أثناء الزواج : لمحة عن معاملة الزوجة
أثناء الزواج : لمحة عن معاملة الزوجة
أولا :
فى الاسلام
1 ـ رباط الزوجية موصوف فى القرآن الكريم بقوله جل وعلا :
1 / 1 ـ ( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) النساء ). ( أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ) يعنى التلاحم الجسدى والنفسى ، وهذا التلاحم مؤسّسُ على ( ميثاق غليظ ) .
1 / 2 ـ ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) (187) البقرة ). هذا يعنى التلاحم الجسدى والنفسى ، أنت تلبسها وتغطيها وهى تلبسك وتغطيك . أنت تحتشم من أمك وتستحى من أختك وبنتك ، ليس هذا فى حالة الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها .
1 / 3 ـ ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم ). هذا يعنى أن الزوجة تسكن فى زوجها وتسكن أى تستريح وتأنس الى زوجها ، وأن الزوج يسكن فى زوجته ، ويستريح ويأنس الى زوجته ، وبينهما مودة ورحمة ، وهذا يتعدّى الحب الذى تُصدّعنا به الأغانى العاطفية .
2 ـ المحصّلة النهائية أن : فى الحساب : 1 + 1 = 2 . ولكن فى الزواج الاسلامى : 1 + 1 = 1 .
3 ـ : بالنسبة للزوج بالذات يقول جل وعلا : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ). المعاشرة بالمعروف يعنى المتعارف على أنه عدل . الذى يفوق العدل هو الاحسان ، وهو المعبّر عنه بقوله جل وعلا : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) .
4 ـ هذا ما ينبغى أن يكون . وهذا ما ينبغى أن يتمسّك به المؤمن التقى الذى يرجو الله جل وعلا واليوم . ولكن التشريع الاسلامى فى القرآن الكريم يقول ما ينبغى وأيضا يعالج الواقع الذى لا يتفق مع ما ينبغى . أما الدين السّنى الذكورى فله تشريعاته . ونعطى أمثلة :
ثانيا :
تعدد الزوجات وحقوق الزوجية :ــ
إسلاميا :
1 ـ من حق الزوج أن يتزوج بماله من يشاء ، وهذا الحق للرجل ليس مجحفا بحقوق الزوجة لأنها تملك في مقابله حقها في رفض هذا الوضع بطلب الطلاق ، أو بتعبير القرآن (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ .) البقرة :229 ، أي تفتدى نفسها بدفع مال له ، ولها أن تشترط فى عقد النكاح ألّا يتزوج عليها .
2 ـ كما أن التعدد ليس مجحفا بحق المرأة لأن الرجل على أساس من التراضي يتزوج بأخرى هى التى تقبل الزواج على "ضُرة"، والعادة أن المرأة تقف بكل قوتها ضد موضوع تعدد الزوجات طالما هى زوجة ، فإذا كانت غير متزوجة (عانس او أرملة او مطلقة) فإنها تقف موقفا رقيقا مهذبا ضد تعدد الزوجات ، فإذا ألقت الأقدار في طريقها برجل متزوج وقد تدلّه في حبها ويعرض عليها الزواج تناست اعتراضها السابق على الموضوع ، وسارعت بالموافقة على الزواج .
3 ـ وشريعة الاسلام تأتي بالحل الذي يناسب المجتمع ، ومن حق النساء اللائي أصحبن بدون زواج وفي سن الزواج أن يعشن حياة زوجية ، وإن لم يتيسر لهن الزواج بشاب اعزب ــ وذلك مستبعد ــ فإن الفرصة تكون أكثر في ظل تعدد الزوجات ، وذلك طبقا لتوجيه الاسلام الذي يحث المؤمنين على أن يكون التعدد في رعاية الأيتام ، ومن ناحية أخرى يؤكد على العدل بين الزوجات ، فإن لم يتيسر العدل فالأولي الاكتفاء بواحدة ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) النساء ) ولكن الالتزام بالعدل التام مستحيل ، لذلك يقول سبحانه وتعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ...) ولكن الميل التام لواحدة يعنى الظلم التام للأخرى ، والله سبحانه وتعالى لا يريد ظلما للعالمين لذلك يقول جل وعلا : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ، وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً )( النساء )( 129 )، هذا بالطبع إذا رفضت هذا الوضع ولم ترض به ، أما إذا رضيت فهذا شأنها .ثم إذا رضيت بالفراق فهنا وعد من الله جل وعلا بأن يغنى كلا منهما من سعته : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130) النساء ) .
فى الدين السُّنّى :
1 ـ يروي مالك أن رافع بن خديج تزوج ابنة الصحابي محمد بن مسلمة ، ثم بعد ان عمَّرت عنده تزوج عليها امرأة شابه فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها ثم أرجعها بإرادتها ، ثم عاد وآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها ثم استرجعها ، ثم عاد يؤثر الشابة عليها ، فناشدته بطلاق فقال لها : ما شئت ، ولكن بقيت لك طلقة واحدة ، فإن شئت رضيت على ما ترين من إيثار الأخرى ن وإن شئت طلقتك ، فرضيت بالوقع القائم ، ويقول مالك ان رافع بن خديج لم ير إثما في ذلك .
2 ـ واتفق أبوحنيفة معه حسبما يروى الشيبانى في انه لا بأس إذا رضيت المرأة ولم تطلب التطليق ، ولها ان ترجع عنه إذا بدا لها غير ذلك .
3 ـ ولفقهاء الدين السُنّى إجتهادات ظريفة في نوعيات الإيثار لإحدى الزوجات على الأخريات ، او الأخرى .
يقول الباجي ان الإيثار على أربعة أضرب : أحدها:ــ الإيثار بمعنى المحبة لإحداهما ، فهذا لا يملك دفعه ولا الامتناع عنه ، الثاني :إيثار إحداهما في سعة الانفاق والكسوة وسعة المسكن ولكن بحسب ما تستحقه كل واحدة منهما ، لأن لكل واحدة منهما نفقة مثلها ومئونة مثلها ومسكن مثلها ، أي اللائق بها ، على قدر شرفها ومكانتها وجمالها وشبابها وسماحتها فهذا الإيثار واجب ليس للأخرى الاعتراض عليه وليس للزوج الامتناع عنه ، ولو امتنع لحكم به القاضي عليه ، الثالث : ان يعطي كل واحدة منهما النفقة والكسوة الواجبة لها ، ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الحرير والحلي ن وذلك له ، فهذا الضرب من الإيثار من حق الزوج وطالما قام بحق الأخرى وأعطاها الواجب عليه لها ، الرابع :ــ ان يؤثر إحداهما بنفسه ، مثل ان يبيت أكثر عندها او يجامعها اكثر ، او ينقص من نفقة واحدة ويزيد في نفقة الأخرى ، أو يأخذ من حقوق الأخرى ليعطي ضرتها ما لا تستحق ، فهذا الضرب من الإيثار لا يحل للزوج فعله إلا بإذن المؤثر عليها ، فإن لم تأذن له كان لها حق الاعتراض عليه .
وقد يبدو هذا الكلام مؤلما للنساء في عصرنا ، ولكن نقول أن بعض الفقهاء السنيين جعلوا من حق الزوجة ان تشترط على زوجها في عقد النكاح ألا يتزوج عليها ، فإذا وافق لم يكن له أن يتزوج عليها حسب الشرط .
4 ـ وصنعوا أحاديث فى أنّ النبي محمدا عليه السلام كان يقسم الأيام بين نسائه ، ولما تزوج أم سلمة خيّرها حين أصبح عندها بين أن يبقى معها أسبوعا ، ثم يبقى الأسبوع التالي مع الباقيات ، او يبقى عندها ثلاثة أيام ومثلها عند الباقيات ، فاختارت الثلاثة أيام ، وقالوا ان السيدة سودة بنت زمعة حين كبرت وهبت ليلتها لعائشة . وصنعوا أحاديث في ذم المرأة التي تحاول الاستئثار بزوجها على حساب ضُرّتها ، وكان الأولى ان يتوجه الذم للزوج أولاً. ولكنها نزعتهم الذكورية .
5 ـ والشافعي في كتاب "الأم" ناقش تفصيلات القسمة بين الزوجات وهو يرى أن الجماع ليس محلاً للقسمة ، ولا يُجبر عليه الزوج ، وعماد القسم هو الليل لأنه السكن ، وإذا كان عنده حرائر مسلمات ومن أهل الكتاب فعليه ان يعدل بينهن ، أما إذا كانت عنده حرائر وجواري ، فللحرة ليلتان وللجارية ليلة ، ويمنع الشافعي الزوج من أن يجامع المرأة في غير ليلتها أو ان يبيت عندها في غير ليلتها ، ولا بأس بالمرور عليها في النهار في غير يومها ، أما إذا مرضت فمن حقها عليه ان يزورها في غير ليلتها ، فإذا أشرفت على الموت فمن حقها أن يبيت عندها في غير ليلتها ، ومن حقه أن يقسم بينهن عدة ليال لكل واحدة ، ولا تخرج من القسمة إذا سافرت بإذنه . وإذا خرج ليلاً من عندها ولو مُكْرَهاً كان عليه أن يوفيها ما بقي من ليلتها ، ويقول الشافعي انه ليس له أن يُسكن امرأتين في بيت إلا برغبتهما ، وإذا تزوج البكر فعليه أن يقيم عندها سبعاً في بداية الزواج ، وأن تزوج ثيبا أقام عندها ثلاثا ، وإذا سافر أقرع بينهن ، وخرج بالفائزة بالقرعة ، وأصبحت القسمة بين الزوجات احد المجالات للاختلاف الفقهي بين المذاهب .
6 ـ ولو تفرّغ زوج لتفهّم كل هذه التفصيلات فقد ينتهى به الوقت يلبس بيجامة ينظم المرور فى ميدان رمسيس بالقاهرة . !!
أخيرا :
قصة معاصرة شهدتها :
1 ـ أحد المصريين توفى فجأة وترك زوجته وابنه الذى يبلغ عشر سنوات ، وهى حائرة لا تعرف كيف تتصرف وحدها . بعض اهل الخير وقفوا الى جانبها فى دفن زوجها ، ولكن مشكلتها أنه لا تعرف شيئا عن الأحوال المالية لزوجها ، وقد ترك لها الأكوام من الأوراق والفواتير واستمارات البنوك والعقود ، ومنها عقد تمليك الشقة والأقساط عليها ، ومستحقات وديون ، وهى لا تعرف الانجليزية كتابة أو كلاما . بعض النساء من معارفها أدركت محنتها فذهبت اليها ، وتوسطت لها فحصلت على مساعدات مالية وعينية من بعض الكنائس والمنظمات التى تقدم المعونات فى مثل هذه الحالات ، وقضت معها عدة أيام تراجع فيها أوراق زوجها ، وعرفت ما فيها ، وإتضح أنه كان متزوجا من قبل وأنجب من زوجته الأمريكية بنتا ثم انفصل عن زوجته الأمريكية ، وانقطعت صلته بها وببنته ، وهذه البنت أكملت تعليمها ، وتولت مركزا مرموقا ، وكان أبوها يقابلها بعد أن صار لها شأن وحيثية ، وكان يوصيها على ابنه الصغير من زوجته المصرية . هو طبعا بعد أن حصل على الجنسية الأمريكية طلق زوجته الأمريكية ، وذهب الى بلدهم فى الصعيد وتزوج بنت العمدة وأتى بها من قريتهم الى أمريكا رأسا ، ومع انها حصلت على الجنسية الأمريكية تبعا لزوجها فقد ظلت صعيدية تماما لأن زوجها عزلها عن العالم فى شقته وعاملها كأى زوج صعيدى ، لا تعرف عنه شيئا ، ولا عن عمله ولا تعاملاته ، ثم مات فجأة وتركها هائمة تائهة . إتصلت السيدة المصرية بإبنته الأمريكية لتأتى وتشارك فى الموضوعات المطروحة طبقا للقانون حيث انها ضمن الورثة . وجاءت البنت الأمريكية وساعدت فى كثير من الاجراءات الرسمية فى التعامل مع البنوك وسداد القروض ، وفى قبض بعض المستحقات ، ونقل الملكية للزوجة الصعيدية ولابنها ، وتنازلت البنت الأمريكية عن حقوقها لأخيها الطفل ( غير الشقيق ) ولأرملة ابيها الصعيدية .
2 ـ الزوج ( المتوفى الصعيدى ) يمثّل الثقافة الذكورية السُّنّية . إبنته تعكس أروع ما فى القيم الأمريكية .
اجمالي القراءات
2465
شكرا لكم أستاذنا المحترم . ماذا ينبغي أن يفهم من هذه الفقرة الواردة في المقال ؟ ( وإذا كان عنده حرائر مسلمات ومن أهل الكتاب فعليه ان يعدل بينهن ، أما إذا كانت عنده حرائر وجواري ، فللحرة ليلتان وللجارية ليلة ) . والسؤال هنا : هل الحرائر المسلمات ومن أهل الكتاب هل هن زوجات رسميات ؟ وهل الجواري هن أيضا زوجات رسميات ؟ إذا كان الجواب بنعم ، فلماذا لا تعتبر هذه النسوة كلهن زوجات كاملات شرعيات رمسيات وينتهي الأمر، وهل الجارية رغم تزوجها تبقى مهضومة الحق إلى النصف ؟ وشكرا لأن الظاهر أن هذا الموضوع مستعص ويكرر كثيرا وقد يكون مبهما مثل الفصل بين النفس والجسد والروح . وشكرا لكم على صبركم الجميل .