( فيليب جلاب ) وجريدة الأهالى

آحمد صبحي منصور Ýí 2017-07-28


( فيليب جلاب ) وجريدة الأهالى

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية  

الفصل التمهيدى : ( فيليب جلاب وجريدة الأهالى )

أولا :

1 ـ قليلون يعجبنى أسلوبهم فى الكتابة ، منهم فرج فودة وصلاح حافظ وأنيس منصور وصلاح عيسى وفيليب جلاب ، ومن الجيل التالى عادل حمودة وابراهيم عيسى وبلال فضل وخالد منتصر . يعجبنى فى كتاباتهم خفة الظل ورشاقة العبارة وسهولة التعبير بما يسمى ( السهل الممتنع ) . ونظرا لتخصصى فى الأصوليات ( تاريخ المسلمين وتراثهم الصوفى والسنى والتشريعى ) فقد واجهت التحدى بأن أكتب فى هذا التخصص بأسلوب صحفى مقروء يستلزم نوعا من ترجمته من اللغة الأصولية العتيقة الى لغة عصرية مفهومة. لم ألق صلاح حافظ  وأنيس منصور، ولكن تعرفت بالأساتذة صلاح عيسى وصرت صديقا للراحل فرج فودة والراحل فيليب جلاب .

2 ـ فيليب جلاب ، رأس تحرير جريدة "الأهالي " أواخر سنة 1989، وظل رئيس التحرير حتى وفاته فى عام 1990 على ما أتذكر ،وكان يكتب في جريدة الأهالى عمودا بعنوان ( دبوس) . كتاباته كانت نقدية جريئة ، ولكن كالدبوس ، تنبّه ولا تؤلم . فى ليلة رأيت فى المنام أننى قابلته ، فى صباح اليوم التالى ذهبت الى مكتب صديقى فرج فودة ، ففوجئت به هناك . قصصت الرؤيا ، وكان وقتا ممتعا . بعدها إتصل بى وقال إنه اصبح رئيس تحرير جريدة الأهالى وعرض أن أكتب فيها ، فحقق لى حُلما طالما سعيت اليه . وبدأت الأهالى من وقتها تنشر لى ، ونشرت لى الكثير حتى بعد وفاته . ومعظم ما نشرته لى الأهالى أعدت نشره هنا .

3 ـ أذكر أن صديقى الاستاذ الجامعى اليسارى الراحل محمد أبو الاسعاد عرض على رئيس تحرير سابق للأهالى أن ينشر لى مقالا بعنوان ( أهمية أن تكون طبالا ) . كان مقالا ساخرا عن أحد زعماء الارهابيين الوهابيين وقتها كان حديث الاعلام ، كان ( إسمه جابر ) على ما أتذكر . بدأ حياته طبّالا ، ثم فى عدة أيام أطلق لحيته وتديّن بالوهابية فاصبح زعيما فى منطقة إمبابة الشعبية فى القاهرة ، وسيطر عليها ، وتحدى السُّلطة وتصارع معها حتى تخلصت منه . فحوى المقال أن الشيخ جابر ليس الطبّال الوحيد، خطيئته أنه طبّال ( يطبّل ) خارج السّرب ، ولكن هناك ( طبالون ) آخرون يطبّلون للنظام من قادة الشيوخ وقادة الإعلاميين ، وهؤلاء الطبالون هم الذين صنعوا شهرة جابر الطبّال حاكم إمبابة . رفض رئيس تحرير الأهالى وقتها نشره . من أسف أننى لم أكن أحتفظ بصورة من مقالاتى . لذا ضاع الأصل الذى أوصله صديقى الراحل الى رئيس تحرير الأهالى وقتها ـ والذى نسيت إسمه .

4 ـ لم تنقطع محاولاتى فى الكتابة فى الأهالى . الاستاذ لطفى واكد هو احد الضباط الأحرار،  وثانى إثنين من مؤسسى الأهالى ( مع الاستاذ خالد محيى الدين الذى شرفت بلقائه كثيرا )، ومن مؤسسى حزب التجمع . الاستاذ لطفى واكد من نفس دائرة كفرصقر التى أنتمى اليها . وكنت أؤيده فى إنتخابات مجلس الشعب ضد مرشح من قريتنا صاحب نفوذ هائل فى محافظة الشرقية وفى الحزب الوطنى الحاكم لأنه كان شيخا صوفيا مشهورا . كان لطفى واكد صديقا عزيزا برغم فارق السّن بيننا . وقد طلبت منه أن يمنحنى فرصة الكتابة فى الأهالى فإعتذر ، لأنه كان فى حزب التجمع إثنان صاحبا نفوذ ، أحدهما شيخ معمم ، والآخر شيخ صوفى إسكندرانى أظن أن إسمه السماك . وهما يكتبان فى الأهالى ، وتحرص الأهالى على التنويه بهما لإستقطاب الشارع . وواضح أن كتابتى فى الأهالى لن تعجبهما ، ثم هناك أيضا خليل عبد الكريم الكاتب اليسارى ، وكانت لى خصومة معه هو الذى بدأها فى الأهالى وفى مجلة القاهرة ، وقد رددت عليه ردا موجعا جعله يصدر كتابا يهجونى . إعتذر الاستاذ لطفى واكد حتى لا تسبب كتاباتى إحراجا له،على أساس أننى بلدياته وسيكون مسئولا عن ( تجاوزاتى ) أمام الحزب ، وسأحمل الى الحزب أوزارا من خصوماتى مع الوهابيين ، وهم فى غنى عنها ، وأنا فى كتاباتى لا أضع حدودا ولا قيودا .  

5 ـ حين تولى رئاسة تحرير ( الأهالى ) ( جلبنى ) (فيليب جلاب ) الى الكتابة فى الأهالى . أذكر أن الاستاذ لطفى واكد زار قريتنا ( ابو حريز ) وحرصت على أن أكون هناك لاستقباله . وفيما يشبه المؤتمر الصحفى تكلم الاستاذ لطفى واكد يجيب على أسئلة الحاضرين . وسأله ابن عم للشيخ الصوفى ـ وبينى وبينهم عداء ـ لماذا تسمح جريدة الأهالى بأن تنشر لى ؟ وقال الاستاذ لطفى واكد إن الأهالى تتشرف بأن تنشر لى . وبهذا ألقم ذلك السائل حجرا .!

أخيرا :

1 ـ نشرت الأهالى رسالة لعبود الزُّمُر يؤكد فيها أن المسلم لا يُقتل قصاصا إذا قتل ذميا ـ اى من النصارى . طلب منى فيليب جلاب أن أرد عليه . رددت عليه وجاء الرد فى باب ( بريدكو ) بعنوان : (  افتـــــــراء على الإسلام ) ، وهو :

(  نشرت جريدة " الأهالي" رسالة من أحد رموز تنظيم  "الجهاد "  جاء فيها " أن المسلم لا يقتل بالذمي " وذلك افتراءاً يخالف القرآن الكريم  الذي ينص على أن " النفس بالنفس"  بغض النظر عن دينها ومعتقدها . إن القرآن ينهانا عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ويجعل لولي القتيل سلطانا في القصاص . يقول تعالى : " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا" (الإسراء 33). والخطورة في ذلك الادعاء أو الافتراء ــ الذي ينافي القرآن الكريم  ــ هو اعتبار  نفس "الذمي" أقل قيمة من نفس المسلم . وذلك تعصب مقيت وعنصرية تشوه صورة الإسلام  السمحة التي تحرص على حرمة النفس البشرية وتقدر حقها . ويكفي أن المسلم مأمور بأن يذكر اسم الله على الدجاجة حين ذبحها ، أي يستأذن رب العزة  قبل أن يذبحها . فكيف يتجرأ أحد على أن يستبيح لنفسه باسم الإسلام قتل نفس بشرية لمجرد الاختلاف في العقيدة  أو الدين دون أن تكون عقوبته هي نفس عقوبة من يقتل مسلماً؟! . إن المسلم مطالب بالوفاء بالعهد والعقد حتى لو كان في وقت الحرب يقول تعالى :" وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " (التوبة 6) . وإذا كان هذا هو موقف الإسلام حتى من المشركين المحاربين المعتدين فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بأهل الكتاب المسالمين ؟. نرجو أن  يظل الإسلام  بعيدا عن أهوائنا السياسية فليس مثل الإسلام  دين ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه.

دكتور / أحمد صبحي منصور  ــ أستاذ سابق بجامعة الأزهر. )

2 ـ كافأنى فيليب جلاب بنشر هذا الحوار معى فى جريدة الأهالى تحت عنوان ( حوار مع عالم اسلامى صادره الازهر) . جاء فيه :

 ( يصف نفسه بأنه أزهرى حتى قبل مولده. فقد ارتبطت أسرته فى محافظة الشرقية بالتفوق فى مراحل التعليم الازهرى منذ الاربعينيات وحتى الثمانينات.وخلال مراحل تعليمه الازهرى حافظ على ذلك التراث العائلى فى التفوق الازهرى حتى تخرج بمرتبة الشرف فى قسم التاريخ والحضارة سنة1973 وعمل معيدا بالقسم إلى أن تم فصله من الجامعة بسبب أنه اجتهد فى عمله وأصدر الكثير من المؤلفات . وبسبب دأبه فى البحث العلمى عرف الاضطهاد من كل الاشكال ، ومن بينها مصادرة كتبه ومؤلفاته ودخوله السجن بتهمة فكرية ملفقة . انه الدكتور احمد صبحى منصور الذى يصفه بعض المثقفين والكتاب بانه جوهرة الازهر..

سألته : ماهى الكتب التى صودرت لك بمعرفة المسئولين فى الأزهر:

قال :هناك نوعان من المصادرة مصادرة الفكر وهى الأخطر والأشد قسوة ، ثم مصادرة الكتب وهى التى تحظى بالاهتمام اليوم ، وربما أكون المفكر الوحيد الذى تعرض لمصادرة فكره ومصادرة مؤلفاته معا .

سألته : كيف صودر فكرك ؟

 قال :هنا لابد من توضيح أن الفكر الذى أعتنقه والذى يصادره خصوم من المشايخ يعبر فى الحقيقة عن الروح الحقيقية للأزهر وعن دور الازهر الذى ينبغى القيام به طبقا لقانون الازهر نفسه وهو " تجلية حقائق الاسلام " وهذا هو نص القانون نفسه، اذن فهناك حقائق اسلاميةغائبة يتعين على الأزهر تجليتها وتوضيحها، وربما كان ذلك فى الماضى ضرورة ثقافية دينية، ولكنه أصبح اليوم ضرورة سياسية أيضا بعد انتشارالتطرف  الدينى وجماعاته.  ولوقام المسئولون فى الأزهر بدورهم الذى يمليه عليهم القانون والذى يفرضه عليهم الوطن والاسلام لما ظهرت تلك الجماعات . فهذه الجماعات تعتمد على تراث كان ينبغى للمسئولين فى الأزهر تنقيته وتبرئة الرسول عليه السلام مما  يخالف القرآن الكريم منه، ولكنهم بدلا من ذلك اضطهدونى حين تصديت لهذا الدور وأديت واجبى القانونى والوظيفى داخل الجامعة وقمت بتوضيح حقائق الاسلام،ولم يكتفوا بفصلى من الجامعة بل أدخلونى السجن بتهمة ملفقة وهى انكار السنة، مع أن ماأقوم به هو الدفاع عن السنة الحقيقية للرسول عليه السلام وتبرئته من الأقاويل التى تخالف القرآن. واضطهادهم هذا هو اضطهاد لفكر يعتمد على أدلة قرآنية وتراثية وتاريخية ويهدف لقول الحق بالحكمة والموعظة الحسنة . وباختصار هو اضطهاد للفكر الأصيل الذى يعبر عن روح الأزهر الحقيقية التى أشعلها الامام محمد عبده ، ثم أطفأها الجمود العقلى الذى تعززه الآن جماعات التطرف الدينى.

سألته: هل يعنى ذلك أن خصومك يغازلون التيار الدينى على أساس أنه السلطة القادمة فى الحكم ؟

قال : ربما يكون بعضهم كذلك ، ولكنى أقول بوجه عام أنهم أصحاب مناصب وسلطات ، وليسوا أصحاب كفاءات علمية أواجتهاد ، وليس لديهم وقت   للقراءة أو البحث ، ولذلك يعتبرون المجتهد صاحب الرأى الجديد خطرا على مناصبهم ومكانتهم، وليس مُهمّا ان كان ذلك فى صالح الاسلام أو الازهر نفسه أو الوطن، انما المهم انه خطر عليهم يفضح تقاعسهم العلمى وكسلهم الفكرى ، ومن هنا يدافعون عن أنفسهم بمصادرة فكره ومؤلفاته . وهذا ماحدث بالضبط معى .

سألته: نريد أمثلة لمصادرة فكرك وأمثلة أخرى للكتب التى صودرت لك .

 قال : حين تقدمت برسالتى للدكتوراه للمناقشة سنة 1977 وكانت عن أثر التصوف فى مصر المملوكية ظلوا يضغطون على طيلة ثلاث سنوات حتى اختصرتها إلى الثلث فقط ، وبعدها أعطونى الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى. والمهم أنهم صادروا ثلثى الرسالة . وبدأت بذلك معى أولى حلقات مصادرة الفكر ؛ فالمحذوف من هذه الرسالة أعدت كتابته فى عشرة مؤلفات، ولكنها لاتزال مخطوطة عندى يتهددها سلاح المصادرة اذا رأت النور . وهذا ماأقصده بمصادرة الفكر . وفى أخر عام لى فى الجامعة أقوم فيه بالتدريس وهو سنة 1985أصدرت خمسة كتب أولها ( الأنبياء فى القرآن الكريم) وقد صودرت تلك الكتب وتمت احالتى للتحقيق الذى استمر سنتين إلى أن تم فصلى من الجامعة، وكنت قد أعددت تلك الكتب للنشر على الجمهور ، ولكن اضطررت لاحالتها للتقاعد، فهذه هى المرحلة الثانية من اضطهادهم ومصادرة الفكر قبل النشر. ثم أعددت سلسلة الدراسات القرآنية وبدأتها بنشر أول كتاب منها وهو( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وقد طبعته الاهرام ووزعته الاخبار ، ولكنهم أدخلونى السجن بسببه وصودر، وبالطبع فان باقى السلسلة لاتزال مخطوطة محكوم عليها بأن تظل جثثا فكرية لاترى النور لأن فكرها محكوم عليه بالمصادرة. وحتى حين أصدرت الأخبار لى كتاب" مصر فى القرآن الكريم" فى رمضان قبل الماضى تدخل بعض المشايخ لجمعه من السوق وأشارت إلى ذلك " الاهالى" فى باب " أسرار الاسبوع " وتحدثت أيضا جريدة الهلال تحتج على ماحدث . وهذا يعنى أن فكرى محكوم عليه بالمصادرة إذا رأى النور. بل ان خصومى فى الأزهر قدموا ضدى شكوى إلى نيابة أمن الدولة العليا لأن الأخبار نشرت لى مقالين أحذر فيهما من شركات توظيف الأموال وأفتى فيهما بأن فوائد البنوك حلال . والمقصود ارهابى بالطبع حتى لا أنشر فكرى بأى طريق. وليس مهما ان كان ذلك فى المصلحة أم لا .. المهم مصالحهم هم ووظائفهم هم .. والنتيجة أن لدى عشرات الكتب لن ترى النور مع أهميتها فى مواجهة التطرف الدينى ..

سألته : وكيف ترى الحل؟

قال : بأن يقتصر دور الأزهر على توضيح حقائق الاسلام والرد علي الخصوم فى الفكر بالفكر ، وأن تكُفّ الدولة يد مجمع البحوث وأى سلطة أخرى عن التدخل فى الفكر بالمنع والمصادرة والارهاب . وهذه هى الروح الحقيقية للاسلام وللأزهر . وبالطبع يستلزم ذلك اعادة النظر فى كثير من القوانين التى تكبّل حرية الفكر . وعندى أننا سنظل متخلفين طالما يوجد هناك تجريم للرأى. بحرية الرأى نستطيع حل مشكلة التطرف الدينى وغيرها. وأعتقد أن تغيير بعض القوانين سيئة السمعة يعتبر تضحية بسيطة فى سبيل حماية الحاضر والمستقبل .. وإلا فان التتار قادمون .. !! لقد تأثرت كثيرا بكلمة الفنان عادل امام التى نشرتها " الاهالى " ضد المصادرة ، وأرى أنه يفهم الاسلام أكثر من أعضاء محاكم التفتيش .. ! ) إنتهى الحوار ..

أخيرا :

مضى علي هذا الحوار أكثر من رُبع قرن، هبطت فيه مصر من الحضيض الى أسفل سافلين ... أليس كذلك ؟

بل هو كذلك .!!

اجمالي القراءات 6376

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   هشام سعيدي     في   الجمعة ٢٨ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86720]

أليس كذلك؟


لذلك فان الصورة المُصدَّرة للعالم اليوم أن المصريين أصبحوا يتمتّعون بقدْر وافر من الخِسّة والدناءة. 



بل هو كذلك.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,687,680
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي