آحمد صبحي منصور Ýí 2019-03-29
مذبحة نيوزلنده ومشارف حرب عالمية مختلفة . ندعو الله جل وعلا ألّا تحدث :
( 1 ) الفوارق بين الحرب الارهابية والحروب التقليدية
مقدمة :
1 ـ بدأت أول حرب عالمية بين إبنى آدم فى حياة والديهما. وشهد العالم فى القرن العشرين حربين عالميتين ، وهذا عدا آلاف الحروب العسكرية التقليدية غير العالمية : حروب بين دولتين وحروب بين مجموعات دولية ، وحروب أهلية داخل الدولة الواحدة . وشهد القرن الماضى حربا من نوع جديد ، هى ما عُرف بالارهاب الذى لا يزال مستمرا ، وأحدث وقائعه مذبحة السفاح الاسترالى فى نيوزلنده .
2 ـ نعطى لمحة سريعة عن الفوارق بين الحروب التقليدية والحروب الارهابية.
أولا : فى الحرب العسكرية التقليدية
أول حرب عالمية بين إبنى آدم كان فيها معظم ملامح الحروب التقليدية . كانت مواجهة بين جانبين ، سبقتها مقدمات للصراع . وانتهت بمصرع طرف على يد الطرف الآخر . كان أحد الطرفين مسالما لا يرغب فى الحرب بينما كان الطرف الآخر متعديا ظالما . فى الحروب التالية قد تتأجج الحرب نزاعا حول النفوذ والحدود ، وقد يوجد طرف معتدى متعد وطرف مُعتدى عليه . وحدث هذا فى كل الحروب التى قام بها كبار السفاحين ممّن يتمتعون بلقب ( الفاتحين ) ويحتلون بلاد الآخرين ، ويحتلون أيضا عناوين رئيسة فى كتب التاريخ . منهم من تستر بالدين فإستمرت الحروب بعده ، ومنها من لم يتمسح بالدين فانتهت اسطورته بموته. فى الحرب العسكرية التقليدية سواء كانت محلية أو عالمية نراها :
1 : مواجهة سياسية وكلامية تعقبها المواجهة العسكرية .
2 : يكون لكل طرف جيش جرى تجنيده وتدريبه وتسليحه بسلطة الدولة وسيادتها .
3 : يجرى الحشد العسكرى هنا وهناك إستعداد للحرب التى يتوقعها الجميع .
4 : يتصادم الجيشان أو الجيوش فى مكان محدد ، وزمان محدد ، فمهما طالت حروب الدول فهى لا تستمر ، لأن السياسيين يحددون لها أهدافا سياسية ، وتنتهى بهزيمة وهدنة ومفاوضات .
5 : لا توجد حرب لأجل الحرب وإنما لتحقيق هدف سياسى ومكسب سياسى .
6 : على هامش الحرب التقليدية يكون الضحايا عسكريين اساسا ، ولكن يموت ملايين المدنيين ، ولكن المدنيين ليسوا مقصودين فى الحرب .
7 : الطرف الآخر فى هذه الحرب معلوم ومعروف ومحدد ، وليس الهدف من الحرب القضاء عليه وإبادته ، وبعد الحرب قد تتحول العداوة الى صداقة .
8 ـ هناك اسرى من الطرفين أو من أحدهما ، وهناك الآن قوانين لحمايتهم .
ثانيا : فى الحرب الارهابية
1 ـ القائمون بها ليسوا دولة وإنما تنظيمات سرية أو علنية تتظاهر بأنها غير ارهابية .
2 ـ لها أهداف سياسية تعلنها جماعات دعوية. ولكن الأغلب أن يكون الهدف مجرد الانتقام .
3 ـ الآخر فى الحرب الارهابية هم المدنيون العُزّل أساسا ، وهذا عجزا عن مواجهة الجنود المسلحين . وليس هنا أسرى بل القتل العشوائى للجميع وبلا تمييز.
4 ـ المكان مفتوح . ميادين الارهاب حيث يعيش الناس وحيث يزدحمون ، فى الشوارع والأسواق وبيوت العبادة ووسائل المواصلات .
5 ـ على عكس الحشد فى الحروب العسكرية التقليدية فإن الحروب الارهابية لا حشد فيها ، ولا توقع بنشوبها . ممكن أن تضرب فى أى زمان وفى أى مكان .
ثالثا : التجنيد فى الحروب الارهابية
1 ـ كان باللقاءات الشخصية بين المنظمة الارهابية وأشخاص تجندهم وتدربهم وترسلهم ل ( الجهاد ) . أصبح الانترنت هو الوسيلة الأفضل ، وهو السبيل الذى اتخذه سفاح نيوزلنده . وهو الذى جعل حروب الارهاب عالمية . داعش خبيرة فى استعمال الانترنت . تصل الدعوة التحريضية الى ملايين الأشخاص غير المعرفين عبر مواقع الانترنت. ويجرى فيها تعليم كيفية صناعة المتفجرات ، وربما توجيهات أخرى الى المكان والزمان . يمكن للاجهزة الأمنية إكتشاف الجماعات الارهابية وتحييدها قبل أن تضرب ولكن التجنيد عبر الانترنت يستجلب أفرادا عاديين غير معروفين أجهزة الأمن . مجرد شخص عادى تحول الى قنبلة موقوتة تسير على قدمين جاهزة للإنفجار .
2 ـ قد يكون شخصا :
2 / 1 : مهاجرا محبطا يعانى من مشاكل عدم التأقلم . ييأس ويتحول يأسه الى إنتحار يعتقد أنه به يدخل الجنة ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يفجر نفسه مجاهدا ــ على زعمهم ) .
2 / 2 : ليس مهاجرا ، بل مولودا فى نفس الدولة الغربية من أقلية عربية ولكن يعانى فى دولته من عدم المساواة وقلة الفرص فى التعليم والتوظيف . وهذا يحدث غالبا فى فرنسا ، حيث يعيش العرب الفرنسيون فى حال لا يقارن بغيرهم من الفرنسيين. إذا فقدوا الأمل فى تحسين أوضاعهم فى الدنيا تصبح الجنة هى البديل ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يقتل نفسه والآخرين مجاهدا ــ على زعمهم ) .
2 / 3 : شخصا متدينا بالوهابية ، مؤمنا بتقسيم العالم الى معسكر السلام والايمان ومعسكر الكفر والحرب ، يكتم إيمانه فى قلبه فيأتيه التشجيع من الانترنت أو من إمام مسجد وهابى ، يكون سهلا إقناعه بتفجير نفسه ـ إذ تصبح أمنيته الجنة ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يقتل نفسه والآخرين مجاهدا ــ على زعمهم ) .
2 / 4 : شخصا يعيش الحياة الغربية بإنطلاقها ومتكيفا معها ، ولكن حدثت له أزمة نفسية جعلته يتدين ويذهب الى المسجد ، فيجد هناك إماما وهابيا يستغل حالته فيحول من متدين الى إرهابى ، يقتل نفسه والناس عشوائيا ليدخل الجنة : ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يقتل مجاهدا ــ على زعمهم ) . فى عام 2003 حسبما أتذكر جاء فى الأنباء أن شابا مغربيا مسلما كان يعيش مع صديقه المغربى اليهودى فى لوس إنجليس ، كانا كأى شابين يعيشان كما يحلو لهما . حدثت أزمة نفسيه للشاب المغربى ( المسلم ) ، فذهب الى المسجد. ما لبث أن تغير حاله ، وانتهى به الأمر الى قتل صديقه اليهودى. هذا الشاب القاتل ضحية للإمام الوهابى الذى أضلّه .
3 ـ يساعد على تجنيد الأقليات العربية وجود المراكز والمساجد الوهابية فى الغرب وأمريكا ، ونفوذها الهائل وتمويلها الضخم ، وما تنشئه من مدارس ( إسلامية ) ومراكز فقهية ودعوية وفكرية تروج للجهاد الوهابى ، وتتمتع بحماية القوانين الغربية والأمريكية ، والتى صيغت قبل أن تواجه أمريكا والغرب ( العلمانى ) هذه الثقافة الوهابية .
4 ـ كان مفترضا من هذه الأقليات أن تساهم فى إصلاح أهاليهم فى الشرق الأوسط ، تنشر الوعى بالديموقراطية لتتحول بلادهم الأصلية الى الديمقراطية . وليس هذا صعبا بوسائل الاتصال وثورة المعلومات. ولكن حدث العكس ، أن صار أئمة الأقليات السنيين تابعين لرءوس التطرف والارهاب فى الشرق الأوسط.
5 ـ بهذا إختلفت الأقليات العربية السنية عن غيرها من الأقليات . للهندوس ولليهود وللبوذيين والسيخ والماسونيين بيوت عبادة ومراكز دعوية ومعاهد علمية وتثقيفية . وهذه الأقليات من اليهود والهنود والأفارقة لم يقوموا بأى عمل إرهابى . بل :
5 / 1 : لا تجد الشيعة ولا الصوفية ( المحمديين ) يرتكبون أعمالا أرهابية ـ مع أنهم بالملايين ولهم آلاف المساجد والمراكز الدعوية والفكرية.
5 / 2 : تجد سنيا جاء مهاجرا أو لاجئا هاربا من الإضطهاد فى بلده فيحتضنه الغرب وتنهال عليه المساعدات ، ثم فى أول فرصة تُتاح له يتمرد على الغرب الذى أكرمه ، وفى أول فرصة تأتيه ليقوم بعمل إرهابى لا يتوانى عن إرتكابها . لأن هذه الارهاب مؤسس على دين أرضى ( السنة الوهابية )
رابعا : يساعد على نجاح الحروب الأرهابية التى يقوم بها السنيون فى الغرب
1 ـ إيمان الأقلية العربية السنية بالخلفية التاريخية للصراع بين العرب والغرب ، وإيمانها بنظرية أن الغرب يتآمر على العرب وأن الغرب كافر وعدو للإسلام.
2 ـ هناك من المحمديين المهاجرين من يؤمن بجواز أو وجوب خداع الآخر المخالف فى الدين ، كما كان يفعل عصاة اهل الكتاب فى عهد النبى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٧٥﴾ بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿٧٦﴾ آل عمران 75 ـ ) وهو إستحلال سبق به الخلفاء الفاسقون فى فتوحاتهم ، وأصبح تشريعا. وهناك أيضا الاتجاه الآخر من المتعصبين البيض الذين يظلمون الأقليات ويستغلونهم . طبعا لا يجوز التعميم كما لا يجوز التقليل من هذا الخطر وهذا الظلم.
3 ـ خبرة الوهابيين السنيين فى حروب الارهاب فى صراعهم مع المستبدين فى بلادهم وصراعهم ضد الشيعة .
4 ـ عجزهم عن مواجهة جيوش عدوهم الغربى فى حرب مباشرة ، فليس لديهم سوى العمليات الارهابية.
5 ـ سهولة التجنيد للذئاب المنفردة ، وسهولة القيام بالعملية الارهابية فهى لا تحتاج إلا الى شخص أرهابى مقتنع بالانتحار ليدخل الجنة : ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يقتل مجاهدا ــ على زعمهم ) .
6 ـ يعجز الجيش العسكرى عن التعامل مع الحروب الارهابية . يتركها للأجهزة الأمنية . وهى تتصرف غالبا بعد نجاح التفجير الارهابي ورد فعل لها .
7 ـ ليس للغرب خبرة فى المواجهة الفكرية التى تسبق المواجهة الأمنية ، فى الوقت الذى تشن فيه داعش وأمثالها حربا فكرية تستخدم الاسلام ( ضد الغرب الكافر عدو الاسلام ). بل إن الغرب يساعدهم ، إذ يعتبرهم ( إسلاميين ) ، أى يعتبرهم من البداية إسلاميين ويجعل الغرب نفسه فى وقوفه ضدهم أنه ( عدو الاسلام ).
8 ـ تساعد سياسة الغرب و ( أمريكا ) على نجاح العمليات الإرهابية :
1 ـ يبيع السلاح الى المستبدين ويتغاضى عن مظالمهم ، وبمظالمهم وسياستهم التعليمية تنتشر الوهابية المتمردة . وفى سبيل علاقاته بأولئك المستبدين يترك الغرب المصلحين فريسة .
2 ـ يحتفظ الغرب بالمودة مع كهنوت الوهابية الموالى للمستبدين ، وهم الحراس على الدين الوهابى .
3 ـ السعودية منبع الوهابية لها لوبى قوى فى أمريكا والغرب . تعطى بعض المعلومات عن أعدائها الوهابيين لتحافظ على نفوذها ومراكزها ومساجدها الوهابية فى الغرب وأمريكا .
أخيرا : الارهاب السنى هو الذى سينتصر على الارهاب الأبيض المتعصب
1 ـ الانتحار فى سبيل الجنة ليس ثقافة غربية . فى المواجهة بين الارهاب الوهابى السنى والارهاب الأبيض المتعصب فإن الذى يكسب هو الارهاب السنى الوهابى . غاية ما يفعله المتعصب من نوعية سفاح إستراليا أن يقتل الأبرياء ويستسلم للسلطات دون أن يقتل نفسه وتنهال عليه اللعنات. أما الارهابى الوهابى فإنه يفجّر نفسه ويحظى بالرحمات.!
2 ـ لا يمكن هزيمة ذلك الذى قرر الانتحار ليدخل الجنة : ( بما فيها من حور عين يرفعن سيقانهن إنتظارا لمن يقتل مجاهدا ــ على زعمهم ).
3 ـ يمكن إنقاذه وإنقاذ ضحاياه إذا عرف أنه بما يفعل يكون أعدى أعداء الاسلام ، وليس كما يقول عنه الغرب ( إسلاميا ).
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,686,841 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
المهم الخشوع والتقوى: في صلاتي عند الركو ع أحب بسط يداي و كفاي على...
أصحاب الأيكة: من هم ( أصحاب الايك ة )؟ ...
مصر أم التعذيب: قرأت مقالة مصر ام الدني ا واردت ان اعلق لكن...
حبُّ الله جل وعلا: انا كتبت مرة علي صفحتي الشخص ية ان الله يحب...
إن تبد لكم تسؤكم : كنت أسأل عن معنى الآية التى يقول فيها الله جل...
more
أقتبس من المقال هذه الفقرة : ( ليس للغرب خبرة فى المواجهة الفكرية التى تسبق المواجهة الأمنية ، فى الوقت الذى تشن فيه داعش وأمثالها حربا فكرية تستخدم الاسلام ( ضد الغرب الكافر عدو الاسلام ). بل إن الغرب يساعدهم ، إذ يعتبرهم ( إسلاميين ) ، أى يعتبرهم من البداية إسلاميين ويجعل الغرب نفسه فى وقوفه ضدهم أنه ( عدو الاسلام ).
جاء الإسلام بالقرءان كتابا عقليا الأصل فيه ( البلاغ ) و التبليغ بهذه الآيات العظيمة التي فيه و في القرءان الكريم ( أساليب للحوار و الجدال ) و خلاصة هذا الأسلوب الرباني الراقي هو أن يكون الحوار محترما و يبقى في حدود الإطار الحواري الكلامي و بالحجة و لا يتطور ليصبح دمويا أو استقصائيا بل بالعكس تظل المودة و الاحترام للآخر و يبقى الحوار هو الأسلوب الراقي لحل أي مشكلة .
ما أعظم هذا الدين العظيم النازل من رب غفور كريم حليم رؤوف و تبقى معظلة القبول بفكرة المواجهة الفكرية هي بداية لهدم جبال من الموروث التاريخي المنسوب للإسلام و الإسلام العظيم منه برئ .. هي ثقافة الحوار التي نفتقدها بل نرفضها أحيانا ! إن جبال الفقة و الآراء القديمة و التي تسيطر على مناهج التعليم و يتفوه بها خطباء الجمع و تنشرها فيديوهاتهم و بالوسائل الحديثة أصبحت تصل لكل الناس الباحثين عن الإسلام و لكن من أسف أنه إسلام آخر لا صلة به بإسلام رب السلام .
هو جهاد حقيقي ما تقوم به و الملاحظ أنه أيضا بدأ ينتشر و التيار الفكري القرءاني أو على الأقل يرفض ما لا يوافق القرءان بدء في الإنتشار بأفكار الراسخين في العلم كالدكتور أحمد و هناك الكثير ممن يسيرون في هذا النهج و توفرت لهم وسائل إعلام أكثر إنتشارا كالدكتور محمد شحرور و تبقى الآراء و الاجتهادات وجهات نظر و الباحث الحقيقي الذي يريد تنظيف عقله من ( التراث و ما فيه ) عليه الجد و الاجتهاد و التدبر و هذا في حد ذاته بداية لتلمس طريق النور و البعد عن ظلام الدين الأرضي أو قل الأديان الأرضية . و الله جل و علا هو المستعان .