هناك فقير واحد فى بلاد المسلمين ، وأن أقل الناس دخلا يحصل على حوالى مليون دولار أجرا أو اعانة سنويا ، ومن يقل عنه فى الدخل يكون مستحقا للصدقة. وأنه يحدث اليوم كما كان يحدث فى عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حيث أن القائم بتوزيع الصدقات يدور بها فى الشوارع فلا يجد لها طالبا أو مستحقا أو راغبا فى اخذ الصدقة ، فقد اغتنى الناس بأخذ حقوقهم ، ووجدوا الحاكم عفيفا نزيها فصاروا مثله فى العفة والنزاهة ، فدفع الأغنياء ما عليهم من الصدقات ، وفاضت الأموال لدى الفقراء، وما عادوا فى حاجة للمزيد.لذا صدرنا الفائض للغرب أخينا فى الانسانية.ولهذا فقد استحققنا وصف الله تعالى لنا فى القرآن الكريم : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران 110 )
هل هذا صحيح ؟
نعم انه صحيح على المستوى النظرى، وفاجعة على المستوى الواقعى والعملى..
فالفائض لدينا جاء من البترول الذى اكتشفه الغرب لنا بمحض الصدفة، انه خير نبع من تحت أقدامنا بدون تعب ولا نصب. وأغلب الدول البترولية تؤمن بفقه ابن تيمية وتقدس شخصه ، وتنفذ فتاويه الدموية وغير الدموية . كل فقه السلف مقبول الا فتوى واحدة محرم العمل بها ، وهى الفتوى التى تجعل "زكاة الركاز " الخمس. الركاز هو كل ما يستخرج من باطن الأرض من معادن وغيرها ، قال الفقهاء ـ ومنهم ابن تيمية ـ بوجوب اخراج 20 % زكاة عنه. أى أن دولة كالسعودية وصل دخلها من البترول خلال الخمسين عاما الأخيرة ما يساوى مثلا نحو عشرة تريليون دولار عليها أن تخرج الخمس زكاة له . أى ما يعادل اثنين من الترولينيات، أى ألفى مليار دولار، أى ألفا مليون مليون دولار. ليس لتوزع هذا المبلغ على فقراء المملكة فى الداخل ، بل لتوزعه على فقراء العالم الاسلامى فى الخارج من اليمن فالصومال والسودان وتشاد وارتريا ومصر وموروتانيا وبنجلاديش وباكستان .ز الخ .. ثم بقية البلاد الفقيرة من ساحل العاج الى غينيا وجامبيا .. الخ. أما المواطنون داخل المملكة فهم شركاء فى هذا الركاز ، أو على الأصح فى 80 % منه. ويوزع عليهم بالتساوى ما يكفى حاجة كل منهم ، والباقى يكون على حسب العمل والاجتهاد والسعى.
هذا هو الصحيح على المستوى النظرى ، أما على المستوى العملى فان الحكام فى كل أرجاء الوطن العربى ـ والاسلامى غالبا ـ أمهر الناس فى سرقة الثروة ، وأمهر الناس فى الاحتفاظ بالسلطة بالحديد والنار. ومع ذلك فهم يعتبرون أنفسهم خير أمة أخرجت للناس . يقرأون أول الآية ثم لا يكملون باقيها القائل ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ). لو كانوا يؤمنون بالله تعالى فعلا ويخشونه لعملوا مثلما عمل عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الذى أغنى الناس وأفقر نفسه واهله تعففا . لو كانوا يؤمنون باليوم الآخر فعلا لحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب. لو كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ما قتلوا وسجنوا وعذبوا واضطهدوا من يدعو للمعروف وينهى عن المنكر.والمعروف هو القيم العليا المتعارف عليها من العدل والرحمة والاحسان والتقوى والسلام والتسامح ، والمنكر هو الذى يتفق الناس على انكاره مثل الاستبداد والبغى والظلم والجشع والطمع والفسق ..هم على العكس أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف ، وسلطوا كلابهم البوليسية تنهش لحم من يجرؤ على كلمة حق. أقاموا القصور وأنشأوا الاستراحات وعمّروا الحانات والخانات والمراكب واليخوت فى كل أرجاء العالم ، وأقاموا لهم جيوشا من الراقصات والمحترفات والمغنيين والمغنيات والطبالين من العلماء والدعاة والمثقفين والهتافين والشيوخ المنافقين والأغوات والخصيان ، وفتحوا لهم القنوات الفضائية والمجلات والجرائد والمكاتب والمعاهد والسفارات والشركات. ثم ما فاض من سرقاتهم ونهبهم اكتنزوه فى بنوك الغرب . هذا بينما يجتاح الجوع والعوز الملايين فى بلادهم . أما الموتى جوعا على الشاطىء المقابل فى الصومال وفى ارتريا ثم فى أثيوبيا فيكفى ما يتبرع به لهم الغرب ومؤسساته الصليبية الخيرية. ثم اننا ـ نحن المظلومين ـ ننسى كل ذلك الظلم الواقع علينا ، وننسى أموالنا الضائعة وحريتنا المسلوبة وكرامتنا المسحوقة ، ننسى ذلك كله ونتهم الغرب بالكفر ونتهم مؤسساته بالتبشير يالمسيحية، مع أن المعروف أنه لا يمكن أن ترغم انسانا على تغيير عقيدته اذا كان مقتنعا بها. كل ذلك دليل على نجاح الحكام البغاة فى التلاعب بعقولنا فى التعليم والاعلام والمساجد والمعاهد والملاهى والنوادى.
باختصار فانه مع سلب 4 وواحد من عشرة تريليون دولار من أموال المسلمين العرب فاننا لا نزال كما نحن نتلقى الصفعات على القفا ونصلى على المختار المصطفى ، لا زلنا نتلقى الركلات فى المؤخرة وندعو للحكام الظالمين بالنصر فى الدنيا والآخرة !!
ما أسعد الحكام الحرامية بنا ..