آحمد صبحي منصور Ýí 2011-08-09
أولا :
1 ـ فى بداية حكم مبارك فى أوائل الثمانينيات كنت أعمل مدرسا فى قسم التاريخ الاسلامى والحضارة الاسلامية فى جامعة الأزهر ، وكان هذا القسم وقتها يتولى تدريس مادة التاريخ فى معظم كليات جامعة الأزهر ، ولما كنت شابا مفعما بالحيوية وسط أقران جاوزوا سنّ العمل الشاق فقد رحبت بقبول جدول ضخم ، فكنت أتولى تدريس مواد التاريخ داخل القسم فى كلية اللغة العربية وفى كليات أخرى فى القاهرة والزقازيق والمنوفية وطنطا. كنت سعيدا بالعمل الشاق لأن لدى ما أقوله وكان ( ولا يزال ) يثير الجدل و يحرّك الراكد من العقول . ولكن كان التصحيح فى الامتحانات هو العبء ، حيث كان مفروضا علىّ أن أقوم بتصحيح حوالى عشرة آلاف من أوراق الاجابات لجميع الطلبة فى القاهرة ( كليات فى منطقة الدرّاسة ومدينة نصر ) بالاضافة الى الأقاليم ، وكنت أضطر لحملها بنفسى فى المواصلات بالاضافة الى عملى فى كنترول الامتحانات فى الكلية التى أعمل فيها رأسا. ولم تكن لدى سيارة ـ وأذكر أنه جاء رمضان شديد الحرارة فى هذا الوقت من العمل ليل نهار . وكان بعض الزملاء يكتفى بالتصحيح وهو فى الكلية نهارا يعمل فى الكنترول ، وأذكر زميلا كان يرتدى الزى الأزهرى يتميز به عنا ، ورأيته وهو يصحح مادة التفسير لعدة مئات من الطلبة ، وكان لا يفتح كراسة الاجابة ، ولا ينظر اليها أصلا ، بل يكتفى بكتابة رقم 50 أو 55 ، اى درجة النجاح بالمقبول للجميع ، وهو يتكلم معنا دون أن يكلف نفسه عناء النظر للورقة . كنت على النقيض احرص ما استطعت على قراءة الاجابات وتقدير الدرجة المستحقة. وأذكر أنه فى تلك السنة التى جاء فيها رمضان فى الامتحانات اضطررت الى حمل ما تبقى من أوراق التصحيح وذهبت بها الى بلدتى أبوحريز فى محافظة الشرقية لاستكمل المهمة قبل عيد الفطر . وانتهت محنة هذا العام بالحصول على مكافأة التصحيح ، وكان مبلغا مهولا .!! طبقا للقواعد الموضوعة وقتئذ فإن الاستاذ الجامعى وقتها عليه أن يصحح بالمجان كمية فى حدود 300 ورقة ـ على ما أتذكر ، ثم الذى يزيد يأخذ عليه مكافأة لا تتعدى 300 جنيه أو 250 جنيه ـ لا أتذكر . المهم اننى قمت بتصحيح أكثر من عشرة آلاف ورقة وجاءت المكافأة بالحد الأقصى ، وبعد خصم الضرائب أتذكر أننى قبضت مبلغ 210 جنيها فقط . فى نفس العام كانت محاكمة رشاد عثمان ، ونشرت الصحف وقتها إنه حصل على إعفاء ضريبى قدره 5 مليون جنيه عن ( إحدى ) شحنات الخشب التى كان يستوردها . حين وصل مبارك للحكم أراد تشويه سمعة سلفه صاحب الفضل عليه انور السادات ، فلم يجد طريقة سوى الايقاع بأخ السادات (عصمت السادات ) الذى كان شريكا لرشاد عثمان . رشاد عثمان هذا بدأ من الصفر فى ميناء الاسكندرية مستفيدا من الفساد هناك واتهم بالعمل فى تجارة المخدرات ، وصار متحكما فى الميناء ، ودخل الحزب الوطنى ، واشتهر بأن الرئيس السادات قال إنه يأتمنه على الاسكندرية . علا نجم رشاد عثمان فأصبح ضحية لمبارك الذى كان وقتها يتظاهر بالعفة والنزاهة و(أن الكفن ليس له جيوب ) . وكانت محاكمة رشاد عثمان وعصمت السادات تهدف الى تلميع مبارك ووصفه بالرئيس الحريص على طهارة اليد ومحاربة الفساد الذى كان وقتها ببضعة ملايين.!! ما يهمنا هنا هو المقارنة بين عمل استاذ فى الجامعة يكدّ ويتعب شهرين فى تصحيح عشرة آلاف كراسة امتحان ثم تعصف القواعد المالية والضرائب بحقوقه ليقبض بعد عناء 210 جنيها فى الوقت الذى يأخذ فيه تاجر (أمى لا يقرأ ولا يكتب ) خمسة مليون جنيه إعفاء ضريبيا على واحدة فقط من شحنات الخشب. وماذا عن بقية الشحنات وبقية مصادر الدخل الذى لا يظهر فى الاوراق ؟
2 ـ بالطبع فقد تجاوز الوضع كل الحدود فى عصر مبارك خصوصا عندما سيطر ابناه على مقاليد الثروة والسلطة ومعهما طغمة الفساد ، والكبار منهم فى سجن طرة الآن ، وهم مجرد قمة الجبل الطافية فوق الماء وما خفى أعظم . وستأتى الأيام القادمة بالمزيد والمزيد لمن هم فى السجن الآن ومن لم يدخل السجن بعد . ويتحدثون الآن عن الفوارق فى المرتبات بين الكبار والصغار ، بين مستشارين على المعاش وخبراء فى البنوك تلتهم مكافآتهم ومرتباتهم بلايين الجنيهات وبالعملة الصعبة ، وهم عدة آلاف ، فى مقابل عشرات الملايين من الموظفين فى الحكومة و القطاع العام ، لا يزال مرتب الواحد منهم بضعة مئات من الجنيهات . وفيما يخص موضوعنا عن الضرائب فإن أولئك الموظفين المعدمين يتم خصم ضرائبهم من المنبع ، بينما يجد الكبار ألف وسيلة ووسيلة للتهرب من الضرائب .ومهما بلغ عدد المجانين فى مصر والعالم العربى ومهما بلغت درجة جنونهم فلا أتصور أن واحدا منهم يصدّق أن جمال مبارك أو زكريا عزمى أو صفوت الشريف كان يدفع المستحق عليه من الضرائب ـ لأنه ببساطة لو قام أى ثرى بدفع الضرائب فلن يكون ثريا على الاطلاق ، لأن الضرائب التصاعدية على الدخل تصادر معظم الدخل وتمنع وجود مليونير من الأصل ..
3 ـ هذه الضرائب التصاعدية بالطريقة المصرية هى بالطبع خطأ يجب تصحيحه حتى لا يكون هذا الاجحاف فى نسب الضريبة عذرا للتهرب من دفعها .هذا لوكنا نتحدث عن دولة ديمقراطية حقوقية تقوم على العدل وتمنع فرض ضريبة إلا بقانون ، وفيها برلمان ممثل للشعب بانتخاب نزيه هو الأمين على ثروة الشعب وموارد الدولة ، فيعطى الحكومة بحساب ويحاسبها على ما تنفقه من اموال كما يحاسبها على أدائها فى ادراة مصالح المواطنين وخدمة الدولة ، فى ظل نظام حكم يقوم على العدل والحرية والشفافية ومحاسبة المخطىء مهما بلغ شأنه ، وسيادة القانون فوق الجميع على قاعدة المساواة بين المواطنين فى الحقوق. هذا ما يحدث فى أمريكا وأوربا واليابان. وهذا هو الذى لا تعرفه بلاد المسلمين . من هنا لا يرى الأمريكى بأسا من دفع الضرائب لأنه يجد مردودا حقيقيا لما يدفعه فى صورة حدائق وطرقات ومرافق ، بل إن الضريبة تلعب دورا بارزا فى مساعدة محدودى الدخل ، فهنا فى أمريكا يوجد حد أدنى للدخل ، وصاحب الدخل المحدود حين يدفع عليه ضريبة رمزية يفاجأ عند الحساب بشيك من مصلحة الضرائب يفوق ما دفعه، وذلك وفقا لقواعد تجعل الضرائب عاملا أساسا فى رفع دخل الفقراء . الاحساس الهام هنا أن الأمريكى دافع الضرائب يشعر بأنه الذى ينفق على الرئيس وكبار أعوانه ، ويعرف أن من حقه أن يعرف كيف يتصرفون فى أمواله التى يدفعها. والعبارة السائدة هنا هى الحرص على أموال ( دافعى الضرائب )، هذا لأن الفلسفة هنا أن الشعب هو الذى يحكم وهو الذى يستأجر البعض لكى يدير الأمور بأجر يدفعه له الشعب ، والشعب من خلال ممثليه ومن ينوب عنه هو الذى يراقب أداء الادارة ومصروفاتها ، وهناك قضاء حرّ ومستقل عن السلطتين التشريعية والتتنفيذية ، وهناك مؤسسات أهلية وشعبية تراقب واعلام حر مستقل متأهب لأى خلل أو زلل ليفضحه وينشره على الملأ ، ثم هناك رأى عام يقظ وقوى ومتفاعل ومستعد للحركة دفاعا عن العدل والحرية .
4 ـ فى مصر وبلاد العرب والمسلمين توجد فلسفة أخرى،هى الحكم طبقا لنظرية الراعى والرعية. فى الحقيقة هناك نوعان من الرعاة ونوعان من الرعية . هناك راع بشر يرعى رعية من الماشية والأغنام ، وهناك راع من البشر ولكن يجعل من نفسه الاها مع الله جل وعلا الذى(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)(الأنبياء 23)، والرعية هنا هم بشر من حيث المظهر ولكن من حيث السلوك هم يعيشون بنفس طريقة الانعام والأغنام من حيث الخضوع والخنوع للراعى خوف عصاه . الراعى للبقر والغنم لا يكون قاسيا على رعيته ، يستخدم عصاه للتهويش والتخويف بينما تجد الراعى المستبد يتفنن فى تعذيب رعيته من البشر كى يسخرهم فى خدمته وطاعته تماما كالمواشى . ولأنهم بشر وحيوانات ناطقة تستطيع أن تتذمر أو تشكوى فالشكوى غير مسموح بها ، وطالما لا تقدر الغنم والبقر والمواشى على الشكوى فان الرعية البشرية يجب أن تكون كذلك ، ومن يتجرأ منها على التذمر فسيكون عبرة للباقين . من هنا يتميز المستبد الراعى بتعذيب رعيته بينما يتفنن الراعى للبقر والمواشى فى تدليل رعيته . الراعى الذى يرعى الماشية والأغنام ـ حرصا منه على مكسبه ـ تجده شديد الرعاية لرعيته ، يطعمها ويسقيها ويدفئها ويداويها ويعلمها ويروضها .الراعى ( الحاكم المستبد ) يضطر الى الانفاق على الرعية فى التعليم والصحة والمرافق ، ولكنه يقرن هذا بالمنّ والأذى مستكثرا ما يدفعه من امواله ، فهو مقتنع أنه يملك الأرض ومن عليها من بشر وحيوانات ومزارع وموارد . وهو بطبيعة الأحوال لا ينفق فى الموارد وبقية الخدمات إلا ما كان أكثر نفعا له وأوثق صلة به . وبينما يحرص راعى الغنم والبقر على رعاية المرضى منها فإن الراعى الآخر ( الحاكم المستبد ) يضيق ذرعا بالفقراء ويراهم عبئا ، ويتفنن من الخلاص منهم بالمبيدات المسرطنة والأوبئة والأدوية الفاسدة والتلوث وحتى العمليات العسكرية الفاشلة مقدما . وفى الوقت الذى ترى فيه الراعى للغنم والبقر حريصا على العدل والمساواة بين رعيته من الحيوانات من حيث توزيع الماء والأكل والاهتمام فإن مستبدا فاسدا مثل مبارك قام بتعمير الصحراء فى الساحل الشمالى وسيناء وخليج السويس والبحر الأحمر وعلى حواف الدلتا ليتنعم المترفون من اتباعه ، بينما تنتشر العشوائيات فى القاهرة والمدن وتتلوث القرى ونهر النيل وتنتشر الأوبئة، وتتهالك قطارات الفقراء والمواصلات البرية والبحرية و الطرق ليموت آلاف الضحايا من الفقراء ، بينما لو شكى بعض المترفين من صداع فهو يضمن علاجه فى الخارج على نفقة الدولة ومن الضرائب التى يدفعها الكادحون المحرومون .
أخيرا :
1ـ نأتى للسؤال الهام : هل يجوز للمظلوم المقهور المحروم من حقوقه دفع الضرائب لدولة يحكمها المستبد بالقهر والتسلط ؟ أقول بأعلا صوت : لا يجوز إلا فى حالة الاكراه والارغام ، بمعنى لو قدرت على التهرب من الضريبة وأنت تعيش تحت حكم مستبد فعليك ألا تدفعها. إن الضرائب التى تدفعا لمستبد عدو لك وعدو لله جل وعلا يستخدمها هذا المستبد فى تكديس بلايين لا يحتاج اليها وفى شراء أسلحة لقتلك وادوات لتعذيبك و بناء شرطة وجيش لقهرك وحماية سلطانه فوق جسدك العارى . إن لك حقوقا ، إن لم تحصل عليها فليس عليك واجبات . من حقك العدل والحرية والمساواة فى ظل قانون عادل يسرى على الجميع ، إن لم يتيسر لك ذلك فليس عليك واجبات ، ومنها واجب دفع الضريبة . قد يقال إن المستبد فى عصرنا يضطر الى الانفاق على التعليم والصحة وغيرها . ونقول إنه فى الوقت الذى يستنزف فيه عرق المواطنين بالضرائب ، ويستغل لنفسه موارد الدولة فإن ما يعطيه للشعب فى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية هو لاشىء بالنسبة لما ينهبه من خير الأرض . ولو راعى العدل بنسبة واحد فى المائة ما أخذ من المواطنين ضرائب فيكفيه استغلاله لثروة الوطن التى ينهبها بلا حساب وبلا رقيب .
2 ـ قلنا هناك نوعان من الراعى والرعية ، ومفهوم أن الرعية من البشر هى المظلومة وأن الراعى هو الظالم . ولكن هذا ليس صحيحا على إطلاقه . الصحيح أن الظالم هنا نوعان : ظالم بنفسه وظالم لنفسه. المستبد واعوانه من الزعيم والرئيس والأمير و الوزير وحتى الخفير كلهم ظالمون ضمن نوع ( الظالم بنفسه ). أما من يظلم نفسه فهو الذى يرضى بالخضوع والذل والقهر والخنوع . بل بعضهم يتعود على تحمل الظلم الى درجة تبرير ظلم المستبد والصاق الظلم بالحاشية والأتباع تبرئة للظالم الأكبر. خطره عظيم هذا الصنف الظالم لنفسه ممن يرضى بالظلم ويعيش ساكنا ساكتا أو الذى يتكلم دفاعا عن الظالم وتبريرا لظلمه لأنه هو الذى يمدّ فى عمر الظلم ، وهو الذى يجعل الطريق وعرا أمام المجاهدين فى سبيل الحرية والعدل . هذا الصنف الظالم لنفسه قد يسارع عن طيب خاطر بدفع الضرائب للحاكم المترف . إن دفع الضرائب عن رضا للمستبد عصيان لله جل وعلا لأنه إنحياز الى الظالم وتأييد له ، يقول رب العزة : (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ )( هود 113 ).
3 ـ ليس هناك مبرر للرضا بالظلم إلا عند الاكراه والعجز عن المقاومة . من لا يستطيع المقاومة عليه بالهجرة داخليا أو خارجيا . إن مات وهو ذليل مستضعف فمصيره النار إن كان قادرا على الهجرة ولم يهاجر . يقول جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( النساء 97 ـ ) ، وبالتالى ليس هناك مبرر لمن يستطيع التهرب من دفع الضريبة لحاكم مستبد فاسد ، إلا أن يكون مساعدا له فى ظلمه ومظاهرا له فى طغيانه وفى عدائه لرب العزة ، والله جل وعلا يضع الظالمين ومن يساعدهم فى منزلة واحدة يقول :(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)( الممتحنة 9 ).أكثر من ذلك هو وجوب الجهاد بالحديد لاقامة العدل بين الناس إن لم تنفع الدعوة القرآنية السلمية لاقامة العدل ، والله جل وعلا يعلم من سينصره ويقيم العدل، يقول جل وعلا :(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحديد 25 ). ويبقى بعدها عفو رب العزة لمن تاب وأناب ومن أخطأ عن جهل وبلا تعمد ، أو اضطر لذلك وقلبه مطمئن بالايمان : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الأحزاب 5 )(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( النحل 119 )( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل 106 ) .
4 ـ ودائما .. صدق الله العظيم
مفتاح هذا المقال يكمن في تحديد مفهوم الدولة المستبدة ..فالدولة المستبدة هي التي يحكمها نظام مستبد يقتل ويسرق ويعذب شعبه وبأموالهم .. أي يأخذ منهم أموالهم ظلما وعدوانا ويعذبهم بها ... أي كما يقول المثل المصري " من دقنه وأفتل له "..
وبالتالي فالمنطق يقول أن المظلوم كلما قلل من عطائه للمستبد ، كلما جعل المستبد أقل ظلماً وعدواناً .. وبالعكس كلما زاد المُستضعف من دفع الضرائب .. كلما زاد المستبد قوة وزاد المُستضعف ضعفاً ..ومن ناحية أخرى فالنظام المستبد هو نظام غير شرعي يأخذ شرعيته عنوة بقهر شعبه والبطش بهم ..
الزكاة التي يدفعها المسلم تسمى زكاة لأنها يزكي بها نفسه وأمواله ..
أما دفع المال كضريبه للمستبد يعتبر معاكس تماماً لمفهوم الزكاة ..
كأنما الضريبه التي يدفعها المستضعف للمستبد - والتي تساهم في زيادة استبداده - فإنها تدنس ولا تزكي ..
والضريبة للمستبد هي أقرب للآتاوة وإن شئت قلت هي الأتاوة بعينها ..
ومن هنا فدفعها لمستبد هو من قبيل شراء سلاح لعدوك لكي يقتلك به ..فهل ستشتري له أسلحة ..أما لا ؟؟..
فى الريف المصرى يستعين كل صاحب دخل بسيط على تكاليف المعيشة الباهظة والتى لا يكفيها دخله حتى ولو استشار كل جهابزة المحاسبة فى العالم ، فوجد هؤلاء الاشخاص طريقة بسيطة للاستعانة بها أو بمعنى أصح للتحايل بها على ظروف الحياة والمعيشة الصعبة ، بأن يقوم بفتح حجرة فى منزله البسيط على الشارع وتصبح محل ويقوم ببيع اى شيىء يمكنه بيعه فيه ، بعض البقالة او بعض الملابس او بعض الادوات المكتبية لطلبة المدارس وما شابه ذلك ، ولكن كان العائق الاساسى امامه هو الضرائب فهو يعامل ضريبيا وكأنه صاحب مشروع تجارى ضخم ويجب عليه الوفاء بالضريبة فى معادها وإلا يطبق عليه التقدير الجذافى للضريبة ، فكان امام هؤلاء خيارين أفضلهما مر وهو اما رشوة مأمور الضرائب القادم لتقدير الضريبة او دفع ضريبه عالية لا يستطيع بعدها ان يوفر ما يستحق كل هذا العناء ، اى ان ما يتبقى له بعد ذلك لن يكفيه لاعالة اسرته، فما كان من هؤلاء إلا التهرب من الضريبة وعندما يعلم أحدهم بقدوم مأمور الضرائب يبلغ الباقين ويغلقوا المحلات طوال النهار حتى يغادر هذا المأمور المكان وكنت أعيب عليهم هذا الفعل رغم معرفتى بجميع الظروف التى أدت بهم لهذا ولكن الآن بعد قراءتى لهذا المقال فقد تيقنت ان هذا الخيار وهو التهرب من الضريبة هو الحل المثالى والموافق لشرع الله فسبحان الله هؤلاء البسطاء توصلوا للحل بطريقة عفوية بسيطة .
في مصر في عهد مبارك البائد كان لابد لوزير المالية أن يكون شيخ منصر أو محترف في النصب وصناعة الحيل لجمع المال من الفقراء والبسطاء عن طريق فرض الضرائب ، ووصلت مصر للحضيض في مسألة تحصيل الضرائب على كل شيء ووصل هذا الأمر ذروته خلال العشر سنوات الأخيرة ، تم فرض ضرائب على سيارات النقل والأجرة والمشاريع الصضغيرة جدا مثل مطعم فول وطعمية أو دكان بقالة محدود أو حتى كشك سجاير ، ووصل إجرام مبارك للتفكير في تحصيل الضرائب من (الفواعليه) وهذه تسمية لكل من يعمل في الفاعل في حرفة يدوية مثل البناء أو النقاشة او المحارة أو النجارة أو الحدادة أو أي مهنة حرفية يبذل العامل فيها مجهود جبار ليحصل على قوت يومه ، كانت وظيفة بطرس غالى آخر وزير مالية في عهد مبارك البائد هو التفكير في تحصيل الضرائب من كل شيء على أرض مصر ، وكان ناقص أن يفكر في تحصيل ضرائب على الأطفال والمواليد ، وهذا يحدث بالفعل فكل مولود جديد عندما يذهب أبوه لتقييد اسمه في دفتر المواليد لابد من دفع مبلغ 50 جنيه
خلال الخمسة سنوات الأخيرة كان الحديث عن الضرائب هو لغة العصر والشارع ولا حديث للمواطنين إلا عن دفع الضرائب حتى وصل إجرام هذا النظام في التفكير في دفع ضرائب على العقارات البيوت التي يسكن فيها المصريون الفقراء بمعنى أوضح مواطن مصري ذهب إلى أي دولة عربية أو ظل يعمل مثلا خمس سنوات في الفاعل يكد ويعرق ويجمع المال قدر استطاعته ليعود ويبني لنفسه ولعائلته بيتا يحميه من البرد القارص أو حرارة الجو أو سيول المطر في الشتاء بعد حياة بائسة في بيوت بالطوب اللبن ثم يفاجيء أن الحكومة الفاسدة قد فرضت عليه تقديم إقرار ضريبي سنوى عن هذا العقار وإذا زاد تكلفة أي منزل عن ربع مليون جنيه لابد عليه من دفع ضريبة ومن لا يقدم اقرار ضريبي سيعرض نفسه للغرامة وهي الفي جنيه مصري وبالطبع يتمنى وزير المالية أن لا يقدم الفقراء إقرار ضريبي حتى يدفعوا الغرامة
هذه هي سياسة مبارك الفاسدة الظالمة كانوا يحصلون الضرائب من الفقراء من جميع المشاريع الصغيرة والكبيرة الناجحة والفاشلة من كل شيء في البلد لابد ان يدفع ضريبة
واخترعوا طريقة جهنمية سحرية للضحك على الناس باعلانات في التليفزيون الفاسد لاقناع الناس بأن الضرائب هى لمصلحة الناس وهي في الحقيقة لمصلحة الفاسدين والسارقين والمجرمين والقتلة
تفصيل ما سبق
الضرائب كما قلت تم فرضها على كل شيء في مصر حتى على مرتبات الفقراء التي لا تكفيهم عشرة أيام في الشهر
أنا كموظف في الحكومة المرتب الشهري يخصم منه ضرائب ، الكادر الخاص الذي كان سببا في تصوير المدرسين بصورة قبيحة جدا لا تليق بهم وأعتقد انها كانت مقصود المهم هذا الكادر يخصم منه ضرائب أيضا مكافأة الامتحانات يخصم منها ضرائب أيضا ، إذا منّ علينا شيخ الأزهر وصرف شهر مكافأة للعاملين بالأزهر يخصم منه نفس الضرائب أيضا ، أي منحة أو أي دخل يتقاضاه الموظف المصري لابد من خصم جزء منه للضرائب ، حتى لو كانت هذه المنحة 50 جنيه ، في بداية تولي شيخ الأزهر لمهام وظيفته صرف نصف شهر من الأساسي للعاملين بالأزهر وأنا كمثال (راتبي الأساس 215 جنيه) يعني مفروض نصف شهر من الأساسي بالنسبة لي يكون 107.5 جنيه ، لكن لابد من خصم قيمة الضرائب المعتادة أيضا وهي 10% من أي دخل يعود على الموظف لابد من خصم هذه النسبة منه إجباري دون أخذ رأي أحد
وقد صدمت منذ شهر تقريبا حينما قرأت لمسئول في الضرائب يقول أن الضرائب السنوية حوالى 180 مليار جنيه مصري ، فعلا نظام مبارك طغى في فساده وظلمه وسرقته لأموال المصريين وخصوصا الفقراء ، والإجرام في هذا أنه يسرق هذه الأموال لينعم بها الأثرياء ويتمتوعا بها وهم ليسوا في حاجة إليها ، كذلك يدفع الفقراء هذه الضرائب لتسليح الجيش والشرطة وتمويل أجهزة القمع والتعذيب التي شربت دماء المصريين على مدى ثلاثة عقود مضت لقد تفوق مبارك على فرعون مصر في كل شيء ، لأن فرعون كان أبله ولا يستطيع السيرطة على لسانه وكان يكشف نفسه أمام الناس لكن مبارك لا يتكلم ساكت وفي هدوء امتص دماء المصريين في ثلاثين عاما .
استفحل الظلم والفساد في عهد مبارك ووصل للتفكير في سرقة عرق وقوت الفقراء من المصريين وإليكم أمثلة توضيحية ععلى ذلك :
1ـ واحد مبيض محارة يعمل بذراعه كل رأس ماله هي عافيته وصحته التي منحه اياها ربنا جل وعلا لتكون سببا في حصوله على رزقه المحتوم ، لكن فساد واستبداد النظام البائد لا يرحم أجبروا مثل هذا الحرفي بعمل بطاقة ضريبية على أنه مقاول وكل عام يدفع مبلغ معين
2ـ واحد تاني اشترى سيارة نصف نقل بالتقسيط عن طريق واحد من بتوع الربا والقروض الربوية الظالمة التي يتم سداد الجنيه فيها بجنيهان إجباريا ومن منطلق المضطر يركب الصعب يوافق المواطن المسكين الفقير على شراء سيارة نصف نقل لا يملك إلا نصف أو ثلث أو ربع ثمنها ويمضي إيصالات أمانه بالمبلغ الباقي عن طريق سلفة وقرض بالربا ، لم تتركه الحكومة في حالة يسدد ديونه وأقساطه التي تشبه السكين على عنقه لكن فرضوا عليه ضريبة سموها الضريبة الإجبارية كل عام يجب دفعها عند تجديد الرخصة
3ـ واحد تالت بس اشترى سيارة أجرة بنفس الطريقة وبنفس القرض ونفس الأسلوب ويتكرر معه نفس الشيء من الحكومة ضريبة سنوية إجبارية يدفعها عند تجديد الرخصة سنويا
هؤلاء المساكين يدفعون ضرائب باهظة مقارنة بدخلهم السنوى واليومي ، فهم يدفعون ضرائب ومن هذه الضرائب يتم دعم البنزين 90 و 92 الذي يستخدمه الأغنياء والأثرياء للسيارات الفارهة ، ولا يعود على الفقراء هؤلاء أي فائدة من هذا الدعم ، ورغم أنهم يدفعون ضرائب باهظة يسدد منها فاتورة دعم الوقود بجميع انواعه إلا أنه دائما وأبدا تجد أزمات في الوقود الشعبي مثل السولار والبنزين الـ 80 أو أنابيب البوتاجاز ، ولم نسمع أو نقرأ ولو مرة واحدة عن أزمة بنزين 90 أو 92 مطلقا ، فهم يوفرون أولا احتياجات الأثرياء من مال الضرائب وبعد ذلك ما يتبقى ينفقون منه علىاحتياجات الفقراء حسب ما يكفي وشيء طبيعي جدا ان تنشب خناقات ومشاجرات بين المواطنين بسبب اختفاء السولار أو البنزين 80 من السوق
وهذه مجرد نبذة مختصرة عن الفقر والفقراء في مصر وعن فساد وزارة المالية وجهاز الضرائب الذي يعتبر من أهم أجهزة سرقة ونهب اموال الفقراء والمعدومين
أشكر الدكتور أحمد لأن مقاله هو الذي تسبب في حالة النشاط العقلي التي أصابتني قبيل كتابة هذه المداخلة ..
السلام عليكم ورحمة الله أستاذنا الكبير دكتور / أحمد صبحي منصور وكل عام وأنتم بخير .
خطرت لي خاطرة وأنا بالفعل بدأت العمل بها وهى للمقتدر الذي تسمح ظروفه المادية بدفع الضريبة أن استطاع أن لا يدفعها لهذا النظام الفاسد .
أن يخرج المبلغ المحدد للضرائب على الفقراء والمستحقين ويجب أن نتحرى المستحقين الحقيقيين وندفع لهم وبذلك نكون حاولنا مساعدة من يستحق المساعدة .
ونجونا من مساعدة المستبد الذي يقوى بأموال الشعب وبالضرائب المأخوذة عنوة وظلما ويستعين بها ضد أبناء الشعب
فشكرا لك دكتور أحمد صبحي منصور على هذا النصح والإرشاد الذي تقدمه لنا
هل يمكن للمواطن الفقير الذي يعيش حياة بالكاد ان يجد حلا بعد ثورة 25 يناير ؟؟ ألم تخرج ثورة 25 بمادئ رائعة اهمها العدالة الاجتماعية ؟ مرت على الثورة ثمانية شهور ،ولم يجد ذووا الدخل المحدود ما تطمئن إليه نفوسهم ، كل يوم تناقش الميزانية في برامج حوارية وتقدم حلولا بعضها يسهل تطبيقه ولا يحتاج لوقت ولا ميزانية إضافية كما يزعم الوزراء ، منها : تخفيض الحد الأقصى من الرواتب ورفع الحد الأدنى ، هل هذا صعب ؟؟ هل يستحيل تحقيقه ؟ ولكن لأن الحل لا يعجبهم لأنه سيجعلهم في مواجهة مع الحيتان الذين يصرفون مرتباتهم وهو جلوس في منتجعاتهم وفللهم ، نعم إن الحل بسيط لكنقول من ينفذ ؟ نحن نريد معجزة حتى يتحقق مبدا العدالة الاجتماعية ، في زمن اصبحت المعجزات فيه قليلة جدا .
1 ـ اقتراح الاستاذة نورا الحسينى رائع ، يمكن توجيه الضريبة الى الزكاة المالية التطوعية .
2 ـ اقترح على الاستاذ كتابة مقال خاص بالمعاناة من الضريبة ، مستفيدا مما ذكره من تعليقاته القيمة ، وأن يقارن بالمعلومات الواردة فى المقال عن الضرائب الأمريكية مع نظام الضريبة المصرى .
3 ـ تأكيد الشكر لكل من قام بالتعليق على المقال .
هذا الأستاذ الأزهري يتكلم في الأصل عن الزكاة ، ويفتي بفتوى قد تساعد فقراء هذا البلد ومعظمهم من الموظفين والعاطلين وهذا شيء جميل جدا ، لكن العجيب أن يقول أنه يأسف لتقسيم المسلمين إلى سلفيين وقرآنيين بعد الثورة ، وهذا الذكر للقرآنيين يدعو للتفكير لأن أول مرة يذكر داعية أو شيخ أزهري اسم القرآنيين بعد الثورة فلماذا الله اعلم ، والغريب أن المسلمين اليوم ليسوا فرقتين فقط هناك عشرات الفرق الإسلامية ، فهل هذا التقسيم يمكن أن يكون سببه أن السلفيين والقرآنيين هما أكثر التيارات تأثيرا وظهورا .؟ الله أعلم
تفاصيل الخبر هنا
www.almasry-alyoum.com/article2.aspx
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,691,046 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
"اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"
سيناريوهات ما قبل وما بعد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح
دعوة للتبرع
صبرا يا شباب: لكثرة الفتن و المغر يات التي نقابل ها نحن...
نحن والشيعة : ملا 40;ی ن من الش 40;عة قد سمّوا نهج...
مسألة ميراث: شخص متوفي وهو ليس متزوج ولا عنده اولاد وله خمس...
زى الصلاة: ما ردك على من يوجب لبس الحجا ب في الصلا ة وهل...
الملحدون قادمون .!!: (1 ) يسعدن ي أن أبدي إعجاب ي بالمج هود الذي...
more
أحبتى
اعترف بأننى لم أعد على علم بتطورات قانون الضرائب فى الاعوام الأخيرة وهل تم فيه اصلاح ام ظل على هيئته (الناصرية ) التى كانوا يعاملوننا بها منذ ربع قرن. واقتراحات لاصلاح الضرائب فى مصر فى عهدها الجديد .
أرجو من الاستاذ حمدى البصير ان يتفضل بالكتابة فى هذا الموضوع لو شاء . وهى دعوة لمن شاء من الأحبة لكى يكتب ونتعلم منه .