نبيل هلال Ýí 2011-12-23
نوقشـت فى الغـرب مشـكلة جواز اغتيـال الطاغيـة طوال العصـور الوسطى وخلال القرن السـادس عشـر، فعلى الرغم من أن قتـل الطاغيـة يتعارض مع الوصية الثانيـة (لا تقتـل)، فإن النزاعات التى كانت قائمـة فى القـرن الثـانى عشـر بين الكنيسـة والإمبراطوريـة الجرمانيـة قد أجازت ذلك لصالح الكنيسة على اعتبـار أن الطاغيـة "هرطيـق"!، أما يوحنا السالسبورى فهو أول من دافع بصراحة عن مبـدأ قتل الحاكم المستبد إذ يرى "أن من يغتصب السيف خليق أن يموت به "، أما القديس توما الاكوينى فقـد أعلن عدم جواز اغتيـال المسـتبد، لأن العقـوبة الفرديـة ضد المسـتبد عمل غير شرعى، فالسلطة الإلهية وحدها هى التى تعلو عليـه، وهى وحدها التى يمكنها أن تعاقبه، فعلى المواطن طاعة الحاكم بغض النظـر عن طغيـانه.
وقادت الملكيةُ المطلقة الفقهاءَ والمشرعين للوقوف فى وجه اللاهوتيين الذين ينادون بجواز اغتيال المسـتبد ، ونلاحظ تشابه ذلك مع فكر جماعة المرجئة التى ظهرت فى العصـر الأموى، ومن جهـة أخرى فإن أصـحاب الحديث من أهل السنة، يحرمون استخدام العنف والقـوة (السيف) فى النهى عن المنكر، ومن ثم ينكرون "الخروج" أى الثـورة على أئمة الجور وظلمة الحكام، وهم يقولون وفقـا لعبـارة الأشـعرى: إن السـيف باطل، ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية، وإن الإمام قد يكون عادلا، ويكون غير عادل، وليس لنـا إزالته وإن كان فاسقا!!!!، ووفقـا لعبـارة ابن حنبـل، التى ينقلها أبو يعلى الفراء: فإن" من غلب بالسيف حتى صار خليفة، وسمى أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن باللـه واليـوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه، برا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين !!!، "ويقـول ابن حنبـل بأن طاعة ولى الأمر واجبـة: حتى ولو كان فاجرا فاسـقا، والثـورة عليـه منكر لما تجلبه من الأخطـار، وتعطله من مصالح النـاس فى حيـاتهم اليوميـة " .
ويتفق ذلك مع قول مارتن لوثـر (1483-1546) أنـه "ليس من الصواب بأى حال أن يقف أى مسـيحى ضـد حكومته سواء أكانت أفعـالها عادلة أم جائرة!، فليس ثمة أفعـال أفضل من طاعة وخدمة رؤسـائنا، ولهذا السبب أيضا فالعصيان خطيئة أكبر من القتل والدس والسرقة وخيانة الأمانة وكل ما تشـتمل عليه هذه الرذائل " .
ويقول الحسن البصرى لنفر من تلامذته الذين ثاروا على الحجاج بن يوسف الثقفى طاغية بنى أمية، وطلبـوا منه تأييـدهم .... " وقد قالوا له: يا أبا سعيد، ما تقـول فى قتـال هذا الطاغية – أى الحجاج – الذى سـفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟ فيقول البصرى: أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقـوبة من اللـه فما أنتم برادى عقوبة اللـه بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم اللـه وهو خير الحاكمين " !، "وقوله لمن دعوا إلى الخروج على الحجاج: إنه، والله ، ما سلط اللـه الحجـاج عليكم إلا عقـوبة، فلا تعارضوا عقـوبة اللـه بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع!، فلو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا، ما لبثوا أن يفـرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف، ويتوكلون إليه، فواللـه ما جاءوا بيوم خير قط، إن اللـه إنما يغير بالتوبة لا بالسيف " ، ويتشابه ذلك مع ما جاء فى رسالة القديس بولس إلى أهل رومية: "فالحاكم المسـتبد لا يحمل السـيف عبثـا، إذ هو خادم اللـه ينتقم للغضب من الذى يفعـل الشر " ، كما يردد جون كالفن (1509-1564) ذلك التبـرير السـاذج الغريب الذى يقـول إن الطغيان، والهزائم الحربية، والنكبـات السـياسية، إنما هى غضب من اللـه، وعقـاب للنـاس لأنهم ابتعـدوا عنه، وتخلوا عن الصراط المسـتقيم " .
ويرى أبو حامد الغزالى، وهو من الأشعرية، خلع المستبد الذى لم يستكمل شروط الإمامة إذا أمكن تمام ذلك دون قتال، وإلا فالرأى عنـده هو وجوب طاعته، والحكم بإمامته " ، ويصور الأمر ابن جماعة (639-773هـ) كما لو كان غابة تجب الطاعة فيها للأقوى من المستبدين حتى لو كان جاهلا فاسقا، فإذا أطاح به جاهل فاسق آخر كان هو الإمام المطاع ,فيقول :" إنه إن خلا الوقت عن إمام ,فتصدى لها من هو ليس من أهلها، وقهـر النـاس بشوكته وجنـوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقـدت بيعته ولزمت طاعتـه، لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم، ولا يقـدح فى ذلك كونـه جاهلا أو فاسـقا، فى الأصح، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبـة لواحد، ثم قام آخر فقهـر الأول بشـوكته وجنـوده انعـزل الأول وصـار الثـانى إماما " !!، هكذا كما لو كانت الأمة مجمـوعة من الخراف مسلوبة الإرادة والعقل يهشها أى راع بعصاه أى وجهة أراد، وتلك كانت أرآء "فقهـاء" السلاطين الذين ابتليت بهم الأمم.
مقال رائع يا أخي
وإليك ما استنبطه من القرآن
جواز الثورة على الحاكم
وأما عدم جواز الثورة على الحاكم فينفيها قوله تعالى الذى دائما ما يتلون علينا نصفه فقط، وهو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59
فيقفون دائما عند "وأولي الأمر منكم" ولا يُكملون الآية ليُسوغوا الطاعة الدائمة للحُكام.
والآية تنص على ما يحدث عندما يتنازع الشعب مع أُولى الأمر نزاعا سلميا فيتم عرض النزاع على كتاب الله، وبذلك يتم فض النزاع، ولكن ماذا يحدث عندما يتمسك أولو الأمر أو الثوار برأيهم المُخالف لكتاب الله؟
فى هذه الحالة سيتطور النزاع إلى صراع مُسلح بين الحاكم وأعوانه وبين من ثار عليه، وفى هذه الحالة فيجب أن يتدخل باقى الشعب للإصلاح فإن أصر الحاكم أو الثوار على البغى فيجب أن ينضم باقى الشعب من المؤمنين إلى الطائفة المُحقة ضد الطائفة الباغية حتى ينتصروا على الظالمين. يقول تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9
تحيتان خالصتان للدكتور أحمد صبحي منصور ,الأولى أن أتاح لي - ولغيري - فرصة الكتابة في منبر أهل القرآن , والثانية أن خصني بشرف متابعة مقالاتي والثناء عليها ,الأمر الذي يشجعني على مداومة الكتابة ,فشكرا له مرة أخرى ,وأعاننا الله جميعا على المنافحة عن دينه الحق بعد أن فرط فيه المرتزقة وأصحاب المصالح .
طبعا أخي العزيز ,أوافقك الرأي أن الخروج على الطغاة واجب يأثم من لم يقم به .,ولو كان الاستخذاء للمستبدين أولى من مقاومتهم ( كما يزعم فقهاء السلاطين ) لما أشرقت علينا شمس الربيع العربي .
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - الأنوناكي- ج14
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - عربة حزقيال - ج13
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - سلالة الآلهة- ج12
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - هذا ما تقوله الأساطير - ج11
دعوة للتبرع
الضياء والنور: الشيخ الأست اذ الدكت ور أحمد صبحي منصور...
السارق والقاتل: هل حال السار ق كحال القات ل،هل إتلاف اموال...
مصطفى مؤمن: أرجو منكم أن تنبهو ا الكات ب مصطفى مؤمن ان...
أوّاه : ما معنى وصف ( أوّاه ) لابرا هيم عليه السلا م ؟...
الغلام المقتول : في سورة الكهف ورد قوله تعالى حكاية عن قصة من...
more
شكرا للاستاذ نبيل على استجابته لرجائنا ، والاستمرار فى بحث فقه الخنوع والخضوع الذى أدمنه فقهاء المسلمين فى العصور الوسطى ، وهو هنا يأتى بجديد إذ يعقد مقارنة بين فقهاء المسلمين وفقهاء المسيحيين الأوربيين ليؤكد أن ثقافة الاستبداد كانت سائدة فى معسكرى المسلمين والمسيحيين مع وجود العداء بينهما ، فالاستبداد هنا وهناك كان يستند على تغييب عقول الشعوب وتخديرها بالدين ، مما أدى فى نهاية الأمر الى إندلاع الثورة الشيوعية وظهور المقولة الشيوعية ( الدين أفيون الشعوب ) وهى ( حديث صحيح ) ينطبق على الأديان الأرضية للمسلمين والمسيحيين ، من أسف أن هذا هو مبدأ السلفية التى توغلت فى مصر وهى تهادن مبارك ، وتركت الأم الكبرى ( الجماعة المحظورة ) وقتها ـ تشاغب مبارك وتلهيه عن زحف الوهابية داخل تلافيف مخ الشعب، ثم بعد طرد مبارك ظهروا وخرجوا من القمقم .
يبقى أن أذكر أنه ضمن قسم الدراسات التاريخية فى كتاباتى على الموقع تحدثت تحت عنوان ( الشعرانى والظلم العثمانى ) عن دعوة الشعرانى فى العصر العثمانى للخنوع للحاكم ، ولقد قال نفس ما قاله شيوخ المسيحية الأوربية ، مع انه لم يكن يعرف لغتهم وبل ولم يسمع بهم أصلا ، ولكن استاذ الجميع هو ( شوشو ) أى الشيطان . وهذا هو رابط المقال المشار اليه :http://www.ahl-alquran.com/arabic/document.php?page_id=214