آحمد صبحي منصور Ýí 2011-01-11
القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم
( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) ( الحاقة 28 : 29 )
أولا :
1 ـ استولى البويهيون الشيعة على معظم أملاك الدولة العباسية فى ايران والعراق ، وتحكموا فى الخلافة العباسية ردحا من الزمن .البويهيون، بنو بويه: سلالة من الديلم (إيرانيون) حكمت في غرب إيران و العراق فى القرن الرابع الهجرى .
جدهم الأعلى Ã أبو شجاع بويه، وكان قائدا أثناء عهد الدولتين السامانية ثم الزيارية. ثم استطاع ثلاثة من أبنائه الاستيلاء على السلطة في العراق و فارس. واعترفت بنفوذهم الخلافة العباسية الواهنة فى ذلك الوقت ، وكان من العادة أن يخلع عليهم الخليفة العباسي ألقاب السلطنة. عماد الدولة بن أبى شجاع استولى على فارس والابن الثاني حسن ركن الدولة استولى على الري و همذان و أصفهان. وأخيرا، استولى أحمد معز الدولة (932-967 م) بدوره على العراق، الأهواز (الأحواز) وكرمان. ثم قام بالاستيلاء على بغداد وأعلن نفسه حاميا على الخلافة .
2ـ (علي بن خسرو ) المشهور بلقب (عضد الدولة )هو اشهر سلاطين بنى بويه ، ليس فقط لأنه ضم معظم العراق لسلطانه وتحكم فى الخلافة العباسية و الخليفة العباسى ، ولكن أيضا لما تفرد به من شجاعة وذكاء وثقافة وثروة وجاه . وقد شهد عام 372 وفاة عضد الدولة البويهى .
3 ـ قبيل موته ، وفي يوم الخميس ثامن عشر المحرم عام 372 هجرية ـ فتح عضد الدولة الماء الذي استخرجه من نهر الخالص الى داره وبستان الزاهر. وفي يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل بل لليلة خلت من ربيع الآخر: فتح المارستان الذي أنشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام ورتب فيه الأطباء والمعالجون والخزان والبوابون والوكلاء والناظرون ونقلت إليه الأدوية والأشربة والفرش والآلات.
بعدها ، وفي شوال 372 توفي عضد الدولة، فكتم أصحابه موته ثم استدعوا ولده صمصام الدولة من الغد إلى دار المملكة وأخرجوا أمر عضد الدولة بتوليه العهد ، وروسل الخليفة العباسى الطائع فى الموافقة على تولى صمصام الدولة ملك أبيه عضد الدولة ففعل ، وبعث إليه خلعًا ولواء وعهدًا بإمضاء ما قلده إياه أبوه .وجلس السلطلن الجديد صمصام الدولة جلوسًا عامًا حتى قرئ العهد بين يديه وهنأه الناس واستمرت الحال على إخفاء وفاة عضد الدولة إلى أن تمهد الأمر.
4ـ عضد الدولة هو أول من خوطب في الإسلام بشاهنشاه ، أى ملك الملوك . وكان دخوله إلى بغداد في ربيع الأول سنة 367 ، وخرج الخليفة العباسى الطائع إليه متلقيًا له ولم يتلق سواه . وعهد اليه الطائع بالولاية وأمر أن يخطب له على المنابر ببغداد ، وهذه سابقة لم تحدث من قبل ، بل أذن له الخليفة في ضرب الطبل على بابه في أوقات الصلوات الثلاث الظهر والعصر والمغرب .
كانت الظروف هى التى مهدت له تلك المنزلة . إذ دخل بغداد وقد استولى الخراب عليها وعلى القرى التابعة لها بسبب الفتن والثورات وقيام أعراب بنى شيبان بقطع الطريق ، فقام عضد الدولة بهزيمتهم ، وأسر منهم ثماني مائة رجل .
5 ـ وقرن استتاب الأمن بالتعمير ، فقام باصلاح ما سبق تخريبه ، وتجديد الحصون وتعمير التلال وبناء القصور المهدمة وزراعة البساتين والحدائق فى الخرابات والأماكن المهجورة ، وأمر بحفر الأنهار التي دثرت وعمل عليها أرحاء الماء أى السواقى التى تصعد بالماء الى القصور والحصون والبيوت و المزارع. وحول من البادية قومًا فاسكنهم بين فارس وكرمان فزرعوا وعمروا البرية . وعمل الجسر وبنى القنطرتين العتيقة والجديدة على الصراة .
وكان بجكم ـ أمير الأمراء الذى تحكم فى بغداد والخلافة من قبل ـ قد عمل مارستانا أى مستشفى ، فشرع فيه ثم مات قتيلا قبل إتمامه ، فأتمه عضد الدولة وجلب إليه ما يصلح لكل فن ، وعمل بين يديه سوقًا للبزازين أى تجار الحرير. ووقف عليه وقوفًا كثيرة وعمل له أرحاء بالزبيدية تمده بالماء من نهر عيسى ووقفها عليه .
6 ـ ورفع الجباية عن الحجاج ، وكانت تؤخذ منهم الضرائب ، بل وأقام لهم المنازل في الطريق وحفر المصانع والآبار ، وأطلق الصلات والصدقات لأهل الحرمين وأدار السور على المدينة وكسا المساجد ، ورتب مرتبات للمؤذنين والقراء ، وأكثر من الصدقات وربما تصدق بثلاثين ألفًا ، وتصدق مرة بثلاثين بدرة ذهب .
7 ـ وأسّس جهاز مخابرات قويا ، فكانت أخبار الدنيا عنده ، خصوصا ما يقال عليه ، حتى أن رجلًا بمصر ذكره بكلمة فاحتال حتى جاء به الى بغداد ووبخه عليها ثم رده ، فكان الناس يحترزون في كلامهم وأفعالهم من نسائهم وغلمانهم خوف أن يكونوا عملاء وجواسيس لعضد الدولة.
8 ـ وتحرّى العدل مع الحزم فكان شديد الهيبة ، خصوصا مع اعوانه. والعادة أن أعوان السلطان هم أسرع الناس فى الظلم واستغلال النفوذ، ويتمتعون بحماية السلطان أو تغاضيه عن ظلمهم معتبرا ذلك من هيبة الحكم ، ولكن عضد الدولة رأى العكس ، وهو أن الهيبة هى فى تحقيق العدل والقسوة فى معاملة جنده وأتباعه إن استطالوا على الناس ، فلو لطم أحدهم إنسانًا قابله أشد مقابلة. ورأى الناس حزمه مع أتباعه فكفّ الظالمون الصغار عن ظلمهم ، بل كفّ الناس عن التظالم ـ على حدّ قول ابن الجوزى ، وهو الذى ننقل عنه سيرة عضد الدولة.
9 ـ ويقول ابن الجوزى عنه إنه كان محبا للمعرفة والثقافة التاريخية ، فكان يبحث عن أشراف الملوك وينقب عن سرائرهم ليتعلم منهم .وإنه كان غزير العقل شديد التيقظ كثير الفضل بعيد الهمة محبًا للفضائل مجتنبًا للرذائل . وكان مشهورا بالذكاء الخارق ، وكانت له حيل عجيبة في التوصل إلى كشف المشكلات . وقد ذكر المؤرخ ابن الجوزى نماذج منها فى كتابه (أخبار الأذكياء ).
وكان يحب العلم والعلماء ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراء فرغب الناس في العلم. وكان هو يتشاغل بالعلم ، فوجد له في تذكرة كتب فيها : ( إذا فرغنا من حل أقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم . وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدقت بخمسين ألف درهم . وكل ابن يولد لنا كما نحب أتصدق بعشرة آلاف درهم . فإن كان من فلانة فبخمسين ألف درهم . وكل بنت فبخمسة آلاف فإن كان منها فبثلاثين ألفًا ).
وكان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء . وكان يحب الشعر فمدحوه كثيرًا .. ويقول ابن الجوزى عنه : ( وقال شعرًا كثيرًا . ونظرت في جميعه ) وذكر بعض أبيات من شعره ، ثم قال : ( وليس شعره بالفائق ).
10 ـ وذكر جدول عمله اليومى؛ إذ كان يباكر دخول الحمام فإذا خرج صلى الفجر ، ودخل إليه خواصه، فإذا ظهرالنهار سأل عن الأخبار الواردة ، فإن تأخرت عن وقتها قامت عليه القيامة وسأل عن سبب التعويق فإن كان من غير عذر أنزل البلاء عليهم . وكانت الأخبار تصل من شيراز إلى بغداد في سبعة أيام ، وتحمل معهم الفواكهة الطرية . ثم يتغدى والطبيب قائم ، وهو يسأله عن منافع الأطعمة ومضارها . ثم ينام فإذا انتبه صلى الظهر ، وخرج إلى مجلس الندماء والراحة وسماع الغناء وكذلك إلى أن يمضي من الليل صدر، ثم يأوي إلى فراشه. فإذا كان يوم الموكب والخروج للناس برز للأولياء فلقيهم ببشر معه هيبة .
11 ـ وشأن مستبدى عصره كان يقتل البرىء او غير المستحق للقتل لأهون سبب ،( ظنًا منه أن ذلك سياسة فيخرج بذلك الفعل عن مقتضى الشريعة)ـ على حدّ قول ابن الجوزى ، حتى أن جارية شغلت قلبه بميله إليها عن تدبير المملكة فأمر بتغريقها .وأخذ غلام من أتباعه بطيخًا من حقل رجل غصبًا فضربه بسيف فقطعه نصفين.
وكان مع صدقاته وكرمه يدقّق فى الحساب ، وينظر في الدينار وينافس في القيراط .
12 ـ وبلغ ملكه كرمان وفارس وعمان وخوزستان والعراق والموصل وديار بكر وحران ومنبج . وجاوزت ثروته المعروف وقتها ، وكانت تتزايد بالتعمير. و بلغ دخله في السنة ثلثمائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم فقال: أريد أن أبلغ إلى ثلثمائة وستين ألف ألف درهم ليكون دخلنا في كل يوم ألف ألف درهم (أى مليون درهم يوميا ). وفي رواية أنه كان يرتفع له كل عام أثنان وثلاثون ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار .
13 ـ ومات عضد الدولة شابا فى السابعة والأربعين من عمره تقريبا .
وحين حضرته الوفاة جعل يقول: (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه)
وظل يرددها إلى أن توفي في آخر يوم الاثنين من شوال عام 372 .
أخيرا ..!
1 ـ فى عصرنا الراهن البائس لا يوجد مستبد شرقى عاش فى مثل جاه وعزة عضد الدولة ، وربما لا يوجد الآن من يدانيه فى عدله وثقافته . ولكن بالتأكيد هناك من الحكام وأقاربهم وأتباعهم من يزيد دخله على دخل عضد الدولة ، برغم أن ملك عضد الدولة شمل العراق وايران وشرق ايران وشمال العراق وجنوبها أيضا. بل هناك من التجار العرب الأثرياء من يزيد دخله على دخل عضد الدولة ..فهل يتصدّق أثرياء المسلمين اليوم بمثل ما كان يتصدق به عضد الدولة ؟
ولقد مات عضد الدولة وهو دون الخمسين ، وهناك من المستبدين العرب من وصل للسلطة وهو فوق الخمسين أو فوق الثمانين ، ومع ذلك ليست له حكمة ذلك الشاب عضد الدولة ، وليست له ثقافته وحبه للقراءة والمعرفة ، بل يتباهى حسنى مبارك بأنه لا يحب القراءة ، وهناك ملوك آخرون ـ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ـ وهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة .
2 ـ وكعادة كل البشر فلقد أفاق عضد الدولة عندما أتاه اليقين ـ أى الموت ـ .ولأنه كان مثقفا ومتحريا للعدل حسب امكاناته ومناخ عصره فقد ارتفع صوته بالندم وظل يهتف بعد فوات الأوان : (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) .
ونتساءل : ماذا سيقول عند الموت أشخاص مثل الملك عبد الله السعودى والملك عبد الله الأردنى والرئيس مبارك والرئيس القذافى و الرئيس بن على والرئيس بوتفليقة والرئيس فلان والأمير فلان .
ونتساءل أيضا :
هل فعلا فكّر أحدهم أنه سيموت ؟ أم يعتقدون أن الموت لن يدركهم ؟
وإذا كان الموت حقيقة لا يمكن انكارها او الفرار منها فلماذا يكدسون كل تلك البلايين السحت ؟ هل لتأمين مستقبل الأولاد ؟ ولكن للأولاد ملايين وبلايين . هل لينفقوها عند الحاجة ؟ ولكنهم ليسوا فى حاجة ، لأنهم يعيشون مجانا . هل لمجرد الانفاق ؟ ولكن لو أنفقوا ملايين كل يوم ـ فيما تبقى لهم من عمر ، وهو قصير ـ فلن تتناقص ثرواتهم التى تزداد مع مطلع كل شمس . هل لأنه لا يوجد فقراء حولهم مسلمون وغير مسلمين مستحقون للصدقة ؟ إذن أين هم من مجاعات الصومال وغير الصومال ، بل أين هم من الجوعى داخل بلادهم ، وكيف ذلك وهم الذين أفقروا شعوبهم وقهروها ، وامتصوا دماءهم فى ضرائب ومظالم .!
3 ـ لا أدرى لماذا تتقدم البشرية الى الأمام فى العلوم والآداب والحضارة والديمقراطية وحقوق الانسان والتعامل الخلقى السامى .. ونحن دون العالمين نتقدم الى الخلف ؟ بل إن نماذج عظيمة من تاريخنا الماضى لا نستطيع تحقيقها .. فأين المستبد العربى الراهن من عضد الدولة ؟! بل أين هامات مستبدى العرب الذين بلغوا أرذل العمر وهم يحنون الهامات لحكام اسرائيل وامريكا من حذاء الشاب ( عضد الدولة ) ؟
4 ـ معنا القرآن الكريم ـ وكفى به واعظا فى واقعنا المعاش ـ ولكن ( نسخته ) على حد زعمهم سنتهم الأرضية ، ولذا فإذا كان القرآن يحذرنا مقدما من يوم يقول فيه الظالم (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) فإن سنتهم الأرضية تؤكد أن من زنا وسرق دخل الجنة رغم أنف أبى ذرّ.
5 ـ ولا عزاء لأبى ذر ..
رغم الكراهية للاستبداد الذي يخالف القرآن والفطرة السليمة .. إلا اننا نفضل هذا النوع من المستبدين ( عضد الدولة ).. الذي يقسوا على وزرائه ويطالبهم بالعمل المتواصل ..
هذا النوع من المستبدين يقيم دول ويترك آثار تدل عليه ويتحول إلى أسطر في التاريخ تعكس مجهوداته ..
هذا النوع من المستبدين يجعلنا نتحسر عليهم اليوم .. بعدما رزقنا الله بمستبدين تنهار الدول في عصرهم وبأيديهم وبسياساتهم ..!!
مستبدين اليوم أغبياء في عصر العلم ، ومستبدين الأمس أذكياء في عصر الغباء .. فهل يستوون مثلاً
يقول المستشرق متز – في كتاب الحضارة الاسلامية –
كان عضد الدولة يمثل الحاكم تمثيلا حقيقيا فقد حرص على جمع الاخبار وايصالها بسرعة غير معهودة، فكانت تنتقل بين بغداد وشيراز ببلاد فارس في سبعة ايام اي بمعدل 150 كيلومتر في اليوم الواحد بعدما طهرت الطرقات من السراق واللصوص ومحي اثر قطاع الطرق ووطد الامن في صحراء الجزيرة العربية واصبحت لقوافل الحجاج سواقي مياه بعدما حفروا الابار وفجروا الينابيع واقاموا السدود كما امر عضد الدولة ببناء سوق البزازين في بغداد والزم ابناء الشعب ببناء دور سكنية لهم ومن قصرت يداه اقرضته الدولة من بيت المال. ومن اعماله الاصلاحية ازالة مطارح الاوساخ والقاذورات من مختلف مناطق بغداد وتحويلها الى مناطق خضراء رحبة جلب اليها من بلاد فارس مختلف انواع المغروسات. كما امر ببناء الجسور والقناطر واقامة نظام السقاية فكان باعثا قويا لجذب جماعات غفيرة من عرب البادية الرحل الى الاراضي المستصلحة وتشجيعهم على حياة الاستقرار وممارسة الزراعة ، وكان ضمن اعماله العمرانية اهتمامه ببناء الجوامع واقامة دور ضيافة لاستقبال القادميين من الزوار الى العتبات المقدسة في العراق، فضلا عن انشائه معابد لليهود وكنائس للنصارى ومساعدته اياهم في شتى المجالات... وكان يوزع المال سنويا على الأرامل واليتامى... ويتبرع للحجاج الحفات سنويا ثلاثة الاف دينار لشراء الأحذية وعشرة الاف درهم لتكفين الموتى من الفقراء ولم يمر بماء جار الا وبنى بجانبه قرية وكان يمد المال الى اصحاب الدور الكائنة على طريق الحج ليقدموا العلف الحيواني لدواب المسافرين الى بيت الله الحرام.
هذا خلافا لما ذكر في المقال عن بناء المارستان أو المستشفى ، فهو حاكم أخذ طريق الاصلاح في بلده وتوفير احتياجات الناس لكنه رغم هذا اختلط عليه الأمر فلم يقدم شيئا لنفسه ولذلك صرخ بالندم عند موته
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته المستشرقة الألمانية "سيجريد هونكه"
في كتابها "شمس العرب تطلع على الغرب" عن مريض كان يعالج في أحد مستشفيات قرطبة كتب رسالة إلى أبيه يصف له ما وجده من غيابه في المستشفى، يقول:
"لقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة، وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرض إلى قسم الرجال، فحمّني حمامًا ساخنًا، وألبسني ثيابًا نظيفة من المستشفى، وحينما تصل ترى إلى يسارك مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة حيث يحاضر الرئيس في الطلاب، وإذا ما نظرت وراءك يقع نظرك على ممر يؤدي إلى قسم النساء، ولذلك عليك أن تظل سائرًا نحواليمين، فتمر بالقسم الداخلي والقسم الخارجي مرورا عابرا، فإذا سمعت موسيقى أوغناء ينبعثان من قاعة ما، فادخلها وانظر بداخلها، فلربما كنت أنا هناك في قاعة النُقَّه (جمع ناقه) حيث تشنف آذاننا الموسيقى الجميلة ونمضي الوقت بالمطالعة المفيدة.. واليوم صباحًا جاء كالعادة رئيس الأطباء مع رهط كبير من معاونيه. ولما فحصني أملى على طبيب القسم شيئًا لم أفهمه، وبعد ذهابه أوضح لي الطبيب أنه بإمكاني النهوض صباحًا، وبوسعي الخروج قريبًا من المستشفى صحيح الجسم معافى، وإني والله لكاره هذا الأمر، فكل شيء جميل للغاية ونظيف جدًا، الأسِرّة وثيرة وأغطيتها من الدمقس الأبيض، والملاء بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المستشفى تجد الماء جاريًا فيها على أشهى ما يكون، وفي الليالي القارسة تدفأ كل الغرف...".
وكانت تلك البيمارستانات تُرصد لها الأوقاف؛ ليصرف من ريعها على رواتب الأطباء والعاملين، علاج المرضى، وخصص لإدارتها ناظر يقوم على أمرها وعلى الأموال والأوقاف المخصصة لها، وكان هذا المنصب من الوظائف الديوانية العظيمة في الدولة لا يُختار له إلا الأكفاء من ذوي القدرة والأمانة.
خلال عمري القصير ومن خلال معرفتى القليلة للأشخاص وعن طريق قدرتي المتواضعه لقراءة طبائع الناس وطريقتهم فى الحياة ، فقد بحثت فى عقلى المحدود فوجدت نموذجا لا يزال على قيد الحياة يشبه نسبيا (عضد الدولة) لكن مع الفارق فعضد الدولة أسس المستشفيات والديار وساهم في مساعدة الفقراء والمحتاجين وأخرج الصدقات على أهل دولته ، لكن شخصيتى اختزل ما فعله من أعمال على أسرته فقط أولاده وأحفاده فقط لا غير ، فهو غنى وثري جدا وينفق على أولاده وأحفاده ببزخ شديد ولا يؤخر لهم طلب ورغم هذا يعيش حياة كئيبة تملؤها الآلام والوحدة القاتلة فهو رغم أنه يساهم فى إسعاد غيره بالمال لا يستطيع أن يعيش سعيدا لأن أبناءه يريدون ماله فقط ولا يريدون مجالسته أو مشاهدته فأصبح لديهم مصدر للمال فقط ، وهو طعن فى السن ولم يقدم لنفسه ما يقابل ربه جل وعلا ، وذلك بأن يساعد أقاربه وأهل بلدته من الفقراء والمعدمين والمساكين من أقرب الأقرباء ، لكنه يرفض كل الرفض بل وينهرهم ولا يحب مقابلتهم أو محادثتهم
فهو رغم علمه لا يستطيع أن يقول كلمة حق يساهم بها فى تصحيح عقائد الناس فهو يريد الدنيا ويحب احترام وتقدير الناس له هذا أهم وأفضل عنده من الآخرة فلو مات من الممكن أن تكون نهايته مثل عضد الدولة ويندم حيث لا ينفع الندم
لنا دائما في القرآن الكريم وآياته البينات الحكمة والموعظة الحسنة .
فقصة قارون فيها من العبر والعظات الاجتماعية من الواقع الذي لا مفر من أن نتعلم منه وأن نتعظ ونقوم سلوكنا المعوج لو أردنا الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة ، فهذه الآيات الكريمات نتعلم منها الكثير وما يجنبا من الوقوع في الخطأ وتمني النعمة التي في يد الغير
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) 83. القصص
فالآخرة كما أخبرنا الله تعالى من يريدها ويعمل من أجلها لا يستعلي في الأرض ولا يفسد كما فعل خلفاء المسلمين في العصرين الأموي والعباسي وما تلاهما من ممالك إسلامية وما فعله قبلهم قارون منذ أكثر من ثلاثة آلاف عاما
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,686,702 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الموت كتاب مؤجل: لي سؤال في ما يخص ما قمتم بنشره في كتابك م ...
الدعاء فى الصلاة: انا اعلم انكم قلتم الصلا ة كما هي ماعدا هجص...
لا قتل لتارك الصلاة: هل حقّا تارك الصّل اة يجب قتله ويعتب ر ...
دم / دماء : هل هناك فرق بين كلمة ( دم ) وكلمة ( دماء ) فى...
عن زواج ملك اليمين: لماذا فضّل القرآ ن الكري م الزوا ج من الحرة...
more
عضد الدولة حاكم من القرون الوسطى ، تشبع من ثقافتها ونهم من معارفها ولكنه في النهاية مرض بمرضها ..
ورغم كل ماا قيل عنه من خير .. إلا ان قتل برئ راحد يساوي قتل الناس جميعاً ، فهل دا بخلدعضد الدولة هذه الآية الكريمة ؟؟" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) المائدة "..
هل ذكر أحد شيوخ عصره لعضد الدولة هذه الآية الكريمة وتدارسها معه ..؟؟
مع تعاطفي الشديد مع عضد الدولة إلا أنني أراه ابنا لبيئته رغم أنه أخذ أحسنها..
ما ذنب الجارية التي أغرقها لأنه يهواها ولا يريد أن ينشغل بها عن ملكه ودولته ، وما ذنب الغلام الذي قطعه نصفين لأنه سرق بطيخة ..هل أنزل الله له سلطان بهذا ؟؟