هل الزنا يحرم الزواج الحلال..؟
هل الزنا يحرم الزواج الحلال..؟
أولا : إسلاميا فى رؤية قرآنية
1 ـ الله جل وعلا يحرم الزواج بالزانية مالم تتب ؛ معلنة توبتها ، وبالتوبة تسقط عنها عقوبة الجلد ، وهو نفس الحال للزانى .
هذه التوبة مفروض أنها لوجه الله جل وعلا ، وليس لأحد أن يحكم على السرائر . ولكن الزواج قائم على الايمان السلوكى بمعنى السلام والايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان والانسان المأمون الجانب ، وبالتالى فالتوبة هنا ظاهرية سلوكية ، فمن تابت عن الزنا وسقطت عنها عقوبة الجلد مفترض فيها أن تسلك مسلك العفيفات وتبتعد عن مواطن الشبهات ، ونفترض ممّن يريد الزواج منها أن يبحث عن ملامح التوبة فى سلوكها . ولكن فى كل حال فإن التائبة عن الزنا تزول عنها صفة الزانية ، وتكتسب لقبا آخر هو التائبة ، وقبل أن تتزوج لا بد من عدة يتأكد بها نقاء رحمها من أى علاقة محرمة سابقة . وقد عرضنا لذلك في موضوع عقوبة الزنا .
2 ـ هناك خصوصية في حالة الجارية التي تفقد إرادتها ويتحكم فيها سيدها ، وقد يجبرها على الزنا وحينئذ لا عقوبة عليها ، قال جل وعلا : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور ).
وقد أباح الله سبحانه وتعالى الزواج من الإماء المؤمنات سلوكيا أي على حسب الظاهر لأن الايمان القلبى علمه عند الله جل وعلا وهو الأعلم بإيماننا بعضنا من بعض . فمن لم يستطع طولا ــ أى مقدرة ـ على دفع مهر الحرائر المحصنات المؤمنات العفيفات بنات البيوت والحسب والنسب يمكنه أن ينكح مملوكة ( جارية ) بإذن مالكها ، وعليه أن يدفع لها مهرها ، وهو بالتأكيد أقل من مهر الحُرّة ، وهذا حلُّ بديل لمن يخشى الوقوع فى الزنا والعنت والمشقة. قال جل وعلا : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) النساء ) وفي الآية الكريمة جعل الله جل وعلا عقوبتها نصف عقوبة الحرة إذا وقعت في الزنا .
3 ـ كما ان المتهمة بالفاحشة دون إثبات بالوقوع الفعلي في الزنا يكون عقابها بالحبس في البيوت إلى أن تتوب وتتزوج أو تموت ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) النساء ) ، بالتالى يكون إختيار التوبة ثم الزواج هو الأمثل لهنّ. وهنا نرى حالات للزواج ممن وقعن في الزنا أو في الفاحشة ، ثم دخلن او أُدْخلن في التوبة ، وهذا يؤكد على معنى الزانية والزاني في قوله تعالى (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)النور:3 ، فوصف الزنا هنا لا يلحق إلا بمن يقترف الفعل على سبيل التعود والاحتراف دون توبة .
4 ـ وهناك من الجواري والإماء والعبيد من اتصفوا بالصلاح وأحسنوا التوبة ، وأولئك دعا القرآن إلى زواجهم وتزويجهم أكثر من غيرهم ، فقال جل وعلا : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور:32 ، والأيامى هنّ من فقدنَ الزوج بالموت او بالطلاق . والعبيد من الرجال والإماء إذا كانوا صالحين فالله تعالى يَعِـدُ بأن من يتزوج من هذه الحالات بأن يمنَّ عليه بالغنى والفضل .
ثانيا :
فى الدين السنى : إختلافات وغموض
1 ـ مع وضوح التشريع القرآني الاسلامى إلا إن أئمة الدين السُنّى خالفوا تشريع الرحمن جل وعلا ، وإختلفوا ، وتكلموا بعبارات غامضة . وهذا يهون مقارنة بالأحاديث التى صنعوها. تشدّد بعضهم فجعلوا بعض تفريعاتها تحريماً في الزواج ، وعارضهم آخرون ، وكالعادة فى هذه الاختلافات تبارزوا بالأحاديث ، يصنع كل فريق أحاديث تنطق بهواه . مما يدخل بها في دائرة الأحاديث المتعارضة على نحو ما هو معتاد..
2 ـ ونبدأ بالموطأ . مالك المولود عام 93 هجرية يروى عن ( سعيد ابن المسيب المتوفى عام 94 . فكيف يروى طفل عمره عام واحد عن شيخ قبل موت هذا الشيخ بعام واحد . مالك تفوّق على مسيلمة الكذاب . وهو يروى كاذبا كثيرا من الأحاديث والفتاوى عن سعيد بن المسيب ، ومنها فيما يخص موضوعنا أن سعيد بن المسيب ــ فقيه المدينة فى الجيل الأسبق لمالك ـ يرى أن قوله تعالى (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) قد نسخته وأبطلت حكمه الآية الأخرى القائلة ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) . والواضح أن العبيد والإماء الصالحين والصالحات فى الآية الكريمة لا صلة لهم بموضوعات الزنى من الرجال والنساء الأحرار والعبيد . ولكن المهم هو تعليق محمد الشيباني شيخ المذهب الحنفى وهو أبرز من كتب الموطأ عن مالك وعلّق عليه ، فزعم أن شيخه أباحنيفة لا يرى بأسا فى زواج من وقعت فى الزنا ، وان تزوجها من لم يقع في الزنا..
خطورة مالك أنه هو الذى بدأ تقنيين ( السّند ) أو إختراع العنعنة : ( حدثنى فلان عن فلان عن فلان ) وأنه أول من قال بالنسخ أى إلغاء وإبطال حكم آية بآية أخرى ، ونسب ذلك كذبا لسعيد بن المسيب . وسار بعده الشافعى فى تقنين النسخ بمعنى الحذف والالغاء والإبطال ، يجعلون القرآن الكريم عوجا . يكفرون بقوله جل وعلا عن القرآن الكريم : ( قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الزمر )،( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) الكهف)،وينطبق عليهم قوله جل وعلا :( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)الاعراف) ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود ).( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم ) . ولنا بحث سبق نشره فى مصر فى تسعينيات القرن الماضى يؤكد على أن النسخ فى القرآن الكريم يعنى الكتابة والإثبات ليس الإلغاء والإبطال . وهو منشور هنا .
3 ـ جاء الشافعى بتفصيلات غامضة غير مفهومة ، فقد جعل الاختيار للرجل في أن ينكح زانية وللمرأة ألا تنكح زانياً ، فإن فعلت فليس ذلك بحرام على واحد منهما ، وليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه ، وسواء قام عليه الحد أو قام عليها الحد فإن ذلك يحرم عليهما الزواج الحلال ، وفي موضع آخر قام الشافعي بالرد على من قال أن ما زنا بامرأة فقد حُرّمت عليه أمها وبنتها..
4 ـ وهذا الرأي الأخيرــ مع غموضه ـ فقد اعتنقه ابن حنبل الذى أفتى فيمن زنا بأم امرأته عليه أن يفارق امرأته ، وسئل عن رجل زنا بامرأة هل يحل له أن يتزوج ابنتها فقال : لا يتزوجها ، وقال عمر أن بن الحصين أنه إذا زنا بامرأة فقد حرمت عليه المرأة وأمها أيضاً .. ثم تعجب ابن جنبل من مقالة فقهاء المدينة بأن الزنا لا يحرم حلالاً. وسئل ابن حنبل عن رجل زنا بامرأة ، فقال انها تحرم على ابنه أن يتزوجها ، فإن زنا بها الابن فقد حرمت على الأب ، وسئل عن رجل مسَّ صبية صغيرة بشهوة فقال : لا يحل لابنه أن يتزوجها ، فإذا كان الابن المراهق قد نال من امرأة فإنه يُكره له أن يتزوج ابنتها على فتوى ابن حنبل..
5 ـ البخاري فى القرن الثالث تشابكت لديه الآراء المختلفة بين إباحة وتحريم ووقع فى توهان ، فمن ناحية أورد أحاديث فى النهي عن الزواج من محترفة الزنا ومن كسبهن أو (مهر البغي) و (كسب الإماء). ومن ناحية أخرى يروى أن ابن عباس يرى أن الرجل إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته ، وروى الخلاف المتشعب في القضية ، مما يستفاد منه أن قصفا متبادلاً بالأحاديث قد جرى بينهم ، و كان في مقدمتها ما رواه أحمد بن حنبل في المسند من " أن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله " أي مهما تاب .
6 ـ ابن الجوزي فى القرن السادس يقول أن من زنا بامرأة ثم أراد أن يتزوجها فالشرط أن يتوبا من الزنا ، والطريق في أن يستوثق من توبتها ان يدسّ عليها من يراودها عن نفسها فإن رفضت تحقق من توبتها ، وبعضهم قال أنه هو الذي يراودها عن نفسها فإن رفضت تحقق من توبتها وتزوجها.. فماذا إن رضيت بالزنا وزنا بها ؟ هذا يدخل فى باب الدراما .!
7 ـ وهناك من قال أن من وقع في الزنا فقد أفسد النكاح القائم بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فقد فسد النكاح بينها وبين زوجها ووجب عليه أن يفارقها ، وهذه دعوة لتخريب البيوت ..!! وبعضهم أفتى بأن النكاح لا يفسد بوقوع أحد الزوجين في الزنا ، ولكن يؤمر الرجل بطلاق زوجته إذا وقعت في الزنا ، وإلا فهو آثم ..
أخيرا
عن شقاقهم قال جل وعلا :
1 ـ ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ )(137) البقرة )
2 ـ ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) البقرة )
3 ـ ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج )
4 ـ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) فصلت ).
اجمالي القراءات
2483
ليسمح لي أستاذنا الفاضل الدكتور أحمد صبحي لاقتباس هذه القاعده الذهبيه "مع وضوح التشريع القرآني الاسلامى إلا إن أئمة الدين السُنّى خالفوا تشريع الرحمن جل وعلا ، وإختلفوا ، وتكلموا بعبارات غامضة . وهذا يهون مقارنة بالأحاديث التى صنعوها). فالفقهاء لم يكتفوا بالغباء في استنباط الاحكام الشرعيه بل تعمدوا إلغاء وإبطال حكم آيات القرأن الكريم وخراب البيوت ونشر الرذيله مثل حكمهم الفاسد "من وقع في الزنا فقد أفسد النكاح القائم بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فقد فسد النكاح بينها وبين زوجها ووجب عليه أن يفارقها" وفعلا فقد صدق فيهم قوله جل وعلا في سورة النور(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)