آحمد صبحي منصور Ýí 2023-08-09
مقالات ذات صلة : عن حق ولد الزنا فى الانتساب لأبيه
مقدمة
الشائع فى الدين السُنى حرمان ولد الزنا من الانتساب لأبيه . نرد على هذا من وجهة نظر قرآنية ، ثم نتعرض للموضوع تاريخيا ، ومع عرض لأختلاف أئمة السنة فيه تشريعيا .
:أولا :
إسلاميا من وجهة نظر قرآنية :
1 ـ قولهم بعدم صحة نسب ابن الزنا لأبيه:
1 / 1 : هو ظلم لنفس بريئة . والظلم محرم فى تشريع الرحمن الذى لا يريد ظلما للعالمين : قال جل وعلا : ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) آل عمران ) .
1 / 2 : يتناقض مع القسط أو العدل. والقسط هو المبدأ الاسلامى أو المقصد الأعلى فى انزال الكتب السماوية كلها وليس القرآن وحده، انه – أى القسط – هو الهدف الأسمى لارسال كل الرسل والأنبياء وليس خاتم النبيين محمد وحده. إقرأ قوله سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25) الحديد ".
1 / 3 : يناقض قاعدة قرآنية تشريعية تكررت فى القرآن الكريم وهى "ألا تزر وازرة وزر أخرى " أى لا يتحمل برىء مسئولية ذنب لم يقع فيه . وقد تكررت هذه القاعدة الاصولية التشريعية فى القرآن الكريم خمس مرات فى سور مكية : ( الانعام 164 الاسراء 15 فاطر 18 الزمر 7 النجم 38 ) ثم يؤكدها رب العزة جل وعلا فى مواضع كثيرة منها فى سورة النساء وحدها منها قوله سبحانه وتعالى " ( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) .( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123 ) أى أن الجانى وهو الأب المعترف بالزنا هو الذى يجب أن يحكم عليه الفقهاء بالجلد مائة جلدة. أما الوليد المسكين فلا يصح مطلقا أن تتحمل خطأ ابيه ويُحرم من النسب ، طالما أصبح أبوه معروفا أو يمكن معرفته.
1 / 4 : يناقض حكما تشريعيا الاهيا قرآنيا فى وجوب نسبة المولود لأبيه طالما كان معروفا الأب بغض النظر عن مجيئه بزواج شرعى أو زواج فاسد او متنازع فيه او مجيئه بعلاقة غير شرعية. ان الله سبحانه وتعالى يقول : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) (5) الاحزاب ) والله سبحانه وتعالى هنا يربط الحكم الشرعى بالمقصد التشريعى قائلا ( هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) ، أى ان نسبة الابن لأبيه الحقيقى الطبيعى هو الأصل الشرعى فى الموضوع لأنه يتفق والقسط أو العدل فى الاسلام . وقد يكون ذلك الابن قد تبناه غير والده حبا فيه ورعاية له – ربما تفوق على رعاية الأب الأصلى ، ولكن هذا لا يمنع أن القسط والعدل فى اعطاء الابن الانتساب الى ابيه كى يتمتع بكل مميزات البنوة من ارث وعزوة وانتماء طبيعى حقيقى لمن جاء منه .
قد يقال إن هذه الآية نزلت فى قصة الصحابى زيد بن حارثة الذى تبناه النبى فنزل القرآن يمنع التبنى ويأمر باعادة نسب الابن بالتبنى لأبيه الأصلى. ولكن الحكم هنا عام . وحتى فى الدين السُنّى يقولون إن خصوص السبب لا يمنع عموم الاستشهاد . أى أن هذه الاية الكريمه تنطبق على الجميع فى وجوب نسبة كل مولود لأبيه اذا علم من هو الأب .
2 ـ حين نزل القرآن الكريم أقرّ كل الانساب على ما هى عليه وباعتراف المجتمع بها. وكان من انواع النكاح ما نزل القرآن يحرمه ويعتبره فاحشة ومقتا وساء سبيلا، وذلك مثل زواج من تزوجها الأب . قال جل وعلا :( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) النساء ). وهذا الوصف للزواج ممن تزوجها الأب جاء أيضا وصفا للزنى بل يفوقه ( الاسراء 32 ) ، وكان هناك انواع من المعاشرة الجنسية حذر منها القرآن واعتبرها من الزنا مثل اتخاذ الخليلات والأخدان ونكاح السفاح "النساء24- ..25المائدة 5 ". كل ما نتج عن هذا من أبناء وبنات وحملوا نسب آبائهم ظلوا يحملونها بعد نزول القرآن الكريم وعصر خاتم النبيين ، وهم مذكورون بهذا النسب فى التاريخ .
ثانيا :
من التراث التاريخى السُنّى :
1 ـ وكان هناك كثيرون جاءوا ثمرة لتلك العلاقات التى حرمها الاسلام ، كما كان هناك كثيرون أيضا جاءوا من زنا صريح عن طريق البغايا ذوات الرايات الحمراء اللاتى يمارسن الزنا بدون تمييز مع كل من يدفع الأجر، فكانت اذا ولدت طفلا الحقته بمن تشاء ممن يدخل عليها من زبائنها . كل اولئك الذين جاءوا عن هذا الطريق واعترف المجتمع الجاهلى ببنوته لابيه جاء الاسلام وأقر نسبه لأبيه بغض النظر عن كيفية مجيئه هل بنكاح فاسد ام بزنا صريح .
2ـ أشهر حالة من هذا النوع هو الصحابى المشهور عمرو بن العاص .
ننقل من التراث السُنّى ما قيل عنه :
2 / 1 : قال الرازي في تفسيره 8 ص 503، روي أن العاص بن وائل كان يقول : "إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره، واسترحتم منه، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة"، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير. وذكر الفخر الرازي أن أبا جهل وأبا لهب وعقبة بن أبي معيط كانوا يشنئون رسول الله (ص) إلا أن ألهجهم به وأشدهم شنئة العاص ابن وائل. وقالوا إن الاية الكريمة "ان شانئك هو الابتر" انما نزلت بحق العاص بن وائل. هذا من جهة الاب . أما من جهة الام وكما جاء عنها في ( العقد الفريد وبلاغات النساء وروض المناظر وثمرات الاوراق وجمهرة الخطب ) : فاسمها ليلى أشهر بغي بمكة وأرخصهن أجرة، ولما وضعته إدّعاه خمسة كلهم أتوها ، غير أن ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به، وأكثر نفقة عليها.
2 / 2 : ذكرت ذلك أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لما وفدت إلى معاوية فقال لها : "مرحبا بك يا عمة ؟ فكيف كنت بعدنا ؟ فقالت : يا ابن أخي ؟ لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد (ص) فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد (ص) هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون، فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا حتى قبض الله نبيه (ص) مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولم يجمع بعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار". فقال لها عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة ؟ أقصري من قولك، وغضي من طرفك . قالت : ومن أنت ؟ لا أم لك . قال : عمرو بن العاص . قالت: "يا بن اللخناء النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بمكة وآخذهن لأجرة، إربع على ظلعك واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها، ولقد إدعاك ستة نفر من قريش كله يزعم أنه أبوك فسئلت أمك عنهم فقالت : كلهم أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل فلحقت به، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر، فأتم بهم فإنك بهم أشبه . " .
2 / 3 : وعدّه الكلبي من الأدعياء في باب - أدعياء الجاهلية - وقال : قال الهيثم : "ومن الأدعياء عمرو بن العاص، وأمه النابغة حبشية.
الخلاصة ان التاريخ يذكر ان عمرو بن العاص كان ابن زنا ولكن حمل اسم ابيه ولم يؤاخذه المجتمع القرشى بخطيئة ابيه وأمه بل ظهر نبوغه السياسى ففاق كثيرين .
3 ـ قضية أخرى أكثر تعقيدا وأكثر دلالة. فالأب هنا مات دون أن يعلن ان ذلك الولد المجهول الأب هو ابنه لصلبه وثمرة لعلاقة آثمة بينه وبين "سمية" احدى العاهرات المشهورات فى ثقيف. انه – اى الابن – زياد ابن أبيه . أشهر قواد الدولة الأموية وأشهر ولاتها على العراق وما يليه شرقا الى أواسط آسيا. نشأ زياد بن أبيه لا يعرف له أبا فاشتهر باسم زياد أبن أبيه . الا ان كونه من ولد زنا لم يقف عائقا دون ظهور نبوغه . اكتسب ثقة الخليفة على بن أبى طالب فولاه فارس وما يليها من المشرق، فضبط أحوالها . بمقتل ( على ) ظل زياد بن ابيه والى (على ) فى فارس فى موقعه رافضا أن يبايع معاوية. بعث معاوية الى داهية آخر هو المغيرة بن أبى شعبة يستشيره فى زياد ابن أبيه قائلا : داهية العرب ومعه أموال فارس وجنده طوع أمره ." لم يكن زياد يحتاج مالا ولا جاها وليس لدى معاوية ما يقدمه له الا قصة قديمة ترددت فى حياة أبيه أبى سفيان وعلاقته بتلك البغى أم زياد فى الجاهلية ، وأقاويل لبعض الناس زعموا – بعد موت أبى سفيان – انه اعترف لهم انه الوالد الحقيقى لزياد الا انه يخشى اعلان اعترافه به . أبدى معاوية رغبته فى أن يعترف بنسب زياد الى أبيه ليصبح أخا له ويصير اسمه الرسمى زياد بن ابى سفيان فى مقابل انضمام زياد اليه. حمل المغيرة هذا العرض الى زياد فوافق عليه وانضم بجنده وعدته وعتاده وامواله الى معاوية. حدث ذلك سنة 44 من الهجرة.
هذا العمل السياسى لم يعجب بالطبع خصوم معاوية وأتباع على وآله فلم يعترفوا بالنسب الجديد وتمسكوا بتسمية زياد بابن أبيه. بعضهم هاجم معاوية شعرا ، أشهره ما قاله يزيد بن المفرغ الحميرى:
ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة عن الرجل اليمانى
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زانى؟
فاشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتانى
الخلاصة هنا أيضا ان أحد الصحابة ( معاوية ) ــ الذى زعموا انه كان امين النبى على الوحى والذى اصبح خليفة مشهورا للمسلمين ــ ألحق ابن زنا بأبيه بعد موته لغرض سياسى واضح ، وقد احتج عليه كثيرون بالشعر وبالنثر ولكن فى كل الروايات التى قيلت فى الموضوع لم يقل أحدهم فى احتجاجه تلك الفتوى السامة بأن الزنا لا يثبت نسبا .
ثالثا :
فى الدين السنى :
كالعادة هم مختلفون :
1 ـ زعموا حديثا يقول : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر.) وهو عندهم فى ( الصحيحين ). أى نسب ابن الزنا للزوج المخدوع وليس لأبيه الحقيقى .
2 ـ قال بعضهم ولد الزنا يلحق بأبيه الزانى . ذكر هذا ابن القيم وابن تيمية ، ونسبوا هذا الى الحسن البصرى وابن راهويه وسليمان بن يسار وابن سيرين ..وأولئك عاشوا فى العصر الأموى ، وليس لهم مؤلفات ، ومن السهل الزعم عليهم فيما بعد أنهم قالوا وقالوا. وعموما فالدين الأرضى مؤسس على إفتراءات وأكاذيب .
3 ـ وقالوا : ( وذهب جمهور أهل العلم إلى أن ولد الزنا لا يلحق بأبيه ولا ينسب إليه ولو استلحقه . ) . ويتكرر فى الدين السُنى جملة ( الجمهور / جمهور أهل العلم ) ، كما لو كانوا قد إجتمعوا فى مكان واحد وفى زمن واحد ، وصرخوا بقول واحد . وحتى جمهور الأهلى مستحيل تجميعهم فى إستاد واحد . ولو تجمعوا فى إستاد واحد فمستحيل أن يهتفوا معا بهتاف واحد ..! ولكنها خزعبلات الدين السُنّى التى يقهقه منها الحزين .!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,689,645 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الحج والعمرة: ما هو الفرق بين العمر ه والحج وهل لكل واحده...
درك : ما معنى كلمة ( الدرك ) فى القرآ ن الكري م ؟ هل...
سؤالان : السؤا ل الأول فى القرآ ن كلمات يعقلو ن ...
أرض المستبد وقومه: أتابع كل ما كتبته مع كثرته ، وأعجب نى تحليل ك ...
السجود على السجادة: ما حكم السجو دعلى الوسا دة بعذر وبغير عذر؟ ...
more