نقد خطبة المؤمن بين الإخلاص والرياء
نقد خطبة المؤمن بين الإخلاص والرياء
الخطيب خالد الراشد وهى تدور حول الإخلاص والرياء وقد استهلها ببيان أن الإخلاص هو حقيقة الدين فقال :
"عباد الله ..
إن الإخلاص هو حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة المرسلين .. قال سبحانه : { و من أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } ."
وهذا خطأ فالإخلاص ليس حقيقة الدين وإنما حقيقة تدين المسلم فهو حقيقة نفسية ولا علاقة بالإسلام كنصوص ثم ذكر الأحاديث التالية:
"وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم "
والحديث لا يصح فالله ليس من الشركاء حتى يقال أغنى الشركاء لقوله تعالى :
"لا شريك له"
ثم ذكر الحديث :
وقال (ص): ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة ـ يعني ريحها ـ يوم القيامة ) رواه أبو دواد والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا "
والحديث لا يصح فالعلوم التى يأمر بها الإسلام منها علوم دنيوية يبتغى بها الرزق كالفلاحة والحرف المختلفة والرزق من متاع الدنيا
ثم عرف الراشد الإخلاص فقال :
"أحبتي ..قد يقول قائل ما هو الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة وفي استعمال السلف الصالح رحمهم الله ..
فأقول : لقد تنوعت تعاريف العلماء للإخلاص ، ولكنها تصب في معين واحد
ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في سكناته وحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بها شيئا من حطام الدنيا أو ثناء الناس
قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ سألته عن النية في العمل ، قلت : كيف النية ، قال : يعالج نفسه إذا أراد عملا لا يريد به الناس ..أن يعالج نفسه فإذا أراد عملا لا يريد به إلا وجه الله تبارك تعالى ..
قال أحد العلماء : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا "
والإخلاص ببساطة هو أن يكون هدف أى عمل رضا الله وتحدث عن فوائد الإخلاص فقال :
"عباد الله ..
إن شأن الإخلاص.. إن شأن الإخلاص مع العبادات بل مع جميع الأعمال ، حتى المباحة لعجيب جدا ..
فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير ، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئا ، ورب درهم سبق مئة ألف درهم ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والنوع الواحد من العمل ... والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة .."
ثم ذكر حديث البطاقة
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنه النسائي وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله (ص): ( يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة .. يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيقال : أفلك عذر أو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل : لا يا ربي ، فيقال : بلى .إن لك عندنا حسنة ..إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا ربي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة ، وما تصنع مع هذه السجلات من الذنوب ! ، فيقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ) صححه االذهبي"
والخطأ الأول هو أن الشهادة تنجى صاحبها وإن عمل ذنوبا كثيرة ويخالف هذا أن فرعون شهد الشهادة مع كثرة ذنوبه ومع هذا أدخل النار مصداق لقوله تعالى "فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أن لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "
والخطأ الثانى وجود99 سجل للإنسان وهو يخالف أن له سجل أى كتاب واحد لقوله بسورة الإسراء "ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا "وهو يناقض قولهم "يخرج لأبن آدم يوم القيامة 3 دواوين"رواه البزار فهنا 3 سجلات وفى القول 99 وهو تناقض0
ونقل قول ابن القيم فقال :
"قال ابن القيم: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة ، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض .
قال : ومن تأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ، ويقابلها تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر تثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب صاحبها ..
ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه لقلة إخلاصه في توحيده لربه تبارك وتعالى "
وما ذكره ابن القيم خطأ فالأعمال تتفاضل حسب النصوص الإلهية وليس حسب ما فى القلب كما قال تعالى فى تفضيل الجهاد:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم ذكر روايات أخرى فقال :
"ومن هذا أيضا : حديث الرجل الذي سقى الكلب .. وفي رواية بغي من بغايا بني إسرائيل ـ زانية ـ فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد بلغ مني ، فنزل البئر فملا خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ) ، قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ، فقال : ( في كل كبد رطبة أجر ) متفق عليه .
وفي رواية البخاري ( فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة ).
قد ترى أن العمل بسيط ، لكن خالط من العمل الإخلاص الشيء الكثير "
والإخلاص قيمته فى العمل هو قبوله وعدم الإخلاص معناه عمل القلوب فهو لا يؤثر فى زيادة الأجر أو نقصه لأن النتيجة هى قبول أو عدم قبول
ثم ذكر الروايات الآتية:
"ومن هذا أيضا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي (ص)قال : ( لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) ، وفي رواية : ( مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحين هذا .. والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة ) .."
والروايتان متعارضتان فالأولى تتحدث عن قطع شجرة والثانية تنحية الشجرة والأولى تعنى أنها ذنب والثانى تعنى أنها حسنة ومن ثم لا يمكن أن تكون الأولى صحيحة
وكرر الرجل نفس معنى أن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال وهو معنى خاطىء كما سبق القول فالأعمال تتفاضل حسب نصوص الوحى فقال:
"بعمل بسيط أخلصه لله رب العالمين كان سببا في دخوله الجنة
قال شيخ الإسلام معلقا على هذا الحديث ـ حديث البغي التي سقت الكلب ـ ، وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق .. قال: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر الله لها ، وإلا فليست كل بغي سقت كلبا يغفر لها .
فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال ..
إنه سر الإخلاص الذي أودعه الله قلوب عباده الصادقين.."
والغريب أن نفى وجود أجر بسبب عدم الإخلاص معارضا حكاية تفاضل الأعمال بما فى القلوب فهو ليس تفاضل وإنما قبول وعدمه فقال :
"عباد الله ..
وفي المقابل نجد أن أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله لا قيمة لها ولا ثواب لها عليها ، بل صاحبها معرض للوعيد الشديد ، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير ، والقتال ، بل وطلب العلم الشرعي ، كما جاء في حديث أبو هريرة قال : سمعت رسول الله (ص)يقول : ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟! قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال : كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جرئ و لقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ..
وآخر تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن . فأتي به فعرفه الله بنعمته عليه فعرفها ، قال : فما عملت ؟! قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت .ولكن تعلمت ليقال عالم و قارئ و قد قيل ، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه في النار فيلقى فيها والعياذ بالله.
وآخر وسع الله عليه وأعطاه من صنوف المال. فأتي به فعرفه الله نعمه عليه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ، ألا أنفقت فيها ؟!، قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها لك إلا أنفقت فيه ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال جواد وقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار )
إنه الإخلاص الذي يجعل للأعمال قيمة عند الله تبارك وتعالى ، فلا إنفاق، ولا استشهاد ، ولا قراءة قرآن ... إلا بالإخلاص لله رب العالمين"
والحديث لم يقله النبى(ص) والخطأ هو أن أول المحاسبين هم الشهيد والعالم والغنى المرائين ويخالف هذا كون الحساب جماعة حيث يقسم الناس لفريقين فريق فى الجنة وفريق فى النار كما أن الله لا يسأل أحد عن ذنبه يوم القيامة مصداق لقوله تعالى:
"فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان "ويناقض قولهم "أول ما يقضى الله يوم القيامة فى الدماء "رواه ابن ماجة فهنا أول ما يقضى هو الدماء وفى القول الشهيد المرائى
وحدثنا عن حرمة الرياء فنقل حكايات وأقوالا فقال:
"عباد الله ..
من أجل ذلك فقد كان سلفنا الصالح من أشد الناس خوفا على أعمالهم من أن يخالطها الرياء أو تشوبها شائبة الشرك فكانوا رحمهم الله يجاهدون أنفسهم في أعمالهم وأقوالهم كي تكون خالصة لوجه الله تبارك وتعالى ولذلك لما حدث يزيد بن هارون بحديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ) والإمام أحمد جالس ، فقال الإمام أحمد ليزيد : يا أبا خالد : هذا والله هو الخناق ..هذا والله هو الخناق أن تجعل عملك خالصا لوجه الله تبارك وتعالى.
وقال سفيان الثوري : ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي في كل حين .
وقال يوسف بن أسباط : تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
وقال بعض السلف : من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسن نيته حتى باللقمة يأكلها
قال سهل بن عبدالله التستري : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .
وقال ابن عيينة : كان من دعاء المطرف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك ، فخالط قلبي منه ما قد علمت .
وهذا خالد بن معدان رحمه الله إذا عظمت حلقته من الطلاب ، قام خوف الشهرة والرياء.
وهذا محمد بن المنكدر يقول : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت على طاعة الله.
وهذا أيوب السختياني كان يقوم الليل كله فإذا جاء الصباح رفع صوته كأنه قد استيقظ من حينه .
وكان إذا حدث بحديث النبي (ص)يشتد عليه البكاء وهو في حلقته ، فكان يشد العمامة على عينه ويقول : ما أشد الزكام.. ما أشد الزكام..
وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحديث عجيب حصل لأيوب وقد عاهده ألا يخبر إلا أن يموت أيوب ـ إذ لا رياء يومئذ ـ ، قال عبدالواحد : كنت مع أيوب فعطشنا عطشا شديدا حتى كدنا نهلك ، فقال أيوب : تستر علي ، قلت : نعم إلا أن تموت، قال : عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حراء فتفجر منه الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
كانت بينهم وبين الله أسرار لو أقسم منهم على الله أحد لأبره إلا لإخلاصهم وصدقهم مع الله تبارك وتعالى .
وقال أبو حازم :لا يحسن عبد فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد ، ولا يعور ما بينه وبين الله إلا أعور الله ما بينه وبين العباد ، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.
هذا داود ابن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله .. كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به ، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به ، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله ... أربعين سنة وهم لا يدرون بصيامه وكان يقوم الليل أكثر من عشرين سنة ولم تعلم به زوجته ."
وهذه الحكايات بعضها لا يمكن تصديقه كحكاية الأربعين والعشرين سنة لم يدروا بما يفعله
وحدثنا عن تربية النفس على الإخلاص فقال :
"سبحان الله..انظر كيف ربوا أنفسهم على الإخلاص وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة.. فهذه زوجته تضاجعه وينام معها ، ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به وبقيامه ..
أي إخفاء للعمل كهذا ! ، وأي إخلاص كهذا !، وأي أسرار كانت بينهم وبين الله !.
فأين بعض المسلمين اليوم ؟! أين بعض المسلمين اليوم الذي يحدث جميع أعماله ، ولربما قام ليلة من الدهر لعلم به الأقارب والجيران والأصدقاء ..
ولو تصدق بصدقة أو أهدى هدية أو تبرع بمال أو xxxx أو غير ذلك لعلمت الأمة في شرقها وغربها.
إني لأعجب من هؤلاء! أهم أكمل إيمانا وأقوى إخلاصا من هؤلاء السلف ، بحيث أن السلف يخفون أعمالهم لضعف إيمانهم وهؤلاء يظهرونها لكمال الإيمان ..
عجبا ثم عجبا ..."
وبعد ذلك أوصى الرجل الناس بالحرص على تربية أنفسهم على الإخلاص وعدم الرياء فقال:
"أوصيك أيها الغالي ..
إذا أردت أن يحبك الله ، وأن تنال رضاه فما عليك إلا بصدقات مخفية لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك فضلا أن يعلمه الناس .
وما عليك إلا بركعات إمامها الخشوع ، وقائدها الإخلاص تركعها في ظلمات الليل بحيث لا يراك إلا الله ، ولا يعلم بك أحد ..
فلما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الأجر ما الله به عليم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }
إن تربية النفس على مثل هذه الأعمال لهو أبعد لها عن الرياء وأكمل لها في الإخلاص.
وقد كان محمد بن سيرين يضحك في النهار حتى تدمع عينه ، فإذا جاء الليل قطعه بالبكاء والصلاة .. ومن خير الناس ( بسام بالنهار بكاء في الليل )
الإخلاص سر بين العبد وبين ربه لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده .
اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا واجعلها خالصة لوجهك ثوابا على سنة رسولك
آمين يا رب العالمين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم"
وتحدث عن ما يحجب الإخلاص من الأسباب فقال :
"اتقوا الله عباد الله ..
ومن تقواه إخلاص العبودية لله رب العالمين..
اعلموا أن الإخلاص ينافيه عدة أمور. من حب الدنيا ، والشهرة ، والشرف ، والرياء ،والسمعة ، والعجب ."
والحقيقة أن الأسباب التى ذكرها لا تحجب الإخلاص لأنه عملية قلبية ومن ثم فما يعارضه هو مشيئة الإنسان عدم الإخلاص
وعرف الرياء فقال :
"والرياء : هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها...فهو يقصد التعظيم والرغبة أوالرهبة فيمن يرائيه.
وأما السمعة : فهي العمل لأجل إسماع الناس.
وأما العجب : فهو قرين الرياء ، والعجب : أن يعجب الإنسان بعبادته ، ويرى نفسه بعين الإعجاب ..
وكل هذه من مهلكات الأعمال"
والحق أن ليس كل إظهار للعمل رياء بدليل أن الله أباح النفقة فى السر وفى العلن فقال:
"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية"
فالعطاء فى العلن قد يكون عملا مخلصا وكذلك هناك أعمال لا يمكن أن تكون إلا فى العلن كصلاة يوم الجمعة والجهاد فالقتال لا يكون فى السر والزواج والطلاق
وتحدث عما سماه الرياء الخفى فقال :
"وهناك أحبتي مسالك دقيقة جدا من مسالك الرياء يوقع الشيطان فيها العبد المؤمن من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر..
سأذكر بعضا منها .. سأذكر بعضا منها وإلا فالحديث طويل جدا عن الرياء والعجب، ولكن حسبي أن أورد لك ثلاثة من تلك المسالك الدقيقة للرياء ، وهذه المسالك غالبا ما يقع فيها الصالحون إلا من رحم الله.
أما أولها :
فما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي ، قال : وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث لا يريد الإطلاع ، ولا يسر بظهور طاعته . ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدئوه بالسلام ، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء جوائحه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له في المكان .. فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ووجد لذلك استبعادا في نفسه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يفعلها ..كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي يعملها.. أخفاها عن الناس ولكنه أراد ثوابها توقيرا واحتراما من الناس وذلك أمر يوشك أن يقع فيه الكثير من الناس إلا من رحم الله.
أما ثانيها :
فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية ولا قصدا ، فيجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية .
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على تلك الآفة الخفية فكان مما قال:
حكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أنه من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ..قال : فأخلصت أربعين يوما فلم يتفجر شيء .. فأخلصت أربعين يوما فلم يتفجر شيء ، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي : إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تبارك وتعالى .. إنما أخلصت لتتفجر الحكمة بين يديك وعلى لسانك ولم تخلص لله رب العالمين."
والخطأ مخالفة الحديث للأجر فى القرآن وهو فى الحديث تفجر ينابيع الحكمة والأجور فى القرآن هى عشر حسنات للعمل الصالح غير المالى مصداق لقوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "و700أو 1400للعمل المالى مصداق لقوله تعالى "مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء "
وحدث عن بعض الأعمال التى يعملها الناس وليست بإخلاص فقال :
"وهذا مسلك خطير كما سمعت وقليل من يتفطن له والأمثلة عليه كثيرة من الواقع .. فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات كصيام النوافل ، وقيام الليل ،وكثرة الصلاة ، والخشوع .. وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيوفق في اختباره ، أو سيفوز بوظيفة ما ..فهذا إنما أخلص للإختبارات والوظيفة ، وما أخلص لله رب العالمين .
ومن ذلك أيضا أن يذهب بعض الناس إلى المسجد ماشيا ، أو يحج كل سنة ، أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة..إنما أراد أن ينشط جسمه ، وما أراد وجه الله تبارك وتعالى ."
وما قاله فيه خطأ فالأخذ بالأسباب ليس من ضمن الرياء كمن زاد وزنه عن الحد المعقول فيذهب للوظيفة أو المسجد ماشيا كعلاج
وتحدث عن وجود نيات متعددة فقال :
"قال الحافظ بن رجب: فإن خالط نية الجهاد مثلا نية غير الرياء مثل أخذ أجرة للخدمة ، أو أخذ شيء من الغنيمة ، أو التجارة ، نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية ..
بل اجعل مشيك وحجك وجهادك عبادة خالصة لله تعالى .
وهذه الأشياء تحصل تبعا للإخلاص .. وهذه الأشياء تحصل تبعا للإخلاص الذي ينعقد في القلب.
أما ثالث هذه المسالك الدقيقة :
وهو ما أشار إليه الحافظ بن رجب بقوله : ها هنا نكتة دقيقة وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس.. أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه ، فيرتفع بذلك عندهم ويسقط من عين الله .. فيرتفع عند الناس ويسقط من عين الله ، فيمدحونه وهو ساقط من عين الله.
وهذا من دقائق أبواب الرياء ، وقد نبه عليه السلف الصالح ..( يأتي أقوام يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباء منثورا ) { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا }"
وأنهى الرجل خطبه بالدعاء فقال :
"اللهم اجعل عملنا في رضاك خالصا لوجهك الكريم
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا ونحن نعلمه ونستغفرك اللهم مما لا نعلم.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ..
اللهم حبب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان
اجعلنا يا ربنا من الراشدين وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه....."
اجمالي القراءات
2443