان أرضية للمسلمين أنتجتها الفتوحات من سنة وتشيع ثم تصوف كلها تحمل أسم الاسلام وتتناقض مع الاسلام.
أخيرا
1 ـ ( عمر ) عظيم بمقياس العظمة السياسية التاريخية الزائفة للقادة والفاتحين سفّاكى الدماء شأنه شأن جنكيزخان وهولاكو ونابليون وهتلر ورمسيس الثانى وتحتمس . ولكنه يفتقد للعظمة الانسانية الحقيقية القائمة على السمو ىالخلقى وعمل الخير بالطريق السلمى بمثل عظماء العالم قديما وحديثا .
2 ـ بالمقياس القرآنى فإن عمر بن الخطاب خصم كبير للاسلام إذ إستخدم الاسلام فى فتوحات ظالمة ، وأذا كان عظماء التاريخ من سفاّكى الدماء قد ظلموا الناس فإن ( عمر ) ومن هم على شاكلته قد ظلموا الناس وظلموا أيضا رب الناس جل وعلا .
3 ـ أولئك الذين ينقمون على الرئيس الأمريكى جورج بوش غزوه للعراق ، نقول إننا أعترضنا على غزو العراق بأعلى صوت فى مؤتمرات فى واشنطن ، وتنبأنا بهزيمة محققة للجيش الأمريكى . وهنا نقول : إن جورج بوش قد قام بتخليص العراق من طاغية أثيم ، ووضع أسس حكم ديمقراطي فى العراق ، ثم انسحب الجيش الأمريكى تاركا العراق للعراقيين يحكمون أنفسهم بأنفسهم . أى أدى المهمة وانسحب . أما عمر بن الخطاب فقد إحتل العراق وايران ومصر والشام ونهب خيراتها. فلا يقال بأنه دخل ليخلّص تلك البلاد من المستبدين ، فلم يستنجد به أحد لكى يأتى ، وعلى فرض أنه أتى لانقاذ تلك البلاد من حكامها المستبدين كان الأولى أن يعود أدراجه الى الجزيرة العربية كما فعل الأمريكيون بعد التخلص من صدام . لكن الذى حدث أن الخلفاء الراشدين والأمويين خلعوا نظما مستبدة وأقاموا أنفسهم مكانها . وهذا ظلم عظيم للناس . والأفظع هو ظلمهم لرب الناس جل وعلا إذ يرتكبون كل هذه المذابح والجرائم والسلب والنهب والاسترقاق والسبى تحت إسم الاسلام ، ثم يأتى تشريع هذا بأحاديث ضالة تبيح وتشرّع هذا الضلال كحديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى .. ) ويأتى الدين السّنى يشرّع بكل بجاحة وصفاقة أنه فى البلاد ( المفتوحة عنوة ) أى بالقوة والاعتداء لا يجوز لأهل البلاد الأصليين بناء كنائس جديدة .
4 ـ فارق هائل بين تشريع الاسلام فى جعل القتال الدفاعى لتقرير الحرية الدينية ولحصانة بيوت العبادة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) ) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) وبين دين عمر بن الخطاب السنى ..
5 ـ وموعدنا أمام الله جل وعلا ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .