قبل الزواج : ( الخـطـبـة )
قبل الزواج : ( الخـطـبـة )
أولا :
من وجهة نظر قرآنية :
1 ـ هى من الأمور التي تركها القرآن للعُرف ، أى المُتعارف على أنه عدل وملائم وبالرضى المجتمعى . لم يتعرض لها القرآن الكريم إلا في موضوع واحد هو خطبة الأرملة في قوله جل وعلا : (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة:235 ) .
ونقول من وجهة نظرنا :
1 / 1 : إباحة التعريض بالخطبة للأرملة أثناء عدتها ، وقد جاء هذا التشريع رعاية لمشاعر الأرملة وحفظا لمكانتها وسمعتها ، فهي حالة خاصة في موضوع الخطبة ذكرها القرآن في معرض التصحيح ، خصوصا وأن الأرملة ــ في الأغلب ــ تكون ولية امر نفسها مستقلة برأيها.
1 / 2 : التنبيه على اللقاء الخاص بالأرملة لاستطلاع رأيها وبالقول المعروف ، مع التحذير بأن الله جل وعلا شاهد .
1 / 3 ـ ثم يكون عقد النكاح ( عُقدة النكاح ) بعد إنتهاء العدّة .
2 ـ الخطبة لغير الأرملة تكون فى إطار المعروف ، و ( العُرف ) المتعارف عليه ، وهى للعرض والقبول ، ومرحلة تمهيدية قبل الزواج .
3 ـ تبيح الخطبة لقاء الخطيبين مع مراعاة أوامر الله جل وعلا بالابتعاد عن أى علاقة جنسية بين الطرفين مهما تضاءلت . يختلف هذا عن حالة كتب الكتاب أو ( عقد النكاح ) ، فليس هذا حراما . ولو حدث دخول جنسى قبل الزفاف فلا بد أن يعلم به الأهل ، لأنه يترتب عليه حساب الحمل وإحتمالاته ، وربما مشاكل .
4 ـ وما يستوجب تقديم هدايا أو ذهب وحُلىّ يخضع للمعروف المتعارف عليه . وإذا فسخ هو الخطبة فليس له أن يسترد ما قدمه طبقا للعُرف المتعارف على أنه عدل وقسط . إذا كان الفسخ منها أو من أهلها فعليهم رد ما أخذوه منه ، وهذا طبعا فيما لم يتم إستهلاكه . إذا كان الفسخ من الجانبين فيكون ضمن إتفاقهما موضوع الإسترداد هذا . مع ملاحظة أن ما يقدمه الخطيب لا يدخل فى المهر من مقدم ومؤخر .
ثانيا :
فى الدين السُّنّى :
( ا )
ننقل بعض ما أورده القرطبى الآية الكريمة ( البقرة 235 )
( قال ابن عطية: أجمعت الامة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت الامة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز، وكذلك ما أشبهه، وجوز ما عدا ذلك. )
( التعريض بالزواج : وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين، قالت سكينة بنت حنظلة استأذن على محمد بن على ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرابتي من على وموضعي في العرب. قلت غفر الله لك يا أبا جعفر! إنك رجل يؤخذ عنك تخطبني في عدتي! قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن على. وقد دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم سلمة وهى متأيمة من أبى سلمة فقال: «لقد علمت أنى رسول الله وخيرته وموضعي في قومي» كانت تلك خطبة، أخرجه الدارقطني. )
( والهدية إلى المعتدة جائزة، وهى من التعريض، قاله سحنون وكثير من العلماء وقاله إبراهيم. ) .
( قوله تعالى: {وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} واختلف العلماء في معنى قوله تعالى: {سِرًّا} فقيل، معناه نكاحا، أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني، بل يعرض إن أراد، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية، هذا قول ابن عباس وابن جبير ومالك وأصحابه والشعبي ومجاهد وعكرمة والسدي وجمهور أهل العلم. .. وقيل: السر الزنا، أي لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها. قال معناه جابرابن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد، والحسن وقتادة والنخعي والضحاك، وأن السر في هذه الآية الزنا، أي لا تواعدوهن زنا، واختاره الطبري، وقيل: السر الجماع، أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح فإن ذكر الجماع مع غير الزوج فحش، هذا قول الشافعي.) ( وقال ابن زيد: معنى قوله: {وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} أن لا تنكحوهن وتكتمون ذلك. ) ( وحكى مكي والثعلبي عنه أنه قال: الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ}.
( قال القاضي أبو محمد بن عطية: أجمعت الامة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمته. قال ابن المواز: وأما الولي الذي لا يملك الجبر فأكرهه وإن نزل لم أفسخه.وقال مالك رحمه الله فيمن يواعد في العمدة ثم يتزوج بعدها: فراقها أحب إلى، دخل بها أو لم يدخل، وتكون تطليقة واحدة، فإذا حلت خطبها مع الخطاب، هذه رواية ابن وهب.وروى أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا، وقاله ابن القاسم.وحكى ابن الحارث مثله عن ابن الماجشون، وزاد ما يقتضى أن التحريم يتأبد.وقال الشافعي: إن صرح بالخطبة وصرحت له بالإجابة ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لها مكروه، لأن النكاح حادث بعد الخطبة، قاله ابن المنذر.) .
حرصا على صحة القارىء وسلامته النفسية لم ننقل كل ما أورده القرطبى ، وهو كالمعتاد إختلافات ، وأحاديث متعارضة وأخبار مختلفة وزعم مُضحك بالإجماع ، ثم كُفر صريح بمقولة النسخ التراثية التى تتهم كلام رب العزة جل وعلا بأن بعضه يناقض بعضه .
( ب )
لمحة عن بعض الآراء السنية فى الخطبة
1 ـ الخطبة ضمن الأمور المتعارف عليها ( العُرف / المعروف ) ، وقد تدخلوا في هذا العُرف فحرموا الخطبة على الخطبة واعتمدوا في ذلك على حديثا ينهى ان يخطب الرجل خطبة أخيه ، ثم اختلفوا في حكم الزواج لمن خطب على خطبة أخيه ، فقال بعضهم أنه باطل ، وقال آخرون أنه صحيح ، ونسوا أن الخطبة فترة استكشاف من الطرفين ، وقد يرفض ولي أمر العروس ويقبل خطيبا آخر ، لأن الخطبة ليست عقداً لازماً ، بل عقد الزواج نفسه ليس طوقا لازما بل يمكن نزعه بالطلاق ..
2 ـ وهناك أخبار جاءت فى السيرة تخالف ذلك النهى عن خطبة الرجل على خطبة أخيه ، وتزعم أن النبى محمدا عليه السلام قد خطب عائشة فقال له أبو بكر : يا رسول الله قد كنت وعدت بها لمطعم بن عدي لابنه جبير ، فدعني حتى أسلَّها منهم ، ففعل ، ثم تزوجها النبي .
وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى أن على بن أبي طالب خطب فاطمة بنت النبي ، وكان قد خطبها من قبله أبو بكر وعمر ، ثم كانت من نصيب (على) فتزوجها ، وفى هذا الخبر فإن أبا بكر وعمر كليهما لم يحظ بموافقة صريحة من النبي كما لم يرفضهما النبي ، ومع ذلك فإن علياً لم ير حرجاً في أن يخطب من تقدم لخطبتها من قبل أبو بكر وعمر ، وفعل عمر نفس الشيء حين تقدم للخطبة من بنت النبي وقد سبقه إليها أبو بكر . ونرى هذا التعارض إستمرارا للمبارزات بالأحاديث .
3 ـ ومن ناحية أخرى أباح الفقهاء للخاطب أن ينظر إلى خطيبته ، وهذا فضل ــ لو تعلمون ــ عظيم ..!!
4 ـ ومن خلال ما رواه ابن سعد نتعرف على بعض حالات الخطوبة ن فيذكر انه لما مات أبو سلمة تاركا ام سلمة خطبها أبو بكر بعد انقضاء عدتها فردته ، ثم خطبها عمر فردته ، ثم خطبها النبي فقالت له : مرحباً . وبعد موت زوج سودة بنت زمعة وانتهت عدتها خطبها النبي فقالت : امرى إليك يا رسول الله ، فقال لها النبي أن توكّل رجلاً من أهلها يقوم بتزويجها إليه ، فقام عنها حاطب بن عمرو ، وابن عمها ، فكانت اول امرأة يتزوجها النبي بعد السيدة خديجة . وبعد أن توفى زوج حفصة بنت عمر ، قام أبوها بعرضها على صديقه أبي بكر ثم عثمان لكي يتزوجها احدهما ، ثم تزوجها النبي . وفي خلافة عمر طلب ان يتزوج ابنة على وكانت فتاة صغيرة ، وهي أم كلثوم ، فاعتذر له علي بأنها صغيرة ، ولكن صمم عمر ، فأرسلها إليه على كي يراها بنفسه ، وكان قد أمر بتجهيزها ، وأرسلها على الى الخليفة على أنها تعرض عليه قطعة قماش ليرى رأيه في قطعة القماش ، فلما ذهبت إلى الخليفة قال لها : بارك الله فيك وفي ابوك قد رضينا ، فرجعت على أبيها فقالت : إنه ما نظر على قطعة القماش ، ولم ينظر إلا لها ... وتزوجها عمر ..
هذه كلها أخبار صيغت وتمت كتابتها بعد موت أبطالها بقرنين . وهى تعبّر عن ثقافة واضعيها .
5 ـ والفقهاء المعاصرون قالوا بحظر الخلوة بالمخطوبة ، وأن التهاون في ذلك ضرره خطير ، وترى المحكمة الشرعية أن هدايا الخاطب ــ بعد فسخ الخطوبة ، تكون من حق الخاطب وله أن يسترده إن كان قائما على حالته لم يتغير ، مثل الأسورة والخاتم والعِقْد والساعة ، أما إذا لم يكن قائما على حالته قابلاً للاستهلاك كالطعام والثياب فليس للخاطب أن يسترده .
اجمالي القراءات
2051