إعادة الإعتبار ل ( مُسيلمة " الكذاب " )
إعادة الإعتبار ل ( مُسيلمة " الكذاب " )
مقدمة
1 ـ هذا المقال مبنى على المقال السابق عن أبى بكر وحرب الردة . من لم يقرأ المقال السابق ننصحه ـ بكل إخلاص ـ أن يقرأه حتى لا يُفاجأ بهذا المقال عن مسيلمة " الكذاب " .
2 ـ مشكلة مسيلمة " الكذاب " أن التأريخ له كان بعد مقتله بقرنين واكثر ، وأنه كان الطرف المهزوم . وويل للمهزوم من كتابات أعدائه عنه بعد موته .
3 ـ ( الكاذبون ) الذين كتبوا عن مسيلمة " الكذاب " وجدوا كل التشجيع ، فقد أصبح فى الموروث الشعبى شيطانا مرتدا ، وبقدر التقديس لأبى بكر كان الافتراء على مسيلمة ، وإذا كان الكذب على النبى محمد يستدعى مراجعة وتصحيحا للرواة فإن الكذب على مسيلمة منقبة ومفخرة ، بالاضافة الى أنه يجلب الشهرة للقصّاصين .
4 ـ الذين أشاعوا الروايات عن مسيلمة كانوا من ( القُصّاص / القصاصين ) ، ولنا كتاب لم يكتمل عنهم وعن تأثيرهم فى تضخم الأحاديث ( النبوية ) والأحاديث ( القدسية ) و ( المنامات ). حيث كانت تشيع أقاصيصهم الشفهية ، ثم تجد طريقها للتدوين فى ( الحديث ) و ( التفسير ) بعد صناعة إسناد لها يقول ( حدثنا فلان عن فلان عن فلان . الخ أن البنى قال ). أشهر قصصهم فى قصص الأنبياء فى تاريخ الطبرى والثعالبى ومن جاء بعدهم من المؤرخين . وشهرة القصّاصين إمتدت الى العصر المملوكى ، فكتب إبن تيمية فيهم ( أحاديث القُصّاص ) للتنبيه على بعض الأحاديث التى صنعوها .
5 ــ لا ننتظر من ابن تيمية أو غيره أن يشير الى ( أكاذيب القصاصين ) فى أقاصيصهم عن مسيلمة " الكذاب " . وهكذا ظلت هذه الشخصية ملعونة لا تجد من ينصفها . ونحن نفعل هذا ، ليس حُبّا فيه ولا دفاعا عنه ، ولكن إبتغاء الحقيقة .
أولا :
نماذج من إفتراءات القصاصين الكذّابين عن مسيلمة " الكذاب :
1 ـ نسبوا اليه ( وحيا ) يقول : ( والمُبذرات زرعًا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، والخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوئوه ) ( والزارعات زرعا، فالحاصدات حصدًا، فالطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والآكلات أكلا، فاللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم لا يعدلون) . ( وَالطَّاحِنَاتُ طَحْنًا، فَالْعَاجِنَاتُ عَجْنًا، فَالْخَابِزَاتُ خَبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا،) ( الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلٌ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا الْجَلِيل ) ( والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المَذق، فما لكم لا تمجعون. ) ( ومن العجائب شاة سوداء، تحلب لبنًا أبيض ) ( يَا ضِفْدَعُ ابنة ضفدع، نِقِّي مَا تَنِقِّينَ، أَعْلَاكِ فِي المَاءِ وَأَسْفَلُكِ فِي الطِّينِ، لَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، وَلَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ) ( لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريش قوم يعتدون.) ( إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كل إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن) ( والليل الأطحم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم ) ( والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس) ( وَالشَّمْس وَضُحَاهَا في ضوئها ومنجلاها، وَاللَّيْل إِذا عَداهَا يطْلبهَا ليغشاها فأدركها حَتَّى أَتَاهَا وأطفأ نورها فمحاها. ) ( اذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم واشكروها إِذ جعل لكم الشَّمس سِرَاجًا والغيث ثجاجا، وَجعل لكم كباشا ونعاجا وَفِضة وزجاجا وذهبا وديباجا، وَمن نعْمَته عَلَيْكُم أَن أخرج لكم من الأَرْض رمانا وَعِنَبًا وريحانا وحنطة وزوانا) ( إن الله خلق النساء أفواجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فنولج فيهن قَعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا شئنا إخراجا، فينتجن لنا سِخالا نِتاجا ) ( إنكن معشر النساء خلقتن أفواجًا، وجعلتن لنا أزواجًا، نولجه فيكُنّ إيلاجًا ) ( ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، ما بين صفاق وحَشا. ) ( سبح اسم رَبك الْأَعلَى، الذي يسر على الحبلى، فَأخرج مِنهَا نسمَة تسْعى، من بَين أحشاء ومعى، فَمنهم من يموت ويدس في الثرى، وَمِنهم من يعِيش وَيبقى إِلَى أجل ومنتهى، وَالله يعلم السر وأخفى، وَلَا تخفى عَلَيهِ الآخِرَة وَالأولَى. ) ( إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَمَاهِرْ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ، وَلَاتُطِعْ كُلَّ سَاحِرٍ وَكَافِرْ ) ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَوَاهِرْ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ، إِنَّ مُبْغِضَكَ رَجُلٌ كَافِرْ. )
ونقول : هذا كلام صنعه القصاصون فى العصر العباسى . لا نتصور أن رجلا عربيا يقوله ليجعل الناس تؤمن به ، ويزعم أنه وحى إلاهى كالقرآن الكريم . لقد تحدّى الله جل وعلا العرب أن يؤتوا بسورة واحدة من القرآن فعجزوا . ومسيلمة يعرف هذا ، فكيف له وهو يريد أن يجتمع الناس حوله أن يقول لهم هذا الكلام الساقط ؟ سيكون هذا أكبر دليل على كذبه .
2 ـ رواية تحالفه مع سجاح التى زعمت النبوة . يزعمون أنه أغراها بالزواج فأسرعت بالقبول . والرواية وضيعة وهابطة ومن نوعية الروايات ( البورنو ) ، ونضطر لذكرها : ( وقد ضرب لها قبة وخمرها لتذكر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها، فقالت له: ما أوحى إليك ربك؟ فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمةً تسعى، بين سفاق وحشىً قالت: وماذا أيضاً؟ قال: إن الله خلق النساء أفراجاً، وجعل الرجال لهن أزواجاً، فتولج فيهن قعساً إيلاجاً، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجاً، فينتجن لنا سخالاً إنتاجاً. قالت: أشهد أنك نبي. قال: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. قال:
ألا قومي إلى النيك ** فقد هيي لك المضجع
فإن شئت ففي البيت ** وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك ** وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه ** وإن شئت به أجمع
قالت: بل به أجمع فإنه أجمع للشمل. قال: بذلك أوحي إلي. ) . هل كان الراوى ـ فى العصر العباسى ـ شاهدا عليهما ؟ العادة أن القصاصين يستميلون السامعين بأقاصص الجنس والأشعار .
ثانيا
محمد عليه السلام ومسيلمة " الكذاب "
بعيدا عن الأكاذيب نسال :
1 ـ هل لو إرتد مسيلمة فى عهد النبى محمد عليه السلام ، ماذا كان سيفعل معه ؟ سيحزن فقط . وكان يحزن عندما يرتد بعضهم وينزل عليه الوحى ينهاه عن الحزن ( آل عمران 176 ) ( المائدة 41 ) ( لقمان 23 ).
2 ـ هل كان النبى محمد عليه السلام سيرسل جيشا لاكراه مسيلمة وغيره فى الدين ؟ هذا مستحيل . قال له ربه جل وعلا : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس ) وأنزلها حكما أساسا ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) (256)البقرة ). ثم إن القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وعندما يتوقف العدوان يتوقف القتال الدفاعى ، ورد العدوان هو بالمثل قصاصا دون تجاوز ( 190 : 194 البقرة ) .
4 ـ إذن كيف كان سيتصرف النبى محمد عليه السلام مع من يخرج عن الاسلام ويظل فى حاله لا يعتدى على الدولة الاسلامية ؟ كان النبى سيتعامل معهم بالبرّ والقسط . قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة )
ثالثا
أبو بكر ومسيلمة
لو كان مسيلمة يلبس حذاءا فإن حذاءه أشرف من أبى بكر . مسيلمة لم يهاجم المدينة . رفض هيمنة قريش ، ولأن أبا بكر يعتبر العرب ملكية خالصة له ولقومه قريش فقد حاربهم ليكونوا رعيّته . رفض مسيلمة أن يكون رعية مملوكة لآبى بكر فحارب دفاعا عن أرضه وقومه . هنا بطل يدافع عن شرفه وشرف قومه ، وفى المقابل ( مجرم ) يعتدى ، يقتل ويحرّق ويسلب وينهب ويسبى النساء . لا يمكن أن نساوى بين البطل الشريف والمجرم الأثيم . قد يقال : ولكن مسيلمة زعم النبوة . ونقول من أعطى أبا بكر الحق فى أن يقيم يوما للدين والحساب قبل يوم الدين والحساب ؟ إن أبا بكر بهذا جعل نفسه إلاها . ونتذكر قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) النساء ) ( وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) الأنعام ) ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ ) (48) الشورى ). ثم هناك الأخطر ، فأبو بكر جعل عدوانه هذا دينا ، وهذا إعتداء على الرحمن جل وعلا . وابو بكر هو إمام لكل من يستخدم الدين فى الاعتداء .
رابعا :
مسيلمة وزعم النبوة
دعنا نتفق على أن مسيلمة قد زعم النبوة . وتلك خطيئته الكبرى .. ولكنه :
1 ـ زعم النبوة ولم يجحد نبوة محمد عليه السلام .
2 ـ زعم النبوة ولم يطعن فى شخص النبى محمد عليه السلام . فى العصر العباسى تكفلت الأحاديث فى الطعن فى النبى محمد وتشويهه ، وقد عرضنا لطرف من ذلك فى كتابنا ( القرآن وكفى ) ، عن مفتريات البخارى عن النبى . الفارق هنا أن مسيلمة الذى لم يطعن فى النبى جعلوه كذابا ، أما البخارى فقد جعلوه إلاها .!!
3 ـ زعم النبوة ولم يزعم الألوهية . زعم الألوهية عادة سيئة فى أديان المحمديين الأرضية الثلاثة . والاستشهادات موثقة فى كتبهم ، ولا ينكرها أحد . وإذا كان ممكنا أن نشكّك فى أن مسيلمة زعم النبوة لأن ذلك غير موثق فى كتاب كتبه مسيلمة فإن أئمة المحمديين كتبوا آلاف المجلدات فى تأليه أئمتهم . منها سريعا :
3 / 1 : الخليفة المعتدل المعز الفاطمي هو الذي مدحه الشاعر ابن هانيء الاندلسي بقصيدة أولها:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القــهار
3 / 2 : أبو حامد الغزالى جعلوه ( حُجّة الاسلام ) وقالوا عن كتابه ( إحياء علوم الدين ) : ( كاد الإحياء أن يكون قرآنا ). يقول الغزالى فى كتابه هذا : ( حكي أبو تراب النخشبي أنه كان معجبا ببعض المريدين .. فقال له أبو تراب مرة : لو رأيت أبا يزيد ؟ ( البسطامي ) فقل : إني عنه مشغول ، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد ، فقال : ويحك ، ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد ، قال : أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت : ويلك تغتر بالله عز وجل ، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة ،)
3 / 3 : فى ( طبقات الشرنوبى ) فى مناقب الولى الصوفى المصرى ابراهيم الدسوقى قوله عن نفسه : ( من كراماتنا: قال لي ربي أنت من نوريتي يا إبراهيم ... وأني لما وردت علي النيران هربت خوفا مني فرفصتها برجلي فصارت رمادا وصرخت عليها فغلقت أبوابها السبع ، تكرم ربي عليّ أنا وأتباعي بدخولهم الجنة كرامة لأجلي ، أني سددت أبواب جهنم السبع بفوطتى وفتحتها لأعدائي وأدخلتهم فيها ، أني فتحت أبواب الجنة الثمانية بيدي وأدخلت أمة محمد صلي الله عليه وسلم فيها .. أن صنج الميزان بيدي أصير حسنات مريدي أثقل من سيئاته ومسيت عليها ببيدي فصارت سيئات المنكرين عليً أثقل من حسناتهم ولو كانوا مطيعين.. أنه إذا دعاني مريدي أجبته ولو خلف قاف .. أني أدخل أتباعي يوم الحشر أعلا مرتبة من أتباع غيري .. لا يفرغ أجل مؤمن حتي نعرف فروغ أجله ولا يموت أحد في ليل أو نهار حتي تأتيني روحه إن شئت رددتها إليه وإن كان فرغ أجله أجمعها من حينئذ فيموت .. أنه أذن لي ربي أن أتكلم وأقول أنا الله فقال لي قل أنا الله ولا تبالي ..أنه إذا وفت الدنيا ميعادها ثم نفخ اسرافيل في الصور فلا ينفخ إلا بإذني .. وفكيت طلاسم سورة نوح فأدخلت قومه النار وقلت هذا جزاء القوم الكافرين فقالوا لي من أنت قلت لهم أنا إبراهيم.. ) .
أخيرا
1 ـ جعلوا مسيلمة كذابا لأنه ـ فيما قالوا عنه ـ زعم النبوة . أما اشد البشر كفرا من أبى بكر الى الغزالى وابراهيم الدسوقى وغيرهم فهم آلهة .
2 ـ أين حُمرة الخجل ؟
اجمالي القراءات
4467
هل تقصد بأديان المحمديين الثلاثة السنة والشيعة والمتصوفة؟