ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى) :
ف 7 : المرأة العاملة فى رؤية قرآنية موجزة
آحمد صبحي منصور
Ýí
2022-06-07
ف 7 : المرأة العاملة فى رؤية قرآنية موجزة
ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 7 : المرأة العاملة فى رؤية قرآنية موجزة
حديث القرآن عن المرأة العاملة :ــ
فى قصة آدم وحواء
1 ــ في قصة آدم وزوجه في الجنة التي كررها القرآن كانت الثمرات قريبة التناول حيث لا تعب ولا كدح في سبيل لقمة العيش ، ومع ذلك كانا يتجولان معاً بين أشجار الجنة ، لم تجلس حواء في انتظار آدم وهو يأتي لها حاملا الفاكهة ، وإنما كانت تتجول معه وهما يحملان معاً الأوامر الإلهية : ( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ ) (الأعراف : 19 )، أي كان الخطاب لهما معا بالسكن والتجول في الجنة حيث شاءا ، وبالنهي عن الاقتراب من الشجرة المحرمة ، وحدث ان أكلا معا ، وتجولا معاً ، ثم خدعهما الشيطان فأكلا معاً من الشجرة ، وهبطا معا إلى الأرض ..
2 ـ إن العمل يعنى المسئولية ، وكان عمل حواء (مثلها مثل آدم) منحصراً في التجول والحصول السهل على الطعام ، وكانت مسئوليتهما منحصرة فقط في الابتعاد عن الشجرة المحرمة ، وقد قاما معاً بالعمل ، وارتكبا معا الأكل من الشجرة المحرمة ، ودفعا معاً ثمن هذه الوجبة المحرمة ، ودفعناها نحن معهما ، لذلك قال تعالى لهما ولنا أيضا : ( اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ( البقرة :36 )، وخرجنا نحن من تجربتهما ان لحواء عملا ومسئولية مع آدم اشتركا فيها وتحملا معاً نتيجتها..
3 ــ إلا إن هبوطهما إلى الأرض اوجد واقعاً جديداً اختلف عن الجنة التي كانا فيها ، فالأرض تعني العمل والتعب والكفاح واستنطاق موارد الطبيعة بكل الحيل والفنون ، وذلك كله يعني كلمة واحدة هي (الشقاء)، وقد جاء هذا تحذيرا لآدم وحواء من قبل : ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) طه). فى الأرض عايش آدم وزوجه وأبناؤهما الشقاء . والنسبة الكبرى من هذا الشقاء يقع على عاتق الذكور ، فالمرأة فى شقاء الحمل والولادة تحتاج الى رعاية ، والرجال هم المؤهلون ــ أكثر ــ جسدياً لذلك الشقاء ، وهو المؤهل نفسيا ليتحمل عن الأنثى الجوع والعُـري و"البهدلة" وهو يفعل ذلك بغريزته ، مثلما تندفع نحوه "حواء" بغريزتها تطلب الحماية والحنان ، ومثلما تهتف باسمه إذا حلّ الظلام فيسرع إليها ليحتويها بين جوانحه لأنها مستودع الخلود الدنيوي امامه ، ففي داخلها ــ في القرار المكين ــ تنمو ذريته وتخرج من أحشائها إلى احضانها لتستمر رحلة الحياة ، وهذا هو العمل العظيم والدور الخالد لحواء في هذه الدنيا ، والذي تأهلت له نفسياً وتحوّرت لأجله جسدياً ، والذي إن أبعدتها عنه طموحات الحياة الحديثة عاشت شيخوخة تعسة باردة وشقية ، بدون ذرية يؤوونها ويحيطونها بالرعاية والحنان في أواخر العمر .
4 ــ ونتدبر قوله جل وعلا لآدم وهو في الجنة عن الشيطان : ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) طه)،ونلاحظ أن الخطاب جاء لآدم وحواء في كلمة " يُخْرِجَنَّكُمَا" أي أن التحذير جاء لهما معاً ، اما عاقبة العصيان وهي الشقاء وملحقاته فقد جاءت بصيغة المفرد وتخص آدم وحده ، فهو الذي ان خرج من الجنة سيشقى وسيجوع ويعرى ويظمأ ويتعب أي انه الذي سيكدح في شقاء "لذيذ" حتى يوفر لحبيبة القلب كل متطلباتها ما استطاع ، وهي قصة الرجل وما تزال ..
عمل المرأة فى القصص القرآنى
لا يؤخذ التشريع من القصص القرآنى ، ولكن يكون فيه دليل إستئناس . التشريع القرآنى يأتى بالأمر والنهى ، والمحرمات فيه إستثناءات ، وكذلك المفروض الواجب . وما بين الحرام والفرض مساحة واسعة هى الأغلب ، وهى المباح الحلال . ولم يأت في تشريعات القرآن ما يمنع عمل المرأة او يحرمه ، وإنما ورد في القصص القرآني ما يؤيده .
فى قصة موسى
1 ـ استدعت الضرورة في قصة موسى إلى أن تقوم المرأة بأعمال بعضها من صميم اختصاصاتها ، والبعض الاخر من اختصاص الرجل عند عجز الرجل. لقد جاء الأمر الإلهي لأم موسى بأن تضع وليدها في تابوت وأن تلقى التابوت في النيل ، وحيث أن القرآن لم يذكر أي إشارة لوالد موسى فالمنتظر أن تقوم ام موسى واخته بصنع ذلك التابوت ، والمنتظر أن يصنعا التابوت سراً في المنزل ، وكانت صناعة السلال والتوابيت من الصناعات المنزلية اليدوية في مصر القديمة ، تقوم بها المرأة . ووصل التابوت إلى قصر فرعون المطل على النيل ، ومن الطبيعي أن يد فرعون لم تكن هي التي امتدت لتلتقط التابوت بمن فيه ، وإنما المفهوم ان هناك من حمل التابوت للقصر ، ثم حملت جواري القصر الطفل إلى زوجة فرعون ليصبح قرة عين لها ، فتطلب من فرعون ألا يقتله . واحتاج الطفل إلى الرضاعة ، وتظهر هنا وظيفة أنثوية أخرى وهي الرضاعة بأجر ، ويرفض الطفل المرضعات ليعود على صدر أمه الحقيقية ، وكانت أخت موسى هى التى تتبعه فى التابوت ، ثم أخباره فى القصر ، ومن الطبيعى أن تتسقّط أخباره من جوارى القصر الفرعونى . إذن تعطي لنا قصة موسى في هذه المرحلة نماذج لأعمال تتفق وطبيعة المرأة من أعمال البيت والصناعات المنزلية على الوصيفة والمرضعة بأجر ، ومن تشريعات الاسلام قوله سبحانه وتعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ )(البقرة : 233 )، أي يجوز استئجار مرضعة لإرضاع الوليد ..
2 ـ ونقرأ في قصة موسى عملا آخر للمرأة اضطرت للقيام به عند عجز الرجل وقعوده في البيت بسبب الشيخوخة ، هذا العمل هو رعي الماشية وسقايتها ، إذ ان موسى حين ورد ماء مدين وجد الرعاة يتزاحمون على البئر ، ووجد فتاتين لا تجدان مكانا لهما وسط الزحام ، ويمنعهما الحياء من مزاحمة الرجال فتمنعان ماشيتهما من الاختلاط بمواشي الرعاة ، وأبوهما الرجل العجوز الصالح قد ربّاهما على حُسن الخلق ، وذلك الرجل الصالح لم ير في خروج ابنتيه للعمل الشاق مع الرجال الأغراب عيباً بعد ان اطمأن لحسن اخلاقهما . وتلك المعاني كانت بالطبع غائبة عن موسى الذي رأى الفتاتين وحياءهما فتقدم بدافع الشهامة والرجولة لمساعدتهما ، وسألهما : ( ما خطبكما ).؟ قالتا : ( لا نسقى حتى يصدر الرعاةُ وأبونا شيخ كبير) ، ونفهم من قولهما لموسى أن أباهما شيخ كبير نوعاً من طلب المساعدة من ذلك الرجل الغريب الذي تقدم لهما بدافع الشهامة ، وربما قالتا ذلك على سبيل التعليل لخروجهما وحدهما مع الرعاة الرجال وابتعادهما عن مركز الازدحام والتعارك ، فلو كان أبوهما قويا او كان لهما أخ فتى لكفاهما مشقة التعرض لعمل شاق لا يقدر عليه إلا الرجال . ومهما يكن فهذا الموقف في حد ذاته يعتبر دليلاً نستأنس به على جواز عمل المرأة في الأعمال الشاقة للرجال إذا كانت هناك ضرورة تستدعى ذلك .، مع التذكير بأن الأساس أنه لا تحريم لعمل المرأة فى أى مجال طالما لا يكون فيه ظلم ولا فاحشة ..
3 ـ ونعود لقصة موسى ، إذ وجد الرجل الصالح بُغيته في موسى ، فلم تعد هناك حاجة لعمل الفتاتين ، بعد ان قام به موسى وحده ، ودفع صداقا لإحدى الفتاتين ان يعمل أجيراً لدى الشيخ الصالح ، وتزوج موسى فتاة عاملة ، قامت بالعمل مع اختها لرعاية أبيها في شيخوخته ، وأعطت لنا مع اختها صورة للفتاة العاملة النبيلة العفيفة الراقية المتحضرة المتمتعة بالوعي والثقافة وحُسن التصرف ، ومن السياق القرآني نعرف ذلك ، فإحداهن قالت لأبيها : " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ، إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ " ولو كانت حبيسة بيتها لما كانت لها هذه الفراسة في فهم الرجال ، لأن وصفها لموسى كان حقيقياً ، مع أنها كانت المرة الأولى التي يتعاملان فيها معه .
أخيرا
1 ـ عمل المرأة مباح شرعا ، ولا سبيل اى تحريمه طالما كان عملا شريفا . فعمل الإجرام والمعاصى هو حرام على الرجل والمرأة ، مثل الدعارة واخذ الرشوة والظلم والافتراء ..الخ.
2 ــ ان هناك من الأعمال ما يشق على المرأة تأديته بحكم تكوينها الجسدي والنفسي ، وقد تضطر لتأديته في حالات استثنائية ، وهناك من الأعمال ما تنفرد به المرأة ، ثم هناك الجانب الأكبر من الأعمال التي يقوم بها الرجال والنساء على قدر المساواة ، وتكون امام الجميع الفرصة المتساوية والمتكافئة للتنافس والتفوق ، وفي كل الأحوال فالأصل هو مشروعية العمل للمرأة خارج بيتها ، والمطلوب هو تشريعات تُسهّل على المرأة العاملة فى أثناء حملها ورضاعتها ورعاية وليدها . إذ أن الأصل هو بناء أسرة وتنشئة جيل صالح يحمل الأمة الى مستقبل أفضل.
اجمالي القراءات
2666