وظيفة القضاء‏ ‏بين الاسلام و المسلمين :
( المقال الرابع ) ضمير ‏القاضى المسلم

آحمد صبحي منصور Ýí 2009-09-09


 

مقدمة :
نتحدث هنا عن ضمير‏ ‏القاضى المسلم ‏الذى ‏يختار‏ ‏الحكم‏ ‏المناسب‏ ‏للحالة‏ ‏المطروحة‏ ‏أمامه‏، ‏والذى ‏يتحرى ‏العدل‏ ‏فى ‏أحكامه‏ ‏على ‏الناس‏.
هذا القاضى نشأ فى مجتمع يملك دولته ويديرها ، والقاضى في هذه الدولة من (أولى الأمر ) بل فى مقدمتهم . هذا يدعونا الى مزيد من التدبر فى جملتين من القرآن الكريم (وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) و(لِيَقُومَ النَّاسُ &Egravte;ُ بِالْقِسْطِ ) لنتفهم اكثر أهم وظيفة للدولة الاسلامية ،وهى وظيفة القاضى .
 
أولا :
القاضى نتاج مجتمع يقوم بنفسه يحقق القسط طاعة لله جل وعلا :
هنا نتوقف مع معنى (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) فى قوله جل وعلا : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)( الحديد 25 ). بايجاز نقول :
1 ـ الهدف الوحيد من ارسال الرسل وانزال الكتب السماوية هو (أن يقوم الناس بالقسط ).
2 ـ معنى أن (يقوم الناس بالقسط ) هو قدرة المجتمع بنفسه على إقامة القسط نتيجة إيمانه بالرسالة السماوية الداعية لاقامة القسط .
3 ـ وإقامة القسط تبدأ بنشر ثقافة القسط المستمدة من القيم العليا التى يحث عليها رب العزة فى كتابه باعتبارها المعروف المأمور به ، ومنع الظلم والاستبداد وكل أنواع المنكر المنهى عنها.
4 ـ إقامة القسط بين الناس تشمل كل أنواع العدل ، فالقسط فى السياسة يعنى الديمقراطية المباشرة ، والقسط فى الاقتصاد يعنى حرية السعى فى سبيل المعاش واستغلال موارد المجتمع بأمثل طريقة لفائدة المجتمع ، وتكافؤ الفرص ، وحق الفقراء والمساكين وغيرهم فى التكافل الاجتماعى. وأقامة القسط على المستوى الفردى فى التعامل بين الجيران و داخل الأسرة وفى العمل وفى الييع و الشراء وسائرمستويات التعامل الاقتصادى ، و حتى فى التعامل مع البيئة والموارد الطبيعية بعدم تجاوز الميزان (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ  )(الرحمن 7 : 9 ) أو التوازن البيئى .
5 ـ إقامة الناس لكل أنواع القسط يستلزم مجتمعا حيّا نشطا حرّا متفاعلا بالحركة ، تدفعه ثقافة ايمانية بأن العدل هو أساس شرع الله جل وعلا وأساس كل الرسالات السماوية ، وأساس حفظ المجتمع وحمايته ، وراحة أبنائه وأمنهم ، بعكس الظلم الذى يجعل المستبد خائفا من شعبه ويجعل الشعب خائفا من المستبد ، ويتطور خوف المستبد الى تحصين نفسه بالمزيد من إرهاب الناس وظلمهم وكلما تضاعف ظلمه تضاعف رعبه وخوفه الى أن يسقط ،أو يسقط المجتمع فى الفوضى.
6 ـ إقامة الناس للقسط يعنى المساءلة لكل مسئول من اولى الأمر ، فتحقيق القسط قد يعنى وجود ظلم أو حقوق ضائعة أو تفريط فى المسئولية . وبالتالى تكون وظيفة القضاء هى أبرز مهام الدولة فى الاسلام . وهى تتنوع لتشمل الفصل فى الخصومات بين الأفراد مدنيا وجنائيا ، والفصل فى النزاع بين الأفراد وأجهزة الدولة ، والعكس، والنزاعات بين المجموعات ، وبين أجهزة الحكم أو (أولى الأمر)، أى تمتد اختصاصات القضاء وتتنوع من شئون الأسرة والشجار بين الزوجين وحضانة الأطفال الى مراقبة أجهزة الدولة لبعضها البعض ، فالكل مسئول والكل مساءل ، ولا أحد فوق القانون.
هذه هى الخلفية التى يتكون فيها ضمير القاضى فى الدولة الاسلامية الحقيقية، وهو فيها أهم أجهزة الدولة ، ولكنه مساءل فى أحكامه أمام هيئات أخرى من الناس ، فالله وحده هو الذى لامعقب لأحكامه (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ  ) ( الرعد 41 ).
ثانيا :
القاضى أحد أولى الأمر :
هنا نتدبر قول الله جل وعلا :  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )  ( النساء 58 : 59 )
الآية الأولى هنا تأمر بتأدية الأمانات ( الحقوق) لأصحابها ، وأن يحكم المسلمون فيما بينهم بالعدل ، وأن هذا هو نعم الوعظ وأجمل النصح ، وأن الله جل وعلا هو الذى يراقب ويسمع ويرى مبلغ تطبيقهم للعدل وإعطاء الحقوق لأصحابها .
الملاحظ هنا أنه جل وعلا لم يقل( تأدية الأمانة ) ولكن قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).
استعمال لفظ ( الأمانة) مفردا جاء فى القرآن الكريم بمعنى التكليف للانسان وحريته فى الطاعة والمعصية ومسئوليته أمام الله جل وعلا يوم القيامة (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) ( الأحزاب 72 ). وتأتى أيضا مفردة فى وجوب أن يعطى الفرد الأمانة التى عنده لمن إئتمنه عليها (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ) ( البقرة 283 ).
ولكن يتغير المعنى حين تكون بالجمع ( أمانات ) وحين يكون الخطاب للمؤمنين فى مجتمعهم ودولتهم ، هنا يأتى التحذير للمؤمنين من خيانة الأمانات، وتكون تلك الخيانة ليست موجهة فقط للمجتمع ولكن لله جل وعلا و رسالته ، وهذا هو معنى قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (الأنفال 27 ). وفى المقابل فالمؤمنون المفلحون الفائزون بالجنة يوم القيامة هم أولئك الذين يراعون العهد والأمانات ،ووقد تكرر هذا مرتين فى القرآن الكريم : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )( المؤمنون 8 ، المعارج 32 ).
الواضح هنا من السياق ارتباط الأمانات بالعهد ورعايتهما وأن الخيانة هنا تكون خيانة لله جل وعلا ورسوله.أى إن الأمر ليس مجرد مال أودعه شخص عند شخص ، فقد جاء ذلك فى تشريع تفصيلى خاص بالتعامل المالى والديون و كتابتها ( البقرة 282 : 283 ).
الأمر هنا يتعلق بحقوق الناس أو حقوق الانسان المقررة ضمن منظومة القيم العليا فى الاسلام ، أو المعروف المأمور به والمنكر المنهى عنه . هذا فى السياق العام لمصطلح الأمانات .
أما فى السياق الخاص داخل الآية نفسها فالتوضيح داخل الآية نفسها ، فالأمر بتأدية الأمانات يشرحه الأمر التالى وهو الحكم بين الناس بالعدل ،( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) فبالعدل يتم إعطاء الناس شتى حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية .
وتلك وظيفة القضاء فى الاسلام: أن يتمتع كل مواطن فى الدولة بكل حقوقه ، بما فيها حقوقه المالية إذا استودع شخصا أمانة فجحدها ذلك الشخص ، عندها يقوم أولو الأمر فى السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بإلزام الجاحد تأدية الأمانة لصاحبها بالعدل.
ولأن عدم تأدية الأمانات خيانة لله جل وعلا و رسوله وتشريعه وكتابه فلا بد للمؤمنين من الطاعة فى تنفيذ الأمر . لذلك تأتى الآية التالية تامر بطاعة الله جل وعلا فيما أنزله فى رسالته التى بلّغها رسوله عليه السلام ، والتى بعد موت خاتم النبيين يكون تنفيذها بيد أولى الأمر من داخل المؤمنين ، يقول جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ). المطاع هنا واحد ، هو الله جل وعلا فى رسالته السماوية ( القرآن الكريم ) والتى يقوم عليها أولو الأمر من داخل المؤمنين . أى ليست طاعة لأشخاص وانما طاعة للواحد القهار.
والعصيان هنا بعدم رعاية العهد والأمانات (أى عدم إعطاء حقوق الناس )هو خيانة لله جل وعلا و لرسوله .
وليست أمور التعامل بسيطة واضحة ، بل تكون أحيانا معقدة وشائكة و تستدعى التنازع ، عندها يتم التحاكم الى كتاب الله ، أى القرآن الكريم ،أو بالتعبير القرآنى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ). التحاكم يكون دائما للقرآن الكريم فقط (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 114 ) ،أى فالتحاكم الى القرآن هو التحاكم الى الله جل وعلا عند الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) ( الشورى 10 ) 
ولا يعنى التحاكم الى القرآن الضمان الحقيقى للعدل و رد الحقوق لصحابها وحل النزاعات بين المسلمين ، ولنتذكر كيف رفع عمرو بن العاص المصاحف على أسنة الرماح فى معركة (صفّين) طالبا الاحتكام لكتاب الله جل وعلا ، وكانت خدعة استباح فيها عمرو بن العاص حرمة الكتاب الكريم ، واستخدمه كيدا وعدوانا وخيانة لله تعالى ورسوله ،ولا يزال الاستخدام السيىء للقرآن تجارة رابحة .
ومن هنا نتوقف بكل إكبار لقوله جل وعلا فى تذييل الآية (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) أى يكون الاحتكام الى كتاب الله مدفوعا ومقترنا بالايمان بالله جل وعلا و اليوم الآخر ، بما يعنى أن كل حطام الدنيا لا يستحق لحظة عذاب فى النار أو لحظة نعيم فى الجنة .
نعيد التاكيد هنا فى موضوع (أولى الأمر ) على الآتى :
1 ـ أن ( الأمر ) هنا ليس الحكم ولكنه الشأن ، فأولى الأمر هم أصحاب الشأن المتخصصين فيه،أو اهل الخبرة ، ومنهم من يكون متخصصا فى القضاء ، ومنهم من يكون خبيرا فى الأمن ، وفى دولة النبى محمد عليه السلام الاسلامية كان من المنافقين من تخصص فى نشر الاشاعات ، وقد كان لهم دور خائن فى محنة المسلمين فى حصار الأحزاب للمدينة حتى لقد حذرهم رب العزة من ترويج الاشاعات ( الأحزاب 13 ـ ، 18 ـ ، 60 )، وكان هناك خبراء فى الشئون الأمنية فى دولة الاسلام فى عصر خاتم المرسلين ، وقد تجاهلهم المنافقون أصحاب الشائعات وقت الحرب ومكائد العدوان ، وكان الأولى بالمنافقين الرجوع الى أولئك المتخصصين الأمنيين ، والله جل وعلا يقول (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ( النساء 83 ). هنا الموضع الآخر المذكور فيه مصطلح (أولى الأمر ) ، بما يؤكد أنهم أصحاب الخبرة ، وطاعتهم فى مجال تخصصهم ، وفى إطار طاعة الله جل وعلا فى كتابه الكريم .
2 ـ إن التعبير جاء بالجمع أى (أولو الأمر ) ولم يأت مفردا ( ولى الأمر ) وهذا مفهوم فى الدولة الاسلامية ذات الديمقراطية المباشرة حيث يكون الناس جميعا قائمين بالقسط ، وكل منهم مسئول ومساءل أمام الاخرين ، وهو يراقب أى تجاوز كما يراقب الآخرون أى تجاوز يقع منه. أى هو مفهوم يحمل فى طياته ما يقال الان فى الثقافة الغربية الفصل بين السلطات ومراقبة بعضها البعض ، ومنها بل وفى مقدمتها سلطة القضاء ، والتى يتربع على عرشها ضمير القاضى المسلم ، الذى يعرف أنه مساءل فى الدنيا أمام الناس ، ومساءل فى الآخرة أمام رب الناس.
3 ـ وجاء التعبير بقوله جل وعلا (وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) و(أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ) ، أى فهم من بين الناس أى من داخل المجتمع ، تم إختيارهم وانتخابهم من المجتمع باعتبار كفاءتهم فى (الأمر ) أو ( الشأن ) المتخصصين فيه . وأيضا فهم من نفس ذلك المجتمع الذى تشرّب ثقافة الديمقراطية المباشرة أو (الشورى الاسلامية ) الحقيقية ، بحيث لا يستنكف عن المساءلة ، وبحيث يعرف أنه يأخذ أجره من المجتمع وأنه أجير لدى المجتمع بعقد مؤقت ، يتعرض للعزل والعقاب أو للمدح و الثناء حسب تأديته لوظيفته.
هذا بينما يعتقد المستبد أنه هو الذى ينفق على الناس ، وأنه هو الذى يتفضّل عليهم بالمكرمة الملكية ، ولا يفتأ يمتن عليهم بها متقمصا دور الله جل وعلا ، وهو وحده الرزاق ذو القوة المتين ، وهو وحده صاحب الحق فى المنّ على عباده .
المساءلة هنا أهم مؤثر فى تأدية منصب القضاء والحكم بين الناس ، فالقاضى يدرك أنه يعيش فى مجتمع يفور بالحيوية ، والشفافية والأنوار المضاءة ، وأن خلفه آلاف الأعين وآلاف الآذان تراقبه وتقيّم أحكامه. نتحدث عن كل قاض من المحكمة الابتدائية الى المحكمة الدستورية العليا أو ما يشبهها فى الدولة الاسلامية الحقيقية .
ثالثا :
النبى محمد عليه السلام كان اول قاض فى الدولة الاسلامية
ولأن القضاء هو أهم وظيفة للدولة فى الاسلام فقد كان الوظيفة المناطة بالنبى محمد عليه السلام فى المدينة . هنا نفاجأ‏ ‏بنوعية‏ ‏مختلفة‏ ‏فى ‏الخطاب‏ ‏القرآنى ‏للنبى ‏وهو‏ ‏القائد‏ -‏وليس‏ ‏الحاكم‏- ‏والقائد‏ ‏هنا‏ ‏بمعنى ‏المرشد‏ ‏النبى ‏الذى ‏يأتيه‏ ‏الوحى ‏فيقوم‏ ‏بتطبيقه‏، ‏وحين‏ ‏انتهى ‏الوحى ‏نزولا‏ ‏كانت‏ ‏كل‏ ‏ملامح‏ ‏الدولة‏ ‏الإسلامية‏ ‏والمجتمع‏ ‏الإسلامى ‏المدنى ‏قد‏ ‏اكتملت‏.‏
إن‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏لا‏ ‏يخاطب‏ ‏النبى ‏باعتباره‏ ‏حاكما‏ ‏للناس‏ ‏أو‏ ‏يحكم‏ ‏الناس‏، ‏ولكن‏ ‏باعتباره‏ ‏قاضيا‏ ‏يحكم‏ ‏بين‏ ‏الناس‏، ‏وتلك‏ ‏هى ‏المهمة‏ ‏الأولى ‏والأساسية‏ ‏للدولة‏ ‏الإسلامية‏، ‏بل‏ ‏هى ‏المقصد‏ ‏الأسمى ‏الذى ‏من‏ ‏أجله‏ ‏نزلت‏ ‏الشرائع‏ ‏السماوية‏ ‏على ‏الأنبياء‏ ( ‏الحديد‏ 25).
وقوله‏ ‏تعالى "‏ليقوم‏ ‏الناس‏ ‏بالقسط‏" ‏وثيق‏ ‏الصلة‏ ‏بمفهوم‏ ‏السلطة‏ ‏السياسية‏ ‏فى ‏المجتمع‏، ‏وكيف‏ ‏آن‏ ‏المجتمع‏ ‏أو‏ ‏الناس‏ ‏هم‏ ‏مصدر‏ ‏السلطة‏ ‏وهم‏ ‏القائمون‏ ‏بها‏، ‏وعليه‏ ‏فإن‏ ‏تحقيق‏ ‏القسط‏ ‏فيما‏ ‏بينهم‏ ‏وظيفتهم‏ ‏أيضا‏، ‏أى ‏أنهم‏ ‏هم‏ ‏القائمون‏ ‏بحكم‏ ‏أنفسهم‏ ‏وهم‏ ‏أيضا‏ ‏القائمون‏ ‏بالقسط‏ ‏وتحقيق‏ ‏العدل‏ ‏فميا‏ ‏بينهم‏ ‏وفق‏ ‏آليات‏ ‏يختارونها‏، ‏بشرط‏ ‏أن‏ ‏تنجح‏ ‏تلك‏ ‏الآليات‏ ‏فى ‏تحقيق‏ ‏العدل‏، ‏وليس‏ ‏من‏ ‏العدل‏ ‏على ‏الإطلاق‏ ‏أن‏ ‏ينفرد‏ ‏شخص‏ ‏ما‏ ‏بالحكم‏ ‏أو‏ ‏بالثروة‏ ‏والنفوذ‏. ‏والمثل‏ ‏الأعلى ‏فى ‏ذلك‏ ‏كان‏ ‏خاتم‏ ‏النبيين‏ ‏فى ‏دولة‏ ‏المدينة‏، ‏إذ‏ ‏لم‏ ‏ينفرد‏ ‏بالنفوذ‏ ‏ولا‏ ‏بالثروة‏. ‏وإنما‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏جميعه‏ ‏للمجتمع‏ ‏والناس‏. ‏وكانت‏ ‏مهمته‏ (‏بعد‏ ‏التبليغ‏) ‏فى ‏دولته‏ ‏هى ‏القضاء‏ ‏والحكم‏ ‏بين‏ ‏الناس‏، ‏وليس‏ ‏حكم‏ ‏الناس‏.‏
والوظيفة‏ ‏المدنية‏ ‏الوحيدة‏ ‏للنبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏فى ‏دولة‏ ‏المدينة‏ ‏كانت‏ ‏القضاء‏. ‏وفى ‏ذلك‏ ‏يشترك‏ ‏نبى ‏الله‏ ‏داود‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏مع‏ ‏خاتم‏ ‏النبيين‏ ‏عليهم‏ ‏السلام‏. ‏والنبى ‏حين‏ ‏يقضى ‏بين‏ ‏الناس‏ ‏فهو‏ ‏بشر‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يخطيء‏ ‏ويصيب‏، ‏مع‏ ‏إيماننا‏ ‏بأنه‏ ‏يتحرى ‏العدل‏ ‏وأنه‏ ‏مأمور‏ ‏به‏، ‏والنبى ‏محمد‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏أمره الله جل وعلا أن يقول ‏للناس‏ :(وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) ( ‏الشورى 15).
ولكن‏ ‏تحرى ‏الحكم‏ ‏بالعدل‏ ‏عملية‏ ‏معقدة‏ ‏ومركبة‏ ‏لا‏ ‏تتوقف‏ ‏فقط‏ ‏على ‏ضمير‏ ‏القاضى ‏وورعه‏، ‏ولكن‏ ‏على ‏نزاهة‏ ‏الخصوم‏، ‏وأكثر‏ ‏الخصوم‏ ‏يريد‏ ‏الحكم‏ ‏لمصلحته‏ ‏ولا‏ ‏يرى ‏غير‏ ‏مصلحته‏ ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏أكثر‏ ‏الناس‏ ‏ظالم‏ ‏لنفسه‏، ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏كان‏ ‏الخطاب‏ ‏الإلهى ‏لنبى ‏الله‏ ‏داود‏ ‏بالحكم‏ ‏بين‏ ‏الناس‏ ‏بالعدل‏ : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ  ) ( ‏ص‏ 26 ) ، ‏فمع‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏يجعله‏ ‏خليفة‏ ‏فى ‏الأرض‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يحكم‏ ‏الناس‏ ‏وإنما‏ ‏يحكم‏ ‏أى ‏يقضى ‏بين‏ ‏الناس‏. ‏ولأنه‏ ‏بشر‏ ‏فقد‏ ‏حذره‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏من‏ ‏الحكم‏ ‏بالهوى ‏وأمره‏ ‏بالحكم‏ ‏بالحق‏.‏
وكما‏ ‏أمر‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏خاتم‏ ‏النبيين‏ ‏عليهم‏ ‏السلام‏ ‏بالعدل‏(وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )( ‏الشورى 15) فقد
‏‏حذره‏ ‏أيضا‏ ‏من‏ ‏الهوى ‏ومن‏ ‏أن‏ ‏يخدعه‏ ‏أصحاب‏ ‏القضايا‏: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )( ‏المائدة‏ 48، 49).
وحدث‏ ‏أن‏ ‏تعرض‏ ‏النبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏لخديعة‏ ‏نتج‏ ‏عنها‏ ‏أن‏ ‏حكم‏ ‏بتبرئة‏ ‏سارق‏ ‏وإدانة‏ ‏بريء‏ ‏بناء‏ ‏على ‏مكيدة‏ ‏تم‏ ‏فيها‏ ‏وضع‏ ‏الدرع‏ ‏المسروق‏ ‏فى ‏بيت‏ ‏يهودى ‏مظلوم‏، ‏وحكم‏ ‏النبى ‏بتبرئة‏ ‏الجانى ‏السارق‏ ‏وإدانة‏ ‏المظلوم‏. ‏ونزلت‏ ‏آيات‏ ‏القرآن‏ ‏تنبه‏ ‏النبى ‏وتلومه‏ ‏وتثبت‏ ‏لنا‏ ‏إمكانية‏ ‏أن‏ ‏يقع‏ ‏القاضى ‏فى ‏الخطأ‏ ‏فى ‏الحكم‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏فى ‏نزاهة‏ ‏النبى ‏وحرصه‏ ‏على ‏العدل‏،(‏‏ ‏النساء‏ 105 : 113 )  ‏لأن‏ ‏تحقيق‏ ‏العدل‏ ‏مهمة‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يضطلع‏ ‏بها‏ ‏الجميع‏ ‏من‏ ‏خصوم‏ ‏وشهود‏ ‏وقضاة‏ ‏ومجتمع‏ ‏بأسره‏.
رابعا :
ضمير القاضى انعكاس لمجتمعه :  
‏وحيث‏ ‏ان‏ ‏القاضى ‏هنا‏ ‏يمثل‏ ‏ضمير‏ ‏المجتمع‏ فلا بد من تزكية المجتمع وتثقيفه وتربيته خلقيا وحضاريا بالقيم العليا التى حفل بها الجانب الخلقى من القرآن الكريم ، فى وصاياه من الأمر بالعدل والاحسان و العطاء و العفو و الرحمة و المغفرة و الكرم والوفاء بالعهد والاعراض عن الجاهلين ( الأنعام 151)(النحل 90 : 97 )(الاسراء 23 : 39 )( الفرقان 63 ـ )(الشورى 36 : 43 ) ومن المجتمع المتحضر ينبت القاضى العادل كما كان فى عصر النبوة .
وكما أسلفنا فإن الخطاب‏ يتوجه للناس والمؤمنين أوالمجتمع حتى فى الحكم بالعدل ‏، ‏وهنا‏ ‏تقوم‏ ‏تشريعات‏ ‏القرآن‏ ‏بتربية‏ ‏العقل‏ ‏الجمعى ‏على ‏أسس‏ ‏العدل‏ ‏والقسط‏، ‏وذلك‏ ‏أيضا‏ ‏موضوع‏ ‏شرحه‏ ‏يطول‏، ‏ولكن‏ ‏نكتفى ‏منه‏ ‏ببعض‏ ‏الإشارات‏ .‏
قلنا إن الله‏ ‏تعالى ‏جعل‏ ‏إقامة‏ ‏القسط‏ ‏وظيفة‏ ‏المجتمع‏ (‏الحديد‏25 ) ‏وإقامة‏ ‏القسط‏ ‏عملية‏ ‏مركبة‏ ‏شديدة‏ ‏التعقيد‏ ‏أفقيا‏ ‏ورأسيا‏.‏
أفقيا‏: ‏فإقامة‏ ‏القسط‏ ‏تعنى ‏ألا‏ ‏ينفرد‏ ‏شخص‏ ‏أو‏ ‏طائفة‏ ‏بالحكم‏ ‏السياسى ‏بل‏ ‏يكون‏ ‏الحكم‏ ‏مشاركة‏ ‏وحق‏ ‏لكل‏ ‏فرد‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏وفق‏ ‏نظام‏ ‏الشورى ‏الذى ‏أشرنا‏ ‏لبعض‏ ‏ملامحه‏. ‏ويعنى ‏ألا‏ ‏ينفرد‏ ‏شخص‏ ‏أو‏ ‏طائفة‏ ‏بثروة‏ ‏المجتمع‏ ‏على ‏حساب‏ ‏المحرومين‏.. ‏أى ‏القسط‏ ‏فى ‏الثروة‏ ‏وفى ‏السلطة‏ ‏وفى ‏الجاه‏ ‏والنفوذ‏، ‏وفى ‏استحقاق‏ ‏الحماية‏ ‏والأمن‏.‏
رأسيا‏: ‏أى ‏إقامة‏ ‏القسط‏ ‏على ‏مستوى ‏القضاء‏ ‏بين‏ ‏الناس‏ على جميع المستويات ، ‏وهذا‏ ‏يستلزم‏ ‏قاضيا‏ ‏عادلا‏ ‏وشاهدا‏ ‏صادقا‏ ‏وموظفين‏ ‏أمناء‏ ‏ومجتمعا‏ ‏فاضلا‏ ‏يعرف‏ ‏الصدق‏ ‏صدقا‏ ‏فيتبعه‏ ‏ويعرف‏ ‏الفساد‏ ‏فسادا‏ ‏فيجتنبه‏. ‏وذلك‏ ‏كله‏ ‏يستلزم‏ ‏تربية‏ ‏حقيقية‏ ‏تقوم‏ ‏على ‏الخشية‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏وتقواه‏ ‏قبل‏ ‏أى ‏اعتبار‏ ‏أخر‏.
‏وهنا‏ ‏يختلف‏ ‏تشريع‏ ‏القضاء‏ ‏فى ‏القرآن‏ ‏عن‏ ‏مثيله ‏فى ‏الدول‏ ‏العلمانية‏ ‏المدنية الديمقراطية ‏. ‏فالمتهم‏ ‏هناك‏ ‏بريء‏ ‏حتى ‏تثبت‏ ‏إدانته‏، ‏فإذا‏ ‏لم‏ ‏تثبت‏ ‏إدانته‏ ‏فهو‏ ‏بريء‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏أعتى ‏المفسدين‏، ‏فالعبرة‏ ‏هناك‏ ‏بالضبطية‏ ‏القضائية‏ ‏وإثبات‏ ‏التهمة‏ ‏عليه‏، ‏وإلا‏ ‏كان‏ ‏بريئا‏ ‏وأصبح‏ ‏من‏ ‏حقه‏ - ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏أعتى ‏المجرمين‏ - ‏أن‏ ‏يعود‏ ‏على ‏السلطات‏ ‏بدعوى ‏تعويض‏.
‏أما‏ ‏فى ‏تشريع‏ ‏القرآن‏ ‏فليست‏ ‏العبرة‏ ‏فقط‏ ‏بالضبطية‏ ‏القضائية‏ ‏ولكن‏ ‏بضمير‏ ‏الإنسان‏ ‏نفسه‏، ‏أو‏ ‏بتعبير‏ ‏القرآن‏ ‏بالتقوى، ‏ولذلك‏ ‏فإن‏ ‏آيات‏ ‏التشريع‏ ‏فى ‏القرآن‏ ‏تختتم‏ ‏بالحث‏ ‏على ‏تقوى ‏الله‏ ‏وخشيته‏ ‏والتعامل‏ ‏مع‏ ‏الله‏ ‏قبل‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏الناس‏. ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏يبادر‏ ‏الشخص‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏جانيا‏ ‏أو‏ ‏شاهدا‏ ‏أو‏ ‏قاضيا‏ ‏بقول‏ ‏وفعل‏ ‏ما‏ ‏يرضى ‏الله‏ ‏تعالى ‏قبل‏ ‏أى ‏اعتبار‏ ‏آخر‏.‏( لاحظ أننا هنا نتجاهل تشريع الاستبداد حيث تكون مهمة النظام هى تلفيق الاتهامات ويكون البرىء متهما حتى لو ثبتت براءته )
والآيات‏ ‏التى ‏تأمر‏ ‏المجتمع‏ ‏بالقسط‏ ‏والعدل‏ ‏كثيرة‏ ‏خصوصا‏ ‏فى ‏التفصيلات‏ ‏التشريعية‏، ‏ولكن‏ ‏نكتفى ‏منها‏ ‏ببضع‏ ‏آيات‏. ‏يقول‏ ‏تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)( ‏النساء‏ 135) .‏فالأمر‏ ‏هنا‏ ‏للمؤمنين‏ ‏بأن‏ ‏يكونوا‏ ‏قوامين‏ ‏أى ‏دائمى ‏القيام‏ ‏والمحافظة‏ ‏على ‏القسط‏، ‏وأن‏ ‏يشهدوا‏ ‏ابتغاء‏ ‏مرضاة‏ ‏الله‏ ‏على ‏ذلك‏، ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏حساب‏ ‏أنفسهم‏ ‏أو‏ ‏أقرب‏ ‏الناس‏ ‏اليهم‏. ‏أى ‏يراعوا‏ ‏العدل‏ ‏والقسط‏ ‏ولو‏ ‏على ‏حساب‏ ‏أنفسهم‏ ‏أو‏ ‏أقاربهم‏. ‏
ويتكرر‏ ‏نفس‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏قوله‏ ‏تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )(المائدة 8 )
ويجب مراعاة القسط‏ ‏والعدل‏ ‏عند ‏النطق بالكلمة‏ ‏فى ‏أى ‏زمان‏ ‏ومكان‏، ‏ومن‏ ‏ضمن‏ ‏الوصايا‏ ‏فى ‏القرآن‏ ‏قوله‏ ‏تعالى :‏( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (‏الأنعام‏ 152). ‏ولذلك‏ ‏كان‏ ‏التأكيد‏ ‏على ‏الشاهد‏ ‏فى ‏القضاء‏ ‏أن‏ لا ‏يقول‏ إلا ‏الحق‏ ‏وألا‏ ‏يكتم‏ ‏الحق‏ ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏له‏ ‏حصانته‏ ‏من‏ ‏الأذى (وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)( وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ ) (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة‏ 283، 282) ( ‏الطلاق‏ 2)
خامسا :
ميزان العدل الحسّاس فى التشريع الاسلامى
وإذا‏ ‏راجع‏ ‏القاريء‏ ‏الآيات‏ ‏القرآنية‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏السابقة‏ - ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏الآيات‏ ‏كثير‏ - ‏لاحظ‏ ‏تكرار‏ ‏اللفظ‏ ‏القرآنى "‏أقام‏" ‏ومشتقاته‏، ‏ومنها‏ "‏ليقوم‏ ‏الناس‏ ‏بالقسط‏" "‏كونوا‏ ‏قوامين‏ ‏بالقسط‏ ‏شهداء‏ ‏لله‏" "‏كونوا‏ ‏قوامين‏ ‏لله‏ ‏شهداء‏ ‏بالقسط‏" "‏أقيموا‏ ‏الشهادة‏ ‏لله‏".‏
ولفظ‏ "‏أقام‏ ‏الشيء‏" ‏يعنى ‏حافظ‏ ‏عليه‏ ‏ورعاه‏، ‏ومنه‏ ‏إقامة‏ ‏الصلاة‏ ‏بالمحافظة‏ ‏عليها‏ ‏فى ‏أوقاتها‏ ‏وعدم‏ ‏تضييع‏ ‏ثمرتها‏ ‏بارتكاب‏ ‏المعاصي‏. ‏والمقصود‏ ‏أن‏ ‏إقامة‏ ‏القسط‏ ‏لا‏ ‏تعنى مجرد‏ ‏الحفاظ‏ ‏عليه‏ ‏وحسب‏، ‏وإنما‏ ‏أيضا‏ ‏بالابتعاد‏ ‏عن‏ ‏أى ‏تسرب‏ ‏للظلم‏ ‏فى ‏الكيان‏ ‏القضائي‏..
‏فماذا‏ ‏يحدث‏ ‏اذا‏ ‏تسربت‏ ‏نسبة‏ ‏ضئيلة‏ ‏من‏ ‏الظلم‏ ‏إلى ‏الكيان‏ ‏القضائى ‏الإسلامى ‏القائم‏ ‏على ‏القسط؟
هنا‏ ‏نناقش‏ ‏الفارق‏ ‏بين‏ ‏لفظين‏ ‏قرأنيين‏ ‏هما‏: ‏القاسطون‏، ‏والمقسطون‏.‏
فالقاسط‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يراعى ‏العدل‏ ‏غالبا‏، ‏أى ‏بنسبة‏ 90% ‏أو‏ ‏أكثر‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يبلغ‏ ‏نسبة‏ 100% ‏لأن‏ ‏المقسط‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يراعى ‏العدل‏ ‏بنسبة‏ 100% ‏حسب‏ ‏إمكاناته‏ ‏البشرية‏. ‏(‏القاسط‏ ‏)على ‏وزن‏ ‏فاعل‏، ‏وصيغة‏ ‏فاعل‏ ‏لا‏ ‏تدل‏ ‏على ‏اللزوم‏ ‏والاستمرار‏، ‏فإذا‏ ‏أردت‏ ‏وصف‏ ‏إنسان‏ ‏بصفة‏ ‏لازمة‏ ‏فعليك‏ ‏أن‏ ‏تصفه‏ ‏بإحدى ‏صيغ‏ ‏المبالغة‏ ‏المعروفة‏ ‏فى ‏اللغة‏ ‏العربية‏، ‏ومنها‏ ‏وزن‏ "‏مفعل‏" ‏بضم‏ ‏الميم‏ ‏وسكون‏ ‏الفاء‏ ‏وكسر‏ ‏العين‏، ‏أى ‏لا‏ ‏تقول‏ ‏فيه‏ ‏قاسط‏، ‏وإنما‏ ‏مقسط‏.‏
والقاضى ( القاسط ) هو ‏الذى ‏يحكم‏ ‏بالعدل‏ ‏بنسبة‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏مائة‏ ‏فى ‏المائة‏ ‏يعنى ‏أنه‏ ‏يتبع‏ ‏هواه‏ ‏أحيانا‏ بنسبة كذا فى المائة ، ‏إذ‏ ‏يرى ‏الحق‏ ‏واضحا‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏القضايا‏ ‏ولكن‏ ‏لمصلحة‏ ‏ما‏ ‏أو‏ ‏لهوى ‏فى ‏نفسه‏ ‏يحكم‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏تلك‏ ‏القضايا‏ ‏القليلة‏ ‏بهواه‏، ‏ومع‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏أغلب‏ ‏أحكامه‏ ‏يتحرى ‏العدل‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏مصيره‏ ‏سيكون‏ ‏حطب‏ ‏جهنم‏، ‏يقول‏ ‏تعالي : (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا  ) ( ‏الجن‏ 15)‏
وفى ‏المقابل‏ ‏فإن‏ ‏المقسطين‏ ‏هم‏ ‏من‏ ‏يحبهم‏ ‏الله‏ ‏تعالى، ‏تكرر‏ ‏ذلك‏ ‏ثلاث‏ ‏مرات‏ ‏فى ‏القرآن‏ :( ‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (‏المائدة‏ 42، ‏الحجرات‏ 9، ‏الممتحنه‏ 8) ‏وذلك‏ ‏فى ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏الحكم‏ ‏على ‏غير‏ ‏المسلمين‏ ‏وتدخل‏ ‏طائفة‏ ‏أخرى ‏لتحكم‏ ‏بينهما‏ ‏بالقسط‏..
‏والمقصود‏ ‏أن‏ ‏القسط‏ ‏المطلوب اسلاميا هو‏ ‏النزاهة‏ ‏أى ‏الحكم‏ ‏بنسبة‏ ‏مائة‏ ‏فى ‏المائة‏، ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏حق‏ ‏الأفراد‏ ‏مطلق‏ ‏فى ‏القسط‏ ‏والعدل‏ ‏.‏ وأقل نسبة من مائة فى المائة تكون ظلما يدخل به صاحبه النار ليكون حطبا لها ( الجن 15 )
والفيصل‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏ضمير‏ ‏القاضى ‏الذى ‏يتحرى ‏العدل‏، ‏وعلى ‏أساس‏ ‏ضميره‏ ‏سيكون‏ ‏حسابه‏ ‏عند‏ ‏الله‏ ‏وسيكون‏ ‏تقييمه‏، ‏هل‏ ‏هو‏ ‏ظالم‏ ‏قاسط؟‏ ‏أم‏ ‏هو‏ ‏عادل‏ ‏مقسط‏ ، وهل تعمد الظلم فى حكمه أم مجرد إهمال ؟ وهل أخطأ بحس نية ،أم تعمد الخطأ ..ألخ .. والله جل وعلا وحده هو الذى يعلم خفايا السرائر. ‏أما‏ ‏درجة‏ ‏الحكم‏ ‏نفسها‏ ‏فهى ‏مرتبطة‏ ‏بإمكانات‏ ‏القاضى ‏البشرية‏، ‏وقد‏ ‏رأينا‏ ‏أن‏ ‏النبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏نفسه‏ ‏قد‏ ‏تعرض‏ ‏للخداع‏ ‏فكيف‏ ‏بغيره.
القاضى المسلم هو الذى يؤمن ايمانا حقيقيا بالله و باليوم الآخر، ويعلم أنه يتولى أعظم وظيفة ، يخلف فيها خاتم المرسلين ، وكفى بها مسئولية .
سادسا  :
‏باسم‏ ‏من‏ ‏يحكم‏ ‏القاضي؟‏ ‏باسم‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏أم‏ ‏باسم‏ ‏المجتمع؟
النبى ‏محمد‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يعلم‏ ‏الغيب‏ ‏وهذه‏ ‏حقيقة‏ ‏قرأنية‏ ‏أكدتها‏ ‏عشرات‏ ‏الآيات‏، ‏ولذلك‏ ‏أخطأ‏ ‏فى ‏حكم‏ ‏قضائى ‏بسبب‏ ‏خديعة‏ أشارت اليها سورة النساء ( 105 : 113 ) ‏‏، ‏وكان‏ ‏حكمه‏ ‏تعبيرا‏ ‏عن‏ ‏إمكاناته‏ ‏البشرية‏ ‏التى ‏تتقاصر‏ ‏عن‏ ‏علم‏ ‏الغيب‏. ‏وهذا‏ ‏ينطبق‏ ‏بالتالى ‏على ‏كل‏ ‏البشر‏ ‏من‏ ‏قضاة‏ ‏وخصوم‏. ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏الحكم‏ ‏القضائى ‏البشرى ‏يكون‏ ‏باسم‏ ‏البشر‏ ‏وليس‏ ‏باسم‏ ‏الله‏، ‏وحيث‏ ‏ان‏ ‏القاضى ‏هنا‏ ‏يمثل‏ ‏ضمير‏ ‏المجتمع‏ ‏فإنه‏ ‏يحكم‏ ‏باسم‏ ‏المجتمع‏ ‏وليس‏ ‏باسم‏ ‏الله‏، ‏لأن‏ ‏المجتمع‏ ‏هو‏ ‏مصدر‏ ‏السلطات‏ ‏وهو‏ ‏القائم‏ ‏بالسلطات‏ ‏ومن‏ ‏أدواته‏ ‏القاضى، ‏ومن‏ ‏سلطات‏ ‏المجتمع‏ ‏تنفيذ‏ ‏أحكام‏ ‏القاضى ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏الحكم‏ ‏صائبا‏ ‏أم‏ ‏مخطئا‏.‏
وتأكيد‏ ‏القرآن‏ ‏على ‏أهمية‏ ‏العدل‏ ‏والقسط‏ ‏وتحذيره‏ ‏من‏ ‏الحكم‏ ‏بالهوى ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يؤكد‏ ‏على ‏مسئولية‏ ‏المجتمع‏ ‏على ‏ما‏ ‏يصدره‏ ‏نظامه‏ ‏القضائى ‏من‏ ‏أحكام‏. ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يتضح‏ ‏من‏ ‏سياق‏ ‏آيات‏ ‏التشريع‏، ‏ونكتفى ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏بقوله‏ ‏تعالى ‏يحذر‏ ‏من‏ ‏اضطهاد‏ ‏الشاهد‏ ‏والكاتب‏ (‏وكلاهما‏ ‏محايد‏)، "( وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ‏(‏البقرة‏ 282 ) ‏يعنى ‏إذا‏ ‏تهددت‏ ‏حصانة‏ ‏الشاهد‏ ‏أو‏ ‏الكاتب‏ ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏يدل‏ ‏على ‏فسوق‏ ‏يسرى ‏فى ‏المجتمع‏، ‏ولابد‏ ‏من‏ ‏علاج‏ ‏ذلك‏ ‏الفساد‏ ‏وتلك‏ ‏مسئولية‏ ‏جماعية‏ ‏اجتماعية‏.‏
ومن‏ ‏الظلم‏ ‏لله‏ ‏تعالى ‏أن‏ ‏يصدر‏ ‏القاضى ‏أحكاما‏ ‏بشرية‏ ‏قضائية‏ ‏تحمل‏ ‏فيها‏ ‏كل‏ ‏نقائص‏ ‏البشر‏ ‏وأهوائهم ، ‏ثم‏ ‏ينطق‏ ‏القاضى ‏بأن‏ ‏ذلك‏ ‏حكم‏ ‏الله‏. ‏ذلك‏ ‏يخالف‏ ‏المنطق‏ ‏كما‏ ‏يخالف‏ ‏العقل‏، ‏وقبل‏ ‏ذلك‏ ‏يخالف‏ ‏الإسلام‏.
فإذا‏ ‏كان‏ ‏النبى ‏لا‏ ‏يستمد‏ ‏سلطته‏ ‏السياسية‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏فإنه‏ ‏أيضا‏ ‏فى ‏أحكامه‏ ‏القضائية‏ ‏كان‏ ‏لا‏ ‏يستمدها‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏تعالى، ‏ولذلك‏ ‏فقد‏ ‏نزل‏ ‏الوحى ‏الإلهى ‏يعاتبه‏ ‏ويلومه‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأحوال‏. ‏وكان‏ ‏ذلك‏ ‏الوحى ‏ينزل‏ ‏تاليا‏ ‏لأقوال‏ ‏النبى ‏وأفعاله‏ ‏البشرية‏. ‏أى ‏أنه‏ ‏فى ‏أقواله‏ ‏وأفعاله‏ ‏البشرية‏ ‏هو‏ ‏بشر‏، ‏ثم‏ ‏يأتى ‏الوحى ‏يوضح‏ ‏ويهدي‏. ‏وذلك‏ ‏معنى ‏قوله‏ ‏تعالى ‏للنبى : (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي    ) ‏( سبأ‏ 50)  ‏وقوله‏ ‏تعالى ‏له‏: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا  )  ( ‏النساء‏ 79).‏
وبعد‏ ‏اكتمال‏ ‏القرآن‏ ‏وانقطاع‏ ‏الوحى ‏فليس‏ ‏لأحد‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏يدعى ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يعطه‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏لخاتم‏ ‏النبيين‏، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏يدعى ‏أنه‏ ‏ينطق‏ ‏باسم‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏فى ‏أقواله‏ ‏أو‏ ‏فى ‏احكامه‏.
‏وهذا‏ ‏فى ‏الدنيا‏.
أما‏ ‏فى ‏الآخرة‏ ‏ويوم‏ ‏الفصل‏ ‏فالقاضى ‏الأعظم‏ ‏هو‏ ‏الله‏ ‏تعالى، ‏وهو‏ ‏الذى ‏يصدر‏ ‏أحكامه‏ ‏يوم‏ ‏التغابن‏ ‏حيث‏ ‏لا‏ ‏ظلم‏ ‏مطلقا‏. ‏يقول‏ ‏تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ  )( ‏الأنبياء‏ 47) .‏
إن‏ ‏القاضى ‏الأعظم‏ ‏رب‏ ‏العزة‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يعلم‏ ‏خائنة‏ ‏الأعين‏ ‏وما‏ ‏تخفى ‏الصدور‏، ‏يقول‏ ‏تعالى ‏عن‏ ‏ذلك‏ ‏يوم‏ الحساب والعرض على الله جل وعلا : (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ )  ( ‏غافر‏ 16: 20 ) ‏هنا‏ ‏يكون‏ ‏الحكم‏ ‏لله‏ ‏تعالى ‏وحده‏ ‏وباسمه‏ ‏جل‏ ‏وعلا‏ ‏وهو‏ ‏تعالى ‏أحكم‏ ‏الحاكمين‏.‏
ختاما
تطبيق القسط طبقا لما جاء فى القرآن الكريم كان ‏‏الأساس‏ ‏الذى ‏أقام‏ ‏عليه‏ ‏نبى ‏الإسلام‏ ‏دولته‏، ‏وتنكب ‏الخلفاء‏ ‏الراشدون‏ سنته فوقعت ‏الفتنة‏ ‏الكبرى ‏التى ‏أسفرت‏ ‏عن‏ ‏قيام‏ ‏الملك‏ ‏الأموى ‏المستبد‏. ‏وخلفتها‏ ‏الدولة‏ ‏العباسية‏ ‏التى ‏أسست‏ ‏الدولة‏ ‏الدينية‏ ‏بكل‏ ‏ملامحها‏، ‏وفى ‏رحابها‏ ‏تمت صناعة الاديان الأرضية للمسلمين ، وتم ‏تدوين‏ ‏التراث‏ ‏الذى ‏يلائم‏ ‏الدولة‏ ‏الدينية‏ ‏بتطرفها‏ ‏وتعصبها‏ ‏واستبدادها‏.‏
وتدوين‏ ‏التراث‏ ‏تم‏ ‏على ‏أساس‏ ‏الأتى: - ‏
‏1 - ‏تجاهل‏ ‏تدوين‏ ‏التراث‏ ‏الحقيقى ‏للدولة‏ ‏الإسلامية‏ ‏فى ‏عصر‏ ‏النبى لأنه يخالف الاستباد العباسى ، ‏ونعطى ‏لذلك‏ ‏مثلين‏:‏
‏* ‏فالنبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏قضى ‏عشر‏ ‏سنوات‏ ‏فى ‏المدنية‏ ‏يخطب‏ ‏الجمعة‏ ‏أسبوعيا‏، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فإن‏ أمهات كتب الحديث فى العصر ‏العباسى ‏ ‏ليس‏ ‏فيها‏ ‏تدوين‏ ‏لخطبة‏ ‏واحدة‏ ‏من‏ ‏خطب‏ ‏النبي‏.‏
‏* ‏والنبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏قام‏ ‏بتعليم‏ ‏المسلمين‏ ‏أصول‏ ‏الحكم‏ ‏والقيادة‏ ‏فى ‏مجالس‏ ‏الشورى، ‏وتردد‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏سورتى ‏النور‏ ‏والمجادلة‏، ‏وتلك‏ ‏المجالس‏ ‏مع‏ ‏خطب‏ ‏الجمعة‏ ‏كانت‏ ‏تلبية‏ ‏لوظيفة‏ ‏أساسية‏ ‏من‏ ‏وظائف‏ ‏النبى ‏عليه‏ ‏السلام‏، ‏وهى ‏تزكية‏ ‏المسلمين‏ ‏وتعليمهم‏ ‏الكتاب‏ ‏والحكمة‏ ليكون صالحين بهذه الثقافة لإقامة القسط .‏
‏ذلك‏ ‏التجاهل‏ ‏للخطب‏ ‏ومجالس‏ ‏الشورى ‏قد‏ ‏حرمنا‏ ‏من‏ ‏التعرف‏ ‏على ‏الإطار‏ ‏الفكرى ‏والعملى ‏لدولة‏ ‏النبى ‏محمد عليه السلام ‏.‏ ولم يعد لدينا سوى استتنطاق الآيات القرآنية وتدبرها .
‏2 - ‏بعد‏ ‏تجاهل‏ التراث‏ البشرى لدولة النبى محمد عليه السلام ‏كان‏ ‏سهلا‏ ‏أن‏ ‏يتعاملوا‏ ‏مع‏ ‏القرآن‏ ‏بنفس‏ ‏التجاهل‏. ‏فالذى ‏لا‏ ‏يلائمهم‏ ‏فى ‏تشريع‏ ‏القرآن‏ ‏أبطلوه‏ ‏تحت‏ ‏دعوى ‏النسخ‏، ‏مع‏ ‏أن‏ ‏النسخ‏ ‏فى ‏القرآن‏ ‏يعنى ‏الكتابة‏ ‏والإثبات‏ ‏وليس‏ ‏الحذف‏ ‏والإلغاء‏، ‏وقد‏ ‏صدر‏ ‏لنا‏ ‏‏كتاب‏ ‏بهذا‏ ‏العنوان‏. ‏والذى ‏يريدون فرضه مخالفا للقرآن الكريم ‏اخترعوا‏ ‏له‏ ‏حديثا‏ ‏نسبوه‏ ‏للنبى ‏عليه‏ ‏السلام‏، ‏أو‏ ‏وضعوا‏ ‏له‏ ‏تأويلا‏ ‏للآيات‏ ‏تحت‏ ‏اسم‏ ‏التفسير‏. ‏وبهذا‏ ‏عالجوا‏ ‏الفجوة‏ ‏والتناقض‏ ‏بين‏ ‏تشريع‏ ‏القرآن‏ ‏وتشريعاتهم‏ ‏وتراثهم‏، ‏وأضفوا‏ ‏مشروعية‏ ‏زائفة‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏التراث‏، ‏إما‏ ‏بنسبته‏ ‏للنبى ‏عند‏ ‏أهل‏ ‏السنة‏، ‏أو‏ ‏بنسبته‏ ‏لآل‏ ‏البيت‏ ‏عند‏ ‏الشيعة‏، ‏وعلى ‏هذا‏ ‏المنوال‏ ‏سار‏ ‏الفقه‏ ‏وعلوم‏ ‏التراث‏ ‏خلال‏ ‏الدول‏ ‏الدينية‏ ‏المختلفة‏ ‏إلى ‏العصر‏ ‏العثماني‏.‏
وبسقوط‏ ‏الخلافة‏ ‏العثمانية‏ ‏وتكوين‏ ‏الدولة‏ ‏الحديثة‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏جرت‏ ‏محاولة‏ ‏لإحياء‏ ‏الخلافة‏ ‏ودولتها‏ ‏الدينية‏ ‏وذلك‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الدولة‏ ‏السعودية‏ ‏وحركة‏ ‏الإخوان‏ ‏المسلمين‏ ‏فى ‏مصر‏. ‏ونجح‏ ‏الإخوان‏ ‏مع‏ ‏الضباط‏ ‏الأحرار‏ ‏فى ‏تفجير‏ ‏ثورة‏ 23 ‏يوليو‏ 1952، ‏وجرى ‏الصراع‏ ‏بينهما‏، ‏وجاء‏ ‏السادات‏ ‏فتحالف‏ ‏مع‏ ‏الإخوان‏ ‏وآعطاهم‏ ‏السيطرة‏ ‏على ‏الإعلام‏ ‏والتعليم‏ ‏والثقافة‏، ‏فتم‏ ‏صبغ‏ ‏الثقافة‏ ‏والتدين‏ ‏بالصبغة‏ ‏السلفية‏. ‏وأصبح‏ ‏واضحا‏ ‏ذلك‏ ‏الصراع‏ ‏بين‏ ‏نظم‏ ‏الحكم‏ ‏القائمة‏ ‏فى ‏الوطن‏ ‏العربى، ‏ودعاة‏ ‏التطرف‏ ‏الدينى ‏السياسي‏.‏
وتقف الثقافة السلفية الوهابية عقبة فى قبول الديمقراطية الغربية النيابية ، وبالتالى تقف ضد الديمقراطية الاسلامية المباشرة . ومن هنا يجب تعاون اهل القرآن مع المثقفين العلمانيين لمواجهة تلك الهجمة السلفية و آثارها المدمرة .
والله جل وعلا هو المستعان .
المقال التالى ( الخامس ) :
‏: إنحراف ‏القضاء‏ ‏فى ‏عهد‏ ‏الخلفاء‏.‏
 
 
اجمالي القراءات 16570

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (15)
1   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41960]

العدل أساس شرع الله .. ويقولون أساس الملك أيضا

ـ إقامة الناس لكل أنواع القسط يستلزم مجتمعا حيّا نشطا حرّا متفاعلا بالحركة ، تدفعه ثقافة ايمانية بأن العدل هو أساس شرع الله جل وعلا وأساس كل الرسالات السماوية ، وأساس حفظ المجتمع وحمايته ، وراحة أبنائه وأمنهم ، بعكس الظلم الذى يجعل المستبد خائفا من شعبه ويجعل الشعب خائفا من المستبد ، ويتطور خوف المستبد الى تحصين نفسه بالمزيد من إرهاب الناس وظلمهم وكلما تضاعف ظلمه تضاعف رعبه وخوفه الى أن يسقط ،أو يسقط المجتمع فى الفوضى.


ولعلي أذكر انني قرأت في مقدمة ابن خلدون الشهيرة ما يوافق هذا الرأي من أن الظلم يؤدي إلى تقاعس الناس عن العمل  و دليل آخر على أن العدل ضرورة لاستمرارالنشاط والعمل والانتاج أن الناس كانوا يفرون هربا من المحتسب تاركين وراءهم كل شيء من أرض وبيت حتى لا يتم جلدهم لعدم توفيرهم ما يطلبه منهم المحتسب


2   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41968]

العدل في الاقتصاد

الدكتور الفاضل/ أحمد صبحي موضوع شيق ويحتاج إلى قراءة بتركيز، ومن بين ما شدني في المقال نقطة القسط في الاقتصاد ،فبما أن إقامة القسط بين الناس يشمل كل أنواع العدل ، .وبما أننا نشكو في دولنا العربية من عدم العدل في الاقتصاد، من هنا نجد كثير من الشباب لايجدون عمل مناسب على أحسن تقدير،وأحياناً كثيرة لا يجدون عمل بالمرة،فالمشاريع الكبيرة محمية، وتجد من يقف بجانبها، بعكس المشاريع الصغيرة لا تجد من يحميها فيكون مصيرها الفشل،ودائماً ما نجد مقولة بين الشباب تقول من بدأ صغير سوف يظل صغير كما هو ،بعكس من يبدأ كبير سوف يكبر أكثر وأكثر،ونجد أن رجال الأعمال الكبار يمثلون هذه الظاهرة بوضوح ، فلو أحس رجال الأعمال الكبار بالمبتدئين من الشباب، الذين يتعسرون في خطواتهم سوف يحدث توازن بينهم في المجتمع ،وبالتالي سوف يتحقق نوع من العدل المطلوب.


3   تعليق بواسطة   Ezz Eddin Naguib     في   الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41979]

أخى الحبيب الدكتور/ أحمد منصور



فتح الله عليك وزادك هدى وحكمة

ليت قضاة مصر وجميع الدول الإسلامية يقرأون هذا المقال ليعلموا أن الظالم والقاسط فى النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا المُقسطون.

والسؤال هو:

ما دور المُحامين فى القضاء الإسلامى، إن كان لهم دور؟

وهناك نكتة أمريكية تقول:

A newspaper announced:

Two hundred lawyers drowned yesterday!

And the first comment was:

A good beginning!

بارك الله فيك

عزالدين محمد نجيب

10/9/2009

 


4   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41980]

شكرا أحبتى .. وأقول

 لفت نظرى نفس التساؤل الذى أثاره أخى الأستاذ عز الدين نجيب عن وجود المحامى فى نظام التقاضى فى الدولة الاسلامية ، وعزمت على التعرض للموضوع ولكن هذا البحث عن نظام القضاء بين الاسلام و المسلمين هو مجرد مدخل لإثارة شهية الباحثين للبحث فى الموضوع من كل جوانبه ، وسيظهر هذا فى الحلقات القادمة التى تكتفى بإعطاء نماذج ،تاركة فراغات كثيرة تدعو للبحث المتعمق .


نظام المحاماة ـ فيما أعتقد ـ مأخوذ عن النظم الغربية ، وقد جىء به بعد وضع القوانين المدنية ، وهى تحتاج الى متخصص ، ولا يمكن لأى متهم أن يعرف كيف يدافع عن نفسه مستدلا بالقانون .


فى القرآن يوجد كاتب وشاهد ( البقرة  282 ) ورما حراس للحبس  غيلر العقابى (  المائدة 106 ) . وفى الدولة الاسلامية يمكن أن تستحدث بنظامها الديمقراطى نظام المحامى ، وتضع له من القوانين ما يساعد على تحقيق العدل ، وليس إطلاق سراح المتهم ولو على حساب العدل.


5   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الجمعة ١١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41985]

أخى الحبيب أحمد , رمضان كريم

أخى الحبيب أحمد, مقال رائع ومتكامل ومن الطبيعى ان يرشح هذا المقال لكل قاضى فى العالم الإسلامى ان يقرآه, ولكن, هل حقا سيكون هناك قاضى واحد ممن سوف يتبع ما جاء فى المقالة!!

لقد قلت مما فهمت من المقالة , اللهم إلا إن كان الصيام قد أثر على ما تبقى من العقل, ان الرسول ( ص) كان خير مثلا لذلك القاضى المثالى الذى قمت بعملية تشريحية دقيقة لمواصفاته, بل انك قلت ان الرسول كاد ان يقع فى خطأ إدانه مظلوم, لأنه كما قلت بالحرف ( ‏لأن‏ ‏تحقيق‏ ‏العدل‏ ‏مهمة‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يضطلع‏ ‏بها‏ ‏الجميع‏ ‏من‏ ‏خصوم‏ ‏وشهود‏ ‏وقضاة‏ ‏ومجتمع‏ ‏بأسره), فإن كان الرسول نفسه كاد يقع فى الخطأ, لولا ان الله نبهه لذلك ولامه على ذلك, فكيف تعتقد ان هناك إنسان أخر سوف لا يقع فى الخطأ, وكيف تعتقد ان المواصفات التى وضعتها لتحقيق العدل من ان يكون الجميع من خصوم وشهود وقضاه ومجتمع بإسرة ممكن تحقيقها فى زمننا او على يد من؟؟

لقد فهمت من المقاله انه بعد الرسول الذى كان هو القاضى لمدة عشر سنوات فى دولته الإسلامية وهى ( المدينة) بل ربما كان القاضى الوحيد, فهمت ان العدالة التى تحدثت عنها لم تتواجد من بعده, وارجو ان تصححنى إن كنت قد أخطأت فى الفهم, فإن لم تكن العداله التى نوهت وأشرت اليها قد وجدت منذ عصر الرسول فكيف نتوقع انه فى الإمكانية ان تعيد إقامتها فى دولة ايا كانت مواصفات تلك الدولة فى العصر الحديث.

كذلك مما أثار إهتمامى هو ما جاء فى المقالة من شرح للفارق بين القاسط والمقسط, وقد قلت أن القاسط هو الذى يحكم بالعدل فى الغالبية العظمى من قضاياه, وقد أعطيته ما يصل الى 90%, وقلت ان المقسط هو الذى يحكم ب 100%, فهل تعتقد بعد المقدمة التى أشرت اليها أعلاه ان هناك قضاة يحكمون بنسبة 100%, وكما تعلم سيادتك جيدا بأن هذه النسبة ( 100% اى النقاء التام ) لا تتواجد علميا فى أى شيئ, فهل طبقا لذلك وطبقا لما فهمته من المقالة انه لا ولن يوجد قاضى واحد ممن يمكن وصفه بالمقسط, وأنا كما تعلم لا أدين احد وكما تناقشنا من قبل ويبدو انك قد أيدت ذلك الأن فى هذه المقاله من أن الله هو , وهو وحده الذى يعلم مصير عباده ويعلم من ضل ومن أهتدى.

سؤال اخير وأرجو ان لا اكون قد سببت لك صداعا خاصة فى هذا الشهر, لقد فسرت الآيات ( 105 – 113) من سورة النساء بقصة درع ويهودى......الخ, فهل جاءت تلك القصة فى اى مكان من القرآن, كيف عرفتها ومن أين , هل من بعض مصادرالتراث, هل جاءت فى كتب الحديث مثلا او كتب التاريخ, وكيف نعرف صحتها او صدقها بحيث ننظر اليها ونقيمها بثقة تامة لدرجة أن لشرح بها أيات القرأن.

وافر محبتى وكل عام وأنتم بخير

 


6   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42001]

أخى الحبيب فوزى .. كل عام وانتم بخير .. وأسعدنى تعليقك .. وأقول

بعد السلام والتحية ورمضان كريم ، والدعاء لكم بالصحة و العافية أقول :


1 ـ عن احتمال الخطأ لدى القاضى ، أقول : طبقا لما قاله رب العزة فإن الخطأ غير المتعمد يغفره الله جل وعلا ، المهم أن يحاول القاضى بكل ما فى وسعه الاجتهاد فى تحرى العدل ، ولا يؤاخذه الله جل وعلا بما هو فوق طاقته لأن الله جل وعلا يكلف نفسا إلا وسعها .وقد أشرت لهذا فى قولى (  والفيصل‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏ضمير‏ ‏القاضى ‏الذى ‏يتحرى ‏العدل‏، ‏وعلى ‏أساس‏ ‏ضميره‏ ‏سيكون‏ ‏حسابه‏ ‏عند‏ ‏الله‏ ‏وسيكون‏ ‏تقييمه‏، ‏هل‏ ‏هو‏ ‏ظالم‏ ‏قاسط؟‏ ‏أم‏ ‏هو‏ ‏عادل‏ ‏مقسط‏ ، وهل تعمد الظلم فى حكمه أم مجرد إهمال ؟ وهل أخطأ بحس نية ،أم تعمد الخطأ ..ألخ .. والله جل وعلا وحده هو الذى يعلم خفايا السرائر. ‏أما‏ ‏درجة‏ ‏الحكم‏ ‏نفسها‏ ‏فهى ‏مرتبطة‏ ‏بإمكانات‏ ‏القاضى ‏البشرية‏، ‏وقد‏ ‏رأينا‏ ‏أن‏ ‏النبى ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏نفسه‏ ‏قد‏ ‏تعرض‏ ‏للخداع‏ ‏فكيف‏ ‏بغيره.) ولذلك أضفت عنوأنا عن أن القاضى المسلم لا يجكم باسم الله ، ولكن  باسم المجتمع، لأن الحكم الصادق المطلق لن يكون إلا يوم القيامة .

2 ـ هل ممكن تحقيق ذلك فى زمننا ؟ هذا المقال البحثى فيما ينبغى أن يكون ، وفيه الاعتراف بوجود الفجوة بين ما ينبغى وما هو كائن ، وستاتى المقالات التالية عما كان ( كائنا ) فى عصر الخلفاء . وليس مستحيلا تحقيق ما ينبغى أن يكون ، لأن شرع الله جل وعلا هو دائما فى إطار الممكن ، ولكن هذا يستلزم تغيير ما بأنفسنا ، وسبق فى المقال الثانى أن قلت ( ثم يأتى الأساس الثانى فى تعليم القيم الأخلاقية العليا ، ومنها إرادة التغيير والاصلاح التى أوكلها الله جل وعلا للبشر ، وجعل إرادة التغيير للبشر سابقة لارادة الله جل وعلا ، مثل الهداية ، فإن أرادوا التغيير الى الأفضل أراده الله جل وعلا لهم (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ( الرعد 11 ) أى لا بد أن يغيروا ما بأنفسهم من خضوع وخنوع ومن كل ملامح ثقافة العبيد ليستبدلوا مكانها ثقافة الأحرار وفق القيم الاسلامية ، وعلى راسها العدل و القسط والاحسان والسلام واحترام حرية الرأى والفكر والدين وحقوق (العباد ) أو حقوق الانسان . إما إذا أرادوا الخنوع للملك المستبد فالله جل وعلا يعترف به ملكا عليهم طالما ارتضوه لأنفسهم   )


7   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42002]

تابع ..

3 ـ وقد أمكن تحقيق العدالة فى أروع صورها فى دولة خاتم المرسلين فى المدينة ، نقول هذا ليس نقلا عن كتب التراث ، ولكن لأن الله جل وعلا كان يتتبع النبى محمدا بالوحى يصحح له إذا أخطا . وبعد موته عليه السلام فالقرآن معنا ، وليس علينا إلا أن نخلص لله جل وعلا ضمائرنا و عقائدنا و نتقى الله جل وعلا ونؤمن باليوم الاخر ، والذى من أجله تهون كل الدنيا بما فيها من محن ومن منح . عندها يستطيع كل منا أن (ينهى النفس عن الهوى )ومن يستطيع التحكم فى هوى نفسه لا يستطيع بشر أن يقهره . وتلك القوة النفسية ممكنة ، وأصحابها هم القادرون على إقامة دولة اسلامية حقيقية لو كانوا الأغلبية فى المجتمع ، وهم أيضا من أصحاب الجنة ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات 40 : 41 ).

ومستحيل طبعا فى مجتمع خامل يسيطر عليه رجال الدين الأرضى ويعبد هواه وتتكاثر فيه الالهة من البشر و الحجر أن يصل الى هذه الدرجة العليا .


ومن الممكن بالوعى الجمعى وبحيوية المجتمع الوصول الى درجة وسطى وهى الديمقراطية النيابية الغربية التى تعترف بدور رأس المال فى التاثير على الحكم ، والتى ( يحكم ) فيها ليس الشعب ولكن وكلاء منتخبون من الشعب ، كما فى الغرب . وهى درجة نتمنى أن يصل لها المسلمون ولو فى نهاية هذا القرن .


8   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42003]

تابع مع أخى الحبيب فوزى فراج



4 ـ درع اليهودى ـ تلك القصة التراثية ـ جاءت فى (أسباب النزول ) للنيسابورى . وقلت إننا نأخذ من الروايات التاريخية ما نراه ـ وفق المنهج البحثى ـ مقبولا ، وفى النهاية فأخبار التاريخ ـ لو صحت ـ فهى حقائق نسبية ،أى يجوز عليها الخطأ و يمكن أن تكون صحيحة ، أما التاريخ الحقيقى لكل منا فسيكون يوم القيامة فى كتاب الأعمال الفردى و الجماعى. ونعود الى الحادثة القرآنية ونرى بين سطورها تلك القصة التى تتكرر دائما ، عندما يفلت المجرم من العقاب لأنه صاحب نفوذ بينما يقبع البرىء فى السجن .


ومن الممكن أن تكون قصة اليهودى المظلوم صحيحة هنا ، ومن الممكن ألا تكون ، وتاتى رواية أخرى تملأ الفراغات ، وبنفس الأحداث الأساسية ( مجرم صاحب نفوذ + برى مظلوم + قاضى مخدوع ) . وفى كل الأحوال ليس مهما الأسماء والمكان و الزمان طالما يتضح رأى رب العزة فى القرآن .




5 ـ خالص مودتى ..أحمد


9   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   السبت ١٢ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42025]

اخى الحبيب أحمد شكرا جزيلا

شكرا جزيلا أحى الحبيب أحمد على ردك الفائض بالكرم والتفاصيل.


ربما لم أستطيع التعبير تماما عما أردت أن اقوله, وليس فى الحقيقة هناك خلاف معك, اردت ان اقول ان الرسول الذى أختاره الله عز وجل وليس بطريقة عشوائية من بين البشر عندما إختاره, بل لأنه كان أفضل واحق إنسان بالرسالة, لعلنا نتفق على ذلك, ذلك الرسول الذى كان القرآن بين يديه وفى قلبه, والذى كان مدعما بالوحى الإلهى وبالتوجيه الإلهى, ورغم كل ذلك فقط أخطأ او كاد, وقام الله عز وجل بتصحيحه, فكيف يمكن لإنسان أخر أيا كان أن لا يخطئ, ثم نعود مرة أخرى الى ان القاضى يحكم بين الناس, وبالتالى فالناس أيضا تحكم على القاضى سواء رضينا ام لم نرضى, وقد يكون القاضى قد حكم بالعدل, ولكن بعض الناس سوف لن يرون ذلك العدل بل وقد يعتبرونه ظلما, وقد إتفقنا على ان الحكم فى النهاية لله, أليس كذلك, إذن فالله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة بل وفى جميع الحالات هو الحكم الأخير, ومن الناس من سوف يخطئ تماما فى حكمه على الأخر, ولا أريد ان ابدو مثل الإسطوانه المشروخه, بأن ذلك هو ما كنت أشير اليه فى مناقشاتنا الأخيره من حيث ان الله هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن إهتدى. ولعلى أهرف الان فلازال هناك حوالى ثلاث ساعات على ( المدفع) وأنا فى منتهى الظمأ, فلا تؤاخذنى بما أفعل او أقول, رمضان كريم.


أما بالنسبة لإختيار ما نراه مناسبا من الروايات التاريخية كما قلت, فأرجو أن تسمح لى بالتفكير فيه قليلا, لأن ذلك قد يدعو الى التساؤل عن معنى ما نراه مناسبا, وعن الفكرة المسبقه التى قد تكون سببا فى إ ختيار ما نراه مناسبا لإثبات الفكرة وترك ما هو عكس ذلك, لم اعطى ذلك القدر الكافى من التفكير للتعليق عليه بعد.


سوف انتظر مقالتك التالية التى سوف توضح كما قلت بأنه ليس من المستحيل تحقيق تلك الشروط بفارغ الصبر.


تحياتى وأرجو ان يكون رمضان (مبارك ) لديك, أم أنك تفضله كريم .


 


10   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42044]

أستاذى الحبيب

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



 



وكل عام وأنتم بكل الخير والأمان



 



كاما قرأت مقالاتكم الرائعة وما فيها من جهد بحثى وجهاد لتنوير ظلام عقول المسلمين وإصلاح أوطانهم وشؤنهم تتزاحم داخلى مشاعر الرغبة فى التعبير عن الإمتنان لرجل وعالم ومجاهد بالحكمة والموعظة الحسنة فأجدنى عاجزا فأحجم عن التعليق واليوم لا أستطيع الصمت فلا أجد إلا الدعاء من القلب لكم بالصحة وطول العمر وأن يبارك الله لك فى ذريتك ويجزيك عنا أحسن الجزاء



 



راجيا من الله أن يبلغك أملك الغالى فى إظهار الحق إن شاء الله بالنصر على أساطين الجهل والتضليل أعوان كل مستبد وظالم



 



وتقبل خالص التحية والحب والتقدير



   عابد


11   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42046]

أخى الحبيب فوزى .. كل عام وانتم بخير

 قلت فى الرد إننى سأكتب المقالات التالية عما كان كائنا فى عصر الخلفاء. أما عن  أن تحقيق الديمقراطية ليس مستحيلا ، فقد أجبت عنه فى نفس الرد.


وأيضا عن اختيار الرواية الصحيحة قلت بأنه وفق المنهج العلمى ،أى ليس بالانتقاء والهوى . للمنهج التاريخى صرامته وقواعده فى فحص الرواية من حيث السند والعنعنة ومن حيث المتن ، ومدى اتساقه مع العصر ومع الروايات الأخرى فى نفس الموضوع .


12   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42047]

أخى الحبيب الأستاذ عابد أسير .. أكرمك الله جل وعلا و جزاك خيرا

 لا أملك إلا أن ادعو لك بالسعادة فى الدارين ، وأن يجمعنا جل وعلا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.


خالص محبتى 


أحمد


13   تعليق بواسطة   فوزى فراج     في   الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42050]

أخى الحبيب الشاب أحمد صبحى

معلهش, متأخذنيش, ليس على العجوز الصائم حرج, أما الشباب من مثلك فالصيام لا يؤثر عليهم كما يؤثر على العواجيز من مثلى.


يبدو ان ما تبقى لدى إن كان هناك شيئا قد تبقى من العقل قد ( شطب عليه ) الصيام. لقد أسأت فهم ما قلت, فإعتقدت انك تقول ان وجود القاضى العادل الذى أشرت اليه ممكنا, ولكن يبدو انك لم تكن تتحدث عن القاضى العادل ولكن عن الديموقراطيه, فمعذرة, لأن الشروط التى وضعتها لم تشمل فقط شخص القاضى ولكن المجتمع بأكمله, فكما قلت أعلاه ( ( ‏لأن‏ ‏تحقيق‏ ‏العدل‏ ‏مهمة‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يضطلع‏ ‏بها‏ ‏الجميع‏ ‏من‏ ‏خصوم‏ ‏وشهود‏ ‏وقضاة‏ ‏ومجتمع‏ ‏بأسره) ومن ذلك نستطيع ان نقول وأن نجزم دون أى تحفظ انه طبقا لتلك الشروط لن يتواجد ذلك العدل الذى تحدثت عنه ووصفته فى اى مجتمع على هذا الكوكب مطلقا. كذلك, فلا تنسى ان المجتمع الذى تبوأ الرسول فيه منصة القضاء, لم يكن بأى حال من الأحوال مثل ذلك المجتمع الذى وصفته, والقران نفسه يخبرنا بان فترة تولية مسؤلية دولته الإسلامية فى المدينة خلال السنين العشرة الأخيرة من حياته, لم تكن نزهه, بل قام فيها بعدة حروب ضد أعداء الإسلام من الداخل والخارج, والمنافقون كانوا يشكلون خطرا كبيرا على دولته, وجميع او معظم الآيات القرآنيه التى نزلت فى المدينة كانت تسودها التوجيهات الإلهيه للرسول فى كيفية التعامل مع الأخرين سواء المؤمنين او غير المؤمنين ( ليس فقط فى النهج المعروف فى الآيات الملكية والتى سادها التقوى والخشوع والإيمان ........الخ ولكن فى إطار ما يشبة إدارة أعمال وقيادة مدنية دنيوية), وبالتالى يمكن الحكم بأن ذلك المجتمع الذى وصفته والذى وضعته كشرط للعدال, لم يكن حتى موجودا فى دولة ا لرسول.


بالنسبة للديموقراطيه, فأرجو ان اجد فى مقالتك التالية شرحا لما تصورته من تحقيقها فى عصر الخلفاء او بعده, علما بأن الديموقراطية والعدل, ليسا إسمان لشيئ واحد, فهناك ما يتفقا فيه وما يختلفا عليه, أى انهما لا يتبعان نفس الطريق طوال الوقت.


معلهش مرة تانية, باقى ساعة على المدقع, فإن كان هناك اى خطأ, فليس ذلك منى ولا يبغى ان تلومنى عليه.


تحياتى القلبية


 


14   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٠٨ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82744]

الهدف الوحيد من ارسال الرسل وانزال الكتب السماوية هو (أن يقوم الناس بالقسط )


معنى أن (يقوم الناس بالقسط ) هو قدرة المجتمع بنفسه على إقامة القسط نتيجة إيمانه بالرسالة السماوية الداعية لاقامة القسط . وإقامة القسط تبدأ بنشر ثقافة القسط المستمدة من القيم العليا التى يحث عليها رب العزة فى كتابه باعتبارها المعروف المأمور به ، ومنع الظلم والاستبداد وكل أنواع المنكر المنهى عنها.إقامة القسط بين الناس تشمل كل أنواع العدل ، فالقسط فى السياسة يعنى الديمقراطية المباشرة ، والقسط فى الاقتصاد يعنى حرية السعى فى سبيل المعاش واستغلال موارد المجتمع بأمثل طريقة لفائدة المجتمع ، وتكافؤ الفرص ، وحق الفقراء والمساكين وغيرهم فى التكافل الاجتماعى. وأقامة القسط على المستوى الفردى فى التعامل بين الجيران و داخل الأسرة وفى العمل وفى الييع و الشراء وسائرمستويات التعامل الاقتصادى ، و حتى فى التعامل مع البيئة والموارد الطبيعية بعدم تجاوز الميزان (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ  )(الرحمن 7 : 9 ) أو التوازن البيئى . إقامة الناس لكل أنواع القسط يستلزم مجتمعا حيّا نشطا حرّا متفاعلا بالحركة ، تدفعه ثقافة ايمانية بأن العدل هو أساس شرع الله جل وعلا وأساس كل الرسالات السماوية ، وأساس حفظ المجتمع وحمايته ، وراحة أبنائه وأمنهم ، بعكس الظلم الذى يجعل المستبد خائفا من شعبه ويجعل الشعب خائفا من المستبد .



15   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٠٨ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82745]

إصلاح القاضي بالمساءلة والمجتمع بالتزكية والتربية خلقيا وحضاريا بالقيم العليا التى حفل بها القرآن


المساءلة هنا أهم مؤثر فى تأدية منصب القضاء والحكم بين الناس ، فالقاضى يدرك أنه يعيش فى مجتمع يفور بالحيوية ، والشفافية والأنوار المضاءة ، وأن خلفه آلاف الأعين وآلاف الآذان تراقبه وتقيّم أحكامه. نتحدث عن كل قاض من المحكمة الابتدائية الى المحكمة الدستورية العليا أو ما يشبهها فى الدولة الاسلامية الحقيقية .ضمير القاضى انعكاس لمجتمعه :  


‏وحيث‏ ‏ان‏ ‏القاضى ‏هنا‏ ‏يمثل‏ ‏ضمير‏ ‏المجتمع‏ فلا بد من تزكية المجتمع وتثقيفه وتربيته خلقيا وحضاريا بالقيم العليا التى حفل بها الجانب الخلقى من القرآن الكريم ، فى وصاياه من الأمر بالعدل والاحسان و العطاء و العفو و الرحمة و المغفرة و الكرم والوفاء بالعهد والاعراض عن الجاهلين ( الأنعام 151)(النحل 90 : 97 )(الاسراء 23 : 39 )( الفرقان 63 ـ )(الشورى 36 : 43 ) ومن المجتمع المتحضر ينبت القاضى العادل كما كان فى عصر النبوة .


وكما أسلفنا فإن الخطاب‏ يتوجه للناس والمؤمنين أوالمجتمع حتى فى الحكم بالعدل ‏، ‏وهنا‏ ‏تقوم‏ ‏تشريعات‏ ‏القرآن‏ ‏بتربية‏ ‏العقل‏ ‏الجمعى ‏على ‏أسس‏ ‏العدل‏ ‏والقسط‏، ‏وذلك‏ ‏أيضا‏ ‏موضوع‏ ‏شرحه‏ ‏يطول‏، ‏ولكن‏ ‏نكتفى ‏منه‏ ‏ببعض‏ ‏الإشارات‏ .‏

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,689,651
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي