إنتماء المسلم هل هو إلى الوطن والقوم أم إلى العقيدة...؟

آحمد صبحي منصور Ýí 2009-04-01


مقدمة
الشائع فى الثقافة السلفية الوهابية أن إنتماء المسلم لدينه بغض النظر عن الوطن أو القوم ، ولذلك يروج الأخوان المسلمون فى مصر لفكرة أن المسلم فى بنجلاديش وباكستان أقرب للمسلم المصرى من القبطى المصرى .
هذه الشائعة يتبناها السلفيون أصحاب الحلم العتيد بإقامة دولة دينية ( إسلامية ) عالمية تضم كل المسلمين تحت شعار الخلافة يواجهون بها الغرب الصليبى والصهيونية العالمية .هذه الشائعة ليس لها أساس فى الحياة الواقعية ، كما أنها تناقض الإسلام فى نفس الوقت .


وإليكم التفاصيل .
أولا : من حيث الواقع .
المسلمون من حيث الواقع العملى ليسوا على دين واحد أو ملة واحدة ، إذ لهم أديان أرضية مختلفة يعادى بعضها بعضا .
التقسيم العملى للمسلمين الآن كالآتى :-
1 ـــ أقلية كبيرة من الشيعة تناصب السنيين العداء ، والعداء بين الطرفين يتجاوز أحيانا العداء بين المسلمين والمسيحيين ، وهذا عداء ممتد ومتعمق بجذوره، تجدده ذكريات كربلاء والمذابح المستمرة التى عاناها الشيعة من متطرفى السنة خصوصا فى العراق وسوريا ولبنان. والسعودية وفى مصر بسبب النفوذ الوهابى السعودى فيها .وحين يكون الشيعة فى الحكم أوأغلبية فإنهم يضطهدون السنيين كما حدث فى الخلافة الفاطمية وكما يحدث الآن فى إيران .
وفى هذه الحالة لا تسأل عن إنتماء المسلم الشيعى للمسلم السنى فى إطار دين واحد لأنهم خصمان .
2 ـــ أقلية سنية حنبلية وهابية متشددة وهى تزعم لنفسها التحدث بإسم الأمة الإسلامية ، يستوى فيها الإرهابى الصريح كإبن لادن والظواهرى ، أو الجناح المدنى للإرهاب ممثلا فى الأخوان المسلمين ، كلهم يجمعهم حلم الدولة الإسلامية الموحدة فى تغافل عن الواقع .ومنهم علماء السلطة العاملون فى خدمة السلطان القائم وأولئك يوجهون عداءهم للصوفية والشيعة المسلمين يعتبرونهم مشركين ويوجبون الجهاد ضد الجميع لأنهم يعبدون الأضرحة والأوثان .
وبالتالى فالحديث عن دين واحد لا أساس له من الصحة
3 ـــ أقلية صوفية ملحدة تؤمن بوحدة الوجود والحلول والإتحاد وتلغى الشرائع التعبدية وتعتبرها عائقا عن الوصول للحق والتحقق بالحق . وهم بعقائدهم تلك يعتبرون أن عقيد الأسلام ( لا إله إلا الله ) هى عقيدة العوام .
4 ـــ أغلبية ساحقة صوفية سنية ، أى تتعبد بالشريعة السنية فى الصلاة والصوم والحج فى تدين سطحى مظهرى ، ولكن من خلال عقيدة صوفية لا ترى مانعا من تقديس القبور بدءا من القبر المنسوب للنبى محمد عليه السلام إلى القبور المقدسة للشيعة ( مثل أضرحة الحسين والسيدة زينب) والقبور المقدسة للسنة ( مثل قبر الشافعى وأبىحنيفة ) والأضرحة المقدسة لدى الصوفية ( السيد البدوى والشعرانى وابن الفارض وأبو حسن الشاذلى وإبراهيم الدسوقى .... إلخ)
هذه الأغلبية الصامتة تخضع سسسسلكل ديكتاتور مستبد ، وإنتماؤها الحقيقى للقمة عيشها ومتطلبات حياتها ، تتحمل ظلم المستبد القائم مادام فى السلطة ثم تهلل لمن يخلفه .
وبالتالى لا تسأل عن الإنتماء الدينى هنا .فإنتماء هذه الأغلبية الساحقة لنفسها وهى إن هاجر بعض أبنائها فلدوافع إقتصادية بحتة ، وهى بطبيعة الحال هجرة مؤقتة . ويمارس المستبد معهم غسيل مخ ، بأن يجعل إنتماءهم الوطنى أو القومى أو الدينى له وحده فقط.
ثانيا :- الإنتماء فى رؤية إسلامية :-
ما هية الإنتماء :-
1 ـ هو ذلك الشعور القوى الذى يجعل الإنسان يختار لحياته طريقا ويجاهد فى سبيله .
الدين فى معناه اللغوى يعنى الطريق والسبيل والصراط ، وكل إنسان يختار لنفسه دينه أو طريقه فى الحياة ، يتعامل به مع الإله الذى يؤمن به ومع الناس الذين يعايشهم، والإنتماء هو واسطة العقد فى هذا التعامل .
2 ـ وطبقا لما جاء فى القرآن الكريم فالبشر نوعان فى موضوع الإلوهية:
هناك من يؤمن بالله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، يؤمن باليوم الأخر ويجعل طريقه فى الحياة أو سبيله أو الصراط الذى يمشى عليه فى حياته هو طاعة الله جل وعلا فى الدنيا أملا فى الفوز فى الآخرة.
وهناك الأغلبية المطلقة من البشر، وهى التى تعبد ( الهوى) أى ما تهواه النفس فى هذه الدنيا ، وكل الهوى له طريق واحد هو ارادة الحياة الدنيا والفوز فيها بالثروة والسلطة والجاه والنفوذ والمتعة والشهوات .
وتحت بند الهوى يختلفون ؛ فمنهم الملحدون ولهم آلهتهم التى ينتمون اليها ، ومنهم المتدينون أصحاب الأديان الأرضية التى تسوغ وتشرع الوصول إلى السلطة والجاه والثروة بأى طريق ، وهناك من يجعل إلاله الذى ينتمى اليه شعارات يخدع بها الجماهير مثل القومية والوطنية وحقوق العمال ، وغايته أن يصل بها إلى السلطة والثروة كما يفعل فى جهادهم محترفوا التدين السياسى .
ثم هناك الأغلبية الساكتة المطحونة وهى الضحية التى يتنافس على حكمها واستغلالها كبار المتصارعين من أصحاب الشعارات الدينية و الوطنية و القومية و الاجتماعية ، والهوى المسيطر على أفراد الأغلبية الصامتة يقتصر على مجرد ( الستر) وتحصيل المتطلبات البسيطة للحياة من بيت ورزق مضمون ومستمر وصحة وإستقرار للأولاد والبنات والعيش بأمان . فى سبيل الفوز بهذا يبذل حياته وجهاده ، وهذا هو دينه العملى الذى لا يتجاوز متطلبات هذه الدنيا ، وهو حتى حين يصلى لله تعالى أو يتوسل للأولياء والأضرحة والقبور المقدسة فإن أمنياته تنحصر فى الرزق ونجاح الأولاد و تزويج البنات والنجاة من الحاكم الظالم .. وسائر الحاجات البسيطة.
أما الآخرة فلا يفكر فيها لأنه قد تم إقناعه من خلال دينه الأرضى بأنه سيدخل الجنة مهما فعل ولو زنا أو سرق (برغم أنف أبى ذر ) فالجنة مضمونة له بشفاعة النبى والأولياء ، أو حتى بمجرد قوله ( الشهادتين) ،أما غير المضمون له فهو الرزق فى هذه الدنيا ، وهو العكس تماما لما جاء فى القرآن ، فالرزق ضمنه الله جل وعلا لكل الكائنات و البشر بغض النظر عن ايمانهم أو كفرهم ( 2/ 126 )( 17 / 18 : 21 ) (11 / 6 ) ( 29 / 60 ) ( 6 / 151 ) ( 17 / 30 : 31 ) أما دخول الجنة فليس مضمونا إلا من يعمل لها مؤمنا حق الايمان.
3 ـ موضوع الإنتماء فى الإسلام لا شأن له بمن يعبد هواه واختار الحياة الدنيا وآثرها عن الآخرة ، هذا قد تحدد إنتماؤه فى هواه فى هذه الدنيا ، وليس له إنتماء إلا لهدفه الدنيوى .
وشر هؤلاء الناس هو المتدين الذى يستخدم الدين ليصل للحكم أو يرتزق بالدين لأنه يخدع الناس بإسم الله تعالى ويحترف الكذب وينشر الأكاذيب التى يقوم عليها دينه الأرضى ليخدع بها الجماهير .
4 ـ موضوع الإنتماء فى الإسلام مقصور على من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر ، ويعمل من أجل رضى الله وفى سبيل مرضاته وجنته ، يسعى فى الخير وفى إقرار العدل وفى حقوق الناس ، بلا طموح دينى ودون أن يسأل الناس أجرا ، وهى وظيفة الأنبياء ومن يمشى على سنتهم وطريقهم .
5 ـ هذا المؤمن الذى يجاهد طاعة لله تعالى ورغبة فى الفوز بالأخرة ... إلى ماذا ينتمى ؟!
المؤمن الحق والقومية : هل ينتمى المؤمن الحق لقومه ؟:-
القرآن الكريم يعترف بوجود القومية من خلال حديث كل نبى مع " قومه ". فهل يعنى هذا أن إنتماء النبى والمؤمنيين إلى أقوامهم؟!...
هنا نضع بعض الملاحظات .
1 ــ كل نبى كان يدعوا قومه إلى الإيمان يقول لهم :( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )، وتكرر هذا فى قصص الأنبياء فى سور الأعراف وهود والشعراء وغيرها.
بل إن بعض الأنبياء خاطب قومه – وهم موتى بعد هلاكهم " خاطبهم متحسرا على ما آل إليهم مصيرهم ، قال صالح  لقومه ثمود  بعد هلاكهم على الكفر (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ )(الأعراف 79) وقالها شعيب  لقوم مدين  بعد أن أهلكهم الله تعالى (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)(الأعراف 93 )أى هم قومه حتى بعد هلاكهم كفارا .
2 ـــ تحديد القومية فى الإسلام هو بالنسب و بالمعايشة أو بهما معا .
فالغريب الوافد على قوم يكتسب قوميتهم بالمعايشة والمواطنة ؛ فالنبى لوط عليه السلام هاجر مع عمه إبراهيم من العراق إلى الأردن ، وعاش مع قوم آخرين ، وبالمعايشة معهم صار (أخوهم ) وأصبح لقبهم قوم لوط " أو " أخوان لوط " (ق 13 )، (هود 78 ) .
وقد ينتسب النبى أو الشخص لقومه بالدم ولكنه يتربى بعيدا ، ولكن يكون بالنسب ورابطة الدم من أولئك القوم ، فموسى عليه السلام تربى ونشأ فى القصر الفرعونى وقت أن كان قومه يعانون أشد العذاب من فرعون ، وبمجرد أن إحتك بالشارع وقع فى جريمة قتل ، فهرب تاركا قومه ووطنه إلى الشام ، وعاد بعد سنوات إلى مصر نبيا يخاطب بنى إسرائيل على انه قومه مع أنه لم يسبق له أن عايشهم (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )الأعراف : 128 : 129 ).القومية هنا بالنسب والعرق وليس بالمعايشة .
3 ـ تحديد القومية لا يتأثر بموقف القوم المعادى للنبى ودعوته، فهم قومه حتى لو كانوا مشركين شديدى الخصومة للنبى ودينه، بل إنه يستخدم رابطة القومية ليحببهم فى دعوته ،وأنه يخاف عليهم فالنبى نوح عليه السلام قال لقومه :( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ( الأعراف 59 : 62 ) فيقول لهم ( ياقوم ) والله تعالى يصفهم بأنهم ( قومه ) هذا مع ضلالهم ورفضهم له ، وهو يتحبب لهم وهم يسيئون له .
ونفس الحال مع النبى هود عليه السلام لقومه ردا على تسفيههم له(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ) ( الأعراف 65 : 68 ).فالله تعالى يصف هودا بأنه (أخو ) قوم عاد ، وهو يخاطبهم قائلا ( ياقوم ) ويرد على إساءتهم بأنه لهم ناصح أمين .
وكان قوم النبى موسى يؤذونه ، وكان موسى عليه السلام يشكو قائلا لهم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ )( الصف 5 ) فهم قومه حتى وإن آذوه .
ونفس الحال مع خاتم الأنبياء وقومه المكذبين من قريش ، فالله تعالى يقول للنبى محمد وعن قومه (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )( الزخرف 44 )، فالنبى محمد وقومه مطالبون بالإيمان بالقرآن الكريم والعمل به وهم مساءلون مثله عن هذا يوم القيامة .
ولكن قوم محمد عليه السلام كذبوا بالحق القرآنى جملة وتفصيلا ، فأمر الله تعالى رسوله الكريم بأن يعلن أنه غير مسئول عنهم (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )(الأنعام 66 ) فهم قوم محمد النبى ولو كذبوا بما أنزل عليه.
ولقد نزل القرآن بقصص الأنبياء والأمم السابقة ، منها ما نزل من قبل التوراة ومنها ما لا يرد فى التوراة مثل قصص الأنبياء العرب من العرب البائدة مثل هود مع قوم عاد ، وصالح مع قوم ثمود وشعيب مع مدين ، وسبأ ، وتفاصيل تلك القصص لم يكن لقوم محمد أو لمحمد علم بها فقال تعالى عنه وعن قومه : (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا )(هود 49 ) بل كانوا يجادلون بالباطل ويصدون عن بعض القصص (الزخرف 57 ) .
ومات النبى محمد ومات قومه، وسيأتى يوم القيامة شهيدا عليهم بأنهم هجروا القرآن (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )( : الفرقان 30 ) أى هم قومه حتى يوم القيامة وسيأتى خصما لهم وهم فى النار . وتقول الآية التالية عنهم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ )( الفرقان 31 ) فهم أعداء النبى محمد وهم المجرمون ، ولكنهم قومه!!.
4 ـــ واجب النبى نحو قومه أن يدعوهم للحق بأن يعبدوا الله ما لهم من إله غيره ، وأن ينصحهم ويعظهم لو أخطأوا، فموسى قال لقومه حين عبدوا العجل (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ )(: البقرة 54 ) وأن يصبر على الأذى ، وإذا أصروا على عقيدتهم فليس له ان يكرههم فى الدين بل يقول لهم إستمروا على ما أنتم عليه وسأستمر على ما أنا عليه . وسيأتى تفصيل ذلك .
فإذا تطور الأذى إلى التعذيب ومحاولة القتل هنا يجب التبرؤ من القوم والهجرة من بلده وعدم موالاة قومه ، وكذلك فعل إبراهيم والمؤمنون معه حين تبرأوا من قومهم وهاجروا من وطنهم العراق (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة 4 ).وهنا اتخذهم رب العزة مثلا ليتعلم منهم الصحابة المهاجرون عدم موالاة قومهم القرشيين الذين طردوا النبى والصحابة من وطنهم وأخرجوهم من ديارهم (الممتحنة 1-2 )
الهجرة أساس الإنتماء فى الإسلام .
1 ـــ الهجرة من القوم والتبرؤ منهم لا تمنع وجود القومية ، وقد رأينا أن قوم محمد هم قوم محمد حتى يوم القيامة وأنه سيأتى يوم القيامة خصما لهم يشهد عليهم بأنهم إتخذوا القرآن مهجورا .
ولكن وجود القومية وإستمرارها والإعتراف بها لا يعنى أن ينتمى المؤمن لها . والمؤمن هنا يعنى النبى وكل مؤمن إيمانا حقا متبعا للدين الإلهى الحق .
قلنا إن النبى يستخدم القومية وسيلة للدعوة إلى الحق ، فهو يخاطب قومه من واقع حبه لهم وحرصه عليهم ؛ يدعوهم للحق والخير والفلاح فى الدنيا والأخرة ، وهو لا يقوم بإكراههم فى الدين ، ويرد على آذاهم برفق ويتحمل أذاهم ، فإذا لم تفلح الدعوة معهم فعليه أن يتبرأمنهم وأن يتركهم ويهاجر تاركا قومه ووطنه. أى إن إنتماء النبى و المؤمن هنا إلى الحق وليس إلى القوم. هو لا يطلب أجرا أو جاها ، بل يدعوهم إلى الحق والخير، فإن رفضوا إحترم حقهم فى الرفض ، وتركهم إلى ما اختاروه ، فإن بالغوا فى إيذائه وإضطهاده تعين عليه تركهم والتبرؤ منهم مع أنهم قومه .
2 ـــ والهجرة هى الركن الأصيل فى إنتماء المسلم لعقيدته وليس لوطنه أو قومه ، تجب الهجرة حين يصل الإضطهاد للمؤمن فى عقيدته وممارسة شعائر دينه إلى حد الإيذاء والمنع والملاحقة والسجن والتعذيب والقتل ، يتعين عليه عندها الهجرة وترك وطنه وقومه ، مع أنهم قومه.
والهجرة هنا موقف حاسم يتحدد على أساسه دخول هذا المؤمن الحق الجنة أوالنار ، فإذا كان قادرا على الهجرة ولكن تقاعس عنها تمسكا بوطنه وقومه ، وراضيا بالاضطهاد والظلم فهو مصيره الى النار،أما إذا كان عاجزا عن الهجرة مع رغبته فيها فهو مغفور له :( النساء 97-99 ).
والهجرة هنا ليست مجرد إختبار وإختيار ، بل هى معاناة شديدة مرتبطة بوعد إلهى بالسعة والأجر والثواب ( النساء 100 )ويعد الله تعالى المهاجرين الذين صبروا على الأذى وتوكلوا على الله بالأجر الحسن فى الدنيا والأخرة( النحل 41-42 ،110) ( الحج 58 ).
3 ـــ والهجرة ركن أصيل فى إختيار الأخرة . فهذه الدنيا مجرد قنطرة عبور للأخرة ومباهجها زينة وإبتلاء وستتدمر هذه الزينة ، لذا فالمؤمن يضع الأخرة نصب عينيه بعمل الصالحات فهى الباقيات يوم القيامة ، ( الكهف 7 ، 8 ، 46 ).
4 ـ والهجرة ترتبط بالهدف من خلق الانسان وخلق العالم إختبارا للانسان ، فالله جل وعلا خلق كل هذا الكون وخلق الموت والحياة لاختبار الانسان فى هذه الأرض ( هود 7 ) ( الملك 2 : 3 ) وجعل لكل نفس بشرية وقتا تأتى فيه الى الأرض لتكون إنسانا يحيا فيها عمرا محددا فى هذه الدنيا ، ثم يموت الانسان وتعود النفس الى البرزخ الذى أتت منه . ثم بعد أن تدخل كل نفس بشرية اختبار الحياة يتم تدمير هذا الكون وانتهاء هذه الحياة الدنيا ،أو هذا اليوم الدنيوى ليأتى (اليوم الآخر) بالحساب ودخول الجنة أو النار ( ابراهيم 48 ).
المؤمن يفهم هذا ،و يضع نصب عينيه أن الله جل وعلا لم يخلق هذا الكون عبثا ( آل عمران 190: 191 ) ( الأنبياء 16 ) ( الأحقاف 3 ) ولم يخلق الانسان عبثا ( القيامة 36 ) ( المؤمنون 115 ) بل لاختبار لا فرار منه ولا محيص عنه ، وعليه فانتماؤه الى الآخرة الباقية الخالدة ، وليس للدنيا الزائلة الفانية .
والمؤمن بهذا يعلم أهمية الوقت القليل المتاح له فى هذه الدنيا ، وأهمية استثماره فيما ينفعه فى الاخرة بالعمل الصالح والايمان الحق بالله جل وعلا و اليوم الآخر. ومن الحمق أن يضيع المؤمن وقته المحدد فى هذه الدنيا واختبارها عبثا فى خضوعه للاكراه فى الدين ، وهنا يحتم إنتماؤه للآخرة أن يترك هذا الوطن الذى يصادر حقه فى حرية المعتقد ويتبرأ من أولئك المستكبرين من قومه الذين يؤذونه ليجبروه على الرجوع عن الحق .الإنتماء إلى الآخرة يحقق أملا للمؤمن فى أن يتمتع بحريته فى عقيدته ودينه فيما يتبقى له من عمر وحياة على هذا الكوكب الأرض، حتى يلقى الله تعالى فى الأخرة وينجح فى الأختبار يوم الحساب.
5 ـ ومن روائع القرآن الكريم قوله تعالى : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ .كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(العنكبوت 56-57 )، فأرض الله تعالى واسعة ، ولأنها كروية فهى ممتدة إلى ما لا نهاية ، والإنسان فيها كالنملة فوق ثمرة بطيخ ، تظل النملة تسير على سطح البطيخة دون أن تدرك نهايتها ، فالأرض واسعة بلا نهاية بهذا المعنى ، ولكن العمر محدد للإنسان ، وكل نفس ذائقة الموت ، وعليه فّان كان العمر المقدر لك سلفا ستين عاما ، فإن هذا العمر المحدد بأجل هو الموت يتناقص مع كل يوم يمر عليك ، وعليك إذا كنت مؤمنا ـ قد حددت إنتماءك لله تعالى واليوم الأخر ـ ألا تضيع دقيقة واحدة من عمرك ، فالدقيقة التى تمضى لا يمكن أن تعود ، فأنت تركب قطار الزمن ، وهو قطار لا يتوقف ولا يعود أدراجه للوراء بل يسير بإستمرارإلى الأمام ، وحين تأتى محطة نزولك من القطار – بالموت- فلابد أن تغادر قطار الحياة والزمن ، وتكون أسيرا لما قدمته من عمل صالح أو سىء. ومن الحمق لمن كان مؤمنا أن يضيع حياته والوقت المخصص له فى هذه الدنيا خاضعا لمن يكرهه فى الدين ومن يمنعه من ممارسة عقيدته وشعائر دينه بحرية،أى لابد أن يهاجر إلى الله تعالى حرصا على أن يستثمر ما تبقى من عمره يحقق فيه إنتماءه لله تعالى ودين الله تعالى ...
6 ـ ويلفت النظر كلمة ( أرضى ) فى قوله تعالى (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ)(العنكبوت 56 ) فكلمة الأرض هنا منسوبة لله تعالى ومملوكة له، وهى المرة الوحيدة التى جاءت فيها كلمة ( أرضى) فى القرآن الكريم ، مع أن كلمة ( أرض ) ومشتقاتها جائت فى القرآن الكريم (461 مرة ).والمراد هنا أن الأرض التى يتقاتل فى سبيلها من أراد الحياة الدنيا وزينتها إنما هى أرض الله تعالى وملك له ، وسيأتى يوم يدمر الله تعالى فيه هذه الأرض ويأتى الناس للحساب ، بعد عمر محدد وقصير قضاه كل إنسان ،أضاع فيه معظم الناس ذلك العمر صراعا وجريا وراء سراب الدنيا ينسون أن الموت صفر كبير ينتظهم جميعا . وينجو من ذلك الصفر كل من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ( الاسراء 19 )
7 ـ والأشارة هنا أن الأرض واسعة جاءت للتأكيد على المؤمن فى موضوع الهجرة بالذات ، فإذا ضيقوا عليك حريتك فى هذا البلد فأرض الله واسعة ، وتكرر هذا فى تأنيب من تقاعس عن الهجرة مع قدريته عليها ،إذ تقول له الملائكة عند الموت وضياع فرصته (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا)(النساء 97 ).
ويقول الله تعالى عن سعة الأرض لمن يهاجر فيها (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)( النساء 100 ) و(المراغم ) أى الصعوبات التى يجب التصدى لها بالصبر ، وعندها يأتى الفضل الواسع من الله تعالى فى أرضه الواسعة .
ويقول تعالى أيضا ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )(الزمر 10 ) فالفرض على المؤمن هو التقوى فى الايمان والعمل ، وله الأجر الحسن على عمله الصالح ، وأرض الله تعالى واسعة أمام المؤمن فى عمره القصير ، وما عليه سوى الصبر ، وأجر الصابرين بدون حد أقصى .
ثالثا :- التناقض بين الإنتماء السلفى والإنتماء الإسلامى .
1 ـ هناك مجرم عادى يقتل ، يعرف أنه مجرم ، ويعرف الناس أنه مجرم ، وهناك مجرم يقتل الناس بإسم الجهاد ويسلب أموالهم ، وينتهك أعراضهم بإسم السلب والسبى مستغلا دين الله تعالى القائم على العدل والحق ، هذا المجرم يظلم الناس ويظلم رب الناس ، وهو أعدى أعداء الله تعالى .
تلك الأديان الأرضية التى تتستر بإسم الإسلام هى المسئولة عن سوء الفهم الذى أصبح الإسلام فيه متهما بالتطرف والإرهاب والظلم ، ولقد قننت تلك الأديان الأرضية – خصوصا دين السنة – شريعتها الظالمة عن طريق تحريف مصطلحات القرآن الكريم فى مفاهيم الإسلام والإيمان .... إلخ ، وتحريف شريعة الإسلام بتأويل آيات القرآن الكريم وخرافة النسخ ( ومعناه الإثبات والكتابة ، ولكن جعلوه يعنى الإلغاء والحذف )بالإضافة إلى إختراع الأحاديث القدسية والنبوية وكتابة سيرة للنبى تتفق مع هذه الأكاذيب .وكتبنا كثيرا فى هذا .
استعمل أرباب الدين الأرضى الإسلام لخدمة أغراضهم الدنيوية وطموحاتهم السياسية ، فأقاموا عن طريق إستغلال الإسلام إمبراطوريات ونظم حكم كان آخرها المملكة السعودية ، والجمهورية الإيرانية ، وعلى نفس الطريق يحلم الأخوان المسلمون متظاهرين بالإعتدال ويسعى ابن لادن مستعملا أسلوب المواجهة الدموية الصريحة .
2 ــ وموضوع الإنتماء هناهو واسطة العقد ..
فلكى يركبوا أكتاف أكثر من بليون مسلم لابد أن يتحدثوا عن " أمة الإسلام" وكل منهم كإبن لادن يكلم " أمته الإسلامية " ويجعل الإنتماء لهذه الأمة الإسلامية يتخطى حدود الوطن والقوم واللغة والمستويات الحضارية والإقتصادية .
وهم بذلك يسرقون الفكرة الإسلامية الأصيلة فى الإنتماء ، وقد قلنا أن إهتمام المسلم الحقيقى لعقيدته وإيمانه بالله تعالى واليوم الأخر .
ولكن يظل الهدف هو الفارق الأساس بين الإسلام وأصحاب تلك الأديان الأرضية الطامحة للسلطة ... هل الهدف هو الهوى – هوى التسلط والطمع الدنيوى وإرادة الدنيا – أو هو مجرد الدعوة للحق بلا إكراه فى الدين والدعوة إلى حقوق الناس والعدل والتجرد من أى مطمع سياسى أو أجر دنيوى .
3 ـ هنا يتجلى الفارق ...
المؤمن الحق لا يطلب أجرا ولا جاها ، وهو يتحمل الأذى ويصبر ، ثم يهاجر ويحترم حق كل إنسان فى عقيدته ، أى يقول الحق ثم يعرض عن الجاهلين منتظرا حكم الله تعالى على الجميع يوم القيامة ، وقد تكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم أمرا للنبى محمد عليه السلام.
وهو فى مكة : أمره الله جل وعلا أن يقول الحق بوضوح مرة واحدة وبقوة وبلا مواراة مع الاعراض عن المشركين : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر 94 )( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(الأعراف 199)
والاعراض عنهم ارتبط أيضا بالآتى :
* بالأمر له باتباع القرآن الكريم وبتأكيد أنه ليس مسئولا عن اختيارهم العقيدى: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ )(الأنعام : 106 : 107).
* وبالتأكيد على أن ينتظر معهم حكم الله تعالى على الجميع يوم القيامة ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ) ( السجدة 30 )
* وبتقرير المساواة بينه وبينهم ، فأحد الفريقين على هدى أو ضلال ، وليس أحد الفريقين مسئولا عن عمل الآخر ، وفى النهاية فالمرجع الى الله تعالى ليحكم بينهم يوم القيامة : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ قُل لّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ )( سبأ 24 ـ 26 )
* وبالتأكيد على أنهم قد اختاروا الدنيا ومن أجلها كذبوا بالقرآن الكريم:( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (النجم 29 ).
* والاعراض عنهم مرتبط بحقهم فى الأستمرار على ما كانوا عليه (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )( الأنعام 135 )، ،( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ)(الزمر 39 : 41).
* وتأكد نفس الموقف تعليقا على قصص الأنبياء السابقين فى التسليم بحريتهم فى الاختيار ومسئوليتهم على هذا الاختيار ،وأن لهم أن يستمروا فى عقائدهم ، وأن له أيضا أن يتمسك بدينه ، وأن ينتظر الفريقان الى يوم الفصل يوم القيامة، فالنبى شعيب قال لقومه (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ )(هود 93 ).وفى نهاية السورة وتعليقا على قصص الأنبياء فيها قال تعالى للنبى محمد عليه السلام : (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) ثم أمره أن يؤكد للكفار أن لهم مثله الحق فى التمسك بما يريدون من عقائد ،وعليهم مثله الانتظار الى يوم الفصل: ( وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)(هود 120 : 122)
*والتبرؤ من دينهم وعملهم يعنى حقهم أيضا فى التبرؤ من دينه ومن عمله :(وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)( يونس 41 ) .
* وعندما أصبح النبى محمد قائدا لدولة اسلامية جاءته نفس الأوامر بالاعراض عن مكائد المنافقين : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا )( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) ( النساء 63 ،81 ).
* كل ذلك تفصيل وتأكيد وتفعيل للقاعدة الكلية فى الاسلام :(لا إكراه فى الدين ).

4 ـ يتناقض هذا مع شريعة الدين السلفى وجهاده ، حيث الإكراه فى الدين وملاحقة المخالف فى المذهب بالإضطهاد ، والمعترض عليهم بحد الردة ، وتقسيم العالم إلى معسكرى الإيمان والكفر، وإحتراف القتل العشوائى حتى لو أدى إلى قتل المسلمين ، بل تشريع قتلهم فى سبيل الهدف الأسمى وهو إقامة الدولة الإسلامية المزعومة ، بل والأفظع أنه فى خلال تلك الدولة الإسلامية المزعومة يجعلون من حق الحاكم أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين،ويجعلونه مالكا للرعية والأرض ومن عليها ، وهى نفس الشريعة التى طبقها الأمويون فى خلافتهم، وطبقتها وقامت بتنظيرها وتشريعها الدولة العباسية وخلفاؤها وفقهاؤها ، وتابعهم المماليك ثم العثمانيون ، والأن يطبقها حكام الدولة الدينية الشيعية فى إيران والسنية فى السعودية ، ويحلم بنفس السلطة الأخوان المسلمون " المعتدلون "وأخوان ابن لادن المتطرفون .
وفى النهاية
الإسلام هو السلام مع الناس فى التعامل مع الناس ، وكل إنسان مسالم هو مسلم بغض النظر عن عقيدته ، والإسلام فى التعامل مع الله تعالى هو الإستسلام والطاعة لله تعالى ،وليس لأحد أن يتدخل فى عقائد الأخرين بالمنع والاكراه . ومن حق كل إنسان مسالم أن يهاجر بدينه وعقيدته وأن يمارسها كيفما شاء طالما لا يرغم أحدا فى دينه .
والدولة الإسلامية الحقيقية هى التى تضمن حرية الدين والمعتقد والفكر والشعائر ويقوم فيها الناس بالعدل والإحسان ، ويقيمون فيها العدل السياسى أى الديمقراطية .
فليس من وظيفة الدولة الإسلامية إدخال الناس الجنة وهدايتهم إلى الحق ، لأن تلك مسئولية فردية ، فمن اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فعليها ، ولكن وظيفة الدولة الإسلامية هى خدمة الفرد فيها وضمان حقوقه وحفظ كرامته .
وبذلك المفهوم لا توجد دولة إسلامية فى بلاد المسلمين ، بل دول إستبدادية تحت شعارات القومية أو الوطنية أو الشعارات الدينية ، وكلها شعارات لخداع الشعوب .
توجد الدولة الإسلامية فى الغرب ، أوربا وأمريكا وكندا واليابان ، حيث الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان ، ولهذا يهاجر المسلمين والعرب إلى الغرب تباعا فرارا بدينهم أو طلبا للقمة العيش والحياة الحرة الكريمة، ولا تجد أوربيا أو أمريكيا يهاجر لبلد عربى فرارا بدينه ؛ بل إن أسرائيل فى علمانيتها وديمقراطيتها أفضل من دول المسلمين المستبدة الظالمة ، ولو كان الطريق ممهدا لغير اليهود للهجرة لإسرائيل لهاجر إليها الملايين من العرب والمسلمين....
أى أن الإنتماء الحقيقى للإنسان هو سسحيث يجد حريته وكرامته وحقوقه، وبهذا يتطابق الإنتماء فى الإسلام مع الإنتماء الحق لدى الإنسان .
هو إنتماء للحرية والعدل ، فإن ضاع العدل وصودرت الحرية فى الوطن ، فأرض الله واسعة للهجرة حيث المساواة والعدل والحرية وتكافؤ الفرص.


 

اجمالي القراءات 17263

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   عبد السلام علي     في   الخميس ٠٢ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[36430]

هذا هو الاسلام الذى يؤمن به الغرب لا ما يسمى المسلمون

شكرا استاذنا الكريم على هذا المقال الذى الذى يؤكد المعنى الحقيقى للاسلام وثوابته العليا



ولكن لى استفسار -- كيف الهجرة من بلاد الاستبداد فى ظل قوانين الهجرة الظالمة والمقيدة لحرية الناس فى الهجرة -- ارجو من الله ان يساعدنا على الفكاك منها وبمساعدة الاخوة فى المهجر تطبيقا لقول الله تعالى " وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا "(75) النساء



جزاكم الله خيرا وشكرا والسلام عليكم


2   تعليق بواسطة   خـــالد ســالـم     في   الأحد ٠٥ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[36597]

موضوع رائع دكتوةر أحمد وضح اللكثير والكثير في ثقافة السلف المخالفة للقرآن

بارك الله فيك يا دكتور على هذا الجهد وهذا الموضوع الرائع الذي أوضح الكثير والكثير في ثقافة السلف الذين شوهوا صورة الاسلام وغيروا دين الله سبحانه وتعالى مستخدمين الدين في خدمة مصالحهم الشخصية وطمحاتهم الدنيوية ليس إلا وهم بذلك يخالفون صحيح الدين تماما كما وضحت آيات القرآن الكريم أن مسئولية الدين والمعتقد هي مسئولية شخصية بحتة وليس من حق أي إنسان أن يبالغ في دعوة الناس لدين الله ويتعدى الدعوة لدين الله بالحسنى والموحظة الحسنة تأكيد لقول الله جل وعلا لا إكراه فى الدين لكن هيهات هيهات لهؤلاء وما كتبوه وما فعلوه من غسيل لعقول المسلمين على مر العصور


 


3   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الإثنين ٠٦ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[36656]

مفهوم الإسلام في هذا المقال يجعل من مليارات البشر المسالمين مسلمين

مفهوم الإسلام في المقال يجعل من مليارات البشر المسالمين مسلمين  ، وبهذا يكون الأمل في رحمة الله لكثير من البشر الذين ينشدون رحمة الله متاحة أو قريبة ، وتكون هناك الفرص الكثيرة لتقارب أكثر بين أفراد الإنسانية للتعاون على القيم العليا والمثل النبيلة المشتركة بين كافة العقول والقلوب الحرة والشريفة ، والتي سوف تكف يد المستبدين عن المستضعفين ! إذن هناك إتجاه إنساني دولي ومجتمعى للوقوف ضد الطغاة سواء كانت أنظمة أو أفرادا , أشكر الدكتور على هذا الفكر الذي يبعث الأمل في النفوس .


4   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   الأحد ١٩ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[37326]

جزاك الله خيرا يا كتور أحمد

أستاذى الفاضل د / أحمد


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


شكرا على كل ما قدمته  وتقدمه لنا من تلك المقالات الهادفة المستنيرة  التى أنارت عقولنا وقلوبنا بنور  الله الذى أتاك    فتهديه لنا مجانا فجزاك الله عنا خير الجزاء نسأل الله أن يبارك لك فى كل ما أعطاك


مع خالص حبى وإحترامى


5   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ١٩ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82518]

تحديد القومية فى الإسلام هو بالنسب و بالمعايشة أو بهما معا . ،هل يتأثر بموقف القوم المعادى للنبى ؟


 فالغريب الوافد على قوم يكتسب قوميتهم بالمعايشة والمواطنة ؛ فالنبى لوط عليه السلام هاجر مع عمه إبراهيم من العراق إلى الأردن ، وعاش مع قوم آخرين ، وبالمعايشة معهم صار (أخوهم ) وأصبح لقبهم قوم لوط " أو " أخوان لوط " (ق 13 )، (هود 78 ) .وقد ينتسب النبى أو الشخص لقومه بالدم ولكنه يتربى بعيدا ، ولكن يكون بالنسب ورابطة الدم من أولئك القوم ، فموسى عليه السلام تربى ونشأ فى القصر الفرعونى وقت أن كان قومه يعانون أشد العذاب من فرعون ، وبمجرد أن إحتك بالشارع وقع فى جريمة قتل ، فهرب تاركا قومه ووطنه إلى الشام ، وعاد بعد سنوات إلى مصر نبيا يخاطب بنى إسرائيل على انه قومه مع أنه لم يسبق له أن عايشهم (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )الأعراف : 128 : 129 ).القومية هنا بالنسب والعرق وليس بالمعايشة .  تحديد القومية لا يتأثر بموقف القوم المعادى للنبى ودعوته، فهم قومه حتى لو كانوا مشركين شديدى الخصومة للنبى ودينه، بل إنه يستخدم رابطة القومية ليحببهم فى دعوته ،وأنه يخاف عليهم فالنبى نوح عليه السلام قال لقومه :( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ( الأعراف 59 : 62 ) فيقول لهم ( ياقوم ) والله تعالى يصفهم بأنهم ( قومه ) هذا مع ضلالهم ورفضهم له ، وهو يتحبب لهم وهم يسيئون له 



6   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ١٩ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82519]

بين إسلام القرآن واسلام الوهابية السلفية


الإسلام هو السلام مع الناس فى التعامل مع الناس ، وكل إنسان مسالم هو مسلم بغض النظر عن عقيدته ، والإسلام فى التعامل مع الله تعالى هو الإستسلام والطاعة لله تعالى ،وليس لأحد أن يتدخل فى عقائد الأخرين بالمنع والاكراه . ومن حق كل إنسان مسالم أن يهاجر بدينه وعقيدته وأن يمارسها كيفما شاء طالما لا يرغم أحدا فى دينه . والدولة الإسلامية الحقيقية هى التى تضمن حرية الدين والمعتقد والفكر والشعائر ويقوم فيها الناس بالعدل والإحسان ، ويقيمون فيها العدل السياسى أى الديمقراطية . فليس من وظيفة الدولة الإسلامية إدخال الناس الجنة وهدايتهم إلى الحق ، لأن تلك مسئولية فردية ، فمن اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فعليها ، ولكن وظيفة الدولة الإسلامية هى خدمة الفرد فيها وضمان حقوقه وحفظ كرامته . وبذلك المفهوم لا توجد دولة إسلامية فى بلاد المسلمين ، بل دول إستبدادية تحت شعارات القومية أو الوطنية أو الشعارات الدينية ، وكلها شعارات لخداع الشعوبالشائع !! ففى الثقافة السلفية الوهابية أن إنتماء المسلم لدينه بغض النظر عن الوطن أو القوم ، ولذلك يروج الأخوان المسلمون فى مصر لفكرة أن المسلم فى بنجلاديش وباكستان أقرب للمسلم المصرى من القبطى المصرى . هذه الشائعة يتبناها السلفيون أصحاب الحلم العتيد بإقامة دولة دينية ( إسلامية ) عالمية تضم كل المسلمين تحت شعار الخلافة يواجهون بها الغرب الصليبى والصهيونية العالمية .هذه الشائعة ليس لها أساس فى الحياة الواقعية ، كما أنها تناقض الإسلام فى نفس الوقت 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,688,925
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي