آحمد صبحي منصور Ýí 2023-12-01
التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية
كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الثالث : الدولة الاسلامية وحقوق المواطن
الفصل الأول : التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية:
مقدمة :
1 ـ نضطر لهذا لأن الدول الدينية فى كوكب المحمديين تتمسح بالاسلام ، بل قد تجعل هذا فى إسم دولتها مثل ( الجمهورية الاسلامية ) فى إيران ، ويضع الساعون للحكم الاسلام لافتة وعنوانا ، يزعمون أنهم ( الاخوان المسلمون ) ( حركة المقاومة الاسلامية ) ( داعش : الدولة الاسلامية للعراق والشام ) ( حزب الله ) ( أنصار الله )..الشريعة التى يحكمون بتطبيقها أولئك أو التى يطبقونها فعلا تناقض الاسلام ، ولكن يتم تطبيقها بسفك الدماء لضحايا معظمهم من الأبرياء . لا يقتصر الأمر على هذا ، بل تجد المستبد العسكرى ( كما فى مصر ) أو الحزبى ( كما فى سوريا والعراق وليبيا ) لا يتردد فى إستخدام إسم الاسلام . هذا جعل الخلط شائعا بين دولة الاسلام والدولة الدينية .
2 ـ هنا نناقش سريعاً التناقض بين الدولة الإسلامية فى عصر النبى والدولة الدينية فى العصر العباسى وما تلاه.
أساس التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية:
1 ـ سبق ابن خلدون فى الإشارة إلى الاختلاف بين الدولة الدينية والدول التى نعرفها الآن بالعلمانية، ففى فصل فى المقدمة بعنوان "معنى الخلافة والأمامة" يقسم النظام الملكى إلى نوعين وهما الملك الطبيعى وهو الذى يحكم بالهوى والشهوة، ويراه فجوراً وعدواناً، والملك السياسى وهو الحكم بالعقل فى جلب المصالح ودفع المضار. ويراه أيضاً مذموماً لأنه على حد قوله : ( ينظر بغير نور الله ) . أى يحكم بغير الشريعة .! وفى النهاية يرى ابن خلدون أن نظام الخلافة هو الأفضل، لأنه إرغام الكافة بالشرع للنظر فى مصالحهم الدنيوية والأخروية "أى هى خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به".
باختصار يرى ابن خلدون أن أساس الدولة الدينية هو إكراه الناس فى الدين وإلزامهم بإقامة الشرع، ليس شرع الله سبحانه وتعالى الحقيقى ولكن الشرع الذى يكتبه فقهاء السلطة الاستبدادية. ومع انه يعترف بأن هدف الدولة غير الدينية العاقلة ( أى الدولة العلمانية بتعبيرنا ) هو جلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم إلا إنه باعتباره قاضياً شرعياً ينحاز للدولة الدينية التى يعيش فى كنفها ويسيطر عليه تراثها، ويرى الدولة العلمانية شيئا مذموما لا تنظر بنور الله سبحانه وتعالى .
2 ـ ونحن هنا نختلف معه ومع الآخرين. فليس إدخال الناس الجنة وهدايتهم إلى الحق هو الأساس فى إقامة الدولة الإسلامية أو من مهامها ومسئوليتها. لأن الهداية مسئولية شخصية لكل إنسان . قال جل وعلا : ﴿مّنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ﴾ (الإسراء 15) بل إن الهداية ليست وظيفة النبى حتى حين كان حاكماً، يقول سبحانه وتعالى له : ﴿لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ (البقرة 272) ويقول له: ﴿إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ (القصص 56) ويقول له يؤكد عدم الإكراه فى الدين : ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ﴾ (البقرة 256) ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99).
3 ـ الحرية والعدل هما أساس الدولة الاسلامية . والدولة الدينية التى كان ابن خلدون أسيرا لها لم تعرف العدل ، ولم تكن فيها حرية . الفرعون المستبد ـ خليفة كان أو سلطانا ـ كان أعتى وأشرس أكابر المجرمين ، كان الأظلم للناس ، والأظلم لرب العالمين ، حيث كان يقتل الآلاف باسم الاسلام ، وهو أعدى عداء الاسلام . وينتشر هذا الإفك على أنه الاسلام ، وأن الدولة الدينية هى الدولة التى تحكم بنور الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . هذا الإفك وقع ضحية له عالم فريد هو ( عبد الرحمن بن خلدون ) فى مقدمته . فإذا كان هذا حال العبقرى إبن خلدون فماذا عن الأميين محترفى الكتابة فى عصرنا الردىء ؟!
4 ـ إن القسط بين الناس هو اٍلأساس فى إقامة الدولة الإسلامية . القسط هو العدل . وهذا متعلق بالحقوق .
4 / 1 : هناك حق الله جل وعلا وحقوق الانسان . حق الله سبحانه وتعالى هو الإيمان به جل وعلا وحده وعبادته وحده والتمسك بكتابه وحده . والناس هنا أحرار ، وصاحب الحق جل وعلا هو الذى سيحاسبهم علي هذا الحق يوم الحساب ، وفى النهاية فهى مسئولية فردية شخصية ، وكل فرد سيؤتى به للحساب . قال جل وعلا : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ) .
4 / 2 : حقوق الأفراد والمواطنين فى هذه الحياة الدنيا هى مسئولية الدولة فى هذه الدنيا. قد تكون الدولة مملوكة لفرعون والملأ التابع له ، أو أن تكون الدولة مملوكة للشعب بالعدل والقسط بين الناس / المواطنين .
5 ـ والله سبحانه تعالى يقول : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (الحديد 25) أى أن الهدف الأساس من إنزال الكتب السماوية وإرسال الأنبياء والرسل هو أن يقيم الناس القسط في التعامل فيما بينهم.
والقسط نوعان :
4 / 1 ـ القسط أو العدل فى التعامل مع الله تعالى بحيث لا نشرك به أحدا، والله تعالى يقول ﴿إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان 13). والحكم فى هذا الموضوع مرجعه لله تعالى يوم القيامة فى كل ما يخص تصورات البشر عن ربهم جل وعلا، يقول سبحانه وتعالى :
4 / 1 / 1 : ﴿قُلِ اللّهُمّ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (الزمر 46) .
4 / 1 / 2 : ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) الحج )
4 / 2 ـ أما النوع الثانى : فهو القسط أو العدل فى التعامل مع البشر، وذلك يستلزم تأسيس الناس نظام حكم سياسى دنيوى ، ويقدر نجاح ذلك النظام فى إقامة العدل تكون إسلاميته، وذلك معنى قوله تعالى ﴿لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ ، أى ليقوم الناس جميعا من الرجال والنساء بالتعاون والترابط بينهم فى تحقيق هدف واحد هو العدل والقسط . البديل هو ( الحديد ) أى السلاح . يقول جل وعلا : ( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ، أى إن الله جل وعلا ( أنزل ) الميزان كتابا إلاهيا نزل على كل الرسل ليقوم الناس بالقسط ، وأيضا ( انزل ) الحديد ، وهو المادة الأساس فى صناعة السلاح . وعلميا فإن الحديد نزل لتتكون منه الأرض . إن أقام الناس القسط كما أمر الرحمن جل وعلا ففى الدولة سلام ورخاء . يحدث الفساد والظلم وسفك الدماء إن قامت فئة أو مجموعة لتأسيس دولة ما أو إقامة نظام حكم ونجحت بالقوة وسفك الدماء فى فرض هذا على البقية من الناس ، فهى دولتهم الظالمة التى يملكونها ، وحظُّ بقية الناس أن يكونوا ( رعية ) مملوكة للأقلية الحاكمة . وهذا الظلم قد يدفع للثورة ، ولو قام بهذه الثورة مجموعة أخرى فسيتكرر نفس الطغيان ، وستسيل أنهار أخرى من الدماء . ليس هناك حل سوى أن يقوم الناس جميعا وباخلاص شديد لتأسيس دولة العدل والقسط . هذا التلاحم بين الشعب كله فى سبيل العدل مستحيل تحقيقه إلا بتوعية تشمل الجميع ، وإحساس عام بأن الظلم يؤدى الى سفك الدماء ، وأنه طالما لا يوجد عدل فلا يوجد سلام . هذا الوعى الجمعى بأهمية العدل لا يتحقق بين عشية أو ضحاها ، بل يلزمه نضال أو جهاد إسلامى بالكلمة والدعوة يقوم به أفراد ضد إرادة المستبد وقومه ، بل ضد إرادة الأغلبية من الشعب التى قام المستبد بتغييب وعيها وغسيل مُخّها، لذا يتعرض دعاة العدل والاصلاح للاضطهاد من المستبد ويتمتعون بسخط الأغلبية المقهورة المغيبة . إنهم المقصودون بقوله جل وعلا : ( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ). بإصرارهم تنتشر دعوتهم ، ويحدث تحوُّل تدريجى ، بطىء ولكن متحرك . وبزيادة الدعاة وانتشار الدعوة يصل المجموع الى أنه لا سبيل للسلام والتقدم إلا بالتوافق على إقامة دولة القسط والعدل ، وفيها يعيش الحاكم السابق بعد قضاء مهمته آمنا مطمئنا فى شيخوخته .
5 ـ فى دولة القسط الاسلامية تهدف العقوبات أساساً لحقوق العباد أو حقوق الإنسان فى الحياة والمال والعرض والشرف. ومن إقامة القسط تتفرع كل حقوق الفرد وحقوق المجتمع والتوازن بين العدل والحرية فى منظومة رائعة نتعرض لها لاحقا .
6 ـ أما فى الدولة الدينية فالأمر مختلف.
بعيدا عن رذيلة التمسح بالاسلام فكل دولة دينية تتبنى ديناً أرضيا أو أحد المذاهب المتفرعة من ذلك الدين الأرضى كالوهابية المتفرعة من الدين السنى و الاثناعشرية الحاكمة فى ايران وهى متفرعة من الدين الشيعى . وكل دولة دينية ترغم الناس على قبول دينها الأرضى أو مذهبها الرسمى وتستخدمه فى تدعيم سلطتها، وفيها يتمتع الحاكم وحده بالسلطة والثروة ويعاونه رجال الدين فى اخضاع الشعب لاستبداده ، بحيث يصير انتقاده خروجاً على الدين. وبطبيعة الحال تعاونه قوة عسكرية يستخدمها لارهاب الناس ، وبالكهنوت الدينى والعسكر يصير الحاكم المستبد المتأله فى اعتقاد الناس متحكماً فى الدين والدنيا والآخرة . وبينما يكتفى الاستبداد العادى بقتل المعارضين فإن الاستبداد فى الدولة الدينية يصادر حق الخصوم فى الدنيا وفى الآخرة أيضاً ، اذ يقتلهم باسم الشرع متهما اياهم بالكفر وحد الردة، ويزعم انهم أيضا من أهل النار منتزعا سلطة الله سبحانه وتعالى فى الآخرة بعد أن انتزع سلطة الشعب فى الدنيا. وكل ذلك تحت لافتة الشرع وإقامة الدين. وفى ذلك ظلم عظيم لله سبحانه وتعالى ورسوله ودينه.
7 ـ وهذه هى خلاصة التاريخ الواقعى للدول الدينية فى الشرق والغرب فى كل العصور القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة فى تاريخ المسيحية والاسلام ـ كلها استغلت دين الله سبحانه وتعالى فى ظلم الناس وارهابهم وأكل أموالهم بالباطل . وهذا ينافى إقامة القسط، وهو الهدف الأساس للدين الالهى الحقيقى.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,553 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الجنون فنون : بالنس بة لموضو ع تغيير الكعب ة صحيح...
البلح الرطب: من الشبه ات التي سمعته اوهي: ول الله في...
مصحف على وابن مسعود : كيف يؤخذ بمصحف عثمان وحفصه ويترك ويحرق مصحف...
الكبائر و الغفران: : ما هي الكبا ئر في قوله تعالى في سورة النسا ء ...
وكانوا مستبصرين : ما معنى مستبص ر في الاية الكري مة ( ...
more
دكتورنا المحترم حفظكم الله جل وعلا وبارك بعلمك وعمرك ، وددت أن أعرف عن إقامة العدل والقسط بالمحاكم او كقانون بالدستور للدول الإسلاميه هل سوف يكون هناك باب لشرح هذا الجانب خاصة إذا كانت الدولة تضم أديان متعدده وشرائع ومذاهب مختلفة ام يكتفي فقط في تطبيق الأحكام الشرعية حسب ما أنزل بالقرآن العظيم مع خالص التقدير لكم.