آحمد صبحي منصور Ýí 2019-12-03
الأسبوع الماضى أديت فريضة الحج فى أواخر الأشهر الحُرُم : رابعا :
1 ـ كان موعد السفر للحج هو العاشرة مساء الخميس 21 نوفمبر ، من مطار واشنطن الدولى ( دالاس ) بطائرة شركة يونايتيد الأمريكية الى ترانزيت فى مطار فرانكفورت ، ومنها الى مطار جدة بطائرة لوفيتهانزا ، لنصل اليوم التالى حوالى العاشرة مساءا . ثم المغادرة من جدة حوالى الساعة 2 صباح 28 نوفمبر الى فرانكفورت ومنها الى واشنطن الخميس 28 نوفمبر.
2 ـ حجز لى ابنى حسام مقعدا متحركا يستعمله المرضى والعاجزون عن السير فى الطرقات الطويلة فى المطارات . هناك نوعان : كرسى متحرك يدفعه شخص ، وهناك سيارات خاصة تنقل الأشخاص بأمتعتهم بمجرد دخولهم المطار ، كما فى مطار فرانكفورت . مطار العاصمة الأمريكية الدولى متخلّف فى هذه الناحية . يتعين على المريض مثلى أن يسير على قدميه ومعه حقائبه حوالى كيلومتر الى أن يصل الى منفذ شركة الطيران التى حجز فيها . وهناك بعد تسليم الحقائب ينتظر الى أن يأتيه شخص بالمقعد المتحرك يسير به الى البوابة المخصصة لطائرته . الكرسى المتحرك ضرورى بالنسبة لى ، ليس فقط فى تخفيف عناء المشى أميالا داخل المطار وبواباته وطوابقه ، ولكن أيضا لأن إجراءات التفتيش والجوازات تجعل الأولوية للمعاقين راكبى هذه الكراسى .
3 ـ كان مقررا أن نسافر أنا وأم محمد ومعنا ابنى الأمير من واشنطن، ونتقابل مع ابنى حسام فى ترانزيت فرانكفورت ، لأنه سيسافر من لوس انجلوس حيث يعمل . أوصلنا ابنى محمد وسار معنا أنا وأم محمد وأمير لتسهيلات الحقائب ، وأخذ الأمير جواز سفرى وسبقوا جميعا بالحقائب الكثيرة الى حيث توجد منافذ شركة يونايتيد . كنت أسير بعدهم بنفسى لاهثا متكئا على عصاى ، وحدث أن سقطت العصا فكانت رحلة مضنية فى الانحناء لإلتقاطها ،هاجمتنى فيها آلام الظهر . وصلت وقلبى يخفق ، وجلست أنتظر إنهاء الحصول على التذكرة باستعمال جواز السفر وإنهاء تسجيل الحقائب ، والأهم وصول من يدفع بى الكرسى المتحرك الى حيث ننتظر ركوب الطائرة . أشعر بحرج شديد فى الجلوس على مقعد متحرك ، لأن علامات الشيخوخة ليست واضحة عندى تبرر إستعمال هذا الكرسى ، خصوصا وأنا أرى الأمريكيين الأكبر منى سنا وهم يسيرون بنشاط يدفعون حقائبهم . يزيد الحرج مع حظى التعس حين يكون الشخص الذى يدفع بى الكرسى إمرأة أو رجل عجوز مثلى ، لا أرى إن هذا يليق بى ، ولكنه الإضطرار . لهم بقشيش بطبيعة الحال ، ولكن هذا لا ينفى الحرج . فى هذه المرة كان الذى يدفع الكرسى بى عجوزا فى نفس سنّى ، سألته هل هو من باكستان فرد فى أنفة أنه من بنجلاديش . دفع بى الكرسى وهو يلهث ، وكان باديا عليه الإجهاد ، وكان يطلب من ابنى الأمير أن يعاونه ، وشعرت بالأسف من أجله وتمنيت فى لحظة سيريالية أن أهبط من الكرسى وأساعده .!!. كانت المعاناة التالية فى ركوب طائرة شركة يونايتيد الأمريكية . كنا فى درجة الفقراء ( الإقتصادية ) وعاقبتنا الشركة بمقاعد ضيقة يشكو منها الراكب الشاب النحيف فكيف بعجوز مريض بدين مثلى ؟
4 ـ تفصيلات المعاناة هذه مهمة لأنها مرتبطة بأعظم ما فى التشريع الاسلامى ، وهو التخفيف والتيسير ورفع الحرج . ليس فى الحج فقط فى هذه الرحلة بل فى الصلاة والطهارة أيضا . لله الحمد رب العالمين أننى طيلة حياتى ما أضعت فرضا من فروض الصلاة التى أوجبها رب العزة على المؤمنين كتابا موقوتا . أتيمم صعيدا ( أى مرتفعا ) طيبا بإسعمال مناديل ورقية أمسح بها الوجه واليدين ، التيمم بالتراب دليل التخلف العقلى فى تشريعات المحمديين ، فكيف يكون التراب الذى نسير عليه صعيدا طيبا ؟. لا عذر فى تضييع الصلاة فى أوقاتها حتى فى الحرب والمطاردة ( صلاة الخوف ) . أنا أصلى الصلاة فى وقتها بأى كيفية وأنا فى السيارة أو فى الطائرة ، وأحاول الخشوع ما إستطعت .
5 ـ هبطت بنا الطائرة اليونايتيد فى مطار فرانكفورت ، ووجدت فى إنتظارى رعاية لا أحلم بها ، شخص مرافق بسيارة يوصلنى الى مرافق آخر ، وركوب سيارة مريحة أميالا الى أن وصلت الى بوابة الطائرة المتجهة الى جدة . ومن حُسن الحظ أنها ليست يونايتيد بل لوفتهانزا. الفقراء أصحاب درجة الاقتصادية يتمتعون فيها بطرقات واسعة وكراسى مريحة . وإلتقينا بحسام فى مطار فرانكفورت .
6 ـ وصلنا معا الى مطار جدة فى اليوم التالى الجمعة 22 نوفمبر العاشرة مساءا . كان ينتظرنى الكرسى المتحرك ، وكنا نتظاهر بعدم القلق ، وقد إستعد حسام والأمير لابلاغ شقيقهم الشريف بأى شىء يحدث لنا ، وكان شريف وقتها فى أسبانيا يقضى أجازة عيد ميلاده الأربعين ، ومنتظر بالتليفون . لم يحدث شىء . فى الجوازات كنت فى المقعد المتحرك أمام فتاة منقبة سعودية تراجع جواز سفرى وطلبت بصماتى وإلتقاط صورة لى كالمعتاد ، وأنتهى الأمر ، وربما إبتسمت ( داخل النقاب ) وهى تشير لى مرحبة بدخول المملكة السعودية . تنفسنا ( الصعداء ) ، أى أنفاسا تصاعدت الى السماء .! ومن جدة الى مكة حرص حسام على أن يستأجر لنا سائقا سعوديا حتى نجتاز الحواجز بلا تعقيدات ، ولفت نظرى إتساع الطريق السريع وكثرة سيارات النقل ذوات المقطورة بما يدل على رواج . وكان حسام قد حجز لنا جناحا فى فندق ( أجنحة هيلتون جبل عمر ) ، يطل مباشرة على الحرم ، وأحد أبوابه يبتعد عن الحرم مسافة قصيرة، ومن شباك الغرفة نرى الحرم ونسمع الأذان والصلاة .
7 ـ كنا فى غاية الارهاق بعد سفر طويل وليلة بلا نوم ، ومع ذلك نزلنا سريعا لأرى الكعبة لأول مرة فى حياتى . إجتزنا ساحات مبلطة معبّدة غير مسقوفة بعدها ساحات مسقوفة ، وكلها تحيط بالحرم الذى تتوسطه الكعبة . ونبّه علينا حسام أن ندخل الحرم من باب الملك فهد رقم 73 حسبما أتذكر ، فهو المواجه للفندق إختصارا للطريق .
8 ـ من حُسن حظنا أنه لم يكن وقتها إزدحام فى الطواف . قلت لأم محمد وحسام وأمير ، نبدأ نية الإحرام والطواف . كانت لديهم معرفة سابقة بمناسك الحج الاسلامية ومعنى الإحرام . كانت معى عصاى أتوكأ عليها ، وطمأنت الأولاد أننى سأستطيع الطواف ، وأخذ كل منهما بعضدى يعيننى على السير ، وأمامى زوجتى وبدأنا الطواف ، أطوف وهم معى أقرأ آيات القرآن الكريم فى التسبيح والحمد والدعاء وهم يسمعون ، وكانت لحظات إيمانية رائعة . إنتهى الطواف وقررنا الإعتكاف الى صلاة الفجر . ومكثنا نقرأ القرآن ونصلى . أخذنى التعب وغلبتنى الحاجة للتبول فإصطحبنى الأولاد الى الفندق لأصلى الفجر فيه ، وصممت أم محمد على البقاء لتصلى الفجر فى الحرم . وهكذا كانت تفعل معظم الأيام ، أكرمها الله جل وعلا . كانت تتركنى بعد العشاء أو فى منتصف الليل لتذهب الى الإعتكاف فى الحرم ، واشعر بالقلق على سيرها وحدها ، فأتذكر الأمن والأضواء التى تحيل الليل نهارا والحركة المستمرة من الفندق الى الشارع الفاصل بينه وبين ساحات الحرم ، فأحمد الله جل وعلا .
9 ـ فى اليوم التالى عزمت على الراحة ، ولكن الأمير رأى ألّا نفوّت هذا اليوم بدون أداء بعض المناسك . وإقترح تأدية السعى بين الصفا والمروة . وطلبوا كرسيا متحركا من الفندق ، ونزلت به ليلا وهما يدفعانه ، وبمعونتهما تمكنت من السعى بين الصفا والمروة راكبا الكرسى . إستلزم هذا منهما جهدا كبيرا ، ليس فقط لطول المسافة ولكن أيضا للإرتفاع والإنخفاض فى الطريق .
10 ـ وهذا يحتم الإشادة بالتجهيزات التى أقامها آل سعود فى البيت الحرام وحوله . السعى بين الصفا والمروة جعلوا له طريقين متوازيين للمُشاة ، وبينهما طريقان متوازيان لمن يسعى راكبا الكرسى . الطواف حول الكعبة له طوابق تضاف الى الأصل حول الكعبة . قبل الدخول الى الحرم المكى هناك ساحات مسقوفة وغير مسقوفة تحيط به تتسع لعشرات الألوف من المصليين ، وبوابات للحرم المكى مرقمة ، وإشارات بالعربية والفارسية والانجليزية تيسّر الأمر على الحجّاج ، والمئات من الخدم والعسكر القائمين بالارشادات والتنظيم ، وآلاف من الكراسى الصغيرة التى يمكن إستعمالها عصا وفردها لتكون كرسيا . وكانت هذه الكراسى نعم الرفيق لى إذ لا أستطيع الجلوس على الأرض ولا أستطيع السجود فى الصلاة . ثم حواجز متحركة ليسهل التحكم فى أعداد الحاضرين حسب اللزوم ، ومنافذ لحنفيات الشرب من ماء زمزم،وآلاف النسخ من المصاحف متاحة للجميع . قضيت أوقاتا من الاعتكاف فى الحرم بين الصلاة والدعاء وقراءة القرآن حسبما إستطعت .
11 ـ فى اليوم التالى كان الوقوف بعرفة . كان لابنى حسام صديق مصرى ساعدنا فى كل شىء ، أكرمه الله جل وعلا . إصطحبنا بسيارته الى جبل عرفات ، وكان الطريق اليه مفتوحا ، ووصلنا الى الجبل ، وصعد الأولاد وأمهم الى أعلى الجبل ، وكان مستحيلا أن أفعل ذلك ، فمكثت فى السيارة أدعو وأذكر الله جل وعلا حسبما أمر . ليس فرضا قضاء الليل فى عرفات . هو مجرد إقامة حسبما يتيسر الوقت . مكثنا وقتا ثم أفضنا راجعين من عرفات حيث مررنا بالمشعر الحرام منى ومزدلفة فتوقفنا لذكر الله جل وعلا ، ثم عدنا الى الحرم .
12 ـ ظل معى الأمير وأم محمد فى الحرم بينما إنطلق حسام مع صديقه المصرى لشراء الهدى . وأنا فى الحرم لم أستطع الطواف للوداع . كنا عصرا وموعد المغرب يقترب وجموع الناس تتزايد . وصفوف الطواف حول الكعبة تملأ الطابق الأرضى المحيط بالكعبة . أحضروا لى كرسيا من الفندق لأطوف به ، حيث ستكون مسافة الطواف طويلة نظرا للإبتعاد عن الكعبة ، فمنعوا دخول الكرسى وقالوا أن الوقت المتاح هو بعد الحادية عشر ليلا . أعاد الأمير الكرسى . وتركنى أنتظره فى مكان تحوطه الحواجز ، بينما كانت أم محمد فى مكان آخر للسيدات . بسبب الزحام وإستمرار التوافد قاموا بإفساح الطريق ونقل الناس بعيدا عن الحرم فى الجزء المسقوف . إنتقلت أم محمد من مكان لآخر ، وعاد الأمير فتاه عن مكانى . كنت جالسا على هذا الكرسى الذى يمكن إستعماله عصا ، والجلوس عليه غير مريح ، هو للضرورة فقط ، والتليفون المحمول معى قدّم إستقالته ، وبسبب كثرة الجلوس بدأ الكرسى الضعيف يئن ويميل مؤذنا بإسقاطى ، ولو سقطت لن أستطيع القيام بنفسى ، هذا إذا لم يحدث لى كسر . أشغلت نفسى بالقرآن ، وكتابة ملاحظات عن بعض الآيات . بحث الأمير عن أمّه فوجدها ، شكى لها أنه لم يعثر علىّ ، أخذها الفزع ، وإنطلقا فى البحث عنى ، ووجدانى قبيل السقوط من على المقعد الحزين . كنت أحبس الرغبة فى التبول . طلبت الذهاب سريعا الى أقرب دورة مياه فعرفنا أن الأقرب منها هو الذهاب مباشرة الى الفندق . من حّسن الحظ أن الجناح الذى إستأجرناه فيه حمامان الأول منهما بجانب الباب مباشرة . هذه معاناة أنجاكم الله جل وعلا منها .
13 ـ أحضر حسام الهدى وقام بالمطلوب ، وسنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد . لكن بالنسبة لى فقد قررت التحلل من الإحرام فقد أديت المناسك من طواف وسعى ين الصفا والمروة والوقوف بعرف وذكر الله جل وعلا والاعتكاف والصلاة وقراءة القرآن . بعد الإفاضة أو الرجوع من عرفات والمرور بمنى والمزلفة يتبقى فى شرعهم رمى الجمار وهو تشريع شيطانى ( وهناك يقولون على الطريق المؤدى لرمى الجمرات : طريق الشيطان ) . لم يبق إلا طواف الوداع ، ولم أستطع القيام به . وقد قررت الإستفادة بتشريع التخفيف والتيسير وأنه جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها . مكثت الأيام التالية مستريحا فى الفندق الى أن جاء أوان العودة.
14 ـ بينما إكتفيت بالحج معتكفا بالفندق كانت أم محمد مشغولة بالاعتكاف فى الحرم ، وقد أدّت العمرة للمرة الثالثة الى جانب الحج، وهو هنا المرة الثانية لها . وسألتنى هل تؤدى السعى بين الصفا والمروة فى العمرة أيضا وقد سبق أن سعت فى الحج ؟ فقلت : نعم . دخلت مرة منزعجة ، فهناك جراد منتشر فى الساحات المحيطة بالحرم ، وهى تحاذر منها وتخشى أن تسير عليها وتقتلها . وحدث أن تسللت جرادة الى ملابسها وجاءت بها الى الفندق ، فألقت بها فى الحمام . وسألتنى : هل هذا قتل للصيد ؟ قلت لا فليس الجراد صيدا .
15 ـ لقد فرض الله جل وعلا الحج على من إستطاع اليه سبيلا . أى المستطيع بماله وبصحته ، ليس لى مال ولست فى صحة تمكننى من أداء المناسك . ولكن هناك السبيل المُستطاع ، وهم أولادى ، بأموالهم وجهدهم . جزاهم الله جل وعلا خيرا .
يحق لنا أن نكنيك بالحاج أحمد .. كانت فرصة لو تم التنسيق لمن يرغب في الذهاب لأداء هذه الفريضة بمعيتكم الكريمة و يلتقي الاحبة عند ا لكعبة البيت الحرام الذي جعله الله جل و علا قياما للناس و لكن قدر الله جل و علا و ما شاء فعل و الحمد لله أولا و أخيرا على أن مّن عليك بأداء هذا الفرض العظيم بهذه الطريقة التي لا شرك فيها و لا رياء و لا جدال و لا ( سفسطة ) !
ذكر الله جل و علا هو القاسم المشترك في مناسك الحج و هل هناك أعظم من القران الكريم ذكرا له جل و علا تدبرا و عملا ؟ جمعنا الله جل و علا في مقعد صدقا عنده فهو جل و علا المليك المقتدر .
كل عام و حضرتك بخير يا حاج أحمد .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,611 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
يا عدوى : كلمة ( يا عدوى ) تتردد كثيرا ، ولا أفهم معناه ا .....
لكم دينكم ولكم دين: ( لكم دينكم ولى دين ) تعنى مفيش حد الردة . هل...
كلام فارغ ..!!: . ال لام عليكم ورحمة الله عندي سؤال وهو...
مسألة ميراث: انا جزائر ي عندي استفس ار بارك الله فيك يا...
الفلاكة والمفلوكون: قرأت هذا التعب ير فى احد مصادر العصر...
more
أخانا الكبير قدراَ ومقداراَ الأستاذ الدكتور/ أحمد صبحي منصور، لقد استمتعت بسردك القصصي أيما استمتاع، وضحكت بقهقهة عندما وصفت التخيل السريالي وأنت تساعد دافع العربة، زادك الله بسطة في الحكمة والرشد والبيان، وتقبل الله منكم صالح أعمالكم..وحج مبرور وسعي مشكور وتجارة لن تبور.
سلامنا لكم وللأهل جميعاَ الطيبيين المباركين حفظكم الله جل وعلا.
مُعِز الرماح.