آحمد صبحي منصور Ýí 2018-11-05
الصلاة الشيطانية فى الدولة المملوكية ( 648:921 )( 1250 : 1517 )
مقدمة :
1 ـ كان مستغربا أن يحكم المماليك ( وهم رقيق سابقا) مصر ويمتد ملكهم الى حدود العراق وجنوب آسيا الصغرى مع الحجاز . المعارضة الكبرى بدأت من مصر ضد عز الدين أيبك أول سلطان مملوكى. لم يرض المصريون أن يحكمهم مماليك الأيوبيين . يقول المؤرخ المملوكى جمال الدين أبو المحاسن ( إبن تغرى بردى ) فى تاريخه ( النجوم الزاهرة ) : ( أن أهل مصر لم يرضوا بسلطان مسه الرق , وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب في الطرقات ) ولذا اشتد هذا السلطان فى فرض هيبته على المصريين . يقول المقريزى في حوادث سنة 648هـ التى شهدت قيام الدولة المملوكية البحرية : ( وفيها كثر ضرر المماليك البحرية بمصر، ومالوا على الناس ، وقتلوا ونهبوا الأموال وسبوا الحريم ، وبالغوا في الفساد حتى لو حكم الفرنج ما فعلوا فعلهم)، أى لو حكم الصليبيون مصر فإنهم- فى رأي المقريزى- لن يظلموا المصريين بالقدر الذى فعله بهم المماليك المسلمون.ويقول المقريزى في ترجمة للسلطان أيبك أول سلطان مملوكى (وكان ملكاً حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء، قتل خلقاً كثيراً، وشنق عالماً من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته، وأحدث مظالم ومصادرات عمل بها من بعده) .أى أن السلطان أيبك استن سنة سيئة عمل بها خلفاؤه المماليك هى القسوة المتناهية فى قهر المصريين حتى لا يثوروا .
2 ـ تصدى المماليك للمغول وهزموهم فى معركة عين جالوت 658 ، وتصدووا للصليبيين حتى إستأصلوا شافتهم باستيلاء الاشرف خليل بن قلاوون على عكا ثم صور وبيروت وانطرطوس وعثيلت وارواد ، وأنهي المماليك بذلك الحروب الصليبية التي بدأت قبلهم بنحو قرن ونصف القرن وخلصت لهم سيطرتهم على الشام .
3 ـ وقع على كاهل السلطان الظاهر بيبرس عبء توطيد الدولة المملوكية ، وهو الذى أرهق الصليبيين بغاراته وارهق أيضا المغول حكام العراق. ولكنه فيما يخص موضوعنا أسّس الشرعية الدينية للدولة المملوكية بنقل الخلافة العباسية الى القاهرة ليكون الخليفة العباسى هو الذى يعقد شرعية السلطان المملوكى حين يتولى السلطة ، وبتأسيس المذاهب الأربعة وقضاتها السنيين ، وبناء المساجد . ونتوقف ببعض التفصيل :
أولا : إقامة الخلافة العباسية فى القاهرة بعد إحتلال المغول بغداد والعراق:
1 ـ لم ينس المماليك أن آخر خليفة عباسى فى بغداد إعترض على تولية شجرة الدر السلطنة بعد موت السلطان الصالح أيوب وهزيمة الحملة الفرنسية التى قادها لويس التاسع. لم يشفع عند الخليفة العباسى أسر لويس التاسع وإبادة جيشه بقيادة شجرة الدر والمماليك الذين إختاروها سلطانة فبعث يتندر إن كانت مصر قد خلت من الرجال. وتحاشيا لإغضابه والرأي العام معه فقد تم حل المشكلة بأن تتزوج من أيبك الداودار ، وتقاسما السلطة وصارت شجرة الدار تحكم ولكن من وراء ستار.
2 ـ دعا الظاهر بيبرس أحد أقارب الخليفة العباسي الذى قتله المغول عام 658 ونصبه خليفة في القاهرة . إلا أن بيبرس تخوف من الخليفة الجديد فحجر عليه ثم قرر أن يتخلص منه فبعثه بجيش صغير ليحارب المغول فهزم وقتل ، وعين آخر محله .
واقتصر دور الخليفة على مبايعة كل سلطان ، أى مجرد ( مأذون شرعى ) يقوم بعقد الشرعية السنية على السلطان المملوكى. بل كان الخليفة العباسى يعطى مشروعية دينية للحكام خارج الدولة المملوكية ، فقد جاء سفير ملك الهند يطلب من الخليفة العباسى بالقاهرة ومن السلطان قايتباى تقليداً له بالحكم ، وفق ما ذكره المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر فى أنباء العصر ).
3 : كان الخليفة العباسى الأول فى الترتيب الرسمى قبل السلطان نفسه، ومع ذلك لم يكن للخلفاء العباسيين فى دولة المماليك نفوذ. والسيوطي عاصر السلطان قايتباى وكان صديقا للخليفة العباسى فى القاهرة، وفى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) أفرد جزءا للتأريخ للخلفاء العباسيين فى القاهرة . وفي حديثه عن علو شأن الخلافة العباسية في بغداد حتى مع ضعف سلطة الخليفة فى العصر العباسى الثانى قال السيوطى يتحسّر عن حال الخلفاء العباسيين في القاهرة:( وقد صار الأمر في زماننا إلى أن الخليفة يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر، فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معاً خارج المرتبة، ثم يقوم الخليفة يذهب كأحد الناس ، ويجلس السلطان في دست مملكته. وقد حُدّثت أن السلطان الأشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكباً أمامه، يحجبه،( أى يعمل حاجباً أمامه)، والهيبة والعظمة للسلطان، والخليفة كأحد الأمراء الذين في خدمة السلطان.).
ويتفق معه المؤرخ ابن الصيرفى الذى يقول عن الخليفة العباسى فى عهده وهو ( المستنجد ) : ( ليس له في الخلافة إلا الإسم.)،.كان مجرد رمز تكتمل به ملامح الدولة الدينية للنظام المملوكي. أما السلطان المملوكى فهو الحاكم الفعلي الذى يقود الجيش ويمثل السلطة الزمنية السياسية ويحيط عنقه بقلادات السلطة الدينية .
4 ـ وبها أصبحت الرموز الدينية للدين الأرضى السائد خدما للسلطان . ونستشهد بالمؤرخ ابن الصيرفى الذى كان معاصرا لما يسجله من أحداث فى تاريخه (إنباء الهصر ) يقول عن أحداث يوم السبت أول ربيع الثاني 877: ( صعد فيه قضاة القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وكان يتقدمهم أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز دام شرفه، فهنأه بالشهر، ثم دخل القضاة بعد أن جلسوا طويلاً بجامع الناصر ابن قلاوون ينتظرون الأذن، فإن السلطان نصره الله كان يلعب بالكرة هو والأمراء المتقدمون ، فلما فرغوا جلس بالحوض السلطانى تحت الدكة ، وكنت معهم ، فهنّوا ودعوا وانصرفوا ، ولم يتكلم أحد منه ببنت شفة". ) . الخليفة العباسى ( يصعد ) الى السلطان ليهنئه بأول الشهر العربى ( كالعادة ). ومعه القُضاة وضمنهم المؤرخ القاضى ابن الصيرفى .
ثانيا : تأسيس النظام القضائى السُنّة بالمذاهب الأربعة
1 ـ يقول المقريزى عن السلطان الظاهر بيبرس : ( .. فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ولي بمصر والقاهرة أربعة قضاة وهم شافعيّ ومالكيّ وحنفيّ وحنبليّ. ) وصار هذه سُنّة متبعة تٌام لها دور العبادة بأنواعها من مساجد ومؤسسات صوفية كالخوانق والزوايا والأربطة ، ومن يخرج عن هذا يتعرض للعداء كخارج عن الدين. يقول المقريزى : ( فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعريّ ، وعُملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام ، وعُودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدًالأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم.) هذا ما قاله المقريزى ، وهو الحال حتى اليوم.
2 ـ كان القضاء في العصر المملوكي نوعين: قضاء شرعى وقضاء سياسي. والقضاء الشرعى يرأسه القاضى الشافعي الذى يعين نوابا عنه في الأقاليم المصرية يقوم كل منهم بوظيفة القاضى في بلد، ويقوم القضاة الأحناف والمالكية والحنابلة بتعيين نواب عنهم أيضاً ولكن يقف القاضى الشافعي في المقدمة على رأس الهيئة القضائية الشرعية، ويختص إلى جانب ذلك بالنظر في أمر الأيتام والأوقاف وبيت المال، ثم هو خطيب الجامع الأعظم بالقلعة.وعدد نواب القضاة في الأقاليم أكثر من مائتى نائب أو قاض للحكم فى منطقته المحلية، وكل قاض منهم لقبه نائب أى ينوب عن قاضى القضاء في المنطقة التى بها المحكمة الشرعية. كان القضاء جزءا من الدولة المملوكية ، وكانوا يصعدون مع الخليفة العباسى الى السلطان يهنئونه بمقدم الشهر العربى. كما سبقت الإشارة اليه. وهم بهذا يمثلون خضوع الدين السنى للسلطان المملوكى.
3 ــ وكان السلطان المملوكى العسكرى مؤلها ، فقد كان من الطقوس الدينية، أو من المراسيم المملوكية وقواعد البروتوكول أن يسجد الناس أمام السلطان المملوكي أو أن يقبلوا الأرض بين يديه. كان الجميع يفعلون ذلك من الخليفة العباسى إلى القضاة الأربعة وسائر الأمراء. وكان التعبير المعتاد أن يقال أن فلاناً "صعد" إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان . وكلمة "صعد" كانت تتكرر في وصف أى زيارة يقوم بها أى شخص للسلطان لتوحي بتقديس السلطان وتأليهه، يقول ابن الصيرفي عن الأتابك أزبك قائد الجيش:( وصعد القلعة بعد عصر يومه المذكور، فقبّل الأرض.)،ويتكرر مع وصف السلطان بعبارات دينية مثل(المواقف الشريفة شرّفها الله وعظّمها ،) ففي وم (الأحد أول رجب 873) ووصل سفير الأمير حسن بك سلطان ديار بكر يقول ابن الصيرفي :( فصعد بين يدى المواقف الشريفة شرّفها الله وعظّمها، وقّبل الأرض.). وقايتباى حين كان أميرا فى سلطنة السلطان المنصور عثمان بن جقمق كان يسجد له أيضا.وحتى في الرسائل الموجهة للسلطان يقال له:( وبعد تقبيل الأرض والدعاء للسلطان. )، وهذا ما كتبه الأتابك أزبك في رسالته. وحين يتعطف السلطان على أحدهم ويرفعه فوق مرتبته يسمح له بأن يقبل يده، وفي أحداث يوم الاثنين 5 جمادى الثانية 876 يقول ابن الصيرفى : ( صعد القاضى عبد البر بن الشحنة إلى السلطان وقبّل يده فأكرمه.).
4 ـ بهذا يمكن القول بأن الدولة المملوكية دولة عسكرية دينية إذا نظرنا الى مؤسساتها الدينية ووجود الخلافة العباسية فى القاهرة بما تمثله هذه الخلافة من كهنوت دينى ، وبما يتمتع السلطان المملوكى من تأليه ، وهو الذى يطبق الشريعة السّنية بأعوانه من العلماء ورجال الدين، ومنشآت العصر كلها مدارس وخوانق ومساجد وجوامع لتدريس العلوم الدينية الشريفة، والخليفة العباسى يسجدون له ومعه قضاة ( الشرع الشريف ). وهم أعوانه فى الظلم حيث إرتبط طقوس العبادة بأشد أنواع الظلم المملوكى،ومعها المساجد الشيطانية المملوكية .
ثالثا : تأسيس وإنتشار المساجد ( الشيطانية )
1 ـ المساجد قبل الظاهر بيبرس كانت معدودة ، اشهرها (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ، فى مدينة الفسطاط التى بناها عمرو . ثم بنى العباسيون مدينة العسكر ، وبنى فيها الوالى العباسى السرى بن الحكم مسجد العسكر . وبنى أحمد بن طولون مدينة القطائع وبنى فيها مسجده ( أحمد بن طولون ) . ثم بنى جوهر الصقلى مدينة القاهرة والجامع الأزهر ، ثم بنى العزيز بالله الفاطمى عام 380 جامعا أتمّه ابنه الحاكم فحمل إسم ( جامع الحاكم ) وبنى الحاكم مسجد راشدة وجامع المقس . ثم بنى صلاح الدين الأيوبى للصوفية خانقاه سعيد السعداء ليحارب بالتصوف السنى الدين الشيعى. واتصلت مبانى الفسطاط بالعسكر بالقطائع بالقاهرة ، واصبح فى العصر المملوكى يطلق عليها ( مصر والقاهرة ) . قال المقريزى فى ( الخطط ) : ( فلما كانت الدولة التركية ( المملوكية ) حدث بالقاهرة والقرافة ومصر وما بين ذلك عدة جوامع أقيمت فيها الجمعة وما برح الأمر يزداد حتى بلغ عدد المواضع التي تقام بها الجمعة فيما بين مسجد تبر خارج القاهرة من بحريها إلى دير الطين قبلي مدينة مصر زيادة على مائة موضع...) ( .. وقد بلغت عدة المساجد التي تقام بها الجمعة مائة وثلاثين مسجدًا. )، أى إمتلأت القاهرة بحوالى مائة مسجد أو جامع كبير تُقام فيه صلاة الجمعة ، هذا عدا المؤسسات الصوفية من زوايا وأضرحة وخوانق ورُبط ( جمع رباط ) .
2 ـ كانت البداية فى سلطنة الظاهر بيبرس . كان صلاح الدين الأيوبى قد أغلق الجامع الأزهر الذى كان مركز الدين الشيعى . وظل معطلا مائة عام حتى جاء الظاهر بيبرس فقام بترميم الجامع الأزهر ، واوقف عليه الأوقاف ، وأعاد فيه صلاة الجمعة ليكون معبرا عن دين التصوف السنى السائد فى الدولة المملوكية ، قال المقريزى فى (الخطط ) عن الجامع الأزهر : ( ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس .. لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة ). وقام الظاهر بيبرس بتجديد جامع عمرو بن العاص ، كما إنه هو أول من أنشأ خانقاة فى العصر المملوكى. وقد أنشأها وهو أمير لم يكن قد تولى السلطنة. وقد وصفها المقريزى فقال : ( هذه الخانقاه من جملة دار الوزارة الكبرى التي تقدّم ذكرها عند ذكر القصر من هذا الكتاب وهي أجلّ خانقاه بالقاهرة بنيانًا وأوسعها مقدارًا وأتقنها صنعة بناها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوريّ قبل أن يلي السلطنة وهو أمير. فبدأ في بنائها في سنة ست وسبعمائة وبنى بجانبها رباطًا كبيرًا يتوصل إليه من داخلها .) . ثم إنتشرت المؤسسات الصوفية بمساجدها وخوانقها وزواياها وأربطتها ، يقيم فيها صوفية يتخصصون فى الدعاء للسلطان والذى بنى هذه المؤسسة وجعل لها الأوقاف . وقد حرص المماليك في وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية على إلزام الصوفية المعينين فيها بالدعاء لهم والاستغفار من أجلهم ليمارسوا الظلم وهم آمنون من غضب الله حسبما يعتقدون . وتمتعوا مع ذلك برضا أعوانهم من أولياء التصوف وحمايتهم في الدنيا والآخرة بزعمهم. ومن الطبيعي أن يهتم الواقف على المؤسسة الصوفية بإلزام الصوفية فيها بالدعاء له للتكفير عن ظلمه وفي اعتقاده أن ذلك كفيل بالغفران له مهما ظلم . وقد ورد في وثيقة وقف الغوري (ويتولى شيخهم الدعاء فيحمد الله سبحانه وتعالى ثم يصلي كثيراً على نبيه ويهدي ثواب القراءة إلى حضرته الشريفة ثم في صحيفة مولانا السلطان .. ثم في صحيفة نجله وصحيفة كريمته المرحومة خوند الصغرى).
رابعا : إقتران الظلم بالصلاة الشيطانية
1 ـ المماليك جىء بهم الى مصر من آسيا وأوربا ، وتعلموا فى هذا المناخ إرتباط الدين بالظلم دون تعارض بينهما. فكان أكثرهم تدينا هو الأكثر ظلما ، فلم يعد غريباً أن نقرأ في ترجمة الأمير تمراز أنه كان (يظهر التدين ويقرأ القرآن وبه بطش وظلم وجبروت وكان يعاقب العقوبة الشديدة المؤلمة على الذنب الصغير). أما يلبغا السالمي فكان يضرب المظلوم (..ثم يصلي ثمان ركعات مع إطالة ركوعها وسجودها ، ولا يجسر أحد أن يترك الضرب دون فراغه) .
ويصور الشاعر الحراتي هذه الحالة الفريدة في أبياته فيقول :
قد بلينا بأمير ظلم الناس وسبح
فهو كالجزار فينا يذكر الله ويذبح
وتقول الأمثال الشعبية في العصر المملوكي (فم يسبح وقلب يدبح) .
2 ـ ولا يزال الارتباط بين الظلم والصلاة الشيطانية قائما حتى اليوم. أتذكر وأنا فى مصر فى عصر مبارك ، حين كانوا يستدعوننى الى مقر مباحث أمن الدولة فأجد صفوفهم تكتمل وقت الصلاة بعد الجهر بالأذان ، ثم أرى سجّادة الصلاة على مكتب الضابط الذى يحقّق معى . هو لا يجد تعارضا بين وظيفته الحقيرة الظالمة ودوره فى تعذيب الأبرياء وكونه كلب حراسة لمستبد حقير ( واطى ) يسلب وينهب ويقتل . فيكفيه ان يؤدى الصلاة ليضمن الجنّة ، أى تكون تأديته المظهرية للصلاة الشيطانية مشجعا له على إستمراره فى التعذيب والظلم. !.
خامسا : إقتران بناء المساجد الشيطانية بالظلم
1 ـ ومعظم آثار القاهرة الآن تنتمى الى العصر المملوكى .وهناك ارتباط بين شدة الظلم المملوكي وكثرة إنشاء المعابد ، يقال عن السلطان فرج حين بنى مؤسسته الدينية : ( نودي في القاهرة ألا يعمر أحد من خلق الله إلى أن تتم عمائر السلطان فرج) ومنع بيع المؤونة (فحصل بذلك ضرر كثير للناس) .
2 ـ وأصبحت عادة مملوكية أن يقترن إنشاء المؤسسة الصوفية بسرقة ما أقامه السابقون وغصب الرخام من البيوت ..فلما بنى المؤيد شيخ جامعه ( حصل للناس بسببه غاية الضرر لأجل الرخام ، وصار المؤيد يكبس الحارات التي بها بيوت المباشرين وأعيان الناس بسبب الرخام ، وكان والي القاهرة يهجم على الناس في بيوتها ومعه المرخمون (صناع الرخام) فيقلع رخام الناس طوعاً أو كرهاً . وأخرب دوراً كثيرة ثم قلع باب مدرسة السلطان حسن التي في القبو وجعله على جامعه وأخذ التنور الكبير النحاس منها أيضا ... وأخذ العمود السماقي من جامع قوصون... ونقلت أشياء كثيرة من أعتاب ورخام من مساجد بمصر العتيقة). وعلق ابن إياس على ذلك بقوله "فكان كما قيل في المعنى : ـ
بنى جامعاً لله من غير حله فجاء بحمد الله غير موفق
كمطعمة الأيتام من كد فرجها فليتلكِ لا تزني ولا تتصدقي
وهو نفس التعليق الذي أورده أبو المحاسن على زين الدين الاستادار الذي (استولى على معاش الفقراء وأرباب التكسب وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف أضعافها، حتى جمع من هذا المبلغ الخبيث أموالا كثيرة وعمر منها الجوامع والمساجد والسبل) ويقول فيه أبو المحاسن : فهو كما قال الشاعر :
بنى جامعا لله من غير ماله
فكان بحمد الله غير موفق
كمطعمة الأيتام من كد فرجها
لكِ الويل لا تزني ولا تتصدق
3 ـ ويذكر أن زين الدين الاستادار هذا اشتهر بالاثنين معاً : الظلم وكثرة العمائر الدينية ، يقول فيه أبو المحاسن أنه (حسَن للسلطان أخذ جميع الرزق ( أى الأوقاف الخيرية ) التي على وجوه البر والصدقة . وبضواحي القاهرة ، وبتأثيره على السلطان عم البلاء غالب المسلمين حتى الجوامع والمساجد والفقهاء والفقراء وغير ذلك . ولما أثرى وكثر ماله من هذه الأنواع أخذ في عمارة الأربطة والجوامع والمساجد ، فعمّر جامعه بالقرب من داره بين الصورين عند باب سعادة ، ثم جامعه الذي بخط بولاق على النيل ، ثم جامعه الذي يخط الحبانية على بركة الفيل ، وفي غير القاهرة عدة أملاك وسبل ومساجد تفوت على الحصر , كل ذلك وهو مستمر على ما هو عليه وزيادة إلى أن كانت نكبته ) .
4 ـ وقد بنى الأمير أقبغا المدرسة الأقبغاوية وجعل فيها صوفية . يقول فيها المقريزي ( وهى مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس بيوت العبادة شيء البتة) وذلك لأن أقبغا ـ حسبما يصفه المقريزي ـ ( كان من الظلم والطمع والتعاظم على جانب كبير) . وقد سخر في عمارة مدرسته كل صانع بالقاهرة ومصر : (وأقام بها أعواناً لم يُر أظلم منهم ، كانوا يضربون العمال ، وحمل لها الأصناف من الناس، فكانت بين غصب وسرقة . ومع ذلك فإنه ما نزلها قط إلا وضرب فيها من الصناع عدة ضرباً مؤلماً , ويعبر ذلك الضرب زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شاهداً بها ... فلما تمت جمع بها القضاة والفقراء ـ يعني الصوفية)
وقاسى العمال الفقراء من السخرة والضرب في بناء تلك المنشئات الدينية كما نلمح من النص السابق، حتى أن شدة الأمير قان بردى الأشرف في تسخيرهم دفعت المؤرخ المملوكي الارستقراطى أبا المحاسن إلى الاحتجاج الذي نحسه من النص التالي : ( ابتدأ الأمير سيف الدين قان بردى الأشرف في عمارة تربة عظيمة عند الريدانية (العباسية ) وشرع في ذلك أيام يسيرة ، ومع هذا ظلم في تلك الأيام الظلم الزائد وعسف الصناع وأبادهم بالضرب وباستعمالهم بغير أجرة ، فما عفّ ولا كفّ ، إلى أن أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ).
5- واقترنت سيئات أخرى بالظلم ، مثل الرشوى فوصف يونس الداودارى بأنه ( كان يحب المال، ويأخذ الرشوة ، وعمّر مدرسة وخانقاه ورباطاً وزاوية وتربة وأحواض سبيل بالديار المصرية والشامية ).
6 ـ وبعضها إقترن بالشذوذ الجنسى الذى كان منتشراً بفعل الصوفية، وأدمنه بعض أرباب الدولة ، ومنهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، حتى يقال في حوادث سنة 735 ( وفيها كثر شغف السلطان (الناصر محمد) بمملوكه الطنبغا الماردينى شغفاً زائداً فأحب أن ينشئ له جامعاً) .. وهكذا ارتبط الشذوذ الجنسى بإنشاء جامع الماردينى المشهور، وارتبط بالطبع بالظلم فقد وصف المقريزي أصناف الظلم التي واكبت إنشاء ذلك الجامع .
7 ـ وأسهم الظلم بطريق غير مباشر في ازدهار العمائر الدينية والوقف عليها .. ذلك أن المصادرات كانت أبرز سمات الانتقام من المهزوم أو الحصول على الأموال من الأغنياء والمباشرين فتحايل المماليك ـ سلاطين وأمراء ـ على تحصين أموالهم من المصادرة بعد وفاتهم بالبناء والوقف عليها وجعل ورثتهم متمتعين بعائد الوقف مشاركين فيه ، فكان أن استشرى الوقف على الأراضي الزراعية المصرية وأقيمت مؤسسات دينية تتعيش من ذلك الوقف . ومع ذلك فقد احتال الغالب على سلب أوقاف عدوه المغلوب بتشجيع القضاة المتصوفة، إذ كان يتم استبدال الوقف ـ على الورق ، أو يغّير كتاب الوقف على المؤسسة الدينية .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,687,776 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
رسالتان : رسالت ان ( 1 ) حضرة الأخ الدكت ور أحمد صبحي...
اللوامة و الأمّارة .: يقسم الله تعالى في القرا ن الكري م بالنف س ...
صوت المرأة : صوت المرأ ة هل هو عورة ؟؟...
أردوغان: ارغب بسؤال ك عن رأيك بأردو غان . أعلم انه...
شذوذ جنسى مبكر: انا عندي 14 سنه وبعان ي من مرض الشذو ذ الجنس ي ...
more
كيف أصبحت هذه الشعيرة الراقية أداه لتسويغ الظلم ! هذه الشعيرة التي تأخذك بعيدا عن الدنيا تناجيا فيها خالق السموات و الأرض .. تقرأ فيها آياته عز و جل تسبحه و تدعوه و تخر له ساجدا ذليلا .. تضع جبهتك على الأرض و تقوس ظهرك و تحنيه .. تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم .. الرحيم .. الرحيم .. تبدأ بسمه جل و علا و تنهيها بالسلام و رحمة الله جل و علا هذه الصلاة تقف منتصبا و كلك خوف و وجل و ذلة هذا في موقف يحاكي السؤال يوم السؤال حيث تقف وحيا مكبلا بملكين سائق و شهيد و معك كتاب أعمالك تقرأه .. هذه الصلاة هي صلة بينك و بين خالقك جل و علا .. إنها تذكرة لمن يخشى .. هذه الصلاة لا بد أن تغير شخصية المصلي لا بد . لكن أي صلاة هذه تستغلّ لتصبح أداه للظلم و ثوبا للنفاق !!
هناك فرق شاسع و بون كبير بين صلاة لله عز و جل و بين صلاة – شيطانية – في مساجد لا يذكر فيها اسم الله عز و جل وحده لا شريك له .. معضلة حقيقية و نجاح باهر منقطع النظير للشيطان ..
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .. جعلنا الله و إياكم من المصلين و من المقيمين للصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله جل و علا أكبر .