القرآن الكريم ليس حمال أوجه
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
القرآن الكريم ليس حمّال أوجه :
الحلقة الثانية من :
هذا العلمانى الضحية ..صريع السلفية
فى الكلام عن المنهج :
مقدمة
ردنا على د. كامل النجار يتناول منهجه وأمثلة تفصيلية لبعض ما قاله. وفى منهجه نجده تلميذا مخلصا للمدرسة السلفية التى يناصبها العداء .
ويقوم منهج هذه المدرسة التراثية السلفية على ركيزتين أساسيتين : الزعم بان القرآن الكريم ( حمّال أوجه ) ، والخلط بين الاسلام و المسلمين .
ونبدأ بالرد على اسطورة ان القرآن الكريم (حمّال أوجه ).
وقد أعرضت عن الرد عن كل ( معلقات ) د. كامل النجار ، مع أنه عنون بعض مقالاته باسمى يرد على ما أقول. ولكنه تعقب بنفس الطريقة الدكتور عمرو اسماعيل فكتب يرد عليه بنفس الطريقة السلفية فى المنهج والمقصد ، فاضطررت ان أرد عليه .
الدافع الأكبر ل د. النجار هو كراهيته الشديدة لاستشهادنا بالقرآن الكريم فى معرض الدفاع عن حرية الرأى والفكر وحقوق الانسان من داخل الاسلام ، وهو جهادنا السلمى الذى نتوجه به ـ ليس لأمثاله الرافضين للاسلام الكارهين له ـ ولكن للمسلمين المؤمنين بالاسلام و القرآن و الذين نتمنى أن يكون إنتماؤهم للقرآن أكبر من غيره. ومع أننا لا نوجه خطابنا للدكتور كامل النجار إلا إنه لا يستريح لاستشهادنا بالقرآن فى خطابنا لغيره . لذلك نراه دائما يقوم بالالحاح على تلك الاسطورة التراثية القائلة بأن القرآن حمال أوجه .
فى جريدة ايلاف 2007 الجمعة 14 سبتمبر ، وتعليقا على مقال الدكتور عمرو اسماعيل : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه) كتب كامل النجار تحت عنوان ( تعقيباً على السيد عمرو إسماعيل) يقول :
( كتب السيد عمرو إسماعيل مقالاً بموقع إيلاف الإلكتروني بتاريخ 12 سبتمبر 2007 يدفع فيه بأن الإيمان بالأديان لا يتم عن طريق العصا والسيف وأن الحكومات في الحياة الدنيا يجب أن تكون من الناس وللناس ولا مكان للحكومات الدينية. والفكرة في حد ذاتها سليمة وتستحق المساندة من كل شخص سوي، غير أن السيد عمرو حاول أن يبرهن على صواب رأيه بالاستشهاد بالقرآن ، والقرآن، كما قال الخليفة علي بن أبي طالب، حمال أوجه. وحمال أوجه تعني أن كل آية يأتي بها السيد عمرو يستطيع من يجادله أن يأتي بآية تخالفها في المعنى. ولهذا السبب قال علي بن أبي طالب لابن عمه – عبد الله ابن عباس - عندما انتدبه ليحاور الخوارج، عمرو اسماعيل: ذلك الكتاب لاريب فيه قال له (لا تجادلهم بالقرآن، بل جادلهم بالحديث).ثم فيما بعد يقول كامل النجار :(فأرجو أن أكون قد وضحت للسيد عمروإسماعيل أن الاستشهاد بالقرآن حمال الأوجه ما هو إلا محاولة في تجميل صورة القرآن وجعله مواكباً لروح العصر، وأن هذه المحاولة مصيرها الفشل لأن القرآن حمال أوجه.)
أولا :
القرآن الكريم ( كتاب أحكمت آياته) وليس "حمّال أوجه "
هل القرآن فعلاً "حمَّال أوجه"؟ أى ترى فيه الرأى ونقيضه؟ وترى فيه الاختلاف فى الرأى الواحد؟ وبحيث تنتقى الرأى الذى تختار ويكون لمن يخالفك فى الرأى أن ينتقى هو الآخر من آيات القرآن ما يؤيد وجه نظره؟ وهل فعلاً قال الإمام "على" هذا الكلام عن القرآن؟
إن ما نتصوره عن الإمام على بن أبى طالب وملازمته للنبى محمدعليه السلام يجعلنا ننكر نسبة هذه المقالة له، لأنه لا يمكن له أن يسىء للقرآن بمثل تلك المقالة الخطيرة التى تخالف ما قاله رب العزة جل وعلا عن كتابه العزيز.
لقد جاءت نصوص القرآن الكريم "محكمة " أى دقيقة الدلالة (هود 1).وهو كتاب لا مجال فيه للعوج بل جاء مستقيما مباشرا (الزمر 28).(الكهف 1)( الأنعام 126 ، 153 ).وهو كتاب لا مجال فيه للاختلاف (النساء 82).
ولكن إذا كان القرآن لا تتناقض آياته ولا تتصادم حقائقه وليس كما يقولون "حمَّال أوجه" فلماذا يتبارزون فى اختلافاتهم بالآيات؟ ولماذا ينتقى كل فريق ما يؤيد وجهة نظره فى مواجهة الفريق الآخر؟
والإجابة تكمن فى المنهج الذى يعتمدونه، وهو فهم القرآن حسب مصطلحات المذهب الذى ينتمى اليه الباحث ووفق تراث مذهبه ورواياته وفتاويه. والمذاهب الأخرى لها مصطلحاتها التراثية ورواياتها وفتاويها، وبالتالى يختار من الآيات ما يراه يتمشى مع مذهبهم، ويغطون عورة هذا الاختلاف بمقولة أن القرآن حمَّال أوجه .
ثانيا
المنهج العلمى لفهم القرآن الكريم
عموما فأن المنهج العلمى يفرض على الباحث :
1 ـألا يبدأ بحثه بأحكام مسبقة يريد إثباتها .
2 ـ أن يلتزم بمصطلحات هذا الكتاب ومفاهيمه، لأن المفاهيم التى يعتمدها المؤلف فى كتابه تكون بمثابة عقد بين المؤلف والباحث، فإذا التزم الباحث بتلك المفاهيم والمصطلحات التى يقوم على أساسها نسق الكتاب أمكن للباحث بسهولة، أن يستوعب كل حقائق الكتاب المبحوث.
هذه هى أصول المنهج العلمى التى نراعيها فى بحث المصادر والكتب البشرية. وهى نفسها أصول المنهج العلمى التى يطالبنا رب العزة باتباعها فى تدبرنا للقرآن.
أن الله تعالى يأمرنا فى القرآن بالتدبر لآياته (محمد 24) ( النساء 82) ( المؤمنون 68)
والمنهج العلمى للتدبر يكمن فى بنية الكلمة نفسها. فالتدبر يعنى أن تكون فى دبر الآية، أو خلفها، أى أن تكون الآية القرآنية أمامك (بفتح الهمزة) وأن تكون إمامك (بكسر الهمزة) والمعنى أن تبدأ بآيات القرآن، وليس بفكرة مسبقة، وأن تتبع كل الآيات فى الموضوع المراد بحثه فى القرآن، و أن يخلو ذهنك تماماً من كل أحكام ومفاهيم مسبقة ومن كل هوى تريد مسبقا إثباته بالتلاعب بآيات القرآن الكريم ، طالما تريد أن تتعرف ـ مخلصا ـ على الرأى القرآنى المجرد . وحينئذ ستجد أمامك كل الآيات المحكمة والآيات المتشابهة تقول نفس الرأى وتؤكد نفس الحقيقة، غاية ما هناك أن الآيات المحكمة تؤكد الرأى القرآنى بإيجاز وصرامة، أما الآيات المتشابهة فهى تعطى تفصيلات تؤكد ما قررته الآيات المحكمة.
ثم فى كل ما تبحث تتعرف على مفاهيم القرآن من خلال القرآن نفسه.
وفى النهاية تجد كل الآيات المحكمة والمتشابهة تؤكد نفس المعنى ، وتؤكد لك أيضاً أن القرآن الكريم كتاب أحكم الله تعالى آياته بعد أن فصلها على علم وحكمة. ( الأعراف 52 ) سبحانه جل وعلا.
هذا هو المنهج القرآنى ، وهو أيضا المنهج العلمى العادل و الموضوعى .
وعليه، فإن لم يتبع الباحث هذا المنهج الموضوعى فالأغلب أن يقع فريسة المنهج التراثى السائد فى فهم القرآن ، وبالتالى فسينتقى من الآيات ما يتفق ظاهرها مع المعنى الذى يريد إثباته ، ويتجاهل الآيات الأخرى التى تناقض رأيه ، كما لن يتوانى عن تحريف آيات أخرى فيقع فى التناقض مع القرآن ومع المنهج العلمى أيضاً. ثم يعلل هذا الخطأ بخطيئة كبرى يتهم فيها القرآن الكريم بأنه حمال أوجه . ولو أنصف لأتهم نفسه بالتلاعب بآيات الله جل وعلا .
أما إذا اتبع المنهج العلمى القرآنى وقام بفهم مصطلحات القرآن من خلال القرآن نفسه، واتجه لكتاب الله تعالى طالباً الحق والهداية دون رأى مسبق وبتصميم على أن يعرف الحقيقة مهما خالفت الشائع بين الناس، فإن من اليسير عليه أن يعرف رأى القرآن، وسيفاجأ بأن مفاهيم القرآن ومصطلحاته تخالف بل وتتناقض أحياناً مع مفاهيم التراث ومصطلحاته، وأنه من الظلم للقرآن والمنهج العلمى أيضاً أن تقرأ القرآن وتفهمه بمفاهيم ومصطلحات تخالف وتناقض مفاهيم القرآن ومصطلحاته.
ثالثا :
ونعطى نماذج سريعة للاختلاف والتناقض بيم مفاهيم القرآن ومفاهيم التراث :
1- الدين فى مفهوم القرآن يعنى الطريق، والسبيل، والصراط، والطريق قد يكون مستقيماً وقد يكون معوجاً. وقد يكون الدين أو الطريق معنوياً، أى العلاقة بالله تعالى. وقد يكون الدين أو الطريق حسياً مادياً كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة 122) فالآية تتحدث عن النفرة للقتال، وضرورة إرسال فرقة استطلاع تتعرف على الدين أو الطريق ثم تنذر الناس وتحذرهم. ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وغيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت.
2- ولكن مصطلحات التراث جعلت التفقه قصراً على العلم بالشرع، مع أن مفهوم التفقه فى القرآن يعنى العلم والبحث العقلى والمادى فى كل شىء.
3- والسنة فى اللغة العربية تعنى الشرع، تقول "سن قانوناً" أى شرع قانوناً. وفى القرآن تأتى فى التشريع بمعنى الشرع حتى فيما يخص النبى (الأحزاب 38) وتكون حينئذ منسوبة لله تعالى، أما النبى فهو صاحب القدوة والأسوة (الأحزاب 21) فالسنة لله تعالى، ولنا فى النبى أسوة حسنة، وتأتى السنة منسوبة لله تعالى أيضاً فيما يخص تعامله جل وعلا مع المشركين، وتكون هنا بمعنى المنهاج والطريقة (الأحزاب 62، فاطر 43، الفتح 23) ولكن السنة فى التراث تعنى شيئاً مختلفاً سياسياً ومذهباً فقهياً. والحديث فيها يطول.
4- و"الصحابة" فى التراث هم أصحاب النبى وأصدقاؤه ممن أسلموا. ولكن فى مفهوم القرآن فالصاحب هو الذى يصحب فى الزمان والمكان، وذلك تكرر فى القرآن وصف النبى عليه السلام بأنه صاحب المشركين (النجم 2، سبأ 46، التكوير 22).
5- والنسخ فى القرآن يعنى الإثبات والكتابة والتدوين، ويعنى فى التراث العكس تماماً، أى الإلغاء ، ولنا بحث منشور فى هذا .
6- ومفهوم الحكم فى القرآن يعنى التحاكم القضائى، وليس مقصوداً به على الإطلاق ما يتردد فى التراث من أنه الحكم السياسى أو الحاكمية.
7- وكذلك الحال مع "أولوا الأمر"، فالمقصود بهم فى القرآن هم أصحاب الشأن وأصحاب الخبرة والاختصاص فى الموضوع المطروح (النساء 59، 83) وليس المقصود هم الحكام كما يتردد فى التراث.
8- و"الحدود" فى القرآن تعنى الشرع والحق، ولا تعنى العقوبات.والتفاصيل فى كتابنا المنشور ( حد الردة ) والذى ينفى أكذوبة قتل المرتد .
9- و"المكروه" فى مفهوم القرآن هو أفظع المحرمات وأكبر الكبائر كالقتل والزنا والكفر والفسوق (الإسراء 38، الحجرات 7) ولكن المكروه فى الفقه التراثى هو الحلال الذى يفضل الابتعاد عنه.
10- وكذلك المستحب أو المندوب فى التراث يعنى الحلال المباح، ولكن المستحب فى مفهوم القرآن هو الفرض الواجب (الحجرات).
11- والتعزير عند الفقهاء هو الإهانة والعقوبة، ولكن التعزير فى القرآن يعنى التكريم و والتقديس والإعزاز والنصرة لله تعالى ورسوله (المائدة 12، الأعراف 157، الفتح 9).
والأمثلة كثيرة أهمها تناقض القرآن مع التراث السنى والشيعى و الصوفى فى مفاهيم الاسلام والايمان والشرك والكفر وما يخص المسيحيين واليهود والمرأة والشورى وحقوق الانسان الخ. وبين تلك الأديان الأرضية اختلافات جوهرية فى المصطلحات والمفاهيم ...
رابعا
إن الله جل وعلا قد أنبأ مسبقا ان الذين فى قلوبهم زيغ سيتبعون المتشابه من الايات ليتلاعبوا بها وفق اهوائهم (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) ( آل عمران 7 )وعليه فان رب العزة جل وعلا فى الاية الكريمة يخبرنا بنوعين من المنهج فى فهم القرآن : الفهم الموضوعى الذى يتبعه الراسخون فى العلم والذى يقوم على الايمان بالكتاب كله والنظر العقلى الى جميع آياته ما كان منها محكم الدلالة وماكان منها متشابها مكررا مفصلا . ثم الفهم الزائغ الذى ينتقى و يختار ما يؤكد وجهة نظره .
أى أننا أمام كتاب الاهى كريم واضح مبين محكم لا عوج فيه ، ولكن نجد المتعاملين معه قسمين : أحدهما ضال ( والقرآن معه ) والآخر اهتدى بالقرآن (الذى هو معه). السبب ليس فى القرآن ولكن فى القارىء للقرآن، إن كان مؤمنا إزداد بالقرآن ايمانا وإن كان ضالا إزداد به ضلالا..
ليس هذا مجرد استنتاج عقلى ، ولكنه موجز لما قاله رب العزة عن كتابه العظيم . يقول تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )( الاسراء 82 ) فالقرآن هو شفاء ورحمة للمؤمن الذى يسعى اليه طالبا الهداية باخلاص فيجد فيه الهداية . أما الآخر الذى (يستعمل ) القرآن ليخدم غرضا فى نفسه فما اسهل عليه أن يحرّف المعانى ويخلط المفاهيم ويتلاعب بالايات ، ثم يتبجح بأن يتهم رب العزة جل وعلا أنه أنزل كتابا (حمال أوجه ) يقول الشىء ونقيضه فى نفس الوقت، فهل يرسل الله جل وعلا كتابا لخداع الناس أم لهدايتهم ؟
القرآن الكريم ليس حمال أوجه بل أولئك الناس هم أصحاب أوجه ومذاهب متناقضة ما بين سنة وشيعة وصوفية ومعتزلة و أشاعرة وماترودية و جبرية و خوارج ومرجئة ..، وكل منهم حمل مذهبه داخل قلبه وذهب به الى القرآن لينتقى منه ما يوافق مذهبه ويرد به على خصومه . أى بدلا من أن يجعلوا القرآن الكريم (امامهم ) بفتح الهمزة و بكسرها جعلوه تحت ..... ـ وأستغفر الله العلى العظيم .
ويقول ربى جل وعلا يتحدث عن أولئك الملحدين فى القرآن : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). قال لهم متحديا (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) أى يتوعدهم بما ينتظرهم يوم القيامة . ثم قال عن كتابه الكريم والكافرين به ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) أى يستحيل أن يكون حمال أوجه وهو الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكن عادة البشر هى التكذيب بآيات الله وكتبه بطرق مختلفة ، وما قاله الكافرون لخاتم الأنبياء قاله اسلافهم لأنبيائهم فى الماضى ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ )
وفى خاتمة الاية يقول تعالى ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) ( فصلت 40 ـ ) فالقرآن الكريم هو الهدى والشفاء لمن يطلب الشفاء و الهدى مخلصا عندما يقرؤه ، وهو أيضا عمى لمن فى قلبه مرض ويحاول التلاعب بآياته فلا يزداد بالقرآن إلا خسارا : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ) ( الاسراء 82 )
وأخيرا :
ونعود الى الدكتور كامل النجار .
فالذى قلته آنفا تكرر من قبل ضمن مقالات و بحوث منشورة . وهو كالعادة لا يقرأ ، وهذا حر فى ان يقرأ أو لا يقرأ ، وفى أن يقتنع أو يرفض ، ولكن من حقنا أن ننبه على وقوعه فى هذا الخطأ ، فمن يتصدى للبحث فى الأصوليات والتراث والاسلام لا بد أن يكون مؤهلا لهذا الميدان بفهم مناهجه ومصادره ، كى يكون على مستوى ما يكتبه المتخصصون كى يرد عليهم بنفس مستواهم ، وإلا استحق ما يقال عنه .
وقد كتبت من قبل مقالا بعنوان ( نعمة الجهل ) فى 12 يونية 2006:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=106
أرد به على الفريقين معا ( السلفيين و كامل النجار وصحبه ) ممن أتحفنا بهم عصر الانترنت فصاروا يكتبون أكثر مما يقرأون ، ويجادلون فيما لا يفقهون .
ولأهمية المقال انقل فقرات منه : قلت :
( بعض الناس يفكر قبل أن يتكلم ، وهذا هو الانسان العاقل. بعض الناس يفكر بعد أن يتكلم ، وهو الانسان الغافل. بعضهم يتكلم دون أن يفكر وهو الانسان الأحمق.
مشكلة الأحمق أنه لا يتحدث فقط بدون تفكير ، بل إنه أيضا يتحدث بالكذب والبهتان .واذا صارت هذه حالة عامة فإنه بتوالى الأيام والزمان تتحول الأكاذيب الى ثقافة وتتحول الخرافات الى قداسة . ولكى تعيش هذه القداسة وتستمر لا بد لها من استمرار الجهل وانعدام التفكير. وهذا يحدث بسهولة عندما يتعدى الجهل طور الكلام ليصل الى مرحلة أخرى ، يمسك فيها بالقلم ويكتب وينشر الجهل على أنه علم.
تزداد المشكلة وتستعصى على الحل حين يحصل الجاهل على درجة الدكتوراة، فيتحول جهله الى ما يشبه العلم . هذه هى صناعة الجهل ، وهى صناعة عتيدة فى عالمنا العربى تقوم على رعايتها وزارات الثقافة والتعليم والاعلام و الأوقاف والأزهر بقياداته الحالية. وفى هذا المناخ الفاسد نشأ و( ترعرع ) شباب الصحفيين تحت سن الستين.
المضحك أن تجد أحدهم يتصدى للرد على ما أقول متقمصا زى العلماء الراسخين وهو لا يستطيع أن يقرأ صفحة كاملة من كتب التراث ، بل إنه عندما كان صبيا يلهو فى الحارة كنت ألقى دروسا على طلبة السنة النهائية فى كلية اللغة العربية فى جامعة الأزهر سنة 1979 وأكتب أولى مؤلفانى التى ارتاع منها شيوخ الأزهر ولا يزالون.
لا شك أن الجهل مريح لأصحابه . ولكن لا بأس بذلك طالما عاش الجاهل راضيا بجهله مرتاحا له لا " يبشر" به ولا ينشره بين الناس. أما اذا قام يناقش العلماء والمفكرين بهذا الجهل فقد استحق السخرية مع وصمة عار تلاحقه فى حياته وبعد موته طالما ظل فى الناس من يقرأ ويتعقل ما يقرأ، ويحكم على الكاتب بما خطته يداه ،وهذه هى مسئولية من يكتب .
الانترنت الآن قام بتوسيع المشكلة فأضاف الى الصحفيين الجهلاء انواعا أخرى ممن لديهم جرأة شديدة على الكتابة والتعليق على المقالات العلمية بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وقبل أن تتطاول على المفكرين الراسخين فى العلم فلا بد أن تؤهل نفسك لأن تكون باحثا حقيقيا طالما تفتى برأيك فى مجالات التراث .
لكى تكون راسخا فى علوم التراث العربى والاسلامى لا بد أن تقرأ أولا معظم هذا التراث قراءة عامة فى فتراته المختلفة قبل وبعد الاسلام، من العصر الجاهلى الى الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين ثم النهضة الحديثة من رافع الطهطاوى الى محمد عبده و أحمد أمين وطه حسين وجورجى زيدان ..الخ. ثم لا بد أن تتخصص فى فترة معينة تتشرب دقائقها وتفصيلاتها وتعايش ثقافتها وحياتها اليومية . هذا اذا كنت تريد التخصص فى النواحى الأدبية أو السياسية . أماذا أردت بنفسك الشقاء وتخصصت فى الفكر الدينى للمسلمين فالمشكلة أكبر. لنفرض أنك تريد بحث التصوف فى العصر المملوكى ، هنا لا بد لك أولا من فهم الاسلام ، ولن يتأتى هذا بدون فهم القرآن من خلال مصطلحاته هو ومفاهيمه هو، ومن خلال منهجه ، ثم تتعمق فى فهم التصوف ، تاريخه قبل العصر المملوكى وأثناء العصر المملوكى ، ومصطلحاته وتراثه وشيوخه من خلال ما كتبه الصوفية أنفسهم ، ثم تدرس كل المكتوب فى العصر المملوكى من مخطوطات ووثائق مختلفة ، منها حوليات تاريخية وكتب رحلات و فى المناقب والمزارات وسائر ما كتبه مؤرخو العصر، بالاضافة الى الفقه والحديث والتفسير والأدب ، وتبحث أثر التصوف فى كل ما تقرأ. وقد تقضى شهورا فى قراءة مخطوطة دون أن تنقل منها سطرا واحدا فى بحثك ، ولكن لا بد من قراءتها لأنها ستعينك على فهم عقلية العصر وتفكيره . وقد تنقل كراسات من المعلومات الاضافية لاحتمال أن ترجع اليها ، وقد تستهين بعلومات تاريخية فتهمل نقلها ثم تظهر أهميتها فيما بعد فتبحث عنها بكل ما تستطيع . مشاكل كثيرة ستواجهك فى بحثك ، أهمها مشكلة المصطلحات . فللسنة مصطلحاتها وللشيعة مصطلحاتهم وللنحويين والفقهاء مصطلحاتهم ، وللتصوف بالذات مصطلحاته الفريدة وأسراره ورموزه . وللعصر المملوكى ـ ككل ـ مصطلحاته ، ولمصر فى هذا العصر لغتها العربية الخاصة التى تختلف فى مفاهيمها عن عصور سبقت ، وتختلف عن أقطار أخرى فى نفس العصر ، بل أنه فى نفس العصر تجد اختلافات بين كتابات المؤرخين يعرفها من تعمق فى قراءة المقريزى والسخاوى وابن حجر ثم قرأ لابن اياس بعدهم ثم قرأ للشرنوبى بعد ابن اياس .. التفصيلات كثيرة تؤكد المعاناة العلمية فى القراءة والبحث ، ولكن النهاية تجعل الباحث راضيا بعلمه أكثر من رضى الجاهل بجهله.
عموما فالباحث الجاد فى أى مجال يحرص على أن يتعلم وأن يزداد رصيده من المعرفة ، فيقرأ جيدا ويفكر ويتأنى قبل أن يناقش . وحين يناقش لا يقصد السفسطة والجدل العنيد ، وانما يقصد الوصول للحق والرأى الصحيح بغض النظر عن مصدره. الباحث الحقيقى يدرك أن الديمقراطية مجالها محدود فى المجال العلمى ـ وهذا موضوع شرحه يطول. ولكن نشير اليه باختصار.
الديمقراطية واستطلاعات الرأى والانتخابات مجالها الأساسى فى المناقشات السياسة وفى تطبيق حقوق الانسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. كل انسان له حق مطلق فى ابداء الرأى دون مساس بأشخاص من يختلف معهم.
ولكن حين نأتى الى حقائق العلم ـ فى الانسانيات من جغرافيا وتاريخ وتراث ـ ومن طبيعيات فى الذرة والفلك والطبيعة والكيمياء والهندسة .. الخ ـ فلا مجال هنا الا للحجة والبرهان نظريا أو معمليا.
فى الحكم على معادلة رياضية أو نتيجة تجربة معملية أو بحث حقيقة تاريخية أو تراثية ـ لا مجال للانتخابات أو استطلاع الرأى او أو أخذ رأى جمهورنا الحبيب . المرجعية هنا لأصحاب الاختصاص والخبراء وليس للجمهور. بل على الجمهور أن يستفيد من خبرتهم.
أصحاب الاختصاص لهم حيثية خاصة فى الديمقراطية الحديثة التى لا تستعنى عن مراكز البحوث و خبرات المختصين.
أصحاب الاختصاص وأرباب الخبرة فى الاسلام ونظامه الديمقراطى هم أولو الأمر فى مجال تخصصهم ، ومطلوب طاعتهم فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله. وهذا هو المعنى القرآنى المراد من قوله تعالى للذين آمنوا ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ..) فأولو الأمر ليسوا الحكام وإنما هم أهل الذكر المستشارون وأصحاب الاختصاص فى مختلف مجالاتهم العلمية والمعملية و الاقتصادية والفنية ..الخ ، ومنها مثلا المجال الأمنى الذى أشار اليه رب العزة فى نفس السورة تعليقا على مروجى الاشاعات فى المدينة من الصحابة المنافقين ، يقول تعالى عنهم ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، ولو ردوه الى الرسول وإلى أولو الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) النساء 59 ، 83 )
وهناك علماء تخصصوا وأفنوا شبابهم وأعمارهم فى قراءة وبحث تاريخ المسلمين وتراثهم ، ليس مؤهلهم المناصب ، فلا يحصل على المناصب فى دول الاستبداد إلا من يرضى عنهم المستبد ، سواء كان أحدهم يحمل شهادة الثانوية أو شهادة الميلاد. أيضا العلماء الراسخون ليسوا فقط حملة الشهادات العلمية ، فقد فسدت الشهادات بفساد الجامعات وانحلالها فى العالم العربى ، واسألوا التقرير الأخير عن أفضل جامعات العالم الذى لا يوجد فيه أى جامعة عربية ، بل أن أقدمها ـ جامعة الأزهر ـ تقوم بتصنيع الجهل فى نفس الوقت الذى تطارد فيه المبدعين والمجتهدين.
الانتاج العلمى والمقدرة العلمية هما معا العبرة فى أهل الذكر فى الاسلام وأولى الأمر وأصحاب الخبرة والاختصاص .
اذن ينبغى طاعة أولى الأمر فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله ـ والرسول هو الرسالة أى القرآن الكريم وهو الرسول القائم بيننا ـ وبالتالى لا يصح أن يفتى الأخ فرفور بدون دليل علمى على الانترنت قائلا أنا أرى كذا فى التعليق على مقال علمى كتبه أحد الراسخين فى العلم.
الأخ كتكوت هذا الذى يهرف بما لا يعرف لا يستحق سوى الرثاء. وهو مرشح لأن يستمر طيلة حياته متمتعا بالجهل سعيدا به راضيا عن جهله وقد رضى عنه جهله. يأتيه العلم سهلا ميسرا ميسورا بعيدا عن تعقيدات التراث و أساطيره و متاهاته ، ثم يقال له هذا العلم بتواضع وحكمة وموعظة حسنة ، وليس كما يفعل جهلة الشيوخ الذين يصرخون ويتوعدون من يجرؤ على النقاش معهم بالويل والثبور و عظائم الأمور. إلا إن السيد كتكوت يزهد فى العلم و يسخر منه مكتفيا بجهله، فهنيئا له بجهله .
كتبت مقالا بحثيا عن عمر بن الخطاب عنوانه ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ). لم اكتب عن عمر من خلال ما كتبه الشيعة عنه، وهم يبغضونه، ولم أستشهد بما كتبه المستشرقون ، ولست من هواة القراءة لهم . كتبت عن عمر من خلال ما كتبه عنه رواة السنة فى أقدم مصدر فى التأريخ للطبقات وهو ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد الذى نقل عنه كل من جاء بعده. وكل المعلومات التى نقلتها من ابن سعد معروفة للباحثين ومعظم المثقفين. ولكننى أعدت مناقشتها لأثبت أن عمر بن الخطاب فى خلافته كان عادلا مع العرب فحسب ، وكان ظالما لغيرالعرب. لو كان المناخ صحيا لكوفئت بالثناء، حتى مع اختلاف الرأى ، ولكن الشتائم لا تزال تلاحقنى من أناس يعبدون عمر ويقدسونه ويرونه الاها لا يخطىء. وفى هذه الحالة فان الجهل يرتبط بالشرك أى تقديس البشر والحجر.
وبالمناسبة فان مصطلح (الجهل ) يدل على عدم العلم ، كما يدل على سوء الخلق ، والأغلب ان يدل على الشرك ( قل : أفغير الله تأمرونّى أعبد أيها الجاهلون ؟ ) الزمر 64 )
أولئك الجاهلون لم يجدوا حجة علمية يردون بها فانهمكوا فى السب والتجريح.
بعضهم هلل فرحا ، فقد تصور أنه ضبطنى مخطئا فى كلمة فى المقال.
كنت قد كتبت معلومات عن عمر تتناول نسبه وأولاده ونساءه ، وقلت من ضمن نسائه : (ام ولد ( جارية ) اسمها فكيهة : انجبت له زينب) ووضعت كلمة ( جارية ) بين قوسين لأشير لمصطلح ( أم ولد ). صاحبنا لم يفهم. انطلق يقول إننى لا أعرف الفرق بين الولد والبنت ، لأن تلك المرأة الجارية (فكيهة) أنجبت بنتا اسمها زينب ، وقد قلت على ( فكيهة ) أنها أم ولد ، وكان يجب أن أقول عليها (أم بنت ).
إن مكتئبا مثلى فى حاجة ماسة الى الابتسام حتى يستمر على قيد الحياة فى هذا المناخ السىء. وأعترف أن هذا المخلوق قد أضحكنى ضحكا أقرب للبكاء منه الى الابتسام. المسكين لا يعرف أن مصطلح ( أم ولد ) هو مصطلح تراثى فقهى يدل على الجارية التى تنجب من مالكها ، وعندها لا يجوز بيعها، ولا فارق بين أن تنجب ولدا أم بنتا. فى كل الأحوال هى ( أم ولد ).
هذا يؤكد أهمية فهم المصطلحات فى اعداد الباحث .
وبالمناسبة فمصطلح ( جارية ) فى اللغة العربية يختلف عنه فى القرآن الكريم.
( الجارية ) كانت تدل على الطفلة الصغيرة التى تجرى ، ثم تحول المعنى وتحور ليدل على المملوكة العبدة. أما فى القرآن الكريم فالجارية هى السفينة التى تجرى فوق الأمواج ( إنا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية ) الحاقة 11 ) ( ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام ) الشورى 32 ) ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) الرحمن 24 )
وبالمناسبة أيضا فقد تسمى بعض مشاهير العرب المسلمين باسم ( جارية ) .
كان منهم ( جارية بن قدامة السعدى ) من أصحاب على بن أبى طالب المخلصين . وبعد عقد الصلح بين معاوية والحسن بن على بايع كبار أتباع على لمعاوية، وصاروا أحيانا من جلسائه برغم ان الجراح لا تزال فى القلوب. وكان يحدث أن يحاول معاوية التندر ببعضهم ، فقال يوما لجارية بن قدامة السعدى : ( يا جارية ، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية ) فأسرع جارية يرد عليه قائلا : ( وما كان أهونك على أهلك ان سموك معاوية ) ومعاوية هو الكلب الصغير ، أو الجرو الذى يعوى .. أكرمكم الله تعالى .)
بعدها قلت عن د. كامل النجار دون أن أصرح باسمه:
(هناك كاتب آخر يسبق اسمه بحرف (د) ، وهو ينجح كثيرا فى اضحاكى على ما صار اليه حال العرب، من مسلمين وملحدين. المفروض أنك حين تكتب معلقا لا بد أن تقرأ لمن تحاوره وأن تفهم ما يقول ، ولكن هذا ال ( د ) لا يقرأ إلا بضع أسطر ثم يسارع فى التعليق. وفى تعليقاته يأتى بالطرائف والظرائف التى تمزج الجهل بالخفة والسطحية. فى إحدى (معلقاته ) استنكر قولى بوجود مصطلحات مختلفة فى اللغة العربية. وهذا فى حد ذاته سبب كاف لعدم استحقاقه للدال التى يرصع بها اسمه. ولكن العجب يزداد حين تراه يعلل رأيه فى عدم وجود مصطلحات مختلفة بأن كلمة ( الباب ) مثلا فى اللغة العربية هى نفسها الباب الذى فى البيت ، ولا تدل على معنى آخر.
هذا ال (د) مثل جيد للحضيض الذى وصل اليه مستوى العلم والثقافة فى الوطن العربى السعيد. أى طالب متوسط التعليم يعرف أن ( البابية ) تجعل شيخها هو ( الباب ) لله تعالى ، فالباب هنا ليس باب الدار وإنما هو مصطلح لطائفة دينية لا تزال موجودة بهذا الاسم على الساحة ، ومن لا يعلم عنها شيئا فليس مؤهلا لأن يكتب فى التراث وفى الاسلام والمسلمين. وأى باحث فى التشيع يعرف أن ( الباب ) مصطلح أطلقه بعض الشيعة على ( على بن أبى طالب ) . وهناك بعض الصوفية يجعلون من شيخهم الباب الالهى، هذا عدا ( باب القبول ) و (باب الفتوح) أى العلم اللدنى ، وهو غير (باب الفتوح )فى القاهرة. وهناك (باب )المجاز فى اللغة العربية ـ وهو ( باب) شرحه يطول ـ والباب هنا ليس باب البيت بالطبع ولكن يعنى القسم أو الصنف .وهل نسينا تقسيم الكتاب أو البحث الى فصول وأبواب ؟.
لا يعنى هذا إنكار وجود الباب المادى أو باب البيت الذى ندق عليه بمتن الكف، على حد قول الشاعر المصرى الظريف وقد ظل يدق باب حبيبته الى أن كلمته:
طرقت الباب حتى كلّ متنى فلما كلّ متنى ... كلمتنى.
على أي حال فقد وجد الجهل العربى الخالد متنفسا له فى عصر الانترنت .
وبينما يعج الانترنت الغربى بثورة معلوماتية تخرج عن نطاق السيطرة وتتضاعف بمرور الوقت بمتوالية عددية أو هندسية ، فان الانترنت العربى يعج فى أغلبه بالجهل واللت والعجن. ) .. إنتهى ..
ومع ان المقال منشور منذ حوالى عام ونصف العام إلا إن د. كامل النجار لم يقرأه ، أو قرأه و لم يفهمه ، بدليل أنه عاد يكتب يكرر نفس الخطأ و الخطل .
لذا لا أمل فى أن يتعلم .
والى اللقاء فى الحلقة القادمة ..
اجمالي القراءات
32814
المقال رائع ويكشف زيف من يدعون معرفتهم بالإسلام وتاريخه.
معظم ما يكتبه كامل النجار منقول عن روبرت سبنسر وإبن وراق وهو كاتب هندي وهما لا يفهما القرآن بمصطلحاته وينتزعا الآيات عن سياقها بشكل إجرامي.