الهرم المصرى الراسخ والهرم السعودى المقلوب:
تحليل موقف السعودية من الثورة المصرية : الجذور التاريخية

آحمد صبحي منصور Ýí 2011-10-20


مقدمة

ففى المقال السابق عن سرّ مذبحة ماسبيرو توقفنا مع دور جنرالات مبارك فى سرقة الثورة وصمود نظام مبارك وإلهاء الناس عن استمرار محاكمته ، وتعاون الجنرالات مع قوى محلية من الفلول والسلفيين والبلطجية . ويبقى التوقف مع الدولة السعودية المؤثر الخارجى الأكبر ، وخصوصا فى تحالفها مع الجنرالات والسلفيين .

أولا : الشأن المصرى فى الإطار المعتاد مع الغرب وأمريكا واسرائيل

1 ـ أمريكا

أقول كشاهد عيان ومتفاعل مع الشأن المصرى فى أمريكا باللقاءات والمؤتمرات الصحفية والندوات إن ساسة امريكا فى إدارة أوباما ظلوا الى جانب مبارك الى آخر رمق طالما كان مسيطرا ، وأصمّوا آذانهم عن مناشدتنا لهم بالتدخل لانجاح الاصلاح السياسى سلميا حتى لايحدث . وأكّدت الوزيرة كلنتون دعمها لمبارك ووقوفها ضد حركة الاصلاح . تغير الحال بعد الثورة وصمودها ، وقابلت الوزيرة كلينتون ابنى الشريف منصور الناشط السياسى على رأس لفيف من النشطاء العرب لتعرب لهم عن ذلك التحول الايجابى مع الثورة ، وردّ عليها الشريف يذكّرها بموقفها السابق ويؤكد على أهمية أن تقف أمريكا الى جانب قيمها الديمقراطية .

موقف أمريكا هو ردّ فعل مؤيد لما يحدث فى مصر؛ لو خرجت مصر من عنق الزجاجة  وقد سيطر عليها الجنرالات واستمر بهم حكم مبارك فستؤيدهم أمريكا ، ولو وصل الاخوان للسلطة فستتعامل معهم أمريكا ، ولو نجحت حركة الاصلاح وتأسس فى مصر حكم ديمقراطى فستؤيده أمريكا . مصالح أمريكا هى مع النظام الحاكم الذى يملك القوة على الأرض، وهى تنتظر الى أن يظهر من يملك أوراق اللعبة مسيطرا لكى تتعامل معه ، وتترك تدعيم الحرية والديمقراطية  لمنظماتها الشهيرة مثل فريدوم هاوس والوقفية الامريكية للديمقراطية ومؤسسة الحرية الدينية ومركز وودرو ويلسون ..وقد عملنا فيها وتعاملنا معها وعرفنا مدى نفوذها لدى صناع السياسة الأمريكية ..وهو مجرد النصيحة .

2 ـ اسرائيل ؟

الثورة المصرية وتداعياتها ليست مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل . هى جاهزة للتعامل مع الحكم القائم فى مصر ، وبالتأكيد فإنها خسرت حليفا استراتيجيا بخلع مبارك ، وبالتأكيد أيضا فإن جنرالات مبارك لن يكونوا خدما لاسرائيل كما كان مبارك الذى وصل الى الحضيض فى كل شىء. ولكن المؤكد أيضا أن إشتعال الحرب بين مصر واسرائيل هو الذى يقترب باسرائيل الى حافة (الحياة أو الموت ). ولكن اسرائيل لا تريد هذه الحرب مع استعدادها لها ، لأنها حتى لو انتصرت فستدفع الثمن غاليا من سكانها ومن مواردها ، وستعطى الفرصة لحزب الله وايران وحماس للانتقام من سكانها . والأفضل لها من هذا النصر أن تبقى بمنأى عن الحرب .

الجنرالات فى مصر أيضا لا يريدون الحرب ، فهم أعرف بأن ميزان القوى العسكرى هو لصالح اسرائيل ، كما إن الاقتصاد المصرى والجبهة الداخلية المصرية لا تحتمل حربا حقيقية. قد يريدها البعض حربا هوجاء من نوعية حرب 67 ، ولكن تكلفة الهزيمة فيها أفظع ،ستطير فيها رءوس الجنرالات فقد فشلوا فى السياسة ، وهو فشل قديكون مغفورا وميسورا ، ولكن هزيمتهم لا غفران فيها.

والمجتمع الدولى لا يتمنى حربا عربية اسرائيلية فى ظلّ أزمة إقتصادية عالمية وحساسية موضوع النفط . ثم إن الساسة الغربيين فى عصرنا مختلفون عن ساسة الحرب الباردة من خمسين عاما،ساسة الغرب الآن عريقون فى التعامل السياسى وفنّ المساومات وليس بينهم الآن من يريد الوصول بالأزمات السياسية الى حافة الحرب الاقليمية التى تغير من توازنات المنطقة . أقصى ما يسمحون به هى الحروب المحلية التى يتحكمون فى نتائجها ويكسبون من خلالها فى بيع السلاح للطرفين . وأمريكا ـ راس النظام العالمى ـ تلعق جروحها بعد حربى العراق وأفغانستان ، وتنتظرها سنوات طوال من العناء الاقتصادى لكى تسدد تكلفة تلك الحروب . ولا تريد حربا إقليمية جديدة بين العرب واسرائيل تدفع هى معظم فواتيرها ، وتخسر فيها العرب وتكسب منها ايران فى النهاية. وبالتالى فليس اللاعب الخارجى فى الثورة المصرية والشأن المصرى هو أمريكا والغرب واسرائيل . اللاعب الخارجى هو السعودية .

ثانيا : الشأن المصرى بالنسبة للسعودية مسألة حياة أو موت

 1 ـ الشأن المصرى بالنسبة للسعودية (الأسرة السعودية ) هى مسألة حياة أو موت .هى معادلة صفرية ، ليس فيها توسط  ، أى إما أن تكون مصر خاضعة للنفوذ السعودى أى أن تمتطى الأسرة السعودية الهرم المصرى الشامخ الراسخ متزعمة العرب والعالم الاسلامى ، وإما أن تنتهى الأسرة السعودية وتنمحى دولتها سياسيا . فى هذه المعادلة الصفرية لا توجد حلول وسط طبيعية كأن توجد الدولة السعودية تابعة لمصر أو دولة عادية ،أو أن تكون العلاقة المصرية السعودية علاقة عادية كعلاقة مصر بغيرها من الدول العربية . هنا عوامل تاريخية واستراتيجية واقليمية ومحلية تجعل العلاقة المصرية السعودية لاتحتمل سوى وضع وحيد :إما أو إما ، إما أن توجد الدولة السعودية تمتطى الهرم المصرى وإما أن تفنى .

2 ـ نحن هنا بين طرفين متناقضين : ( الهرم المصرى ): مصر أقدم دولة قائمة ومستمرة منذ سبعين قرنا من الزمان ، الولاء فيها للمكان والحكم فيها لفرعون يمثل الوطن أى المكان ، وطبيعتها مجتمع زراعى يقوم على الاستقرار والتعمير ، وتدينها الأصلى متسامح شأن التدين فى المجتمع الزراعى النهرى . السعودية هى أسرة تتحكم فى مساحة كبيرة من الصحراء الانتماء فيها للقبيلة والنسب ، وتعتمد فى بسط نفوذها على السيف وعلى دين سلفى متشدد . وبالسيف وبذلك الدين السنى السلفى المتشدد أقامت ملكها ثلاث مرات ، وسقط ملكها مرتين . مصر هى المؤثر الأول والحاضر فى سقوط أو فى بقاء هذه الدولة السعودية . قبل أن توجد دول العراق وسوريا ولبنان والأردن واسرائيل وقبل أن تتوارى وتسقط الدولة العثمانية كانت ولا تزال مصر . فى البداية ظهرت إمارة آل سعود فى الدرعية فى نجد ، وتوسعت بوهابيتها التى منحتها سلطة تكفير الامارات الأخرى فى نجد وغيرها توطئة لاحتلالها وضمها لإملاك آل سعود. وصل الاحتلال والهجوم الى حدود تسيطر عليها الدولة العثمانية إسميا فى أقاليم العراق والخليج والحجاز . بعد أن احتل السعوديون الحجاز كان لا بد أن تتدخل مصر لأنها صاحبة النفوذ فى الحجاز ، وأسقطت مصر الامارة السعودية عام 1818 ، فاكتشف السعوديون حقيقة الهرم المصرى الذى اصطدموا به باحتلالهم الحجاز. ومن وقتها أدركوا أنه لا بد لهم من التغلغل فيه من الداخل ليسهل إمتطاؤه ومن ثمّ احتلال مكانة مصر فى العالمين العربى و( الاسلامى ).

3 ـ وضع الأسرة السعودية داخل  الجزيرة العربية هو أيضا معادلة صفرية ، السعوديون أسرة وافدة لنجد ، ومنذ سيطرتهم على الدرعية كان يؤرقهم قلة عددهم مقارنة بالقبائل وتعدادها كأكثرية داخل وخارج الدرعية. ووجدوا فى دعوة ابن عبد الوهاب مبررا يتم به تجاوز عقدة النقص لديهم من العدد ومن أصلهم الغامض الوافد للمنطقة. بل أعطاهم دينهم الوهابى منذ تحالفهم مع ابن عبد الوهاب ذريعة للسيطرة على نجد نفسها ثم معظم الجزيرة العربية فى دولتهم الأولى . ولكنهم أضافوا وضعا أصعب زاد من حدّة وشدة المعادلة الصفرية ، فالأسرة السعودية   ـ منذ تكوين الدولة السعودية الأولى وسقوطها ثم إعادة تأسيسها ثم سقوطها الثانى ، ثم إعادة تأسيسها فيمابين ( 1902 : 1932 ) ـ قتلت ما يزيد عن مليونين من القبائل العربية الأصيلة داخل وخارج الجزيرة العربية ، كما أسقطوا عائلات عريقة حاكمة فى الجزيرة ، فأصبح عليهم ثأر تتوارثه الأجيال ،فليس سهلا نسيان أنهار الدماء وليس سهلا نسيان العروش المغتصبة، كما ليس سهلا فى مجتمع صحراوى يدين بالعصبية القبلية أن يتم تهميش وتقزيم القبائل القوية لصالح أسرة يقال إنها وافدة مجهولة النسب ، ثم يتم هذا التهميش والاستبعاد والقهر بالسيف وفرض دين مذهبى محلى ( الوهابية ) يخالف أديانا أخرى مذهبية وعريقة كانت ولا تزال حاضرة مثل التشيع والتصوف . وبالتالى فإما أن يظل السعوديون فى السلطة محتمين بها وإما أن يتعرضوا للانتقام من الكثرة السكانية العربية من القبائل التى قهروها واسترقوها . هو أيضا صراع وجود فى الداخل ، إما نحن وإما هم . وحتى تظل السعودية بمأمن من الإبادة فلا بد من قبضة حديدية تعتمد على الدين . ومن هنا التصقت الاسرة السعودية بالوهابية ليتحول الاحتلال الى فتح ، وليتحول أرباب العروش المنهزمون الى كفار ومشركين ، وليتحول الغزاة السعوديون الى أولياء للأمور مستبدين بالأمر حسب المبدأ السعودى ( الشيوخ أبخص ). وأى تهاون سياسى يعنى رقعة فى ثوب السيطرة السعودية لا تلبث أن تتسع وتنتشر وتشجع على التمرد والثورة، وأى تهاون فى تطبيق الدين الوهابى على القبائل والسكان ( وليس الحكام السعوديين ) يدمر الولاء للأسرة السعودية. وبدون الوهابية تظهر حقيقة تلك الأسرة مجرد أسرة تتكون من بضعة ألوف من الأمراء يتحكمون فى قبائل تربو على العشرين مليونا . ولكى يسود الدين الوهابى لا بد من السيطرة على الحجاز والحج ، فهذا يدعّم الأسرة السعودية   خارجيا ويحميها خارجيا . ولكن الحجاز تاريخيا واقليميا واستراتيجيا وثقافيا يتبع مصر ، وإذن فلا بد من السيطرة على مصر لضمان السيطرة على الحجاز والحج ، ولا بد من السيطرة على الحجاز والحج لضمان السيطرة على بقية (المملكة ) والأملاك التى تنتمى للأسرة السعودية .

4 ـ أى فى مقابلة الهرم المصرى الشامخ والراسخ يوجد (هرم ) سعودى ولكنه (هرم ) مقلوب يبدأ من الأصغر الى الأكبر ، من ( نجد ) الى (الحجاز )، ثم الى (مصر ) ثم الى العالم العربى والاسلامى . وهذا الهرم المقلوب بطبيعته يخالف كل المتعارف عليه فى علوم السياسة والاستراتيجية . لذا فهو يعتمد فى بقائه على الدين الوهابى الذى يتمحك بالسّنة ثم بالاسلام ليقيم الهرم السعودى المقلوب، وبذلك يمكن تناسى الحقيقة الأساس : هل يصح فى عصرنا أن تتأسّس دولة ( السعودية ) على أسرة ( السعودية ) وتعطيها إسمها ( السعودية ) بل تصبح تلك الأسرة وتلك الدولة مقدسة لدى عوام المسلمين مع أنها تستعبد القبائل العربية الأصيلة المحكومة المقهورة وتستأثر دونهم بثرواتهم المعدنية والبترولية ؟

هذا لا يصح لأنه وإن كان مقبولا فى العصور الوسطى فليس مقبولا فى عصرنا . الوهابية هى التى جعلته مستساغا ومقبولا .

5ـ ولكن هذا الهرم المقلوب الواقف على قدم واحدة يحمل فى داخله عوامل سقوطه وفنائه. يكفى إنه هرم مقلوب ، أى يمكن إمالته ثم إسقاطه بقليل من الضغط عليه ، خصوصا وهو الذى يتحدى ثقافة عصرنا ويتناقض مع قيم الاسلام العليا فى الحرية والعدل. وبالتالى تتمثل فى هذا الهرم المقلوب معادلة الصفرية ، فهو إما أن يستمر متحكما فى الداخل قوى النفوذ فى الخارج وإما أن يسقط ، ولا مجال للتوسط .

6 ـ ولكى يبقى مسيطرا فلا بد من السيطرة على مصر بتحويل تدينها الصوفى السّنى المعتدل الى تدين وهابى  متشدد. وقد أوضحنا هذا فى بحث ( شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر فى عهد عبد العزيز ). وجاءت تفصيلات أخرى فى مقال عن (السلفية ) . ونزيد هنا أن عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الراهنة والثالثة ، كان غاية فى الفقر والاحتياج  فى بداية تاسيس دولته حتى إنه كان يتلقى معونة مالية من بريطانيا ، وكانت حروبه تستهلك ميزانيته ، ومع ذلك كان كريما فى إعطاء الأموال لعملائه فى مصر كى يؤسس الوهابية فيها ، وفى وصيته لأبنائه شدّد على أهمية السيطرة على مصر ضمانا لاستمرار دولته العائلية السعودية . ومن بداية سيطرته على الحجاز 1924 : 1925 عمل عبد العزيز على نشر الوهابية فى مصر بأقصى سرعة مدركا انه دخل فى صراع مع مصر لا بد من التحسب له مقدما . وفعلا حدثت إشتباكات بين الحرس المصرى لكسوة الكعبة المحمولة من مصر وجند عبد العزيز الذى كانوا يعتبرون مصر دارا للشرك ، وقتل الحرس المصري جند عبد العزيز ، وتناسى عبد العزيز الأمر  مقابل منع كسوة الكعبة المصرية وتحكمه فى شعائر الحج مع كسب ود الحكم المصرى والتقرب اليه حتى لا يأخذ موقفا معاديا من انتشار الوهابية، والتى كانت ممقوتة وقتها فى مصر الى درجة إختيار دعاتها إسم السلفية  بديلا عن الوهابية حتى لا ينفض عنهم المصريون .

7 ـ إستغل دعاة الوهابية فترة الليبرالية التى كانت تعيشها مصر ( 1923: 1952 ) فى نشر الوهابية باسم السّنة والسلفية، فتحولت الجمعية الشرعية من تدينها الصوفى الى الوهابية ، واسّس الشيخ (حامد الفقى ) (أنصار السّنة ) وأسس مجلة الهدى النبوى بتبرع هائل من عبد العزيز آل سعود، وأسّس الكاتب السورى (محب الدين الخطيب) دار (الزهراء ) فى منطقة الروضة بالقاهرة ، وتزعمهم (رشيد رضا) الذى خان أستاذه محمد عبده وعمل خادما لعبد العزيز آل سعود، فأنشأ (الشبان المسلمين )، وتفرّغ أولئك للدعوة الوهابية تحت إسم الّسنة والسلفية متظاهرين بالابتعاد عن العمل السياسى . ثم أسس رشيد رضا (الاخوان المسلمون ) لتكون حركة سياسية تعمل لإقامة حكم وهابى فى مصر واختار لرئاستها تلميذه فى (الشبان المسلمين ) الشاب (حسن البنا ) . وخلال عشرين عاما ( 1928 : 1948 ) أسّس حسن البنا خمسين ألف شعبة للإخوان فى مصر ، وأنشأ التنظيم العالمى لإخوان ، والتنظيم السرى للاغتيالات ، وأشعل ثورة الميثاق فى اليمن وتغلغل فى الجيش المصرى بتحالفه مع تنظيم الضباط الأحرار بزعامة عبد الناصر .

8 ـ بنجاح انقلاب الجيش عام 1952 شبّ الصراع بين عبد الناصر والاخوان وتغلب عبد الناصر فهرب معظمهم الى السعودية . ودخلت الأسرة السعودية فى محنة الصدام مع مصر الناصرية . إعتنق عبد الناصر القومية العربية بديلا عن العقيدة الوهابية ، ووصل بتأثيره الى داخل الأسرة السعودية والمجتمع السعودى و الجيش السعودى فتكونت حركات ثورية داخل المملكة السعودية والجيش واعتنق بعض الأمراء فكر عبد الناصر بزعامة الأمير طلاّل بن سعود، وأشرفت المملكة على الانهيار خصوصا مع سفه الملك سعود بن عبد العزيز ، ولكن أعاد السعوديون تنظيم أمرهم بكفّ الملك سعود ثم عزله وتولى فيصل القيادة عام 1964 ، فأسس سياسته معتمدا على البترول والتحالف مع الغرب وأمريكا ضد عبد الناصر المتحالف مع السوفيت . قام فيصل بتحديث المملكة ـ مع عدم المساس بالوهابية بل كان التحديث لنشر الوهابية ، وفتحت له أمريكا والغرب أبوابها للسيطرة على المسلمين فى أمريكا والغرب ، وأنشأ ( رابطة العالم الاسلامى ) ومنظمات أخرى لمحاصرة عبد الناصر فى الخارج . ثم كان لفيصل دور فى إنهاك عبد الناصر فى حرب اليمن ثم فى جرّه الى هزيمة 67 ، وفيها مات عبد الناصر سياسيا ليتزعم فيصل السعودى العرب بدءا بمؤتمر الخرطوم صاحب اللاءات الثلاث ، ثم كانت الضربة الأخيرة فى إعداد خليفة لعبد الناصر فى حياة عبد الناصر ، وتم إختيار السادات الذى كان عميلا للسعودية يتلقى منهم مرتبا باعتباره سكرتيرا للمنظمة الاسلامية التى ترعاها السعودية منذ الخمسينيات،وبها وطّد السادات علاقة خاصة بكمال أدهم مدير المخابرات السعودية ووكيل المخابرات الأمريكية فى المنطقة . وضغط فيصل على عبد الناصر حتى عيّن السادات نائبا له بحجة تسهيل امور التعاون بين البلدين بعيدا عن الأجنحة القومية والماركسية من مراكز القوى فى عصر عبد الناصر . وبتعيين السادات نائبا جاءت الخطوة التالية وهى اغتيال عبد الناصر ، وتم الاعداد للموضوع باشعال حرب بين المقاومة الفلسطينية والملك حسين ، وفزع عبد الناصر خوفا من إستئصال المقاومة فدعا لعقد مؤتمر القمة ، فحقق هدف المتآمرين ليكون المؤتمرستارا لإغتيال عبد الناصر . لذا غاب عنه فيصل العقل المدبر لاغتيال عبد الناصر . ومع أنتهاء المؤتمر وتوديع عبد الناصر لآخر مسئول عربى وهو أمير الكويت سقط  ناصر ميتا بالسّم من شراب مسموم شربه على عجل ، وتولى السادات الحكم . ومن عهده الى الآن دخلت مصر فى التبعية الدينية والسياسية للسعودية .

9 ـ نفس الحال تقريبا  حدث مع باكستان فى شرق السعودية . ظهر ذو الفقار على بوتو بعلمانيته المتطرفة خصما للسعودية فتآمرت على عزله بقيام ضياء الحق بانقلاب عسكرى عليه، ثم أهدوا سيفا ذهبيا للجنرال ضياء الحق ليقتل به ذو الفقار على بوتو . وإثر محاكمة صورية سريعة حكموا على بوتو بالاعدام وقبل أن يتدخل المجتمع الدولة تم قطع رأس بوتو بالسيف الذهبى السعودى .

ضياء الحق عمل خادما للاسرة السعودية ، وهو الذى استضاف مؤتمرا من شيوخ السلفية فى الأزهر والسعودية لمناقشة كتابى ( الأنبياء فى القرآن الكريم : دراسة تحليلية ) والذى من أجله تركت الأزهر ، وعملت السعودية على قتلى برغم أن العلاقات مع مصر كانت مقطوعة وقتها . وجاء الضغط عن طريق باكستان وضياء الحق ، وانتهى المؤتمر بتكفيرى وتكريم خصمى د محمد الطيب النجار ، ثم عقدت رابطة العالم الاسلامى مؤتمرا أخر فى جدة على هامش الجهود المبذولة لعودة العلاقات المصرية السعودية عام 1987 ، وتكرر فيها الضغط على نظام مبارك لمعاقبتى فتم ادخالنا اسجن بعدها . وقبض مبارك رشوة هائلة. فقد عرف السعوديون الطريق الى التحكم فى مبارك ، وهو نهمه الشديد للمال فاشتروه بثمن بخس ، واحتلوا قمة الهرم المصرى ليحموا هرمهم المقلوب المنكوب.

10 ـ هنا يكمن الخلاف بين السادات ومبارك ، واختلاف الموقف السعودى منهما.

لم يكن السادات لصّا مثل مبارك . كانت عقدة السادات فى وجود شخصية ( الممثل ) داخله ،وولع هذا (الممثل ) فيه بتصفيق الناس له . ولع السادات بالاعلام وإنتباه العالم دفعه الى تبنى سياسة الصدمات والقرارات الفجائية التى تجعل العالم كله يلتفت اليه. هذه السياسة الفجائية والصادمة كانت لا تناسب السعودية حليف السادات . فالأسرة السعودية حريصة على هرمها المقلوب من أى إهتزاز غير مطلوب . ولهذا تتمسك بسيارة الحذر والبطء ومسك العصا من الوسط حتى يظل الهرم المقلوب ثابتا لا يميل . وحتى يظل السادات خاضعا لهم تعامل معه السعوديون بالعطاء بالقطّارة مع كل ما كسبوه من دماء المصريين فى ارتفاع أسعار النفط . من هنا إندفع  السادات فى تحول مفاجىء الى عقد الصلح مع اسرائيل واضعا السعودية فى حرج شديد ؛إما أن تختار السادات وتحولاته الفجائية وتكون تابعا له ،وإما أن تنحاز الى صدام حسين والراديكاليين وجبهة الصمود والتصدى . إختارت الانحياز الى صدام لتأمن شرّه وحتى لا تكون تابعة للسادات فى تقلباته وحتى تنجو من الحرب الاعلامية الشعواء التى تعرض لها السادات. ثم إن السعودية تعرف إن السادات لن يهاجمها عسكريا ـ كما فعل مع ليبيا ـ لأن السعودية  تملك وثائق عمالته لها وللمخابرات الأمريكية . ولكن تحالف السعودية مع أمريكا كان يفرض عليها تأييد السادات فى صلحه مع اسرائيل وليس أن تتحالف مع خصوم أمريكا من اليساريين والقوميين العرب . وتطوع السادات بتقديم المخرج للسعودية ،إذ بدأ فى نقد الأسرة السعودية فى جلساته واجتماعاته بما يشكّل خطرا على الهرم السعودى المقلوب، مع إحتمال بأن يتطرف السادات ويتخذ قرارا مفاجئا يهزّ به الهرم السعودى المقلوب ويعجل بسقوطه . وكان لا بد من إقناع ولى الأمر (أمريكا ) بالتخلص من السادات ، وقد اصبح وقتها عبئا على السياسة الأمريكية بعد أن إستنفدوا منه كل ما يريدون . وإقتنع ولى الأمر الأمريكى بأن سير العرب فى طريق السلام مرتهن بغياب السادات حتى لا يعيّرهم بأنهم فى نهاية الأمر ساروا على طريقه . وبهذا تم إغتيال السادات ، وجاء مبارك.

وأسرع مبارك بكل حقارته يقدم فروض الطاعة والولاء للأسرة السعودية . كانت العلاقات مقطوعة بين السعودية ومصر فى بداية تولى مبارك .وقتها مات الملك خالد عام 1982 ، فذهب مبارك وهو رئيس لمصر يعزّى فى وفاته بلا دعوة رسمية ، وفيها تعرض للتجاهل التام وعدم الاهتمام ولم يحتج ، فأيقن السعوديون أنه خادم قادم جاء يقدم لهم أوراق تعيينه . عاش مبارك خادما لهم ثلاثين عاما جعل فيها مصر ضيعة لهم ،  حقق لهم مبارك ما كانوا به يحلمون فكانوا له أوفياء ..ولا يزالون .

11 ـ وانتهى الحلم بسقوط مبارك وتحقيق حلم ثورة مصرية . ولكنه بتدخل السعودية وحكم الجنرالات مهدد بأن يكون مجرد كابوس. ونتوقف فى المقال القادم مع جهود تلك الدولة التعوسية لاجهاض الحلم وإتعاس المصريين أكثر وأكثر.!. 

اجمالي القراءات 15160

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   السبت ٢٢ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61019]

وهابيتها التى منحتها سلطة تكفير الامارات الأخرى فى نجد وغيرها توطئة لاحتلاله

التاريخ   يحكي لنا كيف ان إقليم الحجاز بكل ما يحتل عند العرب خصوصا والمسلمين عموما ، فهكذا نعرف أن السعودية دولة حديثة لم يكن لها وجود قديم كما كنا نتصور فقد كانت البداية : بأن "توسعت بوهابيتها التى منحتها سلطة تكفير الامارات الأخرى فى نجد وغيرها توطئة لاحتلالها وضمها لإملاك آل سعود. وصل الاحتلال والهجوم الى حدود تسيطر عليها الدولة العثمانية إسميا فى أقاليم العراق والخليج والحجاز . بعد أن احتل السعوديون الحجاز كان لا بد أن تتدخل مصر لأنها صاحبة النفوذ فى الحجاز ، وأسقطت مصر الامارة السعودية عام 1818 ، فاكتشف السعوديون حقيقة الهرم المصرى الذى اصطدموا به باحتلالهم الحجاز. ومن وقتها أدركوا أنه لا بد لهم من التغلغل فيه من الداخل ليسهل إمتطاؤه ومن ثمّ احتلال مكانة مصر فى العالمين العربى و( الاسلامى ). " فقد أخذت الدين الوهابي ستارا لها لكي تتوسع داخل إمارات أخرى بحملات التكفير التي تبدأ بها حربها ،وهذه الاستراتيجية مازالت حتى الان تؤتي اكلها برعاية الوهابية الأم ...  فيكفي ان يتم الإيحاء للأتباع بتكفير فلان  ، أو هيئة ما ، وبعد ذلك يتم تجريدهم من كل ما لهم من حقوق ، ولم يقتصر الأمر على ذلك،  بل عليهم أ يدافعوا عن أنفسهم بالاستتابة والرجوع عن أقوالهم في فترة زمنية محددة سلفا ،وإلا كان مالا يحمد عقباه من :  تشهير وتكفير واعتقالات وتعذيب وهلم جرا ..  أي ان قرب هذه الأسرة من مصر كان وبالا على مصر وسكانها !!!!  فمصر لم تعرف غير التسامح والتعايش والحضارة في التعامل !!! حسبنا الله ونعم الوكيل


 


2   تعليق بواسطة   ميرفت عبدالله     في   الثلاثاء ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61137]

ولكن على من تقع المسئولية .

لى من تقع مسئولية تحويل مصر لضيعة تابعة للنفوذ الوهابي ؟!


هل لتصميم من يحمل هذا الفكر على اكتساب أكبر عدد ممكن من المروجين له ولعملهم الدؤب لكي تصبح مصر تابعة لهم ؟


وهل يحق لنا أن نعلقها على شماعة الظروف ؟ .


أم أنه الشيطان الذي يريد غواية ابن آدم وتحويل حياته إلى جحيم لكي يستسلم لمغرياته ويتبع خطواته ؟!


وأين إرادة المصريين الذين تخطوا الصعاب على مدى قرون طويلة وحاربوا الغازين وانتصروا عليهم وقهروهم .


المشكلة أن نسبة ليست قليلة من المجتمع المصري مخدوع في الوهابية ويحسن بهم الظن ويعتقد أنهم بمظهرهم وأفعالهم هذه يمثلون الإسلام !


فكيف النجاة من هذا المستنقع المتمثل في الوهابية ،الذي سوف لا يترك فرصة للفكر المستنير لكي يعبر عن نفسه ويصل إلى عقول الناس قبل آذانهم ؟


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,686,842
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي